توضيح لجريمة السرقة بالإكراه في القانون المقارن.
تختص زمره من العصابات بارتكاب جرائم السرقات بالاكراه ضد اشخاص في عيادات الاطباء او الصيدليات، او في الدور والمخازن التجارية، او في محلات بيع الجواهر و المطاعم و النوادي و محطات بيع البانزين. وكذلك يرتكب هذا النوع من السرقات ضد الاشخاص الذين ينقلون مبالغ كبيرة من المصارف او يحملون معهم مبالغ عند وجودهم في المحلات العامة والشوارع في المدن.
وعادة يقوم السارق بجمع المعلومات اللازمة قبل اقدامه على ارتكاب الجريمة وهي ظروف وطبيعة المكان والاشخاص الموجودين فيه وزمان وجودهم، ومدى الحماية المتوافرة لديهم، والمبالغ المحتمل وجودها بحوزتهم، كالحراس واصحاب المحلات ومستخدميها، ودراسة الابنية المحيطة بها والطرق المؤدية اليها ويختار الوقت المناسب لارتكاب جريمة السرقة بصورة مباشرة بدخولهم للمحل شاهرين اسلحتهم النارية او غير النارية في وجوه الاشخاص الموجودين هناك،
او يدخلونها بحجج واعذار لتبرير الدخول كمشاغلة صاحب المخزن او طلب مواجهة الطبيب لا جراء الفحوصات الطبية، او انتحال صفة رسمية او صاحب مهنة. وبعد الدخول والسيطرة على الموجودين يطلبون منهم تسلم ما بحوزتهم من النقود الموجودة في خزانتهم او في محلاتهم وبعد الاستيلاء على هذه المبالغ ينسحبون بسرعة الى سيارة تنتظرهم ويهددون صاحب المحل والاشخاص الموجودين باسلحتهم بعدم اخبار السلطات المختصة بالحادث.
ويحدث احياناً ان تقوم العصابات بسرقة اشخاص يصادفونهم بصورة عرضية في المحلات العامة والشوارع عند خلوها من المارة او في اوقات متأخرة من الليل وذلك بتهديدهم او جرحهم بآلة راضة او قاطعة او بقبضة مسدس واختلاس ما بحوزتهم من الاموال والنقود. وجرائم السرقة التي ترتكب بهذه الافعال المسبوقة بالتهيئة والتخطيط ولا سيما في ميدان تعاون وتوافق الارادات بين الجناة لتنفيذ جريمتهم يقع تحت وصف الاتفاق الجنائي المعاقب عليه بالظرف المشدد لعقوبة الجريمة.
ولقد تناول قانون العقوبات البغدادي (الملغي) موضوع الاتفاق الجنائي في المادة (61) منه فقد اعتبر الاتفاق الجنائي (كل اتفاق بين شخصين فأكثر على ارتكاب جريمة ما او على الاعمال المجهزه او المسهلة لارتكابها ولو كان معلقاً على شرط اذا اتخذت اجراءات يراد بها تنفيذ الجريمة بناء على ذلك الاتفاق). ولكن قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 قد ضيق من اطلاق ذلك النص فقد جاءت المادة (55) منه مقيدة وجود الاتفاق في الجنايات عامة، وما يتعلق بجنح السرقة، والاحتيال، والتزوير. سواء أكانت معينة او غير معينة، او الافعال المجهزة او المسهلة لارتكابها متى كان الاتفاق منظما ولو في مبدأ تكوينه ، مستمرأ ولو مدة قصيرة .
ان الاتفاق الجنائي يخلق حالة من اتحاد الارادة بين شخصين او اكثر بقصد ارتكاب جريمة(1).ومن هنا يتجلى الاطار المتميز بين الاتفاق الجنائي والتحريض. اذ ان كلا منهما عمل ارادي و يدعو الى ارتكاب جريمة. ومن هذا المنطلق تظهر اوجه الشبه والخلاف بين المصطلحين ـ وهناك مواضع متعددة يتشابه فيها الاتفاق والتحريض الجنائيان، من حيث علاقة الشريك بالجريمة الواقعة، وتتحدد علاقة الشريك بالجريمة في ضوء ما يرتبط بها من نشاط ملموس، وفي هذا الجانب يلتقي الاتفاق والتحريض الجنائيان في أن كلا منهما يصلح ان يكون وسيلة اشتراك ويتضح ذلك من نص المادة (48) من قانون العقوبات العراقي التي تعتبر كل من حرض على ارتكاب الجريمة شريكاً فيها فوقعت بناء على ذلك التحريض، او اتفق مع غيره فوقعت بناء على ذلك الاتفاق. وبهذا المعنى أخذ القانون السوداني، وقانون عقوبات البحرين في المادة (37) منه والقانون الكويتي في المادة (48) منه(2).
ولقد عزفت بعض القوانين عن اعتبار الاتفاق الجنائي وسيلة اشتراك، ومن هذه ما نصت عليه قواعد الاشتراك في القانونين المغربي والجزائري. فقد اقتصرا على اعتبار التحريض وسيلة اشتراك دون الاتفاق الجنائي. ولقد خرجت بعض القوانين على قاعدة اعتبار الاتفاق الجنائي وسيلة تحريض ومنها التشريع البلجيكي والسويسري والالماني والاسباني والروسي والفرنسي والتشريع العقابي المصري الصادر لسنة 1883(3).
ويتشابه الاتفاق والتحريض الجنائيان في ان كلا منها حالة نفسية مؤثرة على ارادتي اطراف التحريض او الاتفاق ويكون من نتائجها وقوع الجريمة التي يهدف اليها الاتفاق او التحريض. وهذه تؤدي الى نتيجة ملموسة وهي ان كلاهما لا يشترط فيه الكتابة ويكفي ان يقعا بأقوال شفوية. ولكن ذلك لا يمنع من وقوعهما بدلائل كتابية يستخلصها القاضي من الوقائع والظروف المحيطة بالجريمة.
وبالرغم من التشابه بين الاتفاق والتحريض الجنائيين في بعض الاوجه الا ان كلا منهما يظل متميزاً من الاخر بصفات وظروف يستقل بها دون الثاني ومن هذه المميزات ما نلمسه في ميدان الارادة ففي الاتفاق الجنائي تظهر ارادة الفاعل متكافئة مع ارادة الشريك وتلتقيان معاً في هدف واحد هو تحقيق المشروع الاجرامي المتفق عليه(4).
ولا يغير من مسؤولية الثاني قيام احد اطراف الاتفاق بتنفيذ الجريمة دون الثاني. اما في التحريض الجنائي، فان ارادة المُحرِّض هي التي تطغى على ارادة المُحرَّض. فتدفعه الى ارتكاب الجريمة المُحرَّض عليها ومن هذه الناحية يكون المحرض شريكاً والمنفذ فاعلا اصلياً للجريمة المُحرَّض عليها. وتأسيساً على ما تقدم من الممكن ان يقع الاتفاق الجنائي دون ان يكون احدهما مُحرِّضاً كاتفاق مجموعة من الاشخاص على ارتكاب جريمة معينة، وكل منهم مندفع اليها بدوافع خاصة به(5).
كالاتفاق على سرقة شخص او قتل شخص معين، فتكون غاية احدهما الاستحواذ على ما لديه من نقود ويطمح الثاني في الاستحواذ على ساعته اليدوية الثمينة، ويبتغى الثالث الاخذ بثأر او الانتقام منه لفعل سبق له ارتكابه بحق هذا المتفق. وقد لا نجد في هذه الواقعة حالة تحريض، لان المنفذ نفسه ذو مصلحة متكافئة مع المصالح التي ينشد تحقيقها بقية اعضاء الاتفاق الجنائي في الجريمة المذكورة. ان الاتفاق الجنائي حصيلة تفاعل بين ارادتين او اكثر منعقدتين على تنفيذ جريمة معينة اما التحريض فهو العمل على انعقاد ارادة اجرامية لدى شخص اخر لم تكن منعقدة لديه بعد. ولولا التحريض لما حظرت الجريمة ببال المحرض ولما انعقدت نيته عليها(6).
ومن صور الاكراه المادي دفع المجني عليه والقاءه ارضاً، او تقييده وعصب عينيه، او حجزه في غرفة الى ان يتمكن السارق من الاستيلاء على الاشياء الموجودة في الدار او المحل، ويتحقق الاكراه المادي ايضاً بضرب المجني عليه ولو كان ضربا بسيطاً، ولمسائلة الجاني عن سرقة مرتكبه باكراه، يتعين ان يوجد ارتباط بين السرقة والاكراه، وذلك بان يتخذ الاكراه وسيلة لاتمام السرقة، فاذا انتفت هذه الرابطة فلا يتوفر الظرف المشدد، كما لو ارتكب الاكراه بقصد هتك عرض.
——————————————————————————————
[1]– علي حسن الشامي، جريمة الاتفاق الجنائي في قانون العقوبات المصري المقارن، رسالة دكتوراه مقدمة الى جامعة فؤاد الاول، القاهرة، 1949، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1368ـ هـ ـ 1949م ص61.
2 – د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات ـ القسم العام ـ دار النهضة العربية، القاهرة، 1962، ص505.
3- د. غالب الداودي ـ شرح قانون العقوبات العراقي ـ القسم العام ـ الطبعة الاولى ـ دار الطباعة الحديثة، البصره، 1968، ص415.
4 د. محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، محاضرات القاها على طلبة قسم الدراسات القانونية في معهد الدراسات العربية العالي لجامعة الدول العربية، 960ـ 1961 ص505.
5- د. غالب الداودي، مرجع سابق، ص505.
6- الاستاذ رمسيس بهنام، مقالة بعنوان، الاتجاه الحديث في نظرية المساهمة الجنائية، مجلة الحقوق القانونية والاقتصادية، السنة (9) العددان (1،2) ، ص272.