جريمة تزوير العملة وعقوبتها الأصلية

جريمة تزوير العملة وعقوبتها الأصلية.

العقوبة الأصلية هي الجزاء الأساسي للجريمة التي يقررها القانون ، وتكفي بذاتها في اغلب الحالات لتحقيق الأغراض المتوخاة من العقاب ، يوقعها القاضي على مرتكب الجريمة محدداً نوعها ومقدارها في نطاق ما هو منصوص عليه ، وينطلق بها لوحدها أو مع عقوبة تكميلية عند الاقتضاء ، أو مع عقوبة تبعية تلحق بها بحكم القانون أو مع العقوبتين التكميلية والتبعية معاً(1)،

ولذلك فقد عرفت محكمة النقض المصرية العقوبة الأصلية بأنها (تستمد وصفها من أنها تكون العقاب الأصلي أو الأساسي المباشر للجريمة والتي توقع منفردة بغير ان يكون القضاء بها معلقاً على الحكم بعقوبة أخرى)(2)، والعقوبات الأصلية بالنسبة إلى جرائم تزييف العملة أو إدخالها أو إخراجها أو حيازتها بقصد التعامل بها هي عقوبة سالبة للحرية أو مقيدة لها أو عقوبة مالية ،

ويمكن القول بان العقوبة الأساسية في جنايات التزييف هي السجن ، وهي التي يقررها القانون لأفعال التقليد والتزييف والترويج والإدخال والإخراج والحيازة بقصد الترويج والتعامل (م 280-281) من قانون العقوبات العراقي ، حيث تقضيان بمعاقبة كل من يرتكب إحدى جرائم التزييف بصورها المختلفة بالسجن .

وبالعودة  إلى المادة (87) من قانون العقوبات يتبين بوضوح ان السجن هو إيداع المحكوم عليه في إحدى المنشات العقابية المخصصة قانوناً لهذا الغرض لمدة عشرين سنة ان كان مؤيداً والمدة المبينة في الحكم إن كان مؤقتاً ، ومدة السجن المؤقت كما هو معلوم اكثر من خمس سنوات ، وكل ذلك شرط إلاّ تتجاوز مجموع مدة هذه العقوبات (السالبة للحرية) خمساً وعشرين سنة في جميع الأحوال ، هذا فضلاً عن تكليف المحكوم عليه بالسجن المؤبد أو المؤقت بأداء الأعمال المقررة في قانون المنشآت العقابية ،

مع ملاحظة أن إطلاق لفظ (السجن) في القانون يقصد به السجن المؤقت . ولهذا نجد ان القانون القطري قد عاقب في المادة (283) عقوبات على حيازة العملة المزيفة بعقوبة أخف من عقوبة التزييف وباقي أفعال الاستعمال ، أما في المملكة العربية السعودية وبموجب المادة 1 و 2 من المرسوم الملكي المرقم (12) لسنة 1959، تكون العقوبة عن جرائم تزييف العملة واستعمالها بالسجن من خمس إلى خمس عشرة سنة . ونلاحظ أن مقدار العقوبات في بعض التشريعات هي الأشغال الشاقة المؤيدة او السجن المؤبد كالقانون التونسي والبحريني والجزائري والمغربي والموريتاني

. أما بالنسبة إلى القانون الفرنسي والقانون الإنجليزي فقد فرق بالعقوبة تبعاً لقيمة المعدن المصنوعة منه العملة المقلدة ، فعقوبة تقليد العملة الذهبية أو الفضية هي الأشغال الشاقة مدى الحياة وعقوبة تقليد العملة النحاسية هي الأشغال الشاقة المؤقتة.  وهناك عدد قليل من التشريعات التي تختلف فيها العقوبات باختلاف أفعال التزييف حيث تفرض عقوبة السجن لأفعال التقليد أو الإنقاص أو التزوير في حين تخفف العقوبة بالنسبة إلى فعل التمويه (التلوين) كما هو الأمر في القانون الفرنسي ،

اذ تنص المادة (143 ع . ف) على عقوبة الحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات من دون أفعال التزييف الأخرى(3). وهناك من عاقب على الإنقاص بعقوبة أخف من التقليد ، كالقانون السوداني (م198)(4). أما التشريع العراقي يعاقب على تزييف العملة المعدنية (ذهبية أم فضية) أو إذا كانت أوراقاً (نقدية أو مصرفية) بالسجن في حين جعل عقوبة تزييف العملة المعدنية (من غير الذهب أو الفضة) السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات وفقاً للمادة (280) من هذا يتضح ان المشرع العراقي أعطى أهمية اكبر للعملة المسكوكة من الذهب والفضة ،

ولذلك جعل عقوبة تزييفها اشد من عقوبة تزييف العملة المعدنية المسكوكة من معادن أخرى أخف وفي هذا تفريق لا مبرر له . وكذلك قام المشرع العراقي بفرض عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات على كل من صنع أو حاز مسكة نقود أو مقراضاً أو آلات أو أدوات أو أشياء أخرى من يستعمل في تقليد أو تزييف أو تزوير العملة (ورقية كانت أم معدنية) أو أوراق النقد أو السندات المالية وذلك في الفقرة (2) من المادة (302) من قانون العقوبات والتي جاءت في فصل الأحكام المشتركة من باب الجرائم المخلة بالثقة العامة(5).

ولقد جاءت المواد (283، 284، 285) من قانون العقوبات العراقي بعقوبات مخففة إذ أن المادة (283) قررت الحكم بالحبس والغرامة ، أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من روج أو أعاد إلى التعامل عملة بطل التعامل بها ، وهو على بينة من أمرها وعاقبت المادة ( 284 ) بالحبس كل من قبض بحسن نية عملة معدنية أو ورقية غير صحيحة ( مزيفة أو مزورة أو مقلدة ) ثم تعامل بها بعد أن علم بحقيقتها والأصل في المساءلة الجنائية في هاتين المادتين هو العلم بالإبطال (في المادة الاولى) وعدم الصحة ، أي علم صحة العملة لتقليدها او تزييفها أو تزويرها ، في المادة الثانية ،

إذ إن المشرع قد عاقب مرتكبي هاتين الجريمتين لتوافر العلم لديهم بان العملة مبطلة أو غير صحيحة ورغم ذلك قاموا بارتكاب الأفعال المكونة لهاتين الجريمتين .أما المادة (285) فقد جاءت لتنص على معاقبة كل من يرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين (1) و (2) من نفس المادة بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار . وهكذا يتبين بوضوح ان المشرع العراقي قد عد كل الجرائم المنصوص عليها في المواد (283 ، 284، 285) من الجنح ،

إذ أنه أخضع مرتكبيها لعقوبتي الحبس والغرامة أو إحداهما فقط ، مخففاً بذلك العقوبة عن مرتكبي هذه الجرائم المنصوص عليها في المادتين (280 و 281) وكذلك لأن هذه الأفعال لا تمثل خطراً جسيماً أو فادحاً على الثقة العامة بالعملة ونظام تداولها  أو على الاقتصاد كالخطر الذي تمثله الجرائم الأخرى من تزييف وتزوير أو ترويج أو تعامل الخ.

ولكون المشرع المصري قد جرم أفعال استعمال العملة المعدنية لغير أعراض التداول كصهرها أو تحليلها أو إتلافها أو إنقاصها أو تشويهها أو إذابتها أو إجراء عمل فيها ينزع عنها صفة النقد ، فقد عاقب عليها بغرامة نسبية تساوي عشرة أمثال قيمة العملة ، محل الجريمة ،

فضلاً عن عقوبتي الحبس مع الشغل أو مصادرة العملة أو المعادن المضبوطة ، استناداً إلى المادة (204) مكرر (جـ)  والتي تقابلها المادة (74/1) من قانون البنك المركزي العراقي المرقم 84 لسنة 76 المعدل التي نصت على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين  وبغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار أو بإحداهما .

___________________________________________________________ 

[1]–  د. اكرم نشأت ابراهيم ، القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن ، الطبعة الاولى ، 1998 ، ص33 .

2-  د. محمود نجيب حسني ، المصدر السابق ، ص687. هامش رقم 2 .

3 – Maecel Rousselet et Maurice& PAT، IN، Op. Cit.، p. 83.

4-  د.محمد محي الدين عوض ، المرجع السابق ، ص288.

5-  لقد تمت الإشارة إلى هذه المادة لاتصالها الوثيق بجريمة تزييف العملة كما سبق ذكرها .