مبدأ سيادة القانون لا تعلو عليه سلطة من سلطات الدولة
مبدأ سيادة القانون الذي لا يجوز أن تعلو عليه سلطة من سلطات الدولة ولا يجوز أن يتجاوزه حاكم ولا صاحب نفوذ سيادة القانون تعد سيادة القانون ركنا أساسيا لإدارة دولة حديثة. يجب تكريس سيادة القانون على نحو شامل والإسراع ببناء حكومة يحكمها القانون، وتكثيف الجهود لبناء مجتمع تسوده سيادة القانون، بما يجعل مبدأ سيادة القانون ضمانا مهما للتقدم الحضاري.
أن يكون سيادة القانون هو العمود الفقري لها، ومن هنا تأتي أهمية الربط الذي بين الدولة المدنية وسيادة القانون ‘ سيادة القانون عماد الدولة مع تأكيد أهمية الدين كمصدر لمنظومة الأخلاق والقيم المجتمعية في الدولة المدنية الحديثة وأهمية حمايته من التسييس والاستغلال.
لذا فان صيانة أجهزة الدولة يكمن في مراجعة تطبيقات سيادة القانون في جوانب ونشاطات الدولة المختلفة بما يحقق هدف دولة القانون بإشاعة العدالة العامة والتصدي للفوضى وينتج عن مفهوم سيادة القانون، بالضرورة، مبدأ المساواة أمام القانون، حيث يعتبر جميع الناس متساوين أمام القانون، مهما اختلفت أديانهم أو صفاتهم أو وظائفهم أو أوضاعهم الاجتماعية، وطبعا دون النظر للعرق أو اللون أو غير ذلك وخضوع السلطة التنفيذية أيضا للرقابة سواء من قبل البرلمان أو المحكمة الدستورية أو مجلس الدولة.
يعني هذا المبدأ سيادة أحكام القانون فوق كل أرادة سواءً كانت أرادة الحاكم أو المحكوم، ويقصد بالقانون هنا القواعد القانونية المطبقة كافة بصرف النظر عن مصدرها أي سواء كانت قواعد الدستور أم قواعد القانون أم قواعد اللائحة، فجوهر الخضوع يعني اعتراف سلطات الدولة كافة وكذلك الأفراد بان هناك مبادئ وقيماً متجسدة في تلك القوانين يجب احترامها والامتثال لها في كل الظروف.
فخضوع السلطة التشريعية لمبدأ سيادة القانون يعني أن تلتزم في سنها للتشريعات العادية أحكام الدستور الذي يعلو على القوانين كافة، والتزام السلطة القضائية مبدأ سيادة القانون يتجلى فيما تصدره من أحكام تطابق القانون ويبدو خضوع السلطة التنفيذية للمبدأ نفسه أكثر أهمية فيما تصدره من قرارات وما تقوم به من أعمال. ولقد أشارت بعض الدساتير صراحة إلى هذا المبدأ ومنها الدستور المصري.
أن دولة القانون هي الدولة التي يسود فيها القانون بمعناه العام ويمكن التأكيد بان هناك هيمنة فعلية للقانون في الدولة حتى توصف بأنها بحق دولة قانون من خلال الأتي:
1-وجود قواعد دستورية تحدد اختصاصات هيئات وسلطات الدولة وتكفل الحقوق والحريات العامة.
2-خضوع الإدارة للقانون أي خضوع إعمال الإدارة وتصرفاتها وقراراتها للقانون وتفعيل وسائل مشروعه الرقابة على أداءها.
3-إقرار مبدأ الفصل بين السلطات والمدلول الحقيقي لهذا المبدأ هو أن تكون السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية متساوية ومستقلة، بحيث لا تستطيع إحداها أن تعزل الأخرى أو تهيمن عليها، مع وجود نوع من التعاون والرقابة بين السلطات بالقدر اللازم لكي تدافع كل منها عن استقلالها.
4-احترام تدرج القواعد القانونية واحترام التدرج العضوي لهيئات ومؤسسات الدولة.
5-تنظيم وسائل الرقابة على أعمال الإدارة.
6-عدم جواز الاعتذار بالجهل بقانون وهذا يتطلب التوعية والاهتمام بالثقافة القانونية وضرورة العلم بالقانون عن طريق النشر والإعلان.
7-أن يتضمن القانون جزأت فاعله وحقيقة عادلة توقع على من يخالف قواعده والجزاء ليس غاية بذاتها بل وسيلة لتحقيق غاية عملية وهي عدم خروج الأفراد بسلوكهم عن القانون.
والجزاء في القانون يقوم على وسيلة من وسائل القهر التي تباشرها السلطة العامة في الدولة فالجزاء المصاحب للقاعدة القانونية من شأنه أن يكفل حمل الجميع على احترامها. وهذا لا يعنى إن يكون تنفيذ القانون دائماً مصحوباً بالقوة وإنماء يتم اللجوء إلى القوة والجبر والجزاء عن المخالفة ويشترط لكل ذلك أن تكون الدولة وحدها هي الجهة المختصة بتحديد العمل المخالف للقانون عن طريق السلطة القضائية ويتم تنفيذ الجزاء بواسطة السلطة التنفيذية.
والجزاءات تختلف باختلاف طبيعة العمل والفعل المخالف للقانون ونوعه وجسامته ويتحدد الجزاء الصور الآتية: (جزاء جنائي، جزاء مدني، جزاء إداري، جزاء مهني، وأخيراً بطلان التصرف أو الأجراء المخالف).ويتصل مفهوم سيادة القانون بمفهوم الشرعية ،وإذا كانت الشرعية تنقسم إلى : شرعيه شكليه مضمونها ” أن يكون الفعل متفقا مع القواعد الأمرة و الناهية للنظام القانوني، وشرعيه موضوعية مضمونها” اتفاق النظام القانوني مع المصالح التي ينبغي أن تحميها هذه القواعد” ومن المعروف أن مبدأ سيادة القانون يعني أن يكون القانون المشرع من قبل السلطة التشريعية المختصة والناظم لعلاقات ما ، هو الواجب التطبيق عليها وأن تعتبر أحكام القانون المرجع الأول والأخير للبت في أي خلاف أو موضوع منظم في القانون أو معالج فيه .
وهو مبدأ واجب الاحترام من كل من السلطتين التنفيذية والقضائية، ومن قبل الأفراد أيضا، كما يشمل المبدأ القرارات الإدارية أيضا. فإذا نظم القانون موضوعا معينا على نحو ما، أو حدد أحكاما خاصة لمعالجة مسألة من المسائل، فإنه لا يجوز تطبيق أحكام أخرى غير التي حددها القانون، فلا يجوز الارتجال بحل من خارج النص من ذوي السلطة التنفيذية، أو الحكم بشيء غير منصوص عليه في القانون حتى لو قبل به الأطراف، والالتزام بأحكام القانون يكون مترتبا على جميع السلطات والإدارات وأجهزة الدولة المكلفة بتطبيقه ومراعاته وفي مقدمتها السلطة القضائية.
“مبدأ المشروعية وتدرج النظام القانوني”: أساس المشروعية يتمثل في علو الدستور، ووجوب التزام المشرع حكم الدستور فيما يسنه من قوانين ثم التزام الإدارة في نشاطها حكم القانون، وهكذا نجد نظاما هرميا احترامه هو الأساس الذي تقوم عليه الشرعية ويطلق على هذا النظام تدرج القواعد القانونية وهذا ما يعني ضرورة التزام القاعدة الأدنى بحكم القاعدة الأعلى ، فالقانون العادي في مرتبة أقل من الدستور، ومن هنا يجب أن لا يخرج القانون العادي على حكم ، لدستور،واللائحة التنظيمية في مرتبة أدنى من القانون العادي، ومن ثم فلا يجوز لها مخالفته،وهكذا.
معايير تدرج القوانين: ينظم التدرج القانوني معياران معيار موضوعي وأخر شكلي.
المعيار الموضوعي: مفاده أنه لتحديد القاعدة الأعلى الواجبة الإتباع فانه يجب النظر إلى المضمون، فالقرار الفردي يكون في مرتبة أدنى من القاعدة التنظيمية بغض النظر عن مصدر كل منهما ، فإذا ما أصدر وزير مثلا لائحة تنظيمية بشروط شغل إحدى وظائف وزارته،ثم جاء رئيس الوزراء فأصدر قرارا فرديا بتعيين أحد الأفراد في هذه الوظيفة ، فان قرار رئيس الوزراء الفردي يجب أن يلتزم بحكم القاعدة التنظيمية التي أصدرها الوزير من قبل في هذا الصدد ، ويستند هذا المعيار على أساس أن للقاعدة القانونية قوة الإلزام،فإذا سمحنا للقرار الفردي أيا كان مصدره بمخالفتها فقدت القاعدة القانونية قوة الإلزام فيها وهذا معناه إهدارها كلية.
لذلك نقول إن الديمقراطية تتطلب تمتع الأفراد بجميع الحقوق والحريات سواء كانت مدنية أو سياسية أو اقتصادية وهذا التمتع يحتاج إلى قانون يحمي ويضمن هذه الحقوق والحريات، ولا تقتصر فقط على ضمان حق الأفراد في المشاركة في الحكم، وبالتالي يمكن أن نقول إن الديمقراطية ليست فقط سيادة الأغلبية بل هي سيادة القانون الذي يتضمن الحقوق والحريات العامة.
وتتعدد طرق تفعيل مبدأ سيادة القانون، فهذا المبدأ كغيره يبقى عديم الفائدة إذا لم توجد وسائل تكفل تحقيقه وعادة ما تكون هذه الوسيلة عن طريق رقابة السلطة القضائية. وتعود الحكمة إلى جعل هذه الرقابة للسلطة القضائية دون غيرها إلى أن سن القوانين عمل مشترك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالتشريعية قد تقترح وتناقش وتقر مشروع القانون والتنفيذية قد تقترح وتصدق وتصدر القانون، لذا من المنطق أن تسند الرقابة إلى سلطة محايدة لم تشترك في وضع هذا القانون الذي وصم بعدم الدستورية.
الدكتور/ عادل عامر