هل يجوز إجهاض الحمل الناتج عن سفاح؟.
لم يتعرَّض الفقهاء المتقدمون رحمهم الله لهذه المسألة بخصوصها ولعل ذلك لعدم تفريقهم بين الحمل من سفاح وغيره.
ولا يخلو الحمل من سفاح إما أن يكون برضى الطرفين أو نتيجة اغتصاب.
أ – الحمل من سفاح برضى الطرفين :
وقد ذهب بعض المتأخرين إلى جواز إجهاض الحمل قبل نفخ الروح إذا كان الحمل ناشئاً عن زناً سواء كان الزنا بالتراضي أولاً.
قال الرملي (45) : ” لو كانت النطفة من زنا فقد يتخيّل الجواز فلو تركت حتى نفخ الروح فلا شك في التحريم ” .
ومنع ذلك بعض الباحثين استدلالاً بقصّة الغامديَّة حينما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترفت بالزنا وأبلغته بحملها فقال : ((أما لا فاذهبي حتى تلدي)) (46).
ووجه الاستدلال أن النبي عليه الصلاة والسلام أخّر إقامة الحد على المرأة وإقامته واجبة حفاظاً على حياة الجنين ومع أن أمه قد وقعت في الزنا المحرم, وعدم استفصال النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر الجنين يدل على حرمة إسقاطه مطلقاً (47).
وعند محاولة الوصل لرأي مختار في هذه المسألة وحيث إن إباحة إجهاض الحمل الناشيء عن زنا يترتب عليه انتشار الفاحشة وشيوعها وسهولة الوصول إليها وهو مؤدي إلى تقليص الحياة الزوجية وانتشار الأمراض الفتاكة .
وحيث إن جمهور أهل العلم يمنعون من إجهاض الحمل الشرعي الناشيء من نكاح صحيح ولو تراضى الزوجان على ذلك .
وحيث إن الحمل في مدة الأربعين يغلب عليه وصف النطفة وهي في الأصل نطفة غير محترمة لكونها من زنا مع أن النطفة يجوز إلقاؤها بالعزل.
وحيث أجازت هيئة كبار العلماء إسقاط الحمل في هذه المرحلة لمصلحة شرعيّة أو دفعاً لضرر متوقع .
لذا فإنَّ الظاهر لي جواز إسقاط الحمل في الطور الأول من الحمل قبل مرور أربعين يوماً وتحريمه بعد ذلك .
إذا كان ظاهر حال المرأة أنها ليست ممن اعتاد الفجور والفساد أما من اعتادت عليه فإنه يتجه القول بالتحريم مطلقاً لها إعمالاً لقاعدة المعاملة بنقيض القصد وسداً لذريعة الفساد والله أعلم .
ب – الحمل الناشيء عن الاغتصاب :
الاغتصاب هو الإكراه على الزنا ، وهو مما انتشر في بعض المجتمعات انتشاراً مخيفاً ففي دراسة أجريت في ألمانيا تبين أن واحدة من كل سبع نسوة قد اغتصبت ، وفي الولايات المتحدة وجد أن (25%) من البنات قد تعرّضن للاغتصاب (48).
وليس في إجهاض الحمل الناشيء عن الاغتصاب نقل للفقهاء المتقدمين أو المتأخرين فيما وقفت عليه من مراجع .
وأما المعاصرون فإن فتاواهم تتضافر على جواز إجهاض هذا الحمل قبل مرور مائة وعشرين يوماً وتحريمه بعدها لكونه قد نفخ فيه الروح.
ففي فتوى مفتي مصر الصادرة في 26/6/1419هـ ما يلي : ” لا مانع شرعاً من تفريغ ما في أحشاء أنثى من نطفة نتيجة الاختطاف والإكراه على المواقعة بشرط أن لا يكون قد مرَّ على هذا الحمل مائة وعشرين يوماً، لأنه لا يحل في هذه الحالة إسقاط الجنين لكونه أصبح نفساً ذات روح يجب المحافظة عليها ” (49).
ويدل على هذا الرأي أن إجهاض الحمل قبل نفخ الروح فيه ليس قتلاً وإنما هو إتلاف لما يمكن أن يكون آدميّاً ولا تكون الجناية على الحي الذي نفخت فيه الروح كالذي لم تنفخ فيه الروح ، فيكون خاضعاً للأعذار والحاجات .
وقد وجدنا أن من الفقهاء من أباح الإجهاض لعذر كما لو انقطع لبن الأم وليس لأب الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه (50).
كما أن آثار الحمل من سفاح على الأم قد تكون كبيرة وقد لا تتحمّلها نفسيّاً, وهو يفتح باب القالة السوء عليها لعدم التفريق بين الإكراه والرضا في الزنا, مع أنها لا ذنب لها ولا يد في الجريمة, ويمكن التخفيف من آثار ذلك دون إضرار بأحد ومن مقررات الشريعة الإسلامية أن الضرر يزال والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
وهذا كله يقوي القول بجواز إجهاض الحمل الناشيء عن الاغتصاب قبل نفخ الروح وأما بعده فهو باق على الأصل لا يحل اسقاطه إلا أن يكون في بقائه خطر على حياة أُمِّه (51) والله أعلم.
منع حمل المغتصبة :
قد يحصل أن يعتدى على امرأة وتفعل بها فاحشة الزنا عن طريق الإكراه فهل يجوز إعطاؤها عقاراً يمنع الحمل عنها بعد حصول الاعتداء أم لا ؟
ومما سبق في المسألة الثالثة من جواز إجهاض الحمل نتيجة اغتصاب فإن منع الحمل أولى بالجواز والإباحة.
وقد صدرت عدة فتاوى من شخصيات وهيئات علميَّة بجواز التحكم المؤقت في الإنجاب عن طريق استخدام وسائل منع الحمل إذا دعت لذلك حاجة معتبرة ولم يترتب على ذلك ضرر (52) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(45) نهاية المحتاج (8/442) .
(46) صحيح مسلم 1695 .
(47) انظر مسألة تحديد النسل د. البوطي ص130 .
(48) الموسوعة الفقهية الطبية ص526 .
(49) أنظر مسألة تحديد النسل د. البوطي 142، الإجهاض آثاره وأحكامه د. النفيسه ، أحكام الإجهاض د. ابراهيم رحيم ص136.
(50) حاشية ابن عابدين 2/380 .
(51) المعاناة النفسيّة لا تكفي سبباً لإزهاق نفسٍ وقتلها دفعاً لمعاناة نفسية من وجوده .
(52) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 39 في 1409هـ ، قرار هيئة كبار العلماء رقم 42 في 13/4/1396هـ .