حالات إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه

حالات إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه

 

كما أن الخصم لا يستفيد من دليل صنعه لنفسه ، كذلك هو لا يضار بتقديم دليل ضد نفسه.
من الممكن القول إن من امتنع من الخصوم دون حق أن يستجيب لطالبات خصمه من تقديم مستندات في حوزته ، أو جعل بفعله إثبات الدعوى مستحيلا بأن امتنع مثلا عن تقديم دليل تحت يده لا يمنع القانون من تقديمه ، جاز أن يخسر دعواه ، وذلك بطريق القياس على من جعل بفعله تحقق الشرط الذي علق عليه التزامه مستحيلا فان القانون يفترض أن الشرط قد تحقق .
بل إن الغير أيضا ـ لا الخصم وحده ـ قد يلقى عليه واجب المعاونة في الإثبات .

 لا يجوز اجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه إلا في حالات معينة:
قدمنا أنه لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلا لنفسه. ويقابل ذلك أنه لا يجوز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه (Nemo tenetur edere contra se) . فكما أن الخصم لا يستفيد من دليل صنعه لنفسه ، كذلك هو لا يضار بتقديم دليل ضد نفسه([1]) .
غير أن بداهة القاعدة الأولى تفوق وضوح القاعدة الثانية . فقد رأينا أن حق الخصم في الاثبات قد يصل في بعض الحالات إلى حد إجبار خصمه أو الغير على تقديم دليل في حوزته . لذلك كانت هذه القاعدة الثانية في حاجة إلى إمعان في النظر .
فمن الممكن القول إن من امتنع من الخصوم دون حق أن يستجيب لطالبات خصمه من تقديم مستندات في حوزته ، أو جعل بفعله إثبات الدعوى مستحيلا بأن امتنع مثلا عن تقديم دليل تحت يده لا يمنع القانون من تقديمه ، جاز أن يخسر دعواه ، وذلك بطريق القياس على من جعل بفعله تحقق الشرط الذى علق عليه التزامه مستحيلا فان القانون يفترض أن الشرط قد تحقق([2]) .
بل إن الغير أيضا ـ لا الخصم وحده ـ قد يلقى عليه واجب المعاونة في الاثبات . فيطلب شاهداً في الدعوى ويجب عليه الادلاء بشهادته فاذا تخلف عن الشهادة جاز الحكم عليه بالغرامة ، وإذا كانت تحت يده مستندات جازت مطالبته بإبرازها بين يدى القضاء([3]) .

وقد تصل بعض الشرائع إلى حد أن تفرض بنص خاص التزاماً قانونياً على من يحوز أو يحرز شيئاً أو مستنداً يكون للغير مصلحة في عرضه لإثبات أمر يدعيه أن يعرض هذا الشيء أو يقدم هذا المستند للقضاء للكشف عما يمكن أن يتضمنه من وجوه إثبات الأمر المدعى به .ويرفع بهذا الالتزام القانوني دعوى تسمى
بدعوى العرض (action ad exhibendum) ([4]) .

وقد نص على هذه الدعوى كل من القانون الألماني والقانون السويسري والمشروع الفرنسي الإيطالي .
وأخذ بها القضاء الفرنسي دون نص ، يبنيها تارة على وحدة المصلحة أو الشركة في المستند
(communauté d`intérêt, communauté de titre) ([5])

لا سيما إذا كان هذا المستند عقداً ، ويبنيها طوراً على مصلحة العدالة (justice intérêt de la) ([6]) .

ويستخلص من أحكام القضاء الفرنسي أنه يجعل للخصم حق الاثبات ، ويلقى على خصمه واجب المعاونة في ذلك ما استطاع إليه سبيلا ، ما دام لا يوجد مانع قانوني كوجوب الاحتفاظ بسر المهنة([7]) .
فإذا لم يقم الخصم بواجبه في المعاونة ، وعطل على خصمه حقه في الاثبات ، اعتبر في منزلة من قام الدليل ضده ، وخسر الدعوى([8]) .

أما في مصر، فقبل صدور التقنين المدني الحالي وتقنين المرافعات الجديد ، كان القضاء يذهب إلى عدم إجبار الخصم على أن يقدم دليلا يرى أنه ليس في مصلحته([9]) .

إلا أنه إذا طلب الخصم تكليف خصمه بتقديم ورقة تحت يده وامتنع عن تقديمها ، فهذا الامتناع يكون محل اعتبار من المحكمة بحسب دلالته المحتملة ، ولا يتحتم اعتباره تسليما بادعاء الطالب([10]) ، وللمحكمة أن تقضى لمصلحة الخصم الذي يرجح لديها أنه هو الحق([11]) ، ولها أن تستخلص من امتناع الخصم دليلا للحكم ضده ([12]) . وقد كان المشروع الابتدائي للتقنين المدني الحالي يحتوى على نص يقرر دعوى العرض (action ad exhibendum) ويفصل أحكامها على غرار المشروع الفرنسي الإيطالي ، فحذف في لجنة المراجعة لأنه أدخل في باب المرافعات ، وكان هذا النص ( المادة 273 من المشروع الابتدائي ) يجرى على الوجه الآتي : ((1ـ كل من حاز شيئاً أو أحرزه يلتزم بعرضه على من يدعى حقاً متعلقاً به متى كان فحص الشيء ضرورياً للبت في الحق المدعى به من حيث وجوده ومداه ، فإذا كان الأمر متعلقاً بسندات أو أوراق أخرى ، فقاضى أن يأمر بعرضها على ذي الشأن وبتقديمها عند الحاجة إلى القضاء ، ولو كان ذلك لمصلحة شخص لا يريد إلا أن يستند إليها في إثبات حق له ، 2ـ على أنه يجوز للقاضي أن يرفض إصدار الأمر بعرض الشيء إذا كان لمن أحرزه مصلحته مشروعة في الامتناع عن عرضه ، 3ـ ويكون عرض الشيء في المكان الذي يوجد فيه وقت طلب العرض ، ما لم يعين القاضي مكاناً آخر ، وعلى طالب العرض أن يقوم بدفع نفقاته مقدماً , وللقاضي أن يعلق عرض الشيء على تقديم كفالة تضمن لمن أحرز الشيء تعويض ما قد يحدث له من ضرر بسبب العرض )) ([13]) .

ولم يتضمن تقنين المرافعات الجديد هذا النص بالرغم من أن حذفه من مشروع التقنين المدني كان بسبب أنه أدخل في باب المرافعات كما تقدم القول . على أن تقنين المرافعات (نقلت النصوص من قانون المرافعات الى تشريع مستقل هو قانون الاثبات) تضمن طائفة من النصوص لالزام الخصم بتقديم ورقة تحت يده ، فنصت المادة 253 على أنه ((يجوز للخصم في الحالات الآتية أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة في الدعوى تكون تحت يده :

(1) إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمها أو تسليمها
(2) إذا كانت مشتركة بينه وبين خصمه ، وتعتبر الورقة مشتركة على الأخص غذا كانت محررة لمصلحة الخصمين أو كانت مثبتة لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة ([14])
(3) إذا استند إليها خصمه في أية مرحلة من مراحل الدعوى([15]) )) .

وأولى هذه الحالات ـ حالة ما إذا كان القانون يجيز المطالبة بتقديم الورقة أو تسليمها ـ مثلها ما نصت عليه المادة 16 من التقنين التجاري من أنه (( لا يجوز للمحكمة في غير المنازعات التجارية أن تأمر بالاطلاع على الدفترين المتقدم ذكرهما ( اليومية والمراسلات ) ولا على دفتر الجرد إلا في مواد الأموال المشاعة أو مواد الشركات وقسمة الشركات وفي حالة الافلاس . وفي هذه الأحوال يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بالاطلاع على تلك الدفاتر)) . فهذا نص يجيز في أحوال معينة في المنازعات التجارية وبعض المنازعات المدنية وهو الشيوع والتركة وقسمة الشركات والافلاس ـ أن تأمر المحكمة من تلقاء نفسها بتقديم الدفاتر التجارية والاطلاع عليها لإثبات حق مدعى به ، ولكن النص محدود ـ كما نرى ـ من حيث الأحوال التي يجوز فيها الأمر بتقديم المستند ومن حيث نوع المستند ذاته . فهو لا ينطبق إلا على بعض الدفاتر التجارية. وكذلك نصت المادة 18 من التقنين التجاري على أنه ((يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها في أثناء الخصومة بتقديم الدفاتر لتستخرج منها ما يتعلق بهذه الخصومة)) . فهذا نص آخر يجيز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها ، في جميع المنازعات التجارية والمدنية ، بالاطلاع على جميع الدفاتر التجارية . وهذا النص ، وإن كان مطلقاً من ناحية الأحوال التي يجوز فيها الأمر بتقديم المستند ومن حيث نوع المستند ، إلا إنه محدود من حيث الغرض من تقديم المستند . فهذا الغرض مقصور على أن تطلع المحكمة ـ دون أن تطلع الخصوم كما هي الحال في شأن المادة 16 المتقدمة الذكر ـ على دفاتر التجار لا في جميع أجزائها بل في الجزء الذى وردت فيه البيانات المتعلقة بالخصومة . وسنعود إلى المادتين 16 و 18 من التقنين التجاري ببيان أوفي عند الكلام في دفاتر التجار كطريق من طرق الإثبات .

وتحدد المادة 254 من تقنين المرافعات البيانات الواجب ذكرها في الطلب الذى يتقدم به الخصم لإلزام خصمه بتقديم الورقة الواجب تقديمها ، فتقول : (( يجب أن يبين في هذا الطلب : (1) أوصاف الورقة التي تعينها (2) فحوى الورقة بقدر ما يمكن من التفصيل (3) الواقعة التي يستشهد بها عليها (4) الدلائل والظروف التي تؤيد أنها تحت يد الخصم (5) وجه إلزام الخصم بتقديمها )) . وتبين المادة 256 من تقنين المرافعات النتيجة التي ينتهي إليها الطالب في حالة القدرة على إثبات صحة طلبه وفي حالة العجز عن هذا الإثبات على الوجه الآتى : (( إذا أثبت الطالب طلبه أو أقر الخصم بأن الورقة في حوزته أو سكت ، أمرت المحكمة بتقديم الورقة في الحال أو في أقرب موعد تحدده . وإذا أنكر الخصم ولم يقدم الطالب إثباتاً كافياً لصحة الطلب ، وجب أن يحلف المنكر يميناً بأن الورقة لا وجود لها أو أنه لا يعلم وجودها ولا مكانها وأنه لم يخفها أو لم يهمل البحث عنها ليحرم خصمه من الاستشهاد بها )) . وتذكر المادة 257 من تقنين المرافعات جزاء عدم تقديم الورقة أو الامتناع عن حلف اليمين ، فتقول : (( إذا لم يقم الخصم بتقديم الورقة في الموعد الذى حددته المحكمة أو امتنع عن حلف اليمين المذكورة ، اعتبرت صورة الورقة التي قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن خصمه قد قدم صورة من الورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها )) . وقد سبق أن أوردنا هذا النص كحالة يجوز فيها أن يتمسك الشخص بدليل صدر منه هو . وتجرى المادة 259 من تقنين المرافعات الأحكام السابقة على إلزام الغير بتقديم ورقة تحت يده على النحو الآتي : (( يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ، ولو أمام محكمة الاستئناف ، أن تأذن في إدخال الغير لإلزامه بتقديم ورقة تحت يده ، وذلك في الأحوال ومع مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد السابقة )) .

وهذه النصوص كلها مستحدثة في تقنين المرافعات الجديد ، وقد أخذت عن تقنين المرافعات الألماني ( م 386 وما بعدها ) وعن تقنين المرافعات التركي (م 326 وما بعدها)([16]) . وهي على كل حال أضيق في نطاقها من دعوى العرض التي حذف نصها من مشروع التقنين المدني . فهي لا تجيز إلزام الخصم أو الغير بتقديم ورقة تحت يده هي مستند في الدعوى إلا في أحوال ثلاث ذكرتها المادة 253 ([17]) . أما نص مشروع التقنين المدني المحذوف فقد كان يجيز إلزام الخصم أو الغير بتقديم المستند الذى في حوزته حتى في غير هذه الأحوال الثلاث ، متى ثبت أن فحص هذا المستند ضروري للبت في الحق المدعى به ، ويرجع تقدير هذه الضرورة إلى القاضي . هذا إلى أن النص المحذوف عام يتناول المستندات وسائر الأشياء الأخرى . (( فيجوز مثلا ـ كما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي([18])

ـ لمالك الشيء المسروق أن يطالب من يشتبه في حيازته له بعرضه عليه ليتثبت من ذاتيته . ويجوز كذلك لوارث المهندس أن يطلب تمكينه من معاينة الترميمات التي أجراها مورثه حتى يتسنى له أن يعين مدى حقه في الأجر بعد أن آل إليه هذا الحق من طريق الميراث . فإذا كان الشيء الذى يطلب عرضه سنداً أو وثيقة فيلاحظ أمران: أولهما أن فحص الوثيقة قد يكون ضرورياً لا للبت في وجود الحق المدعى به وتعيين مداه ، بل لمجرد الاستناد إليها في إثبات حق للطالب . والثاني أن للقاضي أن يأمر عند الاقتضاء بتقديم الوثيقة للمحكمة لا مجرد عرضها على الطالب. فيجوز مثلا لمشتري الأرض، إذا تعهد بالوفاء بما بقى من ثمن آلة زراعية ملحقة بها ، أن يطلب عرض الوثائق الخاصة بتعيين القدر الواجب أداؤه من هذا الثمن . ويجوز كذلك لموظف يدعى أنه عزل تعسفياً أن يطلب تقديم ملف خدمته للقضاء ليستخلص منه الدليل على التعسف)) .

وإذا كانت نصوص تقنين المرافعات الجديد ضيقة من حيث نطاقها ، فهي على العكس من ذلك واسعة من حيث ترتب الجزاء عليها ، وقد رأينا أن الخصم أو الغير إذا لم يقم بتقديم الورقة اعتبرت صورة الورقة التي قدمها الخصم المدعى صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن هذا قد قدم صورة الورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها . وهذا أقص جزاء يمكن أن يترتب على الشخص إذا أخل بالتزامه القانون من تقديم مستند تحت يده .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ^ انظر في هذا المعنى استئناف مصر 6 ديسمبر سنة 1911 المحاماة 2 رقم 69 ص 222 ـ 30 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 211 ص 418 ـ استئناف مختلط 10 يونية سنة 1915 م 27 ص 402 .

[2] ^ انظر الفقرة الأولى من المادة 388 من مشروع التقنين المدني الحالي ، وكان نصها يجرى على الوجه الآتى : (( يعتبر الشرط قد تحقق إذا كان الطرف الذى له مصلحة في أن يتخلف قد حال بطريق الغش دون تحققه )) . وقد حذفت في لجنة المراجعة لإمكان استخلاص حكمها من القواعد العامة . وانظر أيضاً المادة 1178 من التقنين المدني الفرنسي و بلانيول وريبير و جابولد 7 فقر 1411 ص 834.

[3] ^ ديموج 3 ص 347 ـ بلانيول وريبير و جابولد 7 فقرة 1411 ص 834.

[4]^ ويرجع أصل هذه الدعوى إلى القانون الروماني ، منذ عهد الألواح الاثنى عشر على قول ( أكارياس Accqrias في القانون الروماني 2 ص 876 ) ، وفي آخرعهد الجمهورية على قول آخر ( جيرار Girard الطبعة الثالثة ص 629 هامش رقم 2 ) ـ وانتقلت الدعوى في العصور الوسطى إلى القانون الكنسى (droit canonique) وإلى بعض قوانين العادات (droits coutumiers) في فرنسا . ولم يرد في شأنها نص عام في التقنين المدني الفرنسي ، ولكن وردت بعض نصوص تشريعية متفرقة في بعض تطبيقاتها التفصيلية . من ذلك الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 842 من التقنين المدني الفرنسي فيما يتعلق بمستندات العين المقسومة التي توجد في يد أحد الشركاء المتقاسمين ، ومن ذلك المواد من 14 إلى 17 من التقنين التجاري الفرنسي فيما يتعلق بتقديم دفاتر التجار الاطلاع عليها ـ ولكن الفقه والقضاء في فرنسا يميلان إلى تعميم هذه التطبيقات على حالات أخرى لم ينص عليها ( ديموج 3 فقرة 211 ـ ديموج في المجلة الفصلية للقانون المدني سنة 1921 ص 740 وسنة 1928 ص 898 ـ ديمونتيس Demontes في دعوى العرض في القانون الحديث رسالة من باريس سنة 1922 ـ جلاسون وتيسييه وموريل ، فقرة 594 ـ موريل فقرة 479 ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2171 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1412 ص 835 ـ ص 836 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ـ نقض فرنسى 17 يونية سنة 1879 سيريه 1881 ـ 1 ـ 116 ـ 22 ديسمبر سنة 1897 داللوز ـ ا ـ 85 ـ 19 فبراير سنة 1907 سيريه 1907 ـ 1 ـ 271 ـ 16 مارس سنة 1921 مجلة القانون المدني 1921 ص 740) . .
[5] ^ وذلك كمحاضر الجرد وعقود القسمة وتصفية التركات والأموال المشتركة وعقود الوكالة والشركات ( بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ص 247 ـ ص 248 .

[6] ^ محكمة رن 14 يونية سنة 1928 المجلة الفصلية للقانون المدنى 1928 ص 898 . أنظر كذلك القضاء البلجيكي : بروكسل 6 مارس سنة 1863 باسيكريزي 1863 ـ 96 ـ لييج 4 أبريل سنة 1868 باسيكريزي 1868 ـ 219 . ويذهب كل من القضاء الفرنسي والقضاء البلجيكي إلى أن المبدأ القاضي بألا يجبر الخصم على تقديم مستند ضد نفسه (Nemo tenetur edere contra se) لا يجوز أن يتخذ ستاراً للحيلولة دون العدالة ولتحقيق أغراض ذاتية . ويقول بيدان وبرو في هذه المناسبة إن الاحتماء بالمبدأ على هذا الوجه يعد ضرباً من التعسف (abus des droits) (بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ص 248) .

[7] ^ وكوجوب عدم انتهاك حرمة الرسائل ووجوب الامتناع عن الإضرار بالغير . وفي هذه الحدود لا يجوز للشخص الامتناع عن تقديم مستند أمره القضاء بتقديمه ، وإلا جاز الحكم عليه بغرامة تهديدية (astreinte) ، بل جاز الحكم ضده في الدعوى (نقض فرنسي 15 يولية سنة 1901 داللوز 1901 ـ 1 ـ 499 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ص 248 ـ ص 249 )

[8] ^. ويجوز كذلك إجبار الغير على تقديم مستند تحت يده إذا كان هذا الغير شخصاً يقوم بوظيفة عامة وذلك كمسجلي الحالة المدنية (officiers de l`etat civil) وحافظى الرهون (conservateurs des hypotheques) وموثقى العقود (notaries) ، ويترك ذلك لتقدير القضاء . أما الأفراد الأجانب عن الخصومة فيجوز كذلك إجبارهم إذا ثبت ضدهم غش أو تدليس أو كانوا شهوداً في الدعوى . هذا إلى أن الفرد الذى يمتنع دون حق عن تقديم مستند في يده يفيد العدالة يكون مسئولا عن تعويض الضرر الذى يحدثه بمقتضى المادة 1382 من التقنين المدني الفرنسي ( بيدان وبرو 9 فقرة 1176 ـ فقرة 1177 ) .

[9] ^ وقد قضت محكمة النقض بأنه (( لا يجبر خصم على أن يقدم دليلا يرى أنه ليس في مصلحته ، فإن من حق كل خصم أن يحتفظ بأوراقه الخاصة به ، وليس لخصمه أن يلزمه بتقديم مستند يملكه ولا يريد تقديمه )) ( نقض مدنى 11 أبريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 50 ص 160 ـ وانظر حكماً آخر في 2 أبريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 ص 1083 ) . وقضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا قدم خصم في دعوى على الحكومة ورقة قال إنها صورة غير رسمية من أحد الخطابات المتبادلة بين إحدى مصالح الحكومة ووزارة المالية ، جاز للحكومة أن تطلب من المحكمة أن تأمر باستبعادها من دوسيه الدعوى ، لأنه غذا كان لا يجوز إلزام الحكومة إلى تقديم الأصل الخالف للصورة ( محكمة الاستئناف 6 ديسمبر سنة 1911 المحاماة 2 رقم 69 ص 222 ) وقضت محكمة الموسكي بأنه لا يجوز إعطاء صور التلغرافات للغير لأنها معتبرة من الأوراق الخصوصية ( محكمة الموسكي 19 مايو سنة 1925 المحاماة 6 رقم 114 ص 164 ) .

[10] ^ وقد قضت محكمة النقض بان (( إذا طلب الخصم تكليف خصمه بتقديم ورقة تحت يده مدعياً أن له حقاً فيها وامتنع عن تقديمها فهذا الامتناع إنما يكون محل اعتبار من المحكمة بحسب دلالته المحتملة وبغير إلزام من القانون بعده حتما تسليماً بقول الطالب ( نقض مدنى 11 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 285 ص 563 . وانظر أيضا استئناف مختلط 10 يونية سنة 1914 م 27 ص 402 ـ 16 ديسمبر سنة 1941 م 54 ص 22 ) .

[11] ^ وقد قضت محكمة النقض بأنه (( إذا كانت محكمة الموضوع قد اتخذت إجراء من إجراءات تحضير الدعوى بأن كلفت أحد الخصوم بتقديم ورقة من الأوراق ، فلم يقدمها وادعى عدم وجودها عنده ، فإن لها أن تحكم في موضوع الدعوى لمصلحة الخصم الذى يرجح لديها أنه هو المحق ، وبحسبها أن تكون قد دونت في حكمها حجج الطرفين ، واعتمدت في ترجيح ما رجحته منها على أسباب معقولة ، ليكون حكمها بعيداً عن رقابة محكمة النقض ، لأن الاجتهاد في ذلك كله داخل في فهم الواقع في الدعوى مما لا شأن فيه للقانون ( نقض مدنى 2 أبريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 342 ص 1082 ) .

[12] ^ وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا امتنع الخصم من تقديم مستند ـ كمحضر جرد تركة ـ بعد تكليف المحكمة له بتقديمه ، وأصبح من المستحيل بسبب هذا الامتناع الاطلاع على هذا المستند ، اعتبر خصمه قد أقام الدليل على ما كان يطلب إثباته من واقع هذا المستند ( استئناف مختلط 10 ديسمبر سنة 1941 م 54 ص 22 ) .

[13] ^ وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في شأن هذا النص ما يأتي : (( يدخل الالتزام بتقديم شيء في نطاق الالتزامات المقررة بنص القانون . ويقتضى ترتيب هذا الالتزام اجتماع شروط ثلاثة : (ا) أولها أن يدعى شخص بحق يتعلق بشيء ، شخصياً كان الحق او عينياً . (ب) والثاني أن يكون الشيء المدعى به في يد شخص آخر على سبيل الحيازة أو الإحراز ، سواء أكان هذا الشخص خصما في الدعوى أم لم يكن خصما فيها . (ج) والثالث أن يكون فحص الشيء ضرورياً للبت في الحق المدعى به من حيث وجوده ومداه . ويرجع تقدير هذه الضرورة غلى القاضي … فإذا اجتمعت الشروط المتقدم ذكرها ، جاز للقاضي أن يأمر بعرض الشيء أو الوثيقة المطلوبة ، إلا أن يتمسك المدين بمصلحة مشروعة أو سبب قوى للامتناع ، كالحرص على حرمة سر عائل مثلا . والأصل في العرض أن يحصل حيث يوجد الشيء وقت رفع الدعوى ، ولكن يجوز للقاضي أن يحكم بغير ذلك كما هو الشأن في تقديم الشيء أمام القضاء . وتكون نفقات العرض على نفقة من يطلبه . ويجوز إلزامه ، إذا رأى القاضي ذلك ، بتقديم تأمين لضمان تعويض ما قد يصيب محرز الشيء من ضرر من وراء هذا العرض )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 491 ـ ص 492 في الحاشية ) .

[14] ^ وقد قضت محكمة النقض بأن قاعدة أنه لا يجوز إلزام خصم بتقديم مستندات لخصمه ولا يجوز انتقال المحكمة للاطلاع عليها إلا إذا كانت هذه المستندات رسمية لا تنطبق في حالة ما إذا كانت الورقة مشتركة بين الطرفين بأن كانت مثبتة لالتزامات متبادلة بينهما ( نقض مدنى 8 فبراير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 61 ص 320 ) .

[15] ^ ومن أجل ذلك نصت المادة 258 من تقنين المرافعات على أنه (( إذا قدم الخصم ورقة للاستدلال بها في الدعوى ، فلا يجوز له سحبها بغير رضاء خصمه إلا بإذن كتابى من القاضي أو رئيس الدائرة )) .

[16] ^ انظر شرح المرافعات المدنية والتجارية للدكتور عبد المنعم أحمد الشرقاوي ص 456 ـ ص 460 وكتاب المرافعات المدنية والتجارية للدكتور أحمد أبو الوفا ص 492 ـ ص 494 .

[17] ^ ويكون الأمر مع ذلك أيضاً متروكاً لتقدير القاضي، فله أن يرفض طلب تقديم الورقة، ولو في إحدى هذه الحالات الثلاث ، إذا تبين له عدم جدية الطلب . وقد قضت محكمة النقض بأنه وإن كانت المادة 253 من تقنين المرافعات تجيز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة في الدعوى تكون تحت يده إذا توافرت إحدى الأحوال الثلاث الواردة فيها ، إلا أن الفصل في هذا الطلب باعتباره متعلقاً بأوجه الإثبات متروك لتقدير قاضى الموضوع ، فله أن يرفضه إذا تبين له عدم جديته ، وإذن في كانت المحكمة ، إذ رفضت إجابة طلب الطاعن بإلزام المطعون عليه بتقديم دفاتر الوقف لإثبات وفائه للأجرة التي ادعى أنه قام بدفعها ، قد قررت ، بالأدلة المبررة التي أوردتها وبمالها من سلطة التقدير الموضوعية في هذا الخصوص ، أنه طلب غير جدى ، فإن النعي عليها بمخالفة القانون يكون على غير أساس ( نقض مدنى 11 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام محكمة النقض 4 رقم 29 ص 183 ) .

[18] ^ مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 491 ـ ص 492 في الحاشية.