تقول الحكاية إنّ رجلاً فقيراً في الولايات المتحدة نشر إعلاناً في إحدى الصحف يقول فيه: إنْ كنت تريد أنْ تصبح ثرياً؛ فأرسل دولاراً واحداً على العنوان التالي. ويبدو أنّ الإعلان عزف على وتر الطمع بالثراء السريع في قلوب الملايين، فقد أرسل كل واحد منهم دولاراً واحداً، وغدا الرجل مليونيراً بمجرد إعلان من سطرين.
وبعد أن أصبح الرجل من أكبر الأثرياء، نشر إعلاناً آخر بعنوان “هكذا تصبح ثرياً”، بيّن فيه الطريقةَ التي أوصلته إلى الثراء، فأدرك أولئك الملايين من الناس أنهم وقعوا ضحيةَ عملية نصب، ورفعوا الأمرَ إلى القضاء، لكن القاضي لم يجد ما يدين به الرجل، فهو لم يستغلّ إلا سذاجتَهم، فقال العبارَة التي صارت من أشهر العبارات في التاريخ: “القانون لا يحمي المغفلين”.
وسواء حدثت هذه الواقعة أم لم تحدث، فهي تشكّل جريمةَ احتيال في كل قوانين الدنيا. فعلى سبيل المثال، يخصّص قانون العقوبات الهندي المادة 420 لعقاب المحتالين، حتى صارَ الهنود يطلقون اسم “جارسوبيس” على الشخص المحتال، و”جارسوبيس” يعني الرقم 420 باللغة الهندية.
وذلك الأميركي في تلك القصة هو محتالٌ في نظر القانون، ما دام أحدثَ لدى الناس الأملَ بحصول الثراء الوهمي، وحملهم على تسليم دولاراتهم إليه بتلك الوسيلة الاحتيالية، بغض النظر عن حقيقة أنهم سلّموا أموالَهم إليه بإراداتهم، ذلك أنّ إرادتَهم كانت معيبةً، لأنهم كانوا واقعين تحت تأثير الخداع.
وأكثر من ذلك، تضفي القوانين حمايةً إضافية على أهل الغفلة بالذات، وتشدّد عقاب مَن يستغل ضعف إدراكهم، فالنبيه الذكي صاحب الحيلة لا حاجة شديدةَ له لقانون يحمي حقوقَه، بينما الساذج ضعيف الإدراك أو حتى حسن النيّة وُجد القانون أساساً لحمايته، على عكس ما تقوله عبارة “القانون لا يحمي المغفلين”.
وهذه العبارة سيئة الأثر حاضرة في الأذهان طوال الوقت، وقد تكون سبباً من أسباب انتشار ما يسمى “الفهلوة” أو “الشطارة” بين الناس، اعتقاداً منهم أنها مهارة وقدرة، وأنّ هذا “الماهر” إنما يستغل قدراتِه، وهو غير مسؤول عن سذاجة المتعاملين معه، بينما في الواقع هو محتالٌ أو مدلِّس.
والفارق بين المحتال والمدلّس أنّ المحتال يدلّس إلى الدرجة التي لولا تدليسه لما أُبرم العقد أو التصرّف، كمن يبيع سيارة لا وجود لها، بينما المدلّس يساهم تدليسه في إبرام العقد أو التصرف، كمن يبيع سيارتَه بعد التلاعب بعدّاد الكيلومترات.
والمحتال يعاقب جزائياً، فيدخل السجنَ أو يدفع الغرامة ويصبح من أرباب السوابق، بينما المدلّس يُقاضَى مدنياً، ويبطُل تصرّفه ويُحكم عليه بالتعويض. ويعلم الله ما الذي أحدثته عبارة “القانون لا يحمي المغفلين” في الناس عبر الأجيال، فنحن كبشر أسرى مقولات تعشش في عقولنا، وقليلاً ما نفحص مسلماتنا.
ويعلم الله المدى الذي ساهمت به تلك العبارة في عزوف ضحايا الاحتيال عن اللجوء إلى القضاء لاسترداد حقوقهم، أو مدى الثقة التي زرعته تلك العبارة في قلوب الطامعين للإقدام على الاحتيال ما دام القانون لن يحمي ضحاياهم الأغبياء، وهو الاعتقاد الخاطئ الذي يودي بمن يتصورون أنفسَهم “شطاراً” أذكياءَ إلى السجن، ليكونوا في الحقيقة أغبى من ضحاياهم.