المنازعات الضريبية من الألف إلى الياء وفق قانون الإجراءات الضريبية الجديد

بسم الله الرحمن الرحيم

تبوأت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانةً متقدمةً بين دول العالم لأسباب كثيرة وعوامل متعددة، وأحد أهم هذه الأسباب هو القدرة الاستثنائية لدى الحكومة الإماراتية على رسم الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى من أجل تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على مكتسبات الاتحاد والمضي قدماً لتحقيق المزيد من المنجزات. ومن هذا المنطلق، وعلى هذا المنهج، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة التشريعات الضريبية حديثاً، لما للضريبة من دور هام في السياسات الاقتصادية المعاصرة، كونها أداةً يمكن من خلالها تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية التي تصبو إليها الدولة، ولا تقف عند حد الغرض التقليدي القديم المختزل في مجرد تمويل الخزينة.

وعلى هذا، صدر قانون ضريبة الشركات والأعمال بموجب المرسوم الاتحادي رقم 47 لسنة 2022، وباتت الشركات تترقب تطبيقه بدءاً من 1 يونيو 2023. ومع تطبيق هذا القانون، يُتوقع بطبيعة الحال أن تزداد النزاعات الضريبة وتتنوع أشكالها وتتكثف تعقيداتها، مما يستتبع ضرورة وضع نظام إجرائي رصين محكم، يمكن من خلاله فض المنازعات الضريبية بطريقة عادلة، سريعة، فعالة، تراعي الطبيعة الخاصة لموضوع النزاع: الأموال الضريبية، من حيث النتيجة النهائية.

أخذاً بما علا بالحسبان، بادرت السلطة التشريعية في الدولة بإصدار قانون الإجراءات الضريبية الاتحادي بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 28 لسنة 2022، متضمناً تحديثات هامة للغاية، ومفاهيم جديدة، وإعادة رسمٍ لخطة النزاع الضريبي، من نشأته إلى نهايته. وعلى ضوء هذا القانون الجديد، تجيء هذه المقالة الموجزة، التي يمكن وصفها بأنها دليل إيضاحي مختصر، وخريطة مصغرة، تشرح طريق المنازعات الضريبية وطرق الفصل فيها في دولة الإمارات العربية المتحدة.

أولاً: التظلمات الداخلية

يبدأ أي نزاع ضريبي في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال تقديم منازعة – هي أشبه بالتظلم – للهيئة الاتحادية للضرائب نفسها. ولا يجوز أن تبدأ أي منازعة ضريبية دون هذا التظلم السابق، بما مؤداه أن التظلم للبدء في المنازعة الضريبية هو أمر وجوبي وإلزامي. وهذا التظلم الوجوبي هو الطلب المسمى “طلب إعادة نظر”، إذ لا يمكن السير قدماً في أي منازعة ضريبية دون سبق تقديمه. ولكن قانون الإجراءات الضريبية الجديد أتاح أيضاً تظلماً آخر، سابقاً على طلب إعادة النظر، أسماه “طلب مراجعة التقييم الضريبي والغرامات الإدارية المرتبطة به”، أو اختصاراً: “طلب المراجعة”، ومن ثم كان حرياً بنا أن نعرض لهذين الطلبين وفق الترتيب الآتي:

أ‌. طلب المراجعة:

جاء قانون الإجراءات الضريبية الاتحادي الجديد بطريق جديد لبدء المنازعة الضريبية، لم يكن له وجود في قانون الإجراءات الضريبية السابق، أسماه: “طلب مراجعة التقييم الضريبي والغرامات الإدارية المرتبطة به”، وجعله طلباً خيارياً، بمعنى أن الشخص الذي يريد إقامة منازعة ضريبية، يمكنه أن يرفعه، ويمكنه ألا يرفعه، فإذا اختار الخيار الأخير (ألا يقيد طلب مراجعة)، فإن هذا لا يضيره شيئاً، ويمكنه أن يبدأ منازعته الضريبية من نقطة الانطلاق الإلزامية: “طلب إعادة النظر”، وسيأتي شرحها.

وعموماً، طلب مراجعة التقييم الضريبي والغرامات الإدارية المرتبطة به يعتبر من قبيل التظلمات، بمعنى أنه يقدم للهيئة الاتحادية للضرائب نفسها، وباستخدام النموذج الذي توفره الهيئة الاتحادية للضرائب، وبالآلية التي تحددها أيضاً. ويجب رفعه خلال 40 يوم عمل من تاريخ تبليغ المكلف بالضريبة بالتقييم الضريبي الخاص به، ويجب أن يكون الطلب مسبباً، بمعنى أنه يجب على مقدم الطلب أن يشرح ويبين مكامن اعتراضه ومباعث منازعته في تقييمه الضريبي والغرامات الإدارية، أو جزءٍ منهما، أو جزءٍ من أيٍ منهما بطبيعة الحال.

ولا يجب لتقديم هذا الطلب سبقُ سداد الضريبة أو الغرامات الإدارية أو أي جزء منها، ولذلك ننصح معظم الأطراف أن يقدموا طلبات المراجعة قبل تقديم طلب إعادة النظر، لكي يكونوا على بينةٍ من أمرهم، ولكي تتضح لهم الصورة قبل تقديمهم طلب إعادة النظر. فإذا قُدم طلب المراجعة، فعلى الهيئة الاتحادية للضرائب أن تفصل فيه في غضون 40 يوم عمل، ولكنها يمكنها تمديد هذه المدة وفقاً لحالات حصرية ستحددها اللائحة التنفيذية لقانون الإجراءات الضريبية، ثم على الهيئة الاتحادية للضرائب أن تبلغ مقدم الطلب بالقرار الصادر في طلبه في غضون خمسة أيام عمل أيضاً.

ولا يشترط أن يكون القرار الصادر في طلب المراجعة مسبباً، ويمكن للهيئة الاتحادية للضرائب بحسب ما ورد في طلبات عريضة طلب المراجعة أن تعدل التقييم والغرامات، أو تلغيهما، أو جزءاً منهما، أو أن ترفض الطلب، وإذا أرد الخاضع للضريبة الاستمرار في منازعته الضريبية عقب صدور القرار في المراجعة، فإن سبيله الوحيد هو تقديم طلب إعادة نظر على القرار الصادر في طلب المراجعة، وهو الآتي بيانه.

ب‌. طلب إعادة النظر:

طلب إعادة النظر هو أيضاً تظلم مسبَب يقدم للهيئة الاتحادية للضرائب نفسها، بغية معاودة فحص قرارٍ ما صادرٍ عن الهيئة، خلال أربعين يوم عمل من تاريخ التبليغ بهذا القرار، باستخدام النموذج واتباع الآلية المحددة من الهيئة الاتحادية للضرائب، ودون أن يُلزم مقدِّمه بسداد الضريبة أو الغرامات المتعلقة بها أولاً. ويجوز للخاضع للضريبة ألا يقدم طلب مراجعة، وأن يبدأ منازعته فوراً بطلب إعادة نظر، ولكن، يمكن كذلك أن يكون القرار المراد إعادة نظره هو القرار الصادر في طلب المراجعة كما أسلفنا، فمثلاً، إذا لم ينل القرار الصادر بخصوص طلب المراجعة قبول المنازع في الضريبة، فله أن يكمل منازعته من خلال تقديم طلب إعادة نظر.

جدير بالذكر أنه في حال لم تبلغ الهيئة الاتحادية للضرائب مقدم طلب المراجعة بالقرار الصادر في طلبه، خلال المدة المقررة (ستة وأربعين يوم عمل)، دون أن يكون ثمة تمديد، فإن مقدم طلب المراجعة يمكنه تقديم طلب إعادة نظر، وليس عليه أن يلبث منتظراً صدور القرار بعد انتهاء المدة القانونية المقررة لإصدار القرار (أربعين يوم عمل) والتبليغ به (خمسة أيام عمل)، غير أنه لا يجوز تقديم طلب إعادة النظر إلا إذا مضت هذه المدة كاملة، فإذا لم تمضِ، وقدم المنازع طلب إعادة نظر، مع أن طلب المراجعة ما زال محل فحص ولم تنتهِ مدة إصدار القرار ومدة التبليغ بالقرار، فإن طلب إعادة النظر يكون غير مقبول.

وتكمن أهمية طلب إعادة النظر في كونه وجوبياً لاستمرار أي منازعة ضريبية، فلا يمكن لأي منازعة ضريبية أن تستمر وتتحرك قدماً دون أن يكون ثمة طلب إعادة نظر قد قُدم حسب الأصول للهيئة الاتحادية للضرائب. ومن هنا نرى أن قانون الإجراءات الضريبية كان منطقياً عندما أوجب على الهيئة الاتحادية للضرائب أن تسبب قرارها الصادر في طلب إعادة النظر، ولم يوجب عليها تسبيب قرار طلب المراجعة، لأن طلب إعادة النظر والقرار فيه هو لبنة الأساس في المنازعة الضريبية.

ثانياً: الاعتراض أم لجان فض المنازعات الضريبية

أنشأ قانون الإجراءات الضريبية السابق لجانَ فض المنازعات الضريبية، وجعلها تابعةً لوزارة العدل، فليست تابعةً للهيئة الاتحادية للضرائب ولا منبثقةً عنها. ويأتي دور هذه اللجان في كونها المحطة الثانية في المنازعة الضريبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإذا أراد شخصٌ ما الاستمرار في المنازعة الضريبية عقب تقديمه طلب إعادة نظر، فإنه يجب أن يعبر بمنازعته أمام هذه اللجان من خلال تقديم “اعتراض” على قرار إعادة النظر الخاص به، ويمكنه أيضاً تقديم “اعتراض” إذا لم تبلغه الهيئة الاتحادية للضرائب بقرارها في طلب إعادة النظر في غضون ستة وأربعين يوم عمل (ما لم يكن هناك تمديد).

فاختصاص هذه اللجان ينحصر في نظر الاعتراضات على قرارات طلبات إعادة النظر، ولا تقبل اللجان أصلاً أي اعتراض على أي قرار ما لم يكن ذلك القرار قد قُدم بشأنه طلب إعادة نظر. وميعاد تقديم الاعتراض أربعون يوم عمل من تاريخ التبليغ بالقرار الصادر في طلب إعادة النظر، أو من التاريخ الذي كان يتعين فيه على الهيئة الاتحادية للضرائب أن تبلغ ذا الشأن بالقرار الصادر في طلب إعادة النظر، ولا بد أن يكون الاعتراض مسبباً، وأن يقدم أيضاً على النموذج المحدد وبالآلية التي تفصح عنها اللجان، ويمكن تقديمه يدوياً في مبنى وزارة العدل، لجان فض المنازعات الضريبية، في مبنى الوزارة في أبوظبي أو دبي بحسب الحال، ويمكن أيضاً تقديمه إلكترونياً من خلال نظام الاعتراضات الإلكتروني.

وأهم شرط للاعتراض أمام لجان فض المنازعات الضريبية هو سداد كامل الضريبة المتنازع بشأنها. فيجب على مقدم الاعتراض أن يقدم الدليل على أنه سدد الضريبة كاملةً لكي يقيد اعتراضه، وإذا قيده دونما سدادٍ للضريبة الكاملة، فإن مآل اعتراضه هو عدم القبول لعدم استيفاء الشروط الشكلية لقيد الاعتراض. ولقد كان قانون الإجراءات الضريبية السابق يوجب سداد الضريبة كاملةً بالإضافة إلى كل الغرامات أيضاً، أما القانون الجديد، فقد ألغى إلزامية سداد الغرامات، وأبقى فقط على وجوب سداد مبلغ الضريبة المتنازع بشأنها كاملاً.

وقد أُنشئت في الدولة ثلاث لجان، الأولى في أبوظبي، والثانية في دبي، والثالثة في الشارقة، ويتحدد الاختصاص المكاني لكل لجنة بناءً على عنوان الخاضع للضريبة حسب ملفه الضريبي، وتستثنى من ذلك لجنة الشارقة، إذ إنها تختص بكل النزاعات التي تقام من قبل مكلفين بالضريبة ذوي عناوين في إمارات: الشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة. فإذا تم تقديم الاعتراض باستيفاء كل الشروط المذكورة أعلاه، فعلى اللجان النظر فيه والبت خلال مدة عشرين يوم عمل أيضاً، ولها حق التمديد، ثم يُبلغ ذو الشأن بالقرار الصادر في الاعتراض خلال خمسة أيام عمل من تاريخ إصدار القرار. وإذا كان القرار صادراً في ضريبة تبلغ قيمتها 100،000 (مائة ألف درهم) أو أقل، فهذا القرار يعد نهائياً، ويمكن التنفيذ بمقتضاه فوراً، ولا يجوز الطعن فيه قضائياً.

ثالثاً: الطعن أمام المحاكم

المرحلة الثالثة والأخيرة للمنازعات الضريبية هي المحاكم القضائية، وتحديداً المحاكم الاتحادية، حيث أجاز قانون الإجراءات الضريبية الطعن في القرارات الصادرة عن لجان فض المنازعات الضريبية بشرط أن تزيد قيمة النزاع على مائة ألف درهم. وبشرط تقديم الاعتراض خلال أربعين يوم عمل من تاريخ التبليغ بالقرار الصادر في الاعتراض، أو من تاريخ اليوم الذي كان يتوجب فيه على اللجان أن تبلغ بها المعترض بالقرار الصادر في اعتراضه. ويجب سداد الضريبة لقبول الطعن القضائي، فإذا كان المعترض قد أُعفي من سداد الضريبة لدى قيده للاعتراض، فإن هذا الإعفاء لا يمتد إلى الطعن القضائي، بل يجب سداد الضريبة كاملةً.

وزيادةً على الضريبة، لا بد من سداد نصف الغرامات الإدارية المقررة على المعترض أيضاً، فإذا لم يقدم الطاعن ما يثبت سداده للضريبة ونصف الغرامات الإدارية، فإن طعنه القضائي سينتهي حتماً بعدم القبول. ويتم الطعن القضائي من خلال القيد العادي حسب إجراءات رفع الدعاوى العادية، ويتم سداد الرسم فوراً أو خلال ثلاثة أيام من تاريخ إيداع الصحيفة حسب المقرر في قانون الإجراءات المدنية الاتحادي.

والمحكمة المختصة بنظر الطعون القضائية في المنازعات الضريبية هي محكمة أبوظبي الاتحادية الابتدائية، إذ فيها دائرةٌ ضريبية أنشأها وزير العدل بموجب قراره رقم 237 لسنة 2019، وحتى تاريخ نشر هذا المقال، ليست هناك أي دائرة ضريبية أخرى في الدولة عدا دائرة محكمة أبوظبي الاتحادية الابتدائية.

ومتى قيدت دعوى الطعن القضائي في الاعتراض، فإن الإجراءات تسير كما لو كانت دعوى عادية، فيجب إعلان المطعون ضده (المدعى عليه)، وتتداول الدعوى من خلال تبادل المذكرات والمستندات أمام مكتب إدارة الدعوى، الذي يحيل إلى القاضي المشرف عندما يجد أن الدعوى جاهزة وأن الطرفين قد استوفيا التعقيب والرد، فيصدر القاضي المشرف قراره بحسب ما يراه مناسباً، إما بحكم تمهيدي يندب فيه خبيراً، أو يحدد جلسةً لسماع الشهود، أو غير ذلك مما له مقتضى حسب مجريات النزاع، وإما يقرر إحالة الدعوى لجلسة علنية أمام الدائرة المختصة، ثم تحجز الدعوى للحكم عادةً على ضوء هذه الجلسة العلنية الوحيدة، ويصدر الحكم هدياً بما تم تقديمه من مستندات، ووفقاً للطلبات المقدمة.

وعلى المحكمة في سبيل إصدار حكمها في أي منازعة ضريبية أن تتحقق أولاً وبنفسها من مقبولية الطعن، بأن تتأكد من وجود طلب إعادة نظر سابق، ومن وجود اعتراض أيضاً، ومن سداد الضريبة كاملةً بالإضافة إلى نصف الغرامات الإدارية، ومن التزام الطاعن بالميعاد القانوني المقرر. فإذا وجدت أن الشكل مستوفى، انتقلت للفصل في الموضوع على ضوء المعطيات الموضوعية. ويكون الحكم قابلاً للاستئناف والطعن بالنقض وفقاً لقواعد الطعن في الأحكام من حيث النصاب والميعاد والرسوم حسبما هو مقرر في قانون الإجراءات المدنية الاتحادي.

بقلم:

أحمد محمد بشير | مكتب أحمد محمد بشير للمحاماة والاستشارات القانونية