ورد بالفصل 192 من ﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﻤﺭﺍﻓﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻴﺔ التونسية (م.م.م.ت):
“ويعتبر الخطأ بيناً:
1- إذا بني قرار الرفض شكلاً على غلط واضح.
2- إذا اعتمد القرار نصاً قانونياً سبق نسخه أو تنقيحه بما صيره غير منطبق.
3- متى شارك في القرار من سبق منه النظر في الموضوع.”
وتستوجب الحالة الأولى توضيحاً، فقد تعمد إحدى دوائر التعقيب إلى رفض مطلب التعقيب شكلاً والحال أنه استوفى جميع شروطه الإجرائية. ولذلك أجاز المشرع الطعن في هذه الحالة في القرار، لكن بشرط أن يكون غلط الدائرة واضحاً. إن الغلط لغة هو الخطأ أي ما لم يتعمد من الفعل، والواضح هو الظاهر أو البين. ويبدو أن المقصود من الغلط الواضح هو الغلط الذي لا يختلف فيه اثنان لثبوته ووضوحه، كأن تقرر المحكمة خطأ رفض التعقيب شكلاً لفوات أجل الطعن (الأستاذ نورالدين الغزواني،الجديد في وظائف محكمة التعقيب، ملتقى محكمة التعقيب، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 1989، العدد 2 ص 41). وتبعاً لذلك، يجب استبعاد كل الأخطاء التي ينقصها الوضوح، أو الناجمة عن الاجتهاد (قرار الدوائر المجتمعة عدد 136 مؤرخ في 30/11/2000).
إذا شاب القرار التعقيبي خطأ بين فكيف السبيل إلى تصحيحه؟
1- إجراءات القيام
نص الفصل 193 من م.م.م.ت على أنه “تتركب الدوائر المجتمعة من الرئيس الأول ورؤساء الدوائر وأقدم مستشار في كل دائرة على أن لا يقل أعضاء الهيئة عن الثلثين من كل صنف، وتعقد جلساتها بمحضر وكيل الدولة العام وبمساعدة كاتب المحكمة، وتجتمع بدعوة من الرئيس الأول ويكون رأيه مرجحاً عند تعادل الآراء. وله دعوتها بطلب من أحد الخصوم للنظر في تصحيح خطأ بين حاصل في قرار إحدى الدوائر…”.
ويتبين من هذا النص أن على الطاعن رفع طلب إلى الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، يوضح الخطأ الحاصل في قرار إحدى دوائر التعقيب، وعليه أن يضيف إلى مطلبه نسخة مجردة من القرار المطعون فيه مع المؤيدات. لكن رفع المطلب لا يؤدي إلى الاجتماع الآلي للدوائر، بل يعلق هذا الاجتماع على رأي الرئيس الأول، الذي يقوم بفحص المطلب وأسانيده قبل أن يقرر السكوت عنه أو دعوة الدوائر المجتمعة للانعقاد، وليس لرأي وكيل الدولة العام إلا قيمة استشارية.
وقد يكون الهدف من هذه الرقابة الأولية للرئيس الأول الحد من القيام بالطعن. لكن التطبيق يبرز عدم أداء الرئيس الأول للواجب المحمول عليه إذ قضي في بعض الحالات بالرفض شكلاً لعدم الطعن على أساس حالة الخطأ البين (قرار الدوائر المجتمعة رقم 1 المؤرخ في 19/06/1987، نقلا عن الأستاذ الغزواني، المقال السابق ص 47).
ويجب على القائم أن يقوم في الأجل المحدد بثلاثة أشهر طبق الفصل 193 من م.م.م.ت، ويبدأ سريانه من تاريخ صدور الحكم. وقد انتقد الأستاذ الغزواني هذا الأجل، ذلك أن ضبطه لا يستند إلى أي مبرر موضوعي. فتلخيص القرار التعقيبي ورقنه يستغرقان وقتاً طويلاً يفوق في حالات كثيرة هذه المدة (نورالدين الغزواني، المقال السابق، ص47). ويمكن إثارة مسألة خضوع هذا المطلب للإجراءات المطبقة على الطعن بالتعقيب من دفع المعاليم ووجوب تبليغ المعقب عليه نظيراً من مذكرة الطعن.
لقد سكت المشرع عن بيان الإجراءات الواجب استيفاءها، ويبدو أن محكمة التعقيب لم ترَ ضرورة إخضاع المطلب للإجراءات العادية في أحد موقفيها (قرار الدوائر المجتمعة رقم 2 بتاريخ 19/6/1987، نقلاً عن الأستاذ الغزواني، المقال السابق، ص47، والقراران عدد 141 وعدد 142 المؤرخان في 26/10/2000، ذكرهما الأستاذ التيجاني عبيد، إجراءات الطعن بالخطأ البين، مجلة القضاء والتشريع، ماي 2002 ص36).
لكنها قررت في موقف آخر أن خلاص المعاليم وإبلاغ المعقب عليه نظيراً من مذكرة الطعن أمر واجب مثلما هو الشأن في الحالات العادية للطعن بالتعقيب (قرار الدوائر المجتمعة عدد 46 مؤرخ في 10/12/1991، مجموعة قرارات الدوائر المجتمعة 1961-1992). إذا استوفى المطلب شروطه وكان مؤسساً استوجب الأمر تصحيح الخطأ البين.
2- النظر في الطعن
جاء بالفصل 193 من م.م.م.ت “وفي هذه الصورة تبت الدوائر المجتمعة طبق أحكام الفصول 176 و177 و178 و197”.
– الفصل 176 فقرة 1: بإمكان الدوائر المجتمعة أن تتصرف تصرف إحدى الدوائر بمناسبة طعن أول فتنظر في القرار التعقيبي، وإذا رأت نقضه أحالت القضية إلى دائرة تعقيب أخرى تتركب من قضاة آخرين. غير أن هذا الفهم يبدو مجانباً للصواب، لأن النص صريح في وجوب إرجاع القضية إلى محكمة الأصل، ولا مجال للقول بخصوصية طلب التصحيح ما دام الفصل 193 من م.م.م.ت لم يشر إلى ذلك.
وتأسيساً عليه يمكن القول إن الدوائر المجتمعة تعد في حالة الخطأ البين كدائرة تعقيب، وعليها التعهد بالنظر في الحكم الذي نظرت فيه الدائرة، فإن كان الطعن غير وجيه رفضته، وإن كان وجيهاً قررت قبوله، ولها إبطال الحكم أو نقضه كلياً أو جزئياً وإحالة القضية إلى محكمة الموضوع.
– الفصل 176 فقرة 2 من م.م.م.ت: بإمكان الدوائر المجتمعة أن تجمع بين تصحيح الخطأ البين والنظر في الموضوع، وذلك إذا كان هناك طعن ثانٍ لغير السبب الأول الواقع من أجله النقض، ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه بشرط أن يكون الموضوع مهيأ للفصل.
– الفصل 177 من م.م.م.ت: للدوائر المجتمعة أن تقتصر في بعض الحالات على التصريح بحذف الجزء المنقوض من منطوق الحكم دون إحالة إذا رأت أن مجرد الحذف يغني عن إعادة النظر، كما لها أن تقتصر على النقض دون إحالة كلما لم يبق موجب لإعادة النظر.
– الفصل 178 من م.م.م.ت: يوجب هذا النص على محكمة التعقيب إرجاع القضية إلى المحكمة التي نقض حكمها لتعيد النظر فيه بهيئة أخرى، وقد ذهب الأستاذ الغزواني إلى أن هذا الفصل مخالف للفصل 176 من م.م.م.ت الذي يشير إلى وجوب إحالة القضية إلى محكمة الأصل لإعادة النظر فيها (الغزواني، المقال السابق، ص50). ويبدو لنا هذا التضارب ظاهرياً، إذ أن معنى المحكمة في الفصل 178 هو قطعاً وبلا ريب محكمة الموضوع.
وكما سلف بيانه، فإن الدوائر المجتمعة تتعهد بالطعن، وإذا نقضت الحكم، فإنها تعيد القضية إلى محكمة الأصل. فالمشرع جعل الدوائر في هذه الحالة كدائرة تعقيب. وقد أشار الأستاذ الغزواني إلى أنه لا يعقل أن يصل النزاع إلى الدوائر المجتمعة ولا تبتــُّـه بتاً نهائياً، وتتنحى عن ذلك لمحكمة أقل منها شأناً (الغزواني، المقال السابق، ص 50). ونرى أن هذا عين المنطق، وهو ما يمكن أن تهدينا إليه قراءة دقيقة للفصلين 192 و193من م.م.م.ت.
فقد نص الفصل 192 على أنه “تنظر الدوائر المجتمعة أيضاً…”، وتأتي عبارة “أيضاً” بمعنى كذلك، ولا تأتي إلا مع أمرين بينهما توافق، وهذا يعني أن نظر الدوائر المجتمعة في حالة الخطأ البين كنظرها في حالة الفصل 191 من م.م.م.ت، أي حالة الطعن في حكم الإحالة بنفس السبب الذي وقع النقض من أجله أولاً. ويتدعم هذا التأويل بصيغة الفصل 193 “وله دعوتها للنظر في تصحيح خطأ بيِّن حاصل…”، والتي تفيد أن موضوع النظر هو التصحيح، أي إزالة الخطأ. وقد أكد المشرع هذا المعنى تأكيداً لا لبس فيه بإضافة لفظ “حاصل”، فالخطأ موجود وثابت.
ونستنتج مما سبق أن القانون لا يبيح للرئيس الأول دعوة الدوائر المجتمعة إذا لم يكن الخطأ البيِّن موجوداً، فيجب عليه فحص المطالب وتمحيصها، ورفض غير المؤسسة منها. لا تنظر الدوائر المجتمعة إذاً في صحة المطلب، بل تصحح خطأ القرار المعيب، وتصدر قراراً آخر يفصل ما بتته الدائرة (يراجع الرأي المخالف، الأستاذ حافظ بوعصيدة، تصحيح الخطأ البين، مجلة القضاء والتشريع، جانفي 2001،ص26).
– الفصل 197 من م.م.م.ت: ينص هذا الفصل على تطبيق قواعد الإجراءات على قضايا التعقيب فيما لا يخالف أحكام التعقيب وطبيعة نظر المحكمة العليا.
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة