موقف الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عند النظر في الطعن بالخطأ البين

لقد باشرت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب تعهدها بالنظر في الطعن بالخطأ البيِّن مستندة، في أول الأمر، إلى دلالة القانون حسبما تقتضيه عبارته، ثم عمدت إلى النأي عن النص .

 

1- التعهد بالطعن تصحيحا للخطأ البين

أكدت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب أن مقتضى الفصل 192 وما يليه من مجلة المرافعات المدنية والتجارية التونسية (م.م.م.ت.) أن تنظر الدوائر المجتمعة في الطعن بالخطأ البين لتصحيحه وذلك بإلغاء القرار التعقيبي المعيب، والنظر في موضوع الطعن بالتعقيب. فقد قررت في قرارها رقم 6 المؤرخ في 02/06/1988 قبول مطلب تصحيح الخطأ البيِّن شكلاً وأصلاً وإبطال القرار التعقيبي المعيب، وتبعاً لذلك قبول مطلب التعقيب شكلاً وأصلاً ونقض الحكم الاستئنافي دون إحالة (قرارات الدوائر المجتمعة 1961/1992،طبعة 1996،ص 144).

وذهبت في قرارها عدد 10 المؤرخ في 02/06/1988 إلى قبول مطلب تصحيح الخطأ البيِّن شكلاً وأصلاً وإبطال القرار التعقيبي المعيب، وتبعاً لذلك قبول مطلب التعقيب شكلا ورفضه أصلا لانبناء الحكم المنتقد على مستندات صحيحة واقعاً وقانوناً (قرارات الدوائر المجتمعة 1961/1992، طبعة 1996 ص 477).

وقد اتبعت الدوائر المجتمعة النهج نفسه في القرار عدد 14 المؤرخ في 01/07/1988 مقررة بعد إبطال القرار التعقيبي المعيب قبول مطلب التعقيب شكلاً ورفضه أصلاً (قرارات الدوائر المجتمعة 1961/1992،طبعة 1996 ص 466). رغم ما يتميز به هذا الموقف من وجاهة فيما يتعلق بنظر الدوائر المجتمعة تصحيحاً للخطأ البيِّن (يراجع مقالنا الطعن بالخطأ البين)، فقد ارتأت الهيئة القضائية العليا العدول عنه.

 

2- التعهد بالطعن تقريراً للخطأ البين

أكدت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب في قرارها عدد 133 المؤرخ في 23/03/2000، بعد الإشارة إلى الفصول 176 و177 و178 و192 و193 من م.م.م.ت، أن نظر الدوائر المجتمعة “ينحصر في البت في الغلط الواضح وجوداً أو عدماً وليس لها أن تتجاوز ذلك إلى النظر في أسباب الطعن التي كان الطاعن قد وجهها لانتقاد الحكم المعقب…” (قرارات الدوائر المجتمعة 1999/2000،طبعة 2001 ص 149).

وصرحت في القرار عدد 156 المؤرخ في 18/01/2001 بأن فقه قضائها قد استقر على أن مجال نظرها مقصور على الحالات الواردة بالفصل 192 من م.م.م.ت على سبيل الحصر ولا يمكن أن تبت أصل الموضوع ولا أن تنظر في أسباب الطعن في الحكم المعقب (نقلاً عن الأستاذة وحيدة بن عبد الله، الخطأ البيِّن، محاضرة ختم التمرين، الهيئة الوطنية للمحامين بتونس، السنة القضائية2010/2011 ص 42).

وعللت عدم نظرها في أسباب الطعن في الحكم المعقب بالقول “إن الطعن بالخطأ البيِّن وسيلة استثنائية لا يجوز التوسع فيها، هذا من جهة، ومن أخرى فإن الدوائر المجتمعة لا تنظر في هذا النوع من المطاعن (المطاعن الموجهة للحكم المعقب) إلا إذا كان الطعن للمرة الثانية ولنفس السبب القانوني وبمناسبة تعهدها بالمطلب على هذا الأساس لا على أساس الخطأ البين.” ( قرار الدوائر المجتمعة عدد 167 المؤرخ في 28/02/2002، نقلاً عن الأستاذ عصام الأحمر، فقه قضاء الدوائر المجتمعة 1961-2007 ص 97).

إن المتأمل في هذا الرأي يلاحظ بأنه يعطل دون حق عمل الفصل 193 من م.م.م.ت الذي يشير صراحة إلى تطبيق الفصول 176 و177و178 و197 من م.م.م.ت،ويضع قاعدة إجرائية لم ينص عليها المشرع، وهي إحالة الملف إلى إحدى دوائر التعقيب مجدداً. فلو أراد المشرع هذا الحل لنص عليه صراحة، ولا يمكن لذي فهم أن يقتنع بما تريد الدوائر المجتمعة الإقناع به من التأويل البعيد عن اللغة والمنطق.

 

بقلم:

يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة