1- سبب الدعوى أسسها القانونية
انقسم أصحاب هذا الرأي إلى اتجاهين، أما الأول فيرى أصحابه أن السبب مفهوم قانوني أي مبدأ مجرد يمكن من تحديد المطلب، فهو القاعدة القانونية التي يستند إليها المدعي ويطرحها على القاضي المتعهد بالنظر، ومن أنصار هذا الاتجاه Savatier(note Dalloz 1928,1.158) وGilli (Ia cause juridique de la demande en justice L.G.D.J 1962 p24 et p76 et s.). وأما الاتجاه الثاني فيعرف السبب بأنه الواقعة المحسوسة والموصوفة قانوناً والتي يرتكز عليها الطلب، إذ يؤكد الأستاذ Hebraud أن القانون لا يصبح سبباً إلا إذا اندمج في الوضعية المحسوسة (R.T.D.Civ 1960 p709 et s.).
وينتج عن هذه النظرية بفرعيها أن المحكمة مقيدة بالأسس القانونية التي يعتمدها الأطراف سواء تمثلت في تكييف قانوني للوقائع أم في قاعدة قانونية. وقد أكدت محكمة التعقيب في قرار مؤرخ في 20 ماي 1976 أنه لا يمكن طلب الفسخ بسبب الضرر الحاصل للمحل طبق الفصل 796 من م.ا.ع، ثم تغيير الأساس عند الاستئناف إلى الفصل 274 من نفس المجلة الذي يتعلق بالفسخ لعدم التنفيذ (نشرية محكمة التعقيب 1976 الجزء 2 ص 58.).
كما صدر قرار تعقيبي في 27 ديسمبر 1973 قرر أن التمسك بنص قانوني أول مرة لدى محكمة الاستئناف مع الإصرار على المطلب نفسه يعد سبباً جديداً جائزاً قبوله طبق الفصل 148 من م.م.م.ت. (نشرية محكمة التعقيب 1973 القسم المدني ص 199) لا شك أن النتائج التي توصل إليها هذه النظرية لا يقبلها المنطق ولا يقرها القانون، ولذلك تجاوزها الفقه.
2- سبب الدعوى عناصرها الواقعية
يتكون سبب الطلب في التصور المعاصر من عناصر الواقع المطروحة من قبل الأطراف لدعم طلباتهم (Ben Abdallah, l’office de juge en procédure civile tunisienne, Thèse pour le doctorat d’Etat,Dijon 1992 p237.) ويذهب الأستاذ H.Motulsky إلى أن مجموع الوقائع المعروض من قبل الأطراف، فهو لا يعدو أن يكون جملة العناصر المنشئة للحق، ولا يمكن إدماج الوصف القانوني في هذا المفهوم (Ecrits T1 ,Dalloz 1973 p275 et s).
وقد قررت محكمة التعقيب أن عقد الكراء هو سبب الطلب (القرار التعقيبي عدد 17278 الصادر عن الدوائر المجتمعة في 27 نوفمبر 1987،مجلة القضاء والتشريع جانفي 1989 ص 73.). ويبدو هذا الرأي قابلاً للنقاش لأنه يتأسس على خلط بين سبب الدعوى وسبب الحق.
إن السبب في اللغة هو ما يتوصل به إلى غيره ، ويعني هذا أن سبب الدعوى هو الباعث عليها، وقد جاء بالفصل 148 من م.م.م.ت “يمكن تغيير السبب المبني عليه المطلب…”، وأكد الفصل 20 من نفس المجلة أنه “توصف بدعاوى شخصية الدعاوى المبنية على التزام شخصي مصدره القانون أو العقد أو شبه العقد أو الجنحة أو شبه الجنحة. أما الدعوى المبنية في آن واحد على حق عيني عقاري وحق شخصي فهي دعوى مختلطة…”
نستنتج من القراءة الشاملة للفصلين 20 و 148 من م.م.م.ت أن سبب الدعوى هو الحق، وهو ما يتدعم بالفصل 19 من المجلة عينها الذي ينص على “حق القيام لدى المحاكم يكون لكل شخص له صفة وأهلية تخولانه حق القيام بطلب ما له من حق…”
وقد أكدت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب أن سبب دعوى كف الشغب في العقار المسجل هو حق الملكية (قرار مؤرخ في 13/12/1985 نشرية محكمة التعقيب 1985 ج 1 ص 245).
يضع المشرع إذاً قاعدة لا دعوى مؤسسة دون حق لأنها تكون غير مسببة. غير أنه يجب التنبيه إلى أن هذا المدلول للسبب هو المبدأ في القانون، ولكن توجد حالات لا يؤسس فيها الادعاء على حق كأغلب الدعاوى في المادة الولائية، ونرى في مثل هذه الصور أن سبب الدعوى هو العناصر الواقعية الباعثة على الادعاء.
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة