1- الصبغة القانونية لموضوع الدعوى
يمكن للموضوع أن يكون في التصور التقليدي نتيجة اقتصادية ملموسة كمبلغ من المال، ويمكن أن يكون إجراءً قانونياً كفسخ عقد أو التصريح بوضعية جديدة كالطلاق. ومفاد هذا الطرح أن للقاضي فسخ عقد الكراء مثلاً دون الحكم باسترجاع المحل إذا لم يطلب منه ذلك صراحة. ومن أنصار هذه النظرية الأستاذ Morel الذي يرى أن الموضوع هو الإجراء القانوني المطلوب من القاضي ( René Morel, Traité élémentaire de procédure civile, Sirey 1949 p287.).
أما الأستاذان Hebraud وMiguet فلهما تصور أوسع للنزاع إذ يقولان بأن تغيير طبيعة الدعوى أو المسألة المتنازع فيها يوجب تغيير مضمون الطلب، الذي يصطبغ بالعنصر القانوني ولا يمكن تعديله من قبل القاضي دون الإخلال بمبدأ ملكية الأطراف للخصومة (Miguet, Immutabilite et évolution de litige, L.G.D.J 77 p279.).
وقد ساير فقه القضاء التونسي هذا الاتجاه فقد صرحت محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 8 ماي 1975 أن تغيير الأساس القانوني يعد تغييرا لموضوع الطلب، ونقضت الحكم الاستئنافي ناعية عليه تجاوز الإطار القانوني للدعوى باستبداله بالسند المثار من قبل الأطراف سندا آخر هو أمر 9 أكتوبر 1948 المتعلق بالمحلات ذات الاستعمال الحرفي. (نشرية محكمة التعقيب 75 ج 2 ص 44.) لا مندوحة عن الإقرار بأن في هذه النظرية من العيوب ما لا يخفى أمره، ولذلك تجاوزها الفقهاء.
2- الصبغة الواقعية لموضوع الدعوى
لقد ذهب الأستاذ H.Motulsky إلى أن موضوع الطلب شيء ملموس وهو خارج القانون وبأيدي الأطراف، فهو النتيجة الاجتماعية أو الاقتصادية التي يجب على القاضي أن يكيفها إذا لم يفعل الأطراف وأن يعيد تكييفها إن أخطأوا في ذلك. وحسب هذا الفقيه فإن عملية التكييف هي التي تمكن من جعل الموضوع المادي عناصر قانونية، وهذه وظيفة القاضي (Motulsky, Prolégomene pour un futur code de procédure civile.Ecrits,T1 Dalloz 1973).
ويرى العميد Normand أن الدائن عندما يطلب إلغاء اتفاق لم ينفذ لا يطلب شيئاً آخر غير إعادة التوازن التعاقدي، وللقاضي تقدير الجزاء الملائم دون تقيد باقتراح المدعي (Normand, Le juge et le litige,L.G.D.J 1965,p120). وقد برز اتجاه قضائي مؤيد لهذا الرأي، فاكدت محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 6 ماي 1976 أن الحكم الذي يقضي بالفسخ والارجاع إلى المحل يعد حاكما بما طلب وإن لم يطلب الفسخ صراحة. (نشرية محكمة التعقيب 1976ج 2 ص 48.).
ويبدو لنا هذا الرأي وجيهاً، فقد نص الفصل 70 من م.م.م.ت على أنه “يجب أن يبين بعريضة الدعوى اسم كل واحد من الخصوم ولقبه… ووقائع الدعوى وأدلتها وطلبات المدعي وأسانيدها القانونية…” وإذا كان للوقائع أن تكون إما مصدر الحق المدعى به أي مصدر سبب الدعوى، وإما سبب الدعوى إذا لم تنشئ حقاً (يراجع مقالنا سبب الدعوى المدنية)، فإن الطلبات هي موضوع الدعوى.
وهذا ما يمكن استنتاجه من الفصل 21 من م.م.م.ت الذي ورد به “مرجع النظر في القضايا يتحرر بمقتضى طبيعة الدعوى ومقدار المال المطلوب فيها. والعبرة في ذلك بالطلبات الأخيرة… وفي هذه الصورة، يجوز للمحكمة أن ترد القيمة إلى نصابها وتفصل في الاختصاص حسب القيمة الحقيقية لموضوع الدعوى.” ( تراجع كذلك الفصول من 22 إلى 29 من م.م.م.ت. ).
يتبين مما تقدم أن موضوع الدعوى في القانون التونسي مفهوم مادي بحت إذ هو القصد الملموس من الادعاء وذلك بطلب تقرير الحق المدعى به أو إنشائه.
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة