1- مبررات إمكان تجاوز المحكمة للأسس القانونية
لقد أشار الأستاذ Normand إلى أن القاضي مسؤول عن سلامة حكمه من الناحية القانونية، وعليه أن يعطي التصرف والوقائع وصفها القانوني الصحيح (Normand,Le juge et le fondement du litige, in mélange Pierre Hebraud p602).
ولقد نصت مجلة المرافعات المدنية الفرنسية الجديدة في فصلها 12 على أن القاضي يفصل النزاع طبق القواعد القانونية، ويجب أن يعطي الوقائع والتصرفات وصفها الصحيح دون اعتماد التسمية التي قد يقترحها الأطراف، كما له أن يثير من تلقاء نفسه الدفع القانوني الصرف مهما كان الأساس القانوني الذي يتمسك به الأطراف.
أما المبرر الثاني فهو علم القاضي بالقانون ووجوب تطبيقه على الدعوى، فقد أشار بعضهم إلى أن المحكمة تعرف القانون ولها تغيير القاعدة القانونية التي يستند إليها الأطراف لأن هذا التغيير لا يكفي لتكوين سبب جديد أو موضوع آخر (Normand, Le juge et le litige, L.G.D.J 1965 p193).
وتشكل هذه الإمكانية لدى بعض الفقهاء الإيطاليين نتيجة حتمية للفكرة القائلة بأن النشاط القضائي مرفق عام للدولة، ولذلك فإن القاضي مؤهل لإثارة نصوص قانونية والتمسك بها تلقائياً (يراجع الأستاذ عبد الله الأحمدي، القاضي والإثبات في النزاع المدني، أوربيس 1991ص 136).
نخلص مما تقدم إلى أنه لتجاوز الأسس القانونية ما يبرره ليكون موقفاً تشريعياً.
2- موقف المشرع التونسي
يجب النظر أولا في وجوب التأسيس القانوني للدعاوى من قبل الأطراف ثم البحث في إلزامية هذه الأسس بالنسبة إلى القاضي. لقد نص الفصل 70 من م.م.م.ت على أن عريضة الدعوى يجب أن تتضمن طلبات المدعي وأسانيدها القانونية، ومن الجلي أن صيغة الوجوب تفيد الإلزام، ولكن ما جزاء عدم استجابة الطالب لهذا الأمر؟
أكدت محكمة التعقيب في قرارها عدد 2831 المؤرخ في 30/04/1981 أن المدعي ليس ملزماً بعرض الأسانيد القانونية والفصول الواجبة التطبيق بعريضة الدعوى، والواجب المفروض عليه هو بيان الوقائع وأدلتها (نشرية محكمة التعقيب 1981 ص 219). ويوافق هذا الطرح الرأي السائد لدى الشراح (الأحمدي، المرجع المذكور ص 137).
يبدو لنا أن ذكر السند القانوني بعريضة الدعوى ليس إجراءً أساسياً إذ لم يرتب الفصل 71 من م.م.م.ت على انعدامه البطلان، وهذا عائد في نظرنا إلى قاعدة أن القانون على القاضي، وهي القاعدة التي تبرر كذلك عدم تقيد المحكمة بالأسس التي يطرحها الأطراف.
ولا يمكن للمحكمة أن ترفض الدعوى بعلة الخطأ في التكييف القانوني أو الخطأ في الاستناد إلى القاعدة القانونية لأن وظيفة القاضي فصل الدعاوى طبق القانون لا فرز سقيم الأسس القانونية المقترحة من صحيحها.
وقد قررت محكمة التعقيب أنه “لا جدال في أن القواعد القانونية الصرفة تعتبر قائمة في الدعوى وعنصراً من عناصرها تطبقها المحكمة من تلقاء نفسها ودون حاجة إلى التمسك بها، ومتى استخلصت الصحيح من وقائع الدعوى وجب عليها أن تأخذ من القانون القاعدة الواجبة التطبيق إذ أن هذا الأمر من خصائص واجباتها.” (قرار تعقيبي مدني عدد 16375 مؤرخ في 05/01/1987 نقلا عن الأحمدي، مرجع مذكور ص 140).
ولئن أقررنا بإمكانية تجاوز المحكمة للأسس القانونية للدعوى، فيجب تأكيد أن لذلك حدوداً.