أولاً: مفهوم تمويل الإرهاب
يمكن تعرف تمويل الإرهاب بأنَّه كل فعل يرتكبه أي شخص يقوم بأية وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، بإرادته، بتوفير أموال أو جمعها أو الشروع في ذلك، بقصد استخدامها، أو مع علمه بأن تلك الأموال ستستخدم، كلياً أو جزئياً في تنفيذ فعل إرهابي، أو من قبل إرهابي أو منظمة إرهابية.
جدير بالذكر أنَّ جريمتي غسيل الأموال و تمويل الإرهاب تم تصنيفهما من الجرائم العابرة للقارات لأنَّهما غالباً ما يتم ارتكابهما في أكثر من دولة.
ثانياً: جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في الحد من غسيل الأموال و تمويل الإرهاب
انطلاقاً من التزامها بمسؤولياتها، تساهم دولة الإمارات العربية المتحدة في الجهود العالمية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وتسعى إلى التنفيذ الكامل لمعايير مجموعة العمل المالي الدولية. ففي العام 2018، وبمشاركة واسعة لكافة السلطات المعنية، أجرت الدولة أول تقييم وطني للمخاطر بشأن مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. وحدد التقييم الوطني للمخاطر عدداً من المجالات التي تكون فيها مخاطر غسل الأموال و تمويل الإرهاب مرتفعة.
وفي العام 2019، قامت مجموعة العمل المالي أيضاً بتقييم الدولة وفقاً للمتطلبات الدولية وكشفت عن عدد من المجالات التي سيستفيد منها الإطار الوطني لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب لغرض مواصلة تطويرها. صدر مرسوم بقانون اتحادي رقم (20) لسنة 2018 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة ولائحته التنفيذية، وهو الإطار التشريعي الأساسي الذي يجرّم عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما يحقق فعالية الإطار القانوني والمؤسسي في تطبيق الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تسهم في مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.
ومن ثم صدر المرسوم بقانون رقم (58) لسنة (2020) في شأن تنظيم إجراءات المستفيد الحقيقي، حيث يعتبر من أهم الركائز الأساسية في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويسهم في رفع فعالية الإطار القانوني والمؤسسي وتحقيق النتائج المرجوة بالتماشي مع متطلبات وتوصيات مجموعة العمل المالي في دولة الإمارات العربية المتحدة. لذلك، فإنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت التزاماً كاملاً بمواجهة عمليات غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وكشفها وردعها وفق التشريعات، حيث وضعت السلطات المعنية في الدولة منظومة مؤسسية للإشراف والسيطرة وجمع المعلومات عن كافة الممارسات التي قد تؤدي إلى الجرائم المالية والتصدي لها، بما في ذلك غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويتمثل الإطار الوطني المؤسسي في الاستراتيجية الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، بغية استمرارية تحسين نظام العمل الحكومي بشكل مؤسسي شامل ، وتنفيذه تنفيذاً فعالاً لمواجهة مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومخاطر التنظيمات غير القانونية في دول الإمارات. ولا بدّ وأن ينظر إلى دولة الإمارات باعتبارها دولة سامية راقية لا يمكن للمجرمين من القيام بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب فيها، أو حتى استخدامها كطريق عبور لنقل المتحصلات الناتجة عن أي نشاط إجرامي.
ثالثاً: مدى مساهمة قرار مجلس الوزراء رقم (58) لسنة 2020 في شأن تنظيم إجراءات المستفيد الحقيقي
للحد من جريمتي غسيل الأموال و تمويل الإرهاب بمراجعة القرار المذكور، فإنَّنا نجد أفقاً واسعاً لمكافحة جريمتي غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ومدى كبير للحد منهما. يتضح ذلك مما يلي:
– الهدف من القرار: جاء في المادة الثانية بأن يهدف هذا القرار إلى المساهمة في تطوير بيئة الأعمال وقدرات دولة الإمارات ومكانتها الاقتصادية وفقاً للمتطلبات الدولية من خلال تنظيم الحد الأدنى من التزامات المسجل والأشخاص الاعتبارية في الدولة بما يشمل إجراءات الترخيص أو التسجيل وتنظيم سجل المستفيد الحقيق وسجل الشركاء أو المساهمين وتطوير آليات وإجراءات تنفيذية وتنظيمية فعالة ومستدامة لبيانات المستفيد الحقيقي.
وجاء مفاد المادة رقم (3) بأنه، تسري أحكام هذا المرسوم على المسجل والأشخاص الاعتبارية المرخصة أو المسجلة في الدولة ويستثنى من أحكام هذا المرسوم الشركات المملوكة بالكامل من قبل الحكومة الاتحادية أو المحلية.
أما المادة رقم (4) من القرار فقد أوردت أنَّه : يجب تسجيل وترخيص الشخص الاعتباري في الدولة وذلك بتقديم طلب مزود بعدد من البيانات الأساسية الواضحة التي من شأنها أن تبيّن مدى صدق تعامل المستفيد وعدم الالتفاف لتحقيق مساعي وأهداف شخصية قد تؤدي إلى حدوث جرائم غسل أموال مما يعني مزيداً من الرقابة على الأعمال المالية ووأد أي محاولة لغسيل الأموال .
– يوالي القرار حَزمه بمكافحة الجريمة و ينص على أنَّه: لا يجوز ترخيص أو تسجيل الشخص الاعتباري باسم سبق تسجيله في الدولة أو باسم الدولة لعدم اللبس، ويجب على الشخص الاعتباري الامتناع عن استخدام اسم غير اسمه المسجل وله أن يتقدَّم بطلب لتغيير اسمه وفي حال تمت الموافقة فيمتنع عليه استخدام الاسم الملغي. ويجب أن يكون لدى الشخص الاعتباري عنوان واضح مفصل ومسجل في الدولة يخطر به المسجل ويستخدم في تلقي جميع المراسلات والاخطارات عنه الأمر الذي من شأنه أن يمنع أية جرائم متصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، و يحد من الالتفاف على القانون واستخدام أساليب لإخفاء الحقيقة. وذلك من شأنه إضفاء الحماية القانونية وتأكيد أهمية الدور الاقتصادي بعيداً عن أية جرائم تمس باقتصاد الدولة.
– وقد قررت المادة (5) من القرار أنّه: يجب تحديد المستفيد الحقيقي للشخص الاعتباري تحديداً مفصلاً يمنع الشك في أي تعاملات أو معاملات. كما نصت المادة (6) على أنه يجب على الشخص الاعتباري أن يتخذ إجراءات معقولة للحصول على بيانات ملائمة ودقيقة ومحدثة أول بأول عن المستفيد الحقيقي منه، والاحتفاظ بها لمنع أي ضرر أو خطأ قد يلحق بالشخص الاعتباري أو أي شك من شأنه أن يؤدي إلى ضياع حقوقه. أما المادة السابعة فقد نصت أنه في حال تبين للشخص الاعتباري وجود شخص يمكن أن يكون مستفيداً حقيقاً ولم يتم تسجيل تفاصيل ملكية الانتفاع الخاصة به بشكل صحيح في سجل المستفيد الحقيقي، فإنَّه يتوجب على الشخص الاعتباري وضع ذلك الشخص باعتباره المستفيد الحقيقي منه.
وإذا انقضت مدة (١٥) خمسة عشر يوماً من تاريخ الاستفسار دون رد، فعلى الشخص الاعتباري إخطاره بذلك، و يتضمن الإخطار عدة بنود يجب اتباعها للدقة والأهمية.
– قضت المادة رقم (8) أنَّه يجب على الشخص الاعتباري الاحتفاظ بتفاصيل بيانات كل مستفيد حقيقي منه في سجل المستفيد الحقيقي الذي ينشئه خلال (٦٠) يوماً من تاريخ نشر المرسوم أو من تاريخ وجوده، ويجب عليه تحديث هذا السجل وأن يدرج أي تغيير يطرأ عليه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه به. ويجب أن يتضمن سجل المستفيد الحقيقي بيانات كل مستفيد حقيقي تفصيلاً دقيقاً، وهذه أفضل طريقة لضمان استمرارية تحسين نظام العمل الحكومي بشكل مؤسسي شامل، وتنفيذه تنفيذاً فعالاً لمواجهة مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومخاطر التنظيمات غير القانونية في دولة الإمارات.
– المادة التاسعة تناولت أحكام العضو الاسمي فأوردت: بالنسبة لأعضاء الإدارة الاسميين، يجب على المدير أو عضو الإدارة الذي يتصرف كعضو إدارة اسمي أن يخطر بكونه عضواً اسمياً خلال (١٥) يوماً من تاريخ اكتسابه هذه الصفة. وعلى عضو الإدارة الاسمي الذي اكتسب هذه الصفة قبل نشر هذا القرار إخطار الشخص الاعتباري بذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ نشره.
– أما مفاد المادة رقم (10) فهو أنه يجب على الشخص الاعتباري الاحتفاظ بتفاصيل بيانات كل شريك أو مساهم فيه في سجل الشركاء أو المساهمين ويجب عليه تحديث هذا السجل وإدراج أي تغيير يطرأ عليه خلال ١٥ يوماً من تاريخ علمه به ويجب أن يتضمن بيانات وهي:
1- عدد الحصص أو الأسهم التي يملكها كل منهم وفئاتها وحقوق التصويت المرتبطة بها وتاريخ اكتساب الصفة كشريك أو مساهم
2- وبالنسبة للشركاء أو المساهمين من الأشخاص الطبيعين، الاسم الكامل وفقاً لما هو وارد في بطاقة الهوية أو وثيقة السفر والجنسية والعنوان ومكان الميلاد واسم وعنوان جهة العمل وإرفاق نسخة طبق الأصل من بطاقة الهوية أو جواز السفر ساريتين.
3- أما بالنسب للشركاء أو المساهمين من الأشخاص الاعتبارية، فتوفير كامل البيانات بدقة عالية كما فب الفقرة سابقة الذكر.
4- يجب على الشخص الاعتباري الذي لديه واحد أو أكثر من الشركاء أو المساهمين ممن يتصرف كوصي أو كعضو إدارة اسمي تسجيل بياناته في سجل الشركاء أو المساهمين.
5- ويجب أن يتضمن سجل الشركاء أو المساهمين بيانات الأشخاص الذين يمثلهم كل وصي أو عضو إدارة اسمي.
– لم يغفل القرار التسجيل في سجل المستفيد الحقيقي فأورد: يجب على الشخص الاعتباري تقديم بياناته وسجل الشركاء أو المساهمين خلال 60 يوماً ابتداءً من تاريخ نشر هذا القرار أو من تاريخ ترخيص الشخص الاعتباري وتوفير أي بيانات إضافية يطلبها المسجل خلال المدة التي يحددها وتقديم كافة البيانات الدقيقة سالفة الذكر بالتفصيل الممل للمسجل خلال المدة التي يحددها. ويجب على كل شخص اعتباري تزويد المسجل باسم تزويد المسجل باسم شخص طبيعي مقيم في الدولة مخولاً بالإفصاح إلى المسجل عن جميع البيانات والمعلومات التي يتطلبها المرسوم بقانون أو باللائحة التنفيذية المشار إليهما في هذا القرار وكذلك عنوانه وبيانات الاتصال به ونسخة من وثيقة سفره أو بطاقة هويته السارية.
– وحسب هذا المرسوم لا يجوز لأي شخص اعتباري مرخص أو مسجل في الدولة إصدار ضمانات أسهم لحاملها، ويلتزم الشخص الاعتباري عند إصداره حصصاً أو أسهماً باسم أشخاص أو أعضاء الإدارة بالإفصاح خلال (15) يوماً عن بيانات تلك الحصص أو الأسهم وهوية الأشخاص وأعضاء الإدارة للمسجل. و في حال كان الشخص الاعتباري في مرحلة الحل أو التصفية، فعلى المصفي تسليم سجل المستفيد الحقيقي وسجل الشركاء أو المساهمين إن وجد، أو نسخة طبق الأصل منهما إلى المسجل خلال (30) يوماً من تاريخ تعيينه.ويجب على الشخص الاعتباري أو القائم على تسييره أو المصفي أو غيرهم من المعنيين بحله الاحتفاظ بالسجلات وجميع بياناته لمدة (5) سنوات على الأقل من تاريخ حله أو تصفيته أو شطبه.
– كما نظَّم القرار الإخطارات الصادرة عن المسجل بنصه: يلتزم الشخص الاعتباري أو أي شخص آخر لديه بيانات أو مستندات تتعلق بالمستفيدين الحقيقيين أو أعضاء الإدارة الاسميين دون المساس بأي امتياز يتمتع به هذا الشخص بطلب المسجل منهم تقديم أو إطلاع العاملين لديه أو وكلائه المفوضين على تلك البيانات أو المستندات. وذلك يكون بموجب إخطار كتابي يرسل إلى أي منهما في الزمان والمكان المحددين في الإخطار. ومن أهم ما جاء في القرار أن يُعــفــى المحامون وغيرهم من أصحاب المهن القانونية المستقلين ومدققو الحسابات القانونيون المستقلون من تقديم أي بيانات مطلوبة في الإخطار إذا كان الحصول عليها بمناسبة قيامهم بتقييم الوضع القانوني للشخص الاعتباري أو الدفاع عنه أو تمثيله أمام القضاء أو إجراءات التحكيم أو الوساطة أو التوفيق أو تقديم رأي قانوني في مسالة متعلقة بإجراءات قضائية.
وقد حددت المادة رقم (13) من المرسوم التزامات المسجل ومهماته، وقد جاءت في قمة الدقة وشاملة لجميع الأمور والضمانات التي تكفل حماية المجتمع وسلامته من أية جرائم قد تحصل أو تطرأ من أشخاص سيئي النية. أما المادة رقم (14) من المرسوم فتتلخص في حالة تغيير البيانات. وقد كان مفادها أنه يجب أن يحتفظ الشخص الاعتباري بجميع البيانات الأساسية وبيانات سجل الشركاء أو المساهمين، وجميع البيانات أو المعلومات المرتبطة به بموجب التشريعات النافذة على أن تكون محدثة ودقيقة. ويجب عليه تقديم أي تعديل أو تغيير على البيانات أو المعلومات في غصون (15) يوماً من تاريخ التعديل أو التغيير.
– وقد جاء مفاد المادة رقم (15 ) من المرسوم بخصوص سرية وأهمية البيانات ويحظر على وزارة الاقتصاد الإفصاح عن أي بيانات بشأن سجل المستفيد الحقيقي أو سجل الشركاء أو المساهمين، ويستثنى من هذا القرار المحامون وغيرهم من أصحاب المهن القانونية الذي سبق الذكر عنها ويستثنى أيضاً ما تنص عليه القوانين والاتفاقيات الدولية السارية في الدولة خاصة الأحكام المتعلقة بمواجهة جرائم غسل الاموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.
– أما المادة رقم (16) من المرسوم بقانون فقد جاءت بمفاد التعاون الدولي والمحلي على أنّه يجب أن تقوم وزارة الاقتصاد بالتعاون المحلي والدولي بتوفير البيانات الأساسية إلى الجهات المعنية في دولة الإمارات عند الطلب. وتقوم وزارة الاقتصاد بتقديم سبل التعاون الدولي كافة وتشرف الوزارة أيضاً على جودة تنفيذ عمليات التعاون الدولي المستلمة من الدول الأخرى فيما يتعلق بطلبات الحصول على البيانات الأساسية للأشخاص الاعتبارية. ولعل الأهم هو ما جاء في المادة (17) من المرسوم بقانون، وهي الجزاءات الإدارية التي تعتبر الرادع لعدم الخوض ومخالفة القانون.
وبحسب نص المادة، فإنه يجوز لوزير الاقتصاد أو من يفوضه من سلطات الترخيص في حال مخالفة أحكام هذا القرار توقيع جزاء أو أكثر لائحة الجزاءات الإدارية التي تصدر بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية وبعد التنسيق مع الوزير. و اختتم القرار أحكامه و توَّجها بالمادة رقم (18) والتي أفادت أنه يجوز التظلم من الجزاءات التي تم توقيعها وفقاً لاحكام المادة (17) من هذا القرار خلال 30 يوماً من تاريخ الإخطار، وذلك أمام لجنة تشكل لهذا الغرض بقرار من الوزير أو رئيس سلطة الترخيص المفوض، على أن تفصل اللجنة في التظلم خلال 30 يوماً من تاريخ تقديمه إليها.
ولسيادة أحكامه قرر المرسوم أنَّه ألغى قرار مجلس الوزراء رقم (34) لعام 2020 بشأن تنظيم إجراءات المستفيد الحقيقي كما يلغى كل حكم يخالفه أو يتعارض مع أحكامه.
وأخيراً فأنَّ هذا المرسوم يدل على جهود دولة الإمارات الفاعلة لمواجهة تلك الجرائم وضمان ملاحقة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، عبر اتخاذ العديد من الخطوات والإجراءات بالتنسيق والتكامل مع مختلف الجهات المعنية.