1- سبب الدعوى وموضوعها
للمحكمة أن تغير الأسس القانونية دون أن يوصل ذلك إلى تغيير سبب الطلب، ولكن الفصل 148 من م.م.م.ت يشير إلى أنه يمكن تغيير السبب المبني عليه المطلب لدى الاستئناف. ويمكن القول إن المشرع لم يحدد صاحب إمكانية التغيير، وإذا وردت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها، ولذلك فللقاضي أن يغير السبب لدى الاستئناف رغم سكوت الأطراف (الأستاذ عبد الله الأحمدي،سبب الدعوى لدى الاستئناف، ملتقى محكمة الاستئناف، نشر كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 1993 ص 145).
ويبدو لنا هذا القول قابلاً للنقاش لأن السبب أمر شخصي وخاص بالمتقاضين، وهو مفهوم واقعي وليس تصوراً قانونياً، ولا يمكن قبول حلول القاضي محل الأطراف في ذلك إلا عند المساس بالنظام العام حتى لا يخل بمبدأ ملكية الدعوى المدنية.
وتأسيساً على ذلك، فلا ينبغي للمحكمة مبدئياً وهي تغير الأساس القانوني للدعوى أن تغير الحق المدعى به. وكمثال على ذلك، نشير إلى الحكم المؤسس على المسؤولية التقصيرية استناداً إلى وقائع لم يحتج بها المدعي الذي أسس دعواه على المسؤولية العقدية.
وليس للقاضي كذلك أن يغير موضوع الدعوى بحجة تغيير الأسس القانونية. إن الموضوع غاية مادية ونتيجة ملموسة يجب على القاضي احترامها إلا في حالة مس النظام العام. وعليه فإذا استند الطالب في دعوى إخراج المتسوغ من المحل إلى قانون معين تبين عدم انطباقه، كان للمحكمة الحكم بالإخراج استناداً إلى قانون آخر، ولا يعد ذلك تغييراً لموضوع الدعوى لأن الغاية المؤملة هي إخراج المتسوغ وقد وقع المدعي في خطأ قانوني.
ونرى أنه على المحكمة عرض تغيير الأسس القانونية على الأطراف ليناقشوا الأسس الجديدة ويبدوا ما لهم من ملحوظات بشأنها إذ قد تخطئ المحكمة في تأويل النصوص المعتمدة أو في تطبيقها (الأستاذ عبدالله الأحمدي، القاضي والإثبات في النزاع المدني، أوربيس 1991 ص 152)، كما أنه من حق الخصوم معرفة ما ينسب إليهم وما يطلب منهم.
2- دور الأطراف
يبدو أن لإرادة الأطراف دوراً في تقييد القاضي ومنعه من تجاوز الأسس القانونية للدعوى. ويتجلى ذلك في الاتفاق، كما يجب النظر في مسألة إثارة العرف واستبعاد القواعد المتممة.
– الاتفاق: لم يشر المشرع التونسي إلى هذه المسألة، ولم ينح منحى نظيره الفرنسي الذي أجاز للأطراف تقييد المحكمة بالوصف القانوني الذي يسبغونه على الوقائع وبالنقاط القانونية التي يحصرون فيها النزاع، وذلك بموجب اتفاق صريح وسابق (الفصل 12 من مجلة الإجراءات المدنية الجديدة).
ولنا في غياب مثل هذا النص في القانون التونسي أن نثير إمكانية الاتفاق على أسس قانونية معينة وإلزام المحكمة بها. إذا استندنا إلى الفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود الذي ينص على أن ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون بين المتعاقدين، قلنا بإلزام القاضي بتطبيق هذا الاتفاق عملاً بالقوة الملزمة للعقد.
ويمكن المنازعة في هذا الطرح، ذلك أن كل اتفاق يلزم القاضي بأسس قانونية معينة يعد باطلاً لأن موضوعه منافٍ للنظام العام؛ فهو يعطل الوظيفة القضائية وقد يكون سبباً للتحايل على القانون. ولذلك نرى أنه في غياب نص قانوني صريح يبيح إمكانية تقييد القاضي باتفاق الأطراف على سند قانوني أو تكييف معين فلا مجال لاستباحة ذلك.
– إثارة العرف: إن العرف عند الفقهاء قانون غير مكتوب إذ يتكون من عنصر مادي هو الاعتياد والثبات، ومن عنصر معنوي وهو الشعور بالإلزام (الأستاذ محمد الشرفي، مدخل لدراسة القانون، دار سيراس للنشر 1991 ص 215).
وقد جعله المشرع التونسي مصدراً ثانوياً للقانون إذ أنه لا يخالف النص الصريح، وعلى من استند عليه إثباته. ويجب التنبيه إلى أن العرف يخضع لرقابة القاضي الذي عليه تقدير تطبيقه على الدعوى أو عدمه، وفحص شروطه القانونية، فإذا رأى تطبيقه تقيد به ولم يجز له تغييره، وإن رأى خلاف ذلك استبدل به سندا آخر.
– استبعاد القواعد المتممة: إن القواعد القانونية المكملة هي التي يضعها المشرع لتتمِّم إرادة الأطراف، وعلى المحكمة اعتمادها ما لم يقع استبعادها. أما إذا اتفق الأطراف على ما يخالفها فليس للمحكمة تطبيقها وعليها اعتماد الحل الوارد في الاتفاق.
ويجب تأكيد أن القاضي يراقب ملاءمة القواعد المتممة للدعوى، فإذا كانت غير ملائمة حق له تجاوز اتفاق الأطراف وتطبيق القاعدة القانونية المناسبة.