قراءة للفصل 12 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية

نلاحظ قبل القراءة القانونية أن هذا الفصل قد تضمن خطأً لغوياً إذ لا يمكن أن يكون للمضاف إليه أكثر من مضاف، والصحيح أن يقال “ليس على المحكمة تكوين حجج الخصوم أو إتمامها أو إحضارها”.

1- دلالة حجج الخصوم

يستعمل المشرع بهذا الفصل لفظ “حجج”، والحجة لغة هي البرهان، وقد ذهب الأستاذ R. Brunscvig إلى أن الحجة هي كل وسيلة قانونية كالمستند النظري أو الوثيقة الكتابية أي أنها تشمل الدفع القانوني والواقعي، ومعنى ذلك أنها أعم من وسيلة الإثبات (نقلاً عن الأستاذ عبد الله الأحمدي، القاضي والإثبات في النزاع المدني، أوربيس 1991 ص 149)، ويبدو هذا التحليل منطقياً ومقبولاً.

لكن الصياغة الفرنسية لهذا الفصل أوردت عبارة “les moyens de preuve” أي وسائل الإثبات، وهو ما يفيد اختلاف الصياغتين. لقد حسم المشرع الأمر بتفضيله الصياغة العربية بمقتضى القانون عدد 64 لسنة 93 المؤرخ في 5/7/1993، فهل يدعم هذا طرح الأستاذ Brunscvig؟

الحقيقة أن كلمة “حجج” تقبل هذا التأويل، ولكن لا مانع من قصر معناها على وسائل الإثبات، وهو ما عمد إليه المشرع في مجلة الالتزامات والعقود (من ذلك الفصول 438 و439 و507).

كما ورد في شرح أسباب تنقيح هذا الفصل أن القصد هو مطابقة الصياغتين العربية والفرنسية (مداولات مجلس الأمة عدد 34 جلسة 25/3/1980)، وهو ما يعني إرادة المشرع بكلمة حجج وسائل الإثبات دون غيرها، وهي محددة حصراً بالفصل 427 من م.ا.ع: الإقرار والحجة المكتوبة وشهادة الشهود والقرينة واليمين والامتناع عن أدائها. ولكن هل يلزم النص القاضي بالحياد الإجباري؟

2- دور المحكمة في الإثبات

لقد ذهب فقه القضاء إلى أن الفصل 12 من م.م.م.ت يمنع القاضي من اتخاذ أي مبادرة تعمد دعوى الطالب أو تسند دفاع المطلوب (قرار تعقيبي مدني عدد 11875 مؤرخ في 16/10/1984، نشرية محكمة التعقيب 1984 الجزء 2 ص 108).

غير أن المتأمل في صيغة هذا الفصل يلاحظ أنه افتتح بأداة تفيد النفي “ليس”، أي أنه نفى واجب تكوين الحجج وإحضارها وإتمامها عن القاضي، وهو ما دعا الفقه إلى تأكيد أن هذا النص يتيح الإمكانية مطلقة للقاضي في بحثه عن حجج الخصوم، فهو فصل غير قابل للخرق (الأستاذ نور الدين الغزواني، محاضرات في القانون العدلي الخاص لطلبة السنة الرابعة حقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس السنة الجامعية 1999/2000 ص 114 والأستاذ عبد الله الأحمدي، المرجع المذكور ص 150 وص 178).

ويبدو لنا هذا الرأي قابلاً للنقاش. فمن المؤكد أن الفصل لا يمنع القاضي من المشاركة في الإثبات (مداولات مجلس الأمة المذكورة)، ولكنه لا يبيح هذه الإمكانية بغير قيود.

ويبدو في نظرنا أن نفي الواجب عن القاضي تأكيد للمبدأ الوارد بالفصل 420 من م.ا.ع “إثبات الالتزام على القائم به”، وهو ما يعني أن مشاركة القاضي في الإثبات لا تكون إلا إذا قررها القانون صراحة. فهي استثناء لا يجوز توسيعه، وقد قضى الفصل 86 م.م.م.ت “يمكن للمحكمة إذا رأت لزوم إجراء أبحاث معينة من سماع بينات أو إجراء توجهات واختبارات أو تتبع دعوى الزور أو غير ذلك من الأعمال الكاشفة للحقيقة أن تأذن للقاضي المقرر بإتمامها…” (تراجع كذلك الفصول 85 و87 ومابعده و114 من م.م.م.ت).

وتأسيساً على ما تقدم، فإن كل دور للقاضي في الإثبات في غير الصور المنصوص عليها بالقانون يعد إثارة للوقائع وخرقاً لمبدأ الحياد.