خمس نصائح لحماية حقوقك في دولة الإمارات العربية المتحدة

الواقع أن الثقافة الحقوقية والقانونية باتت ضروريةً للغاية، خصوصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة التي أثبتت نفسها كـ”دولة قانون” من الطراز الأول. لذا، نقدم للقارئ في هذا المقال الموجز بعض النصائح الأساسية اللازم العمل بها من أجل صيانة وحفظ حقوقه وأمواله، فالقاعدة المعروفة “الوقاية خيرٌ من العلاج” تنطبق لدى المحامين كما تنطبق لدى الأطباء تماماً.

 

النصيحة الأولى

التوثيق والتدوين أولاً بأول: ليس من بديع القول أن أطول آيةٍ في القرآن الكريم هي آية المداينة، وهي التي يقول فيها الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه} وفيها من التأكيد والتنظيم لعملية كتابة وتوثيق الديون ما أُلفت فيه المصنفات والكتب. وعلى نهج هذه الآية الكريمة مضى القانون الإماراتي، فجعلَ الكتابة متفوقةً كدليلٍ على كل ما سواها، وجعل الكتابة الموثقة الرسمية، وهي التي تسمى في لغة القانونيين “المحررات الرسمية” مقدَّمةً على ما عداها من صور الكتابة غير المصدقة أو غير الرسمية “المحررات العرفية”.

لذا، إذا كنتَ تريد حماية حقوقك القانونية في دولة الإمارات، فأول نصيحةٍ يمكن لنا أن نسديها لك هي “وثِّق تصرفك القانوني،” وذلك من خلال كتابة العقد/التصرف في عقد محكم ورصين يحوي كل البنود اللازمة لإيضاح إرادتك وإرادة المتعاقد الآخر، بما يوفر الحماية القانونية اللازمة لكليكما. ويفضَّل دائماً عند كتابة العقود أن يُلجأ إلى محامٍ أو مستشار متخصص ليقوم بعملية الصياغة، إذ كتابة العقود والاتفاقيات فنٌ دقيق، وعلمٌ خاص، ويمكنك باللجوء إلى محامٍ أن تكتشف العديد من البنود الإضافية التي يمكن إيرادها في عقدك لتوفر لك حمايةً شاملة، ولتكون لك ضمانات مستقبلية تغطي الغالب الأعم من الاحتماليات.

وعقب الكتابة/التوثيق، يمكنك أن تلجأ إلى خطوة أخرى، هي التصديق لدى الكاتب العدل، وبذلك يصبح العقد المبرم بينك وبين الطرف الثاني محرراً رسمياً ومستنداً لا يجوز الطعن عليه أو المنازعة فيه بأي شكل من الأشكال إلا بطريقٍ استثنائي واحد هو الطعن عليه بالتزوير. فإذا كان التصديق صعباً أو غير متيسر حين توقيع العقد، فإنَّ جَلْب شاهدين يوقعان على العقد هو أمر يُمكن أن ننصح به، حيث يكون دور الشاهدين – في حال طروء نزاعٍ أمام المحاكم – هو إثبات أن الطرف الآخر قام فعلاً بالتوقيع على العقد أمامهم دون أي ضغط أو غش أو إكراه أو تزوير أو غيره، وننصح في هذه الحالة أن يكتب الشهود بياناتهم كاملة مع توقيعاتهم، وذلك ليُتَيَسر الرجوع إليهم عند الحاجة.

ونحن عندما ننصح بالتدوين/التوثيق، فإننا نقدم هذه النصيحة لكل الأشخاص، أياً كانت العلاقات بينهم. ذلك أن عدم الكتابة أو التوثيق للثقة أو للصداقة أو للقرابة هو سبب ضياع الكثير من الحقوق، لا لأن الناس ليسوا أهلاً للثقة، ولكن النسيان دائماً ما يؤثر في العلاقات والعقود طويلة الأمد، والكتابة حل سهل جداً لمعضلة النسيان. كما أن التوثيق الذي نقصده ليس توثيق العقود فحسب، بل هو توثيق أي تصرف مالي أياً كانت طبيعته، خصوصاً تسليم المبالغ التي تعتبر من قبيل الحقوق المستحقة بموجب عقدٍ أو قانون.

 

النصيحة الثانية

الجأ إلى مختص ولو باستشارة: إذا لم تكن لديك المقدرة المالية التي تخولك توكيلَ محامٍ، فإن الاستشارة لن تضر، خصوصاً أنها في كثير من المنصات متاحةٌ مجاناً. ونحن من هذا الباب نشجعك على اللجوء إلى الاستشارات القانونية كحلٍ لبعض إشكالياتك القانونية. فالواقع الذي نعيشه اليوم هو تزايد القوانين والتنظيمات والقواعد الإجرائية –وهذا حقيقةً دليلٌ على التقدم الحضاري. ولكي يتسنى للمرء تحصيل حقوقه، أو حمايتها وتحصينها، فإنه لا بد من خوض غمار هذه الإجراءات الدقيقة والتعامل مع هذه القواعد القانونية الكثيفة والمترابطة.

ومن هنا يتبين أن الاستشارة القانونية -على أقل تقدير- قد توفر الكثير من الجهد والمال والقلق. فالمحامي سيختصر عليك الطريق بشأن كثير من الأمور التي لا تدري مجاهلها من خلال جلسة استشارة بسيطة.

 

النصيحة الثالثة

لا تشترِ المذكرات إلا للضرورة، ولا تتعامل مع غير المحامين: درجت ظاهرة “شراء المذكرات” بين المتقاضين بحيث يقوم المتقاضي باللجوء إلى مستشار، وأحياناً إلى قانوني أو شخصٍ ذي إلمام واطلاع، ليقوم بكتابة مذكرة قضائية له، يوقعها المتقاضي باسمه الشخصي ثم يقدمها للمحكمة. والحقيقة أن “شراء المذكرات” هو عكس نصيحتنا الثانية، لأن “شراء المذكرات” في كثير من الأحيان هو لجوء إلى غير مختص، وقد أدَّى هذا الأمر إلى عواقب وخيمة في كثير من الأحيان، وهذا مما لمسناه وعايناه في أروقة المحاكم مراراً، حتى أن بعض الناس وجدوا في مذكراتهم ما لا يعبر حقيقةً عن وجهات نظرهم في الدعاوى الخاصة بهم، بل ربما وجد أحدهم نفسه متورطاً في قضية سب لأن بعض العبارات الخادشة وردت في مذكرته التي لم يعبأ إلا بشرائها من شخصٍ لا يتحمل أي مسؤولية في نهاية المطاف.

والحقيقة أن كثيراً من هؤلاء الذين يلجأ إليهم لا يملكون الملكة ولا الخبرة ولا المقدرة اللازمة لكي يعبروا عنك ويمثلوك قانوناً على الوجه الأمثل، فلا تمنح دفة قيادة قضاياك لغير موثوقٍ به.

 

النصيحة الرابعة

لا تسكت طويلاً: إن كثيراً من المواد الحقوقية والمجالات القانونية لها مدد تقادم. بلغةٍ مبسطة، هنالك الكثير من الحقوق التي إذا لم تطالب بها في مدة معينة، فلا يمكنك المطالبة بها لاحقاً، وذلك لمضي المدة المحددة قانوناً، وهذا هو ما يعرف بالتقادم. ومن المدد القانونية القصيرة والتي يمكن أن تمر دون أن تشعر بها:

– القرارات الإدارية في الجهات الحكومية: مدة تقادمها 60 يوماً من إعلام ذي الشأن به، أو نشر القرار، أو علم ذي الشأن به بأي طريقةٍ كانت، ونوضح بهذا المثال. فلنفترض أنك تعمل لدى جهة حكومية كوزارة مثلاً، ولنفترض أنك تفاجأت – لا سمح الله – بصدور قرار بإنهاء خدماتك، وكان هذا القرار ظالماً، وأردت اللجوء إلى القضاء لكي تلغي هذا القرار وتعود إلى وظيفتك في هذه الفرضية، عليك اللجوء إلى القضاء خلال ستين يوماً من إعلامك بالقرار، وإلا، كانت دعواك في خطر بالغ جداً، إذ أنها سُترفض على الأغلب لأنك رفعتها بعد المدة المقررة!

– فسخ عقد البيع للعيب وللغش ولغيره أو إنقاص ثمن البيع: مدة فسخ عقد البيع سنة واحدة فقط، فإذا اشتريت سيارةً أو جهازاً أو أي متاع آخر، ثم اكتشفتَ به عيباً خفياً أو شيئاً ينقص من قيمته فعليك رفع الدعوى خلال سنة من تاريخ البيع.

– الأفعال الضارة/التعويض: في دعاوى التعويض لا بد من رفع الدعوى خلال ثلاث سنوات من وقوع الضرر، فإذا رُفعت الدعوى بعد مدة تزيد على ثلاث سنوات من وقوع الضرر وعلم المضرور به، فإن الدعوى كلها تكون تحت رحمة المدعى عليه، فإذا قدم المدعى عليه دفعاً بمرور المدة “ثلاث سنوات” فإن الدعوى سترفض.

– الإيجارات والحقوق المتجددة: معظم الحقوق المتجددة (الإيجارات وحقوق الأطباء والمحامين والصيادلة وغيرها..) تتقادم بمضي خمس سنوات من تاريخ استحقاقها، فإذا لم تطالب بهذه المستحقات لمدة خمس سنوات، فإن رفعك الدعوى لتحصيلها سيكون خطراً جداً، لأن خصمك يمكنه في أي لحظةٍ أن يدفع بمضي مدة التقادم، وبالتالي يُحكَم بعدم سماع دعواك.

خلاصة ما سبق: إن القانون في كثير من الأحيان يتطلب من صاحب الحق أن يطالب بحقه ضمن مدة محددة، وإلا اعتبر تقاعسه تنازلاً ضمنياً، وعليه، لا تبقَ ساكناً ولا تؤجل ما ترى أنك ستطالب بحقك فيه، لأن تأجيلك أو سكونك أو سكوتك هذا قد يضرك في نهاية المطاف.

ملاحظة: توجد أحوال استثنائية يمكن فيها قطع أو وقف مدة التقادم.

 

النصيحة الخامسة

احتفظ بسجلاتك: لن تستفيد شيئاً من النصيحة الأولى إذا لم تكن تحتفظ بوثائقك وأوراقك بشكلٍ منظم ودقيق وآمن. ننصح دائماً بالحفاظ على سجلاتك ووثائقك الضرورية في ملفٍ خاص وسري تضع فيه كل المستندات التي ترى أنها قد تكون ذات أهمية مستقبلاً. لا تستهتر أو تتقاعس في الحفاظ على المستندات والأدلة. كن دائماً حائزاً للأوراق الكافية لإثبات حقك تحت يدك، واحتفظ أيضاً بما يثبت هوية من تتعامل معهم ممن قد تحتاج إلى اللجوء إلى القضاء في مواجهتهم مستقبلاً.

بالنسبة للأفراد: احتفظ بصورة هويتهم الإماراتية.

بالنسبة للشركات: احتفظ بصورة من الرخصة التجارية الخاصة بالشركة.

دائماً سجَّل ووثق واحتفظ بما قد ترى له أهميةً إثباتية في المستقبل، حتى لو كان محادثة “واتس أب” أو تسجيلاً صوتياً متبادلاً بينك وبين شخصٍ ما. أرشف محادثات “الواتس أب” المهمة، وأرشف كذلك رسائل البريد الإلكتروني التي تتضمن معاملات ذات قيمة بالنسبة لك، واحتفظ بنسخة احتياطية للمستندات الإلكترونية التي تحفظها على حاسوبك الشخصي.

 

بقلم:

أحمد محمد بشير | مكتب أحمد محمد بشير للمحاماة والاستشارات القانونية