باع أشقاء المعقب وهو المدعي في الأصل مناباتهم على الشياع في عقار لغير شريك بمقتضى حجة عادلة فرام الأخذ بحق الشفعة وعرض الثمن والمصاريف وأمنها على ذمة المشترية، ثم رفع دعواه طالبا الحكم بصحة إجراءات الشفعة واستحقاقه للمبيع فردت المطلوبة متمسكة بأن البيع قد فسخ قبل رفع الدعوى ما يجعل حق الشفعة غير ذي موضوع. بعد استيفاء الإجراءات قضت محكمة البداية بعدم سماع الدعوى بناء على أن البيع قد وقع الرجوع فيه بموجب الإقالة عملا بالفصل 414 من م.ا.ع ما يجعل الأخذ بالشفعة غير ذي موضوع.
استأنف الشفيع الحكم فقضت محكمة الدرجة الثانية بإقراره، فتعقب حكمها ناعياً عليه ضعف التعليل وخرق الفصل 114 من مجلة الحقوق العينية فأصدرت محكمة التعقيب قرارا بالنقض والاحالة استنادا إلى أنه بمجرد انعقاد البيع يتولد قانونا حق تمكين الشفيع من الأخذ بالشفعة متى حقق شروطها، ولا يحد من حقه إقالة أو غيرها من المعاوضات التي تقع قبل انقضاء أجل الشفعة.
وبموجب ذلك أعيد نشر القضية لدى محكمة الإحالة التي أصرت على موقفها وقضت بإقرار الحكم الابتدائي بناء على أن عقد الإقالة لا يمكن أن يكون من عقود التفويت التي قصدها المشرع التونسي بالفصل 114 من م.ح.ع ضرورة أنه فسخ للبيع القائم وليس إنشاء لبيع جديد، فالبيع يزول بالتقايل بأثر رجعي طبق الفصل 418 من م.ا.ع ولذلك لايستطيع الشفيع الأخذ بالشفعة.
عقب الشفيع هذا الحكم ناعيا عليه خرق الفصل 114 من م.ح.ع الذي يقتضي “لا تمضي على الشفيع عمليات التفويت التي قام بهآ المشتري قبل أجل القيام بالشفعة”، وبما أن الطعن كان للمرة الثانية ولنفس السبب الواقع من أجله النقض أولاً فقد دعيت الدوائر المجتمعة للنظر في القضية، وقد كان السؤال المطروح عليها:
هل تحول الإقالة في البيع دون القيام بالشفعة؟
أجابت محكمة التعقيب بالنفي معللة قرارها بتحديد اكتساب الشفيع حقه في الحلول محل المشتري عند إبرام عقد البيع وباعتبار الإقالة تفويتا وتأكيد عدم سريان أثرها على الشفيع بصفته غيرا حسن النية.
1. اكتساب الشفيع حقه في الحلول محل المشتري عند إبرام عقد البيع
قالت محكمة التعقيب ” حيث إن بيع الشريك منابه الشائع في العقار المشترك لأجنبي عن الشركاء ينشأ عنه مباشرة وبقوة القانون حق شريكه أو شركائه في الحلول عن طريق الشفعة محل المشتري في التملك بذلك المناب… ولا ينقضي هذا الحق إلا بانقضاء أجل الشفعة أو تنازل الشفيع عنه صراحة”.
ينشأ حق الحلول إذن بمجرد إبرام عقد البيع ومنذ ذلك التاريخ، وهو مايستشف من الفصل 103 من م.ح.ع إذ يحل الشفيع محل المشتري في التملك بمبيع شريكه ولايحل محله في التملك بمشتراه، أي إن الشفيع ليس خلفا خاصا للمشتري، وبما أن انتقال الملكية أثر للبيع طبق الفصل 583 من م.ا.ع فإن حلول الشفيع محل المشتري يرتد إلى إبرام عقد البيع. ويؤيد هذا التحليل الفصل 112 من م.ح.ع الذي ينص على أن الشفيع يحل محل المشتري إزاء البائع في جميع حقوقه والتزاماته (الأستاذ علي كحلون، القانون العقاري الخاص، مركز النشر الجامعي تونس 2009 ص 304).
لقد أصابت محكمة التعقيب في ما ذهبت إليه، فهل وفقت في تأسيس عدم حيلولة الإقالة دون الأخذ بالشفعة؟
2. الإقالة الاختيارية من عمليات التفويت
ذهبت المحكمة العليا إلى أن المشرع ضمانا لحق الحلول اعتبر بالفصل 114 من م.ح.ع جميع عمليات التفويت التي يقوم بها المشتري قبل انقضاء أجل القيام بالشفعة غير ماضية على الشفيع، وتعد الإقالة الاختيارية من هذه العمليات. وقد أكدت المحكمة ان الإقالة سبب لانقضاء الالتزام بين المتعاقدين بأثر رجعي، وعقد جديد بالنسبة إلى الغير. والحقيقة أن الإقالة نقض للعقد وفسخ له يقع تراضيا، وهي من أوجه انقضاء الالتزام طبق الفصل 339 من م.ا.ع فهل تعد من عمليات التفويت المقصودة بالفصل 114 من م.ح.ع؟
ذهب بعض الشراح إلى أن عمليات التفويت تنحصر في العقود الناقلة للملكية سواء كانت بعوض أو دونه (الأستاذ عبد المنعم عبود، مجلة الحقوق العينية المعلق عليها، دار إسهامات في أدبيات المؤسسة 2002 ص 161)، في حين عرف اتجاه آخر التفويت بأنه كل نقل لحق عيني بعوض أو إنشاء له، ويدخل في ذلك العقود الناقلة للملكية والمنشئة للرهن وحق الارتفاق (علي كحلون، المرجع السابق ص 307).
لئن كان من المسلم به أن عقد البيع من العقود الناقلة للملكية عملا بالفصل 564 من م.ا.ع، فإن الإقالة فيه إنهاء له بأثر رجعي طبق الفصل 418 من م.ا.ع، أي انها إنهاء للتفويت، ولذلك لا نرى في الإقالة عملا من أعمال التفويت موضوع الفصل 114 من م.ح.ع (الأستاذ محمد كمال شرف الدين، تعليق على القرار الاستئنافي عدد 5200 الصادر عن محكمة الاستئنناف بالمنستير بتاريخ 17/11/1993، المجلة القانونية التونسية 1994 ص261).
ومن جهة أخرى فإن الفصل 114 من م.ح.ع ورد في القسم الثالث بعنوان آثار الشفعة أي أن أعمال التفويت المذكورة هي تلك التي تبرم بعد تحقق شروط الشفعة في حين أن الإقالة تولد نزاعا في وجود أهم شرط للقيام بالشفعة وهو عقد البيع ، وعليه فإننا نرى بأن المشكلة المطروحة تتمثل في مدى صحة الإقالة، ولا تتمثل في اعتبار الإقالة تفويتا.
لقد سبق القول بأن حق الشفيع في الحلول ينشأ بمجرد إبرام عقد البيع بين الشريك والمشتري الأجنبي، وهو حق يتواصل إلى حين انقضاء أجل القيام بالشفعة، ولذلك فلا يمكن إبرام الإقالة في هذا البيع بمجرد تراضي البائع والمشتري وحدهما، بل لا بد من حصول رضا الشفيع لتعلق حقه بها وإلا عدت قابلة للابطال. يتأسس عدم حيلولة الإقالة دون القيام بالشفعة في قابليتها للابطال، ولا يتأسس على اعتبارها تفويتا مثلما ذهبت إلى ذلك محكمة التعقيب.
3. عدم سريان أثر الإقالة على الشفيع
أما قول محكمة التعقيب بأن الإقالة عقد جديد إزاء الغير فإنه تبن لرأي فقهي لم يتبنه المشرع، إذ لا وجود لتمييز في طبيعة الإقالة بين المتعاقدين وبين الغير فتظل دائما وجها لانقضاء الالتزام، ولكن التفرقة تنحصر في آثارها إذ لا تضر غير المتعاقدين ممن اكتسب حقا فيما وقعت فيه إذا كان اكتسابهم لذلك على وجه جائز طبق الفصل 419 من م.ا.ع، وقد أكدت المحكمة العليا” يعتبر الشفيع غيرا حسن النية يحق له التمسك بعدم سريان أثر الإقالة إزاءه طالما اكتسب بمجرد البيع الأول على وجه جائز حق ممارسة دعوى الشفعة على العقار موضوع الإقالة وبتاريخ سابق عنها، وهو حق يتناقض والأثر الفسخي للاقالة وتعينت حمايته طيلة الأجل المحدد للقيام بالشفعة”.
لقد سبق أن أشرنا إلى انحراف محكمة التعقيب عن المشكلة المطروحة وهي مدى صحة الإقالة، وقد أدى هذا الانحراف الى عرض حلول غير سليمة منطقا ً وقانوناً، فإذا قلنا بأن الإقالة انقضاء للالتزام بين المتعاقدين وعقد جديد إزاء الشفيع، فكيف سيحل الشفيع في عقد قد انقضى؟! أم سيحل في العقد الجديد؟! ومحل البائع الاصلي؟! وماالحل إذا كان البائع الاصلي شريكا؟!
من الجلي كذلك أن استناد محكمة التعقيب إلى الفصل 419 من م.ا.ع في غير طريقه لأنه يتعلق بآثار الإقالة في حين أن المسألة المطروحة تتعلق بصحتها كما سلف بيانه، هذا من جهة، ومن أخرى فإن هذا الفصل يقتضي انقضاء الالتزام ولكن هذا الانقضاء لا يؤثر في حقوق الغير المكتسبة على موضوع الإقالة مثال ذلك عقد الرهن، فالدائن المرتهن لا يتضرر من التقايل، ويسترد البائع عقاره مثقلا بالرهن. لقد حاولت محكمة التعقيب حماية حق الشفيع بالاستناد إلى الفصلين 114 من م.ح.ع و419 من م.ا.ع ولكنها أخفقت في نظرنا في التأسيس السليم لهذه الحماية لما غفلت عن السؤال الجوهري : هل تصح الإقالة في البيع قبل انقضاء أجل القيام بالشفعة؟
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة