إثارة الدفع بعدم الاختصاص الدولي للمحاكم التونسية

1- طبيعة إثارة الدفع بعدم الاختصاص الدولي للمحاكم التونسية

إن الدفع أو الوسيلة في مجلة المرافعات المدنية والتجارية هو ما يستند إليه المتقاضي تدعيماً للطلب أو الدفاع، وهو يشمل عناصر واقعية وقانونبة. ومن النصوص الدالة على هذا التوجه الفصل 148 الذي اقتضى في فقرته الأخيرة جواز الاحتجاج بوسائل جديدة لدى الاستئناف.

وقد وردت كلمة “وسائل” نكرة، وهو ما يفيد العموم وعدم التحديد، أي إن هذه الوسائل يمكن أن تكون واقعية أو قانونية. وتنقسم الدفوع إلى قانونية وواقعية ومختلطة. ويكون الدفع القانوني المختلط بالواقع شكلياً أو موضوعياً، وقد يتعلق بالمصلحة الشخصية فحسب أو بالنظام العام.

ومن خلال الفصل 10 من مجلة القانون الدولي الخاص الذي ينص على أنه “يجب إثارة الدفع بعدم اختصاص المحاكم التونسية قبل الخوض في الأصل”، يمكن مبدئياً تصنيف هذا الدفع بأنه دفع شكلي لا يهم إلا المصلحة الشخصية كالدفع بعدم الاختصاص الترابي.

وقد قررت محكمة التعقيب أن الهدف من إثارة هذا الصنف من الدفوع هو الحيلولة دون النظر في موضوع القضية، ولذلك يجب إبداؤه قبل الخوض في الأصل (القرار التعقيبي المدني عدد 11373 المؤرخ في 13/05/1985 مجلة القضاء والتشريع عدد9 لسنة 1985ص 121).

لكن المشرع أورد لهذا المبدأ استثناء بالفصل 4 من م.ق.د.خ “تنظر المحاكم التونسية في النزاع إذا عينها الأطراف أو إذا قبل المطلوب التقاضي لديها إلا إذا كان موضوع النزاع حقاً عينياً متعلقاً بعقار كائن خارج البلاد التونسية”.

ففي هذه الحالة تكون إثارة الدفع بعدم الاختصاص الدولي للمحاكم التونسية من المسائل الشكلية المتعلقة بالنظام العام، والتي تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها. بعد تصنيف إثارة هذا الدفع نحاول بيان كيفيتها.

 

2- كيفية إثارة الدفع بعدم الاختصاص الدولي للمحاكم التونسية

يفرض الفصل 10 من م.ق.د.خ إثارة الدفع بعدم الاختصاص قبل الخوض في الأصل، أي إذا استدعي المطلوب للحضور لدى المحاكم التونسية في إطار نزاع ذي صبغة دولية، وكانت هذه المحاكم غير مختصة ، فعليه أن يتمسك بالدفع بعدم الاختصاص قبل جوابه في الموضوع، وإلا عـُـدَّ قابلاً لنظرها في الدعوى. ولا يـُـلتـَـفت بعد ذلك إلى تمسكه بهذا الدفع.

وقد أثيرت مسألة عدم حضور المطلوب بعد استدعائه طبق القانون، فهل يعد ذلك قبولاً للاختصاص أم رفضاً له؟

لقد ذهب شق من الفقه إلى أن عدم حضور الأجنبي لا يعد قبولاً لولاية المحاكم التونسية بل هو رفض لها، إذ أن هذه المحاكم غير مختصة وتبقى كذلك ما لم يحضر الأجنبي ويقبل الخضوع لولايتها (يراجع المبروك بن موسى، شرح المجلة التونسية للقانون الدولي الخاص، نوفمبر 2003 ص 56و57).

ولعل هذا الرأي مستمد من القانون المقارن إذ تنص المادة 35 من قانون المرافعات المصري على “إذا لم يحضر المدعى عليه ولم تكن محاكم الجمهورية مختصة بنظر الدعوى طبقا للمواد السابقة تحكم المحكمة بعدم اختصاصها من تلقاء نفسها.”

ولكننا لا نساند هذا الموقف لأن نص الفصل 10 من م.ق.د.خ واضح وصريح الدلالة على وجوب إثارة المطلوب للدفع بعدم الاختصاص قبل الخوض في الأصل، فالمشرع التونسي لا يعتد بغير الإثارة الصريحة التي تستوجب الحضور بالجلسة.

أما إذا كان موضوع النزاع حقاً عينياً متعلقاً بعقار موجود خارج البلاد التونسية، فيمكن الدفع بعدم الاختصاص في كل طور ودرجة، وأمام محكمة التعقيب ولو أول مرة، كما يجب على المحكمة إثارة عدم اختصاصها من تلقاء نفسها لمساس الأمر بالنظام العام كما سلف ذكره.

 

بقلم:

يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة