تصنيف الدفع القانوني المختلط بالواقع

1- الدفع الشكلي والدفع الموضوعي

لم يعرف المشرع التونسي الدفع الموضوعي، وخالف نظيره الفرنسي الذي عرفها بالفصل 71 من مجلة الإجراءات المدنية “يعد دفاعاً في الأصل كل دفع يرمي إلى رفض طلبات الخصوم باعتبارها غير مبررة بعد النظر في أصلها من حيث القانون”.

ويعني الدفع الموضوعي المنازعة في أصل الحق الذي يطالب به الخصم، كبيان أن الدعوى لا ترتكز على أي أساس قانوني لأن الحق المدعى به لا وجود له أو لم يعد موجوداً (الأستاذ عبد الله الأحمدي، القاضي والإثبات في النزاع المدني، اوربيس 1991 ص 142)، ومن أمثلته الدفع بالمقاصة أو بعدم التنفيذ أو بالتقادم.

أما الدفع الشكلي فقد أشار إليه المشرع في بعض فصول مجلة المرافعات المدنية والتجارية كالفصل 149 إلا أنه لم يحدده، ولم يسلك سبيل المشرع الفرنسي الذي عرفه بالفصل 73 من مجلة الإجراءات المدنية : “يعد دفعاً إجرائياً كل دفع يرمي إلى التصريح ببطلان الإجراءات أو بانقضائها أو بإيقافها”.

كما لم يحصر المشرع أوجه الدفع الشكلي بدقة خلافاً لنظيره الفرنسي الذي حصرها في أربعة وهي: الدفع بعدم الاختصاص، والدفع بسابقية نشر النزاع لدى محكمة أخرى أو وجود ارتباط بنزاع آخر، والدفع بوقف إجراءات الخصومة أو طلب تأجيلها، والدفع بالبطلان.

ويعتبر جل الفقهاء أن الدفع بعدم القبول دفع مختلط، أي إنه دفع شكلي وموضوعي، كالتمسك بانتفاء الصفة أو بنفوذ اتصال القضاء (الأستاذ الأحمدي، المرجع المذكور ص143)، غير أننا نرى بأن القانون التونسي لا يأخذ هذا المأخذ، فالدفع بعدم القبول هو دفع شكلي، وقد يتعلق بالمصلحة الخاصة أو بالنظام العام.

 

2- الدفع المتعلق بالنظام العام والإجراءات الأساسية والدفع الذي لا يهم إلا المصلحة الخاصة

لقداعتبر المستشار Faye أن الدفع المتعلق بالنظام العام هو الدفع الناتج من خرق قاعدة قانونية موضوعة أساساً لمصلحة المجتمع (Faye,Traité de la cour de cassation, Paris 1903 n130).

وهناك من يعتبر أن مفهوم النظام العام الإجرائي لا ينحصر في المصلحة العامة، بل يشمل كذلك القيم الحيوية التي يؤمن بها المجتمع، وإن كانت تهم المصلحة الشخصية كحق الدفاع (الأستاذ نور الدين الغزواني، محاضرات في القانون العدلي الخاص لطلبة السنة الرابعة حقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس السنة الجامعية 1999/2000 ص 136).

لكن هذا الرأي قابل للنقاش، إذ يفهم من الفصل 14 من م.م.م.ت أن المشرع يضع للنظام العام الإجرائي مفهوماً ضيقاً لا يعدو أن يكون المفهوم التقليدي، وذلك لاعتماده مفهوم الإجراءات الأساسية، وهي الإجراءات التي تهم المصلحة الخاصة والنظام الإجرائي لأنها تعبر عن قيم أساسية، أي إنها القواعد الضامنة للحقوق الأساسية للمتقاضين كمبدأ المواجهة بين الخصوم.

ومن أمثلة هذا الدفع طلب بطلان عقد لخلوه من ركن أساسي كالمحل أو السبب، أو الدفع بعدم الاختصاص الحكمي، أو بسقوط الطعن، أو بانتفاء الصفة، أو بانعدام الأهلية. أما الدفع المتعلق بالمصلحة الخاصة فهو الوسيلة التي لا تهم غير مصلحة المتمسك بها.

ذلك أن عدم إثارتها لا تؤثر في المصلحة العامة للمجتمع أو في نظام الإجراءات الأساسية كالدفع بعدم الاختصاص الترابي، أو الدفع بسابقية النشر أو الارتباط، أو الدفع بالبطلان النسبي، أو الدفع بسقوط الحق بمرور الزمن.

 

بقلم:

يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة