إن رقابة محكمة التعقيب للعناصر الواقعية للدعوى ضرورة، وتتمثل في رقابة الأعمال الإجرائية، وفي رقابة الوقائع.
1- رقابة الأعمال الإجرائية
تنظر محكمة التعقيب عند رقابتها للأعمال الإجرائية كمحكمة أصل، فتنظر مباشرة في هذه الأعمال، فإذا تبين لها أن الإجراءات لدى محاكم الأصل باطلة تبطل الحكم، أما إذا حرفت المحكمة هذه الأعمال فرفضت الطعن مثلاً رغم سلامته، فإن المحكمة العليا تنقض الحكم المنتقد (Nadhir Ben Ammou, Le pouvoir du contrôle de la cour de cassation, Thèse pour le Doctorat, Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis 1996 p264 et 265).
وقد ذهب بعض الشراح إلى وجوب التمييز بين رقابة محكمة التعقيب للتحريف ورقابتها للأعمال الإجرائية. فالرقابة الأولى استثناء جزئي من سلطات حكام الأصل، بينما تعد الأخرى استثناءً كلياً من هذه السلطات (Nadhir Ben Ammou,Thèse précitée p 267).
غير أن هذا الرأي قابل للنقاش، فالتحريف ذو طبيعة واحدة سواء وجد في الإجراءات أو في الوقائع ولكن موضوعه مختلف، وهذا ما انتهى إليه تطور فقه القضاء الفرنسي إذ استوعبت رقابة التحريف رقابة الأعمال الإجرائية (C.Marreaud,La notion de dénaturation en droit privé, Thèse, Université de Grenoble 1974 p 47).
إذا وقع قبول رقابة محكمة التعقيب للأعمال الإجرائية، فإن الرقابة المباشرة للواقع تبدو منازعاً فيها.
2- رقابة الوقائع
تقوم محاكم الأصل بعمليتين أساسيتين عند النظر في الواقع وهما المعاينة والتقدير. أما المعاينة فهي التحقق من الواقعة و تقرير وجودها (N.Ben Ammou,Thèse précitée p 270)، وأما التقدير فهو الحكم “غير القانوني ” عليها، أي إنه يختلف عن التكييف القانوني كتقدير أهمية الواقعة ومنزلتها بين الوقائع الأخرى، أو تقدير غموض العقد.
ويكفي أن تراجع محكمة التعقيب الحكم حتى تراقب سلامة تطبيق القانون، وهو ما يعبر عنه بالرقابة غير المباشرة للواقع. أما إذا طعن في الحكم بتحريف الوقائع، فيجب على المحكمة العليا الرجوع إلى ملف الدعوى وممارسة رقابة مباشرة للوقائع، فإذا ثبت التحريف وجب نقض الحكم وإرجاع القضية إلى محكمة الأصل لإعادة النظر فيها.
أما رقابة التقديرات فتكون بمراقبة التعليل، إذ يجب على الحكام أن يبرروا الكيفية التي توصلوا بها إلى هذه التقديرات، فإذا كان التسبيب سليما ومنطقيا لم يقبل الطعن (محمد بن سلامة، حول محكمة التعقيب، مجلة القضاء والتشريع جوان 1975 ص 79)، وإلا وجب نقض الحكم لضعف التعليل.
ولكن يجب التنبيه إلى أنه لا ينبغي لمحكمة التعقيب أن تخوض في الوقائع، و لا أن تبسط تقديرها الخاص.
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة