صدر المرسوم بقانون اتحادي رقم (15) لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات المدنية الصادر بالقانون الاتحادي رقم 11 لسنة 1992م بتاريخ 29/8/2021، وأجرى تعديلات هامة على قانون الإجراءات المدنية.
تضمن هذا المرسوم إضافة مادة جديدة كلياً هي المادة رقم (187 مكرراً) ونصها:
“1. مع عدم الإخلال بالفقرة الأولى من المادة (183)، واستثناءً من حكم المادة (187) من هذا القانون، يجوز للمحكمة الرجوع عن القرار الصادر منها في غرفة المشورة أو عن حكمها البات من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب من الصادر ضده القرار أو الحكم، في أي من الأحوال الآتية:
(أ) إذا شاب القرار أو الحكم خطأ إجرائي وقع من المحكمة أو أجهزتها المعاونة أثَّر في النتيجة التي انتهى إليه قرارها أو حكمها.
(ب) إذا كان القرار أو الحكم مستنداً على قانون ملغى، ويكون من شأن تطبيق القانون الصحيح تغيير وجه الرأي في الدعوى.
(ج) إذا صدر القرار أو الحكم مخالفاً لأي من المبادئ القضائية التي قررتها الهيئة أو الدوائر مجتمعةً بالمحكمة حسب الأحوال، وذلك بدون العرض عليها، أو صدر مخالفاً للمبادئ التي استقرت عليها المحكمة أو التي أصدرتها هيئة توحيد المبادئ بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية.
2. يقدم طلب الرجوع من الصادر ضده القرار أو الحكم إلى رئيس المحكمة الاتحادية العليا أو رئيس محكمة النقض أو رئيس محكمة التمييز حسب الأحوال، موقعاً من محامٍ مقبول للمرافعة أمامها ومصحوباً بتأمين مقداره عشرون ألف درهم، وإذا كان الرجوع من تلقاء نفس المحكمة يحيله رئيسها مصحوباً بتقرير من المكتب الفني إلى الهيئة المنصوص عليها في البند (3) من هذه المادة.
3. يُنظر بطلب الرجوع أو قرار الإحالة به المنصوص عليه في البند (2) من هذه المادة أمام هيئة مشكلة من أقدم خمسة قضاة بالمحكمة من غير من شاركوا في إصدار القرار أو الحكم، وتصدر الهيئة منعقدة في غرفة المشورة قراراً مسبباً بأغلبية أربعة قضاة في طلب الرجوع، ويصادر مبلغ التأمين بقوة القانون عند رفض الطلب. وفي حال قبول الطلب يحال إلى دائرة أخرى لنظر الطعن من جديد والفصل فيه مع رد مبلغ التأمين إلى الطالب. 4. وفي جميع الأحوال، تكون الإحالة أو تقديم طلب الرجوع لمرة واحدة فقط، ولا يجوز إحالته أو تقديمه بعد انقضاء سنة من تاريخ صدور القرار من غرفة المشورة أو الحكم البات.”
من هذا النص يتبين أن المادة 187 مكرر تضع طريقةً جديدة للطعن على الأحكام الباتة، أي الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا أو محكمة نقض أبوظبي أو محكمة تمييز دبي أو رأس الخيمة، وذلك في أحوال استثنائية وحصرية ثلاث فقط، في خطوةٍ جريئة وصائبة يخطوها القانون الإماراتي في جادة التقدم التشريعي.
آية ذلك أن الحكم البات – سابقاً – كان نهاية المطاف القضائي، وغاية الدعوى ومنتهاها، فلم يكن الطعن على الحكم البات جائزاً، سواء صدر عن المحكمة الاتحادية العليا أو محكمة النقض أو محكمة التمييز، وذلك حرصاً من القضاء على استقرار المراكز القانونية وحسم النزاع لكيلا يستطيل التقاضي آماداً مديدة وأعواماً عديدة.
إلا أنه على إثر تطور الأوضاع القضائية في الدولة، وتسارع الفصل في الخصومات، وكثرة الدعاوى وتنوعها بما قد يؤدي أحياناً إلى الخطأ البشري، رأى المقنن الإماراتي ضرورة وضع حلٍ موائم في الحالات التي يصدر فيها الحكم البات بخطأٍ قانوني جسيم، سواء كان هذا الخطأ إجرائياً أو قانونياً.
وعلى هذا تفتق الذهن القانوني عن وضع “طلب الرجوع” حلاً لهذه المعضلات القانونية، واختزله بنص المادة 187 مكرر في التعديل الأخير، وتضمنت المادة الحالات التي تجيز تقديم طلب الرجوع عن الحكم البات، فجعلتها حالات ثلاث حصراً هي: حالة الخطأ الإجرائي المؤثر، وحالة القضاء بقانون ملغى، وحالة أخيرة هي في نظرنا الأهم والأوسع، وهي حالةُ مخالفة الحكم البات للمبادئ المستقر عليها في المحاكم العليا، وهذا في توجه قانوني حكيم نحو توحيد المبادئ القضائية على الصعيدين المحلي والاتحادي، والمساهمة في اتساق المبادئ على نحو يرقى بالقضاء الإماراتي.
ولقد حددت المادة طريقتين لتقديم طلب الرجوع: الطريقة الأولى هي تقديم الطلب من المحكمة نفسها، والطريقة الثانية هي تقديم الطلب من قبل المحكوم عليه، وقد احتاط القانون في هذه الطريقة الأخيرة بأن أوجب لضمان جدية طالب الرجوع أن يسدد مبلغاً مقداره عشرون ألف درهم كتأمين يصادَر بقوة القانون إذا رُفض طلب الرجوع، ويُرجع للطالب إذا قُبل طلب الرجوع، كما وقَّت القانون مدة تقديم طلب الرجوع بسنة من تاريخ صدور الحكم أو القرار البات، فإذا مضت سنة من تاريخ صدور الحكم البات، كان طلب الرجوع غير مقبولٍ، وقد منعت المادة تقديم طلب الرجوع أكثر من مرة.
كذلك أرست المادة الضمانات القانونية اللازمة لتحقيق طلب الرجوع، فأوجبت أن يتم نظر طلب الرجوع من القضاة الخمس الأقدم في المحكمة العليا، وأن يتم نظر الطعن في حال تقرر الرجوع عنه من هيئة مغايرة للتي أصدرت الحكم البات أول مرة. وعلى هذا فإننا نرى أن المقنن قد وُفِّق في وضعه لهذه المادة وتشريعه لطلب الرجوع، إذ هو حل مرن وعملي يمكن من خلاله تصحيح ما قد ينتاب الأحكام الباتة من أخطاء بشرية تؤثر في الحكم البات سلباً.
ولقد كان تعديل الأحكام الباتة أو تصحيحها مستحيلاً سابقاً – إلا في حالات استثنائية خاصة وضيقة جداً كحالة “طلب العدول”- وقد كانت تلك الاستحالة تشكل حرجاً على بعض المتقاضين المتضررين من بعض السهوات المؤثرة على الأحكام الباتة، والتي قد تؤدي كذلك إلى تناقض المبادئ بين المحاكم العليا الاتحادية والمحلية، ومن ثم كان هذا الابتكار التشريعي حلاً مناسباً لتلك المعضلات السابقة.
بقلم:
أحمد محمد بشير | مكتب أحمد محمد بشير للمحاماة والاستشارات القانونية