الشرط الجزائي في العقد المدني من خلال مجلة الالتزامات والعقود

لقد تناول المشرع التونسي في المشروع الأولي لمجلة الالتزامات والعقود الشرط التغريمي مخصصاً له قسماً كاملاً، لكنه عدل عن ذلك في صيغتها النهائية. فهل يمكن اعتبار ذلك رفضاً لهذا الشرط؟ سنحاول الإجابة عن السؤال باستعراض موقف فقه القضاء قبل بيان رأينا.

1- موقف فقه القضاء

يبدو أن فقه القضاء التونسي مجمع على اعتبار الشرط التغريمي أو الجزائي جائزاً رغم عدم تنظيمه من قبل المشرع، ويستند في ذلك إلى مبدأ حرية التعاقد وإلى أحكام الفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود الذي ينص على:

“ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين ولا ينقضي إلا برضائهما أو في الصور المقررة في القانون”. فقد أكدت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة أن “الشرط التغريمي لم يرد به نص خاص في القانون وإنما يعود في حقيقته إلى التزام بتعويض الضرر بمبلغ معين يتفق عليه الطرفان مسبقاً وهو بهذه الصفة خاضع للقواعد العامة للالتزامات القاضية بأن ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون بين المتعاقدين…” (القرار التعقيبي المدني عدد 7919 المؤرخ في 28/04/1975، نشرية محكمة التعقيب 1975، ص224).

وذهبت المحكمة العليا في قرار آخر إلى القول “حيث إن الشرط التغريمي ولئن كان ثمرة اتفاق الطرفين فإنه ينبغي أن لا يحيد عن قواعد العدل والإنصاف وأن لا ينقلب أداة لتكريس هيمنة الطرف الأقوى في العقد على الجانب الضعيف فيه ولتحقيق الربح السهل والإثراء بدون سبب… ولئن كان الشرط الجزائي خاضعاً لمبدأ سلطان الإرادة وحرية التعاقد تنفيذاً لمقتضيات الفصل 242 من م.إ.ع، إلا أن هذا لا يمنع محكمة الموضوع في نطاق سلطتها التقديرية من إجراء ما لها من حق المراقبة على ذلك الشرط…” (القرار التعقيبي المدني عدد 42624 المؤرخ في 28/04/1994، المجلة القانونية التونسية 1996، ص 231). يبدو في تقديرنا أن هذا الموقف قد تنكب جادة الصواب.

2- رأينا

لا مراء في أن الشرط الجزائي تتنازعه صبغتان، فهو في نظر بعض الفقهاء ذو طبيعة تعويضية، وفي رأي فريق آخر ذو صبغة عقابية. أما من يرى هذا الشرط تعويضا فإنه يذهب إلى تقدير التعويض اعتماداً على الضرر وحده دون اعتبار للخطأ. كما يعفى الدائن في هذا المذهب من إثبات الضرر بوضع قرينة حصوله عند عدم تنفيذ الالتزام أو تأخير تنفيذه (الأستاذ محمد بقبق، المرجع المذكور، ص 182 و183).

وقد اعتبر الأستاذ محمد بقبق أن هذه المزايا موجودة في نظام المسؤولية العقدية طبق الفصول 268 وما بعده من م.إ.ع، ولذلك فإن إجازة محكمة التعقيب للشرط الجزائي في غير محلها (الأستاذ محمد بقبق، المرجع المذكور، ص 183 و 184).

ولئن تبدو مبررات هذا الفقيه غير وجيهة، لأن الدائن غير معفى من إثبات الضرر إلا في الالتزامات الخاصة بأداء مقدار مالي طبق الفصل 278 من م.إ.ع، وهي حالة جزاء قانوني تمثل عقاباً، فإننا نوافقه الرأي الذي انتهى إليه لاعتبارنا جزاء التعويض جزاءً بعدياً، أي لايمكن تحديده إلا بعد حصول الضرر، وهذا تصور المشرع الذي يتجلى من خلال التعويض القضائي للضرر الحاصل، ومن خلال استبعاد التعويض الاتفاقي المسبق كما سلف بيانه.

أما بالنسبة إلى الفريق الذي يعتبر الشرط الجزائي عقاباً خاصاً، فإنه يرى توقيع هذا الجزاء بقطع النظر عن الضرر، ويمنع القاضي من تعديله (الأستاذ محمد بقبق، المرجع المذكور، ص176).

وإننا نعتبر بأنه لا يمكن للشرط الجزائي أن يوصف إلا بعقاب خاص لأنه جزاء قبلي، أي يقع تحديده مسبقاً كسائر العقوبات، ولذلك فلا مجال للعمل به بين المتعاقدين إلا بنص قانوني صريح يضعه استثناء لسلطة الدولة (الأستاذ محمد بقبق، المرجع المذكور، ص 181)، وهي غير حالة مجلة الالتزامات والعقود.

الخاتمة

نخلص مما تقدم إلى أن المشرع التونسي في مجلة الالتزامات والعقود لا يأخذ بالشرط الجزائي سواء أكان تعويضاً أم عقاباً خاصاً، ولذلك فإن على المحكمة استبعاده، كلما عرض عليها، وتقدير التعويض طبق القانون. بقي أن نشير إلى أن تحديد المسؤولية التعاقدية جائز في حالة انعدام الخطأ الفاحش أو الغش، وعليه فيمكن للمحكمة تكييف الشرط الجزائي، في مثل هذه الحالة، بتحديد مسؤولية.

بقلم:

يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة