تسوغ صاحب الأصل التجاري المحل الذي يستغل به من مالكيه القاصرين، وقد مثلتهما في عقد الكراء والدتهما بصفتها حاضنتهما، وبعد بضع سنوات وجه إلى المتسوغ تنبيه تجاري لإنهاء العلاقة الكرائية طبق أحكام القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرخ في 25/05/1977.
رفع المتسوغ دعوى على الأم في حق ابنيها القاصرين للمطالبة بغرامة الحرمان، فأصدرت المحكمة الابتدائية بتونس حكمها عدد 15185 في 11/07/2017 قاضياً برفض الدعوى. استأنف المدعي هذا الحكم فأصدرت محكمة الاستئناف بتونس الحكم عدد 11419 في 10/05/2018 قاضياً بنقض الحكم الابتدائي والقضاء مجدداً بإلزام المستأنف ضدهما بأداء غرامة حرمان من تجديد الكراء.
عقــَّب أحد المحكوم عليهما القاصر على هذا الحكم مستنداً إلى عدة مطاعن فلم تقتنع محكمة التعقيب بوجاهة أي مطعن، وقررت رفض مطلب التعقيب أصلاً. يستدعي هذا القرار إبداء بعض الملاحظات الإجرائية، وسنكتفي في هذا المقال بتحليل موقف المحكمة العليا بخصوص صفة الأم في تمثيل ولدها لدى القضاء.
1- عرض موقف محكمة التعقيب
تقول محكمة التعقيب “وحيث وخلافاً لما دفع به المعقب، فلقد مكن الفصل 67 من م.ا.ش الأم التي أسندت لها الحضانة من صلاحيات الولاية مثلما هو حال المعقبة… هذا فضلاً على أن عقد التسويغ أساس العلاقة الكرائية الرابطة بين مالكي الجدران والمعقب ضده الأول المتسوغ مبرم بين هذا الأخير بصفته تلك والطاعنة بوصفها حاضنة لابنيها القاصرين مالكي المحل المراد تسويغه وحتى محضر التنبيه بإنهاء أمد الكراء…
سند قضية الحال فقد وجه من الطاعنة المذكورة على أساس أنها تمارس الولاية الشرعية لابنيها القاصرين بوصفها حاضنة لهما وعليه فإنه يكون من البديهي ومن حسن احترام القانون القيام عليها بصفتها تلك من قبل المدعي في الأصل المعقب ضده الأول الآن للمطالبة بغرامة الحرمان ما دامت تتمتع بصفة الولي الشرعي بحكم القانون وهي المتصرفة في أموال ابنيها…”
يبدو لنا موقف المحكمة العليا غريباً، وسنحاول بيان ذلك.
2- مناقشة موقف محكمة التعقيب
اقتضى الفصل 19 من م.م.م.ت “حق القيام لدى المحاكم يكون لكل شخص له صفة وأهلية تخولانه حق القيام بطلب ما له من حق. ومن واجب المحكمة رفض الدعوى إذا تبين لها من أوراق القضية أن أهلية القيام بها منعدمة أو لم تكن للطالب صفة القيام بها”.
والصفة هي الوجه الذي يبيح القيام للمدعي أو المدعى عليه، وتكون لصاحب الشأن أو لممثله القانوني، وهي من الإجراءات الأساسية التي يجب توافرها في الطالب والمطلوب، وعلى المحكمة إثارة انتفائها من تلقاء نفسها. ومن المسلم به أن الممثل القانوني للقاصر وليه، وهو أبوه طبق الفصلين 154 و 155 من م.ا.ش.
أما الفصل 67 من م.ا.ش، الذي اعتمدته محكمة التعقيب، فقد نص على أن “تتمتع الأم في صورة إسناد الحضانة إليها بصلاحيات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية”. ويستفاد منه أن الولاية باقية للأب المفارق، وأن الجزء المسند منها إلى الأم الحاضنة مسند على وجه الحصر (محمد كمال شرف الدين، قانون مدني، النظرية العامة، الأشخاص، إثبات الحقوق، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، الطبعة الأولى 2002 ص 215).
من الجلي أن القانون، خلافاً لما زعمته محكمة القانون، لا يخول الأم الحاضنة تمثيل ولدها في قضية الحال. وفي سبيل دعم الموقف الذي لا سند له، استندت المحكمة إلى عقد الكراء الموقع من قبل الأم في حق ابنيها بوصفها حاضنة، وإلى التنبيه بإنهاء التسويغ الموجه من قبلها بصفتها تلك. من الواضح أن سند المحكمة أوهن من بيت العنكبوت لأن تصرف الأم في كلتا الحالتين غير سليم قانوناً، فصلاحيات الولاية المسندة إليها بمقتضى الفصل 67 من م.ا.ش لا تخولها ذلك.
نضيف إلى ما تقدم تمسك ولي القاصر في طعنه بالتعقيب بسبق إعلام الخصم بوجوده وتمثيله لولده حسب محضر مبلغ قبل وقوع الطعن بالاستئناف، وهي حجة مضافة من الخصم نفسه إلى الملف الاستئنافي. ولقد مرت محكمة التعقيب على ما أثير في هذا الشأن مروراً غير كريم.
صفوة القول إن الأم، خلافاً لما أوردته محكمة القانون، لا تتمتع بصفة الولي الشرعي بحكم القانون، وأن هذه الصفة لأبيه وهو ممثله في قضية الحال، وعليه فقد كان لزاماً على المحكمة العليا إبطال الحكم المطعون فيه دون إحالة لبطلان إجراءات الاستئناف.
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة