قصور مفهوم العيب الخفي في مجال منتجات العقاقير الطبية والمواد السامة

الفرع الأول: تعريف المنتج الخطر وقصور مفهوم العيب الخفي

اختلف الفقه في تعريف المنتج الخطر، إذ أن المنتج أو السلعة قد تكون خطرة لوجود عيب فيها، أي لكونه معيباً، فالسيارة تصبح منتجاً خطراً إذا كان بها عيب أو خلل في الفرامل، وكذلك الأمر بالنسبة للثلاجة، أو السخان الكهربائي إذا لم تكن مزودة بعازل كهربائي لحماية مستعمليها، والخطورة هنا قد يكون مرجعها عيب في تصنيع المنتج، أو عيب في تصميمه، ومثل هذه المنتجات ليست هي المقصودة بتعبير المنتج الخطر، إذ أن المتضرر قد يجد في القواعد القانونية التقليدية ضمان العيب الخفي الحماية المناسبة.

إن تعبير المنتج الخطر ينصرف في جانب منه إلى المنتجات الخطرة بطبيعتها، والتي روعي في تصنيعها وتصميمها كل قواعد الفن الصناعي وأصوله المستقرة، فمثل هذه المنتجات قد يترتب على استعمالها أضرار تلحق بشخص أو بمال مستعمليها، ولا ينفع المتضرر في هذه الحالة اللجوء إلى ضمان العيب الخفي. وقد ناقش الفقه في مجال آخر المسؤولية عن الأشياء الخطرة، وذلك من منظور المادة /179/ مدني سوري والتي تنص على أن “كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة الآلات الميكانيكية يكون مسئولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر…”

ووفقاً لنص المادة /179/ مدني سوري، فإن الآلات الميكانيكية تعد من أبرز تطبيقات الأشياء الخطرة، بل هي تعد كذلك في جميع الأحوال. إن فكرة الشيء الخطر الذي يتطلب عناية خاصة في الفقه السوري هو الذي يعرض الغير للأخطار بسبب طبيعته أو بسبب الظروف التي وضع فيها أو بفعل الإنسان. وقد كان التقنين المدني اللبناني عند صدوره يصر بحكم هذا النوع من المسئولية على حالة حدوث ضرر من شيء (له قوة متحركة بذاته، أو يستدعي رقابة خاصة). ولكن هذا التقنين عدل عن هذا النص في 5 نوفمبر عام 1932، وأصبح النص يشمل جميع الجوامد المنقولة وغير النقولة.

وتعريف الشيء الخطر متعلق بمسئولية حارس الشيء في مواجهة الغير وهي مسئولية تقوم على قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس، وهو أمر مختلف عن مسئولية المنتج عن الأضرار التي تحدثها منتجاته الخطرة، إذ أن المنتج لم يعد حارساً فقد تخلى عن حيازة الشيء ولم تعد له سلطة الرقابة والتوجيه لا على الشيء، ولا على مستعمليه، كما أنه المتضرر ليس غيراً، إذ أنه يرتبط برابطة عقدية مع المنتج، وإن هذا المنظور القانوني المختلف يغاير من مفهوم المنتج الخطر، عن مفهوم الشيء الخطر الذي أشارت إليه المادة /179م س/.

ويمكن القول بأن المنتَج الخطر هو ذلك الذي يتميز بما له من طاقة أو ديناميكية ذاتية مثل الآلات أو الأدوات الكهربائية، والمنتَج الخطر هو الذي ينبعث منه تهديد بالخطر، لارتباط ذلك بإحدى خصائصه، ولا يمكن اعتبار منتج ما خطر لمجرد أنه قد تسبب في إحداث الضرر، إذا لم يكن قد مثل قبل ذلك تهديداً بحدوث الضرر. وإذا كانت الأجهزة الكهربائية تدخل في نطاق المنتجات الخطرة كالغسالات والسخانات وغيرها، فإن العديد من المنتجات تكتسب صفة الخطورة بالنظر إلى طبيعتها ومكوناتها مثل المنظفات الصناعية ومبيدات الآفات المنزلية والزراعية.

وقد لاقت فكرة المنتجات الخطرة، بطبيعتها ترحيباً وقبولاً من المشرع الفرنسي، إذ نجد أن القانون الصادر في 10 يناير سنة 1978 والمتعلق بحماية وإعلام المستهلكين في مجال السلع والخدمات قد نص في مادته الأولى على أن المنتجات والأجهزة التي تمثل إحدى أو بعض خصائصها الظروف العادية للاستعمال خطراً على صحة أو سلامة المستهلكين، تحظر أو تخضع للتنظيم اللائحي وفقاً للشروط المبينة فيما بعد.

وهذا ما أكده المشرع السوري من خلال قانون حماية المستهلك رقم 8/2008 من وإلزام المستورد أو المنتج أو مقدم السلعة إعلام المستهلك بواسطة نشرة أو بطاقة تتضمن المخاطر المحتملة وطرق الوقاية منها م 22 ، فهذا الالتزام لا يقتصر على المنتج أو المستور و إنما شمل أيضا مقدم السلعة الذي يمكن أن يكون العارض أي صاحب المحل العارض للمنتج إلا أن مفهوم المنتجات الخطرة بطبيعتها، مفهوم قاصر ولا يمكنه استيعاب فكرة المنتج الخطر أو تغطيتها، وفي هذا الشأن أوضحت محكمة النقض الفرنسية أن العديد من المنتجات الشائعة أو غير الضارة قد لا تعدو منتجات خطرة بالنسبة لمستهلكيه أو مستعمليها الذين لا يحيطون علماً بخصائصها أو بتكوينها الكيميائي وللانتقادات العديدة أدرك المشرع الفرنسي فهجر فكرة المنتج الخطر بطبيعته.

ولذلك فإن القانون الصادر في 21 يوليو 1983 والمتعلق بسلامة المستهلكين ينص في مادته الأولى على أن السلع والخدمات في ظروف الاستعمال العادية وفي الظروف الأخرى التي من المعقول توقعها بالنسبة للمهنيين، يجب أن تحقق الأمن أو السلامة الذي يكون من المشروع ومن المعقول توقعه وألا تضر بصحة الأشخاص، فالمنتج يجب أن يكون مطابقا ومحققا للمواصفات القياسية والمتطلبات الصحية والبيئية السلامة والأمان الخاصة به وفق التعليمات الصدارة من الجهة المختصة م /5/ ق2/ 2008م.

وفقاً لنصوص القانون الفرنسي الصادر في 21 يوليو 1983 والمتعلق بسلامة المستهلكين فإنه يمكن القول إن المنتج الخطر هو ذلك الذي لا يفي بمقتضيات سلامة وأمن المستهلكين، ومما يؤكد هذا المفهوم أن المادة الثانية من القانون تنص على أن المنتجات التي لا تفي بالالتزام العام بالسلامة المنصوص عليها في المادة الأولى تحظر ويمكن القول بأن المنتجات الخطرة لا يمكن حصرها أو تعدادها، وهذه المسائل التي يترك تقديرها لقاضي الموضوع.

وفي أحد التقارير المتعلقة بحماية المستهلكين في مجال المنتجات الخطرة التي ناقشها، ذهب مجلس النواب الفرنسي إلى تعريف المنتج الخطر بأنه ذلك الذي يشكل خطراً على صحة المستهلكين أو سلامتهم وأمنهم، وذلك بصفة مستقلة ومتميزة عن فكرة الغش أو التزييف، وأيضاً استقلالاً عن فكرة العيب الخفي. يمكن القول بأنه انطلاقاً من هذا المفهوم، فإن التقرير يؤكد إمكانية انعقاد مسئولية بائع المنتج الخطر حتى ولو لم يكن معيباً حتى تسبب هذا المنتج في إحداث الضرر.

هذا يتضح من عدم كفاية ضمان العيب الخفي لحماية مستهلكي تلك المواد، وإذا كان العيب الخفي يقتضي وجود عيب في تصميم المنتج أو في تصنيعه مما يجعله غير صالح للاستعمال المعد له، فقد نوه جانب من الفقه إلى ما يمكن أن يتسبب فيه الشيء المبيع من أضرار لا يمكن ردها إلى عيب خفي بالمعنى الدقيق، فقد يتطلب استعمال المنتج قدراً من الدقة والحيطة والاحتياط في استعماله، إذا لم يراعِها المشتري لحقته في شخصه أو أمواله أضرارًا جسيمة.

وقد أطلق على ذلك ما يمكن أن نعبر عنه بعدم ملائمة المبيع أو مساوئه، وهنا يثار حول إمكانية انعقاد مسئولية البائع في درء مخاطر الشيء المبيع عن مشتريه أو مستعمله، فقد وصف هذا المنتج (سلاح ناري) بأنه متقن وخطر، ولكن هذا المنتج يستلزم الدراية في صيانته واستعماله، يمكن القول أنه يجب على المتضرر أن يثبت وجود خطأ في جانب المنتج، طالما أننا بصدد منتج خطر بطبيعته ولم يكن مصدر الخطورة عيباً خفياً، وأنه في جميع الأحوال فإن التزامات المنتج لا تعدو أن تكون التزاماً بنتيجة.

وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في حكم حديث لها بهذا المبدأ، مما يستفاد معه أن وصف المنتج بأنه خطر لا يكفي لانعقاد مسئولية المنتج أو البائع. وقد قررت أن كل ما يلتزم به البائع المهني هو أن يسلم منتَجاً خالياً من كل عيبٍ وخالياً من عيوب التصنيع التي من شأنها أن تولد أخطاراً على الأشخاص أو الأموال، وأنه لا محل لانعقاد مسئولية البائع طالما أنه لم يثبت وجود عيب خفي بالمبيع عند تسليمه، واستناداً إلى ذلك، رفضت تقرير مسئولية بائع باع جهاز تلفيزيون عن انفجار هذا الجهاز الذي تسبب في حريق مروع.

وإذن فعلى مكتسب المنتج الخطر أو مشتريه أن يبحث عن خطأ في جانب المنتج، وعليه عبء إثبات ذلك وقيام رابطة السببية بين هذا الخطأ والضرر الذي لحق به للحصول على التعويض المناسب. ويتصور قصور ضمان العيوب الخاصة في حماية مكتسب المنتجات الصناعية في مواجهة نوعين من الأضرار:

الأول: وهو الأضرار التي تنشأ عن جهل مستهلك المنتج الصناعي بطريقة استعماله، التي تنشأ عن إتباعه من احتياطات بطريقة استعماله، أو ما ينبغي إتباعه من احتياطات في هذا الاستعمال ودور المنتج أو البائع في إعلام المشتري وتوجيهه، وقد أخرج القضاء الفرنسي هذه الأضرار من مفهوم العيب الخفي طالما أن المنتج قد صنع بالطرق المتعارف عليها خالياً من العيوب الفنية وصالحاً للاستخدام الذي قرر له عادة.

فعدم الإعلام أو التوجيه لا يمكن اعتباره عيباً خفياً إلا أن القضاء الفرنسي طور التزاماً تعاقدياً جديداً نطلق عليه الالتزام بالإعلام والتوجيه، يستقل عن الالتزام بالضمان ويتميز عنه، وذلك لتحقيق الحماية القانونية للمشتري أو المستهلك في مواجهة المتعاقد المهني، وظهور هذا الالتزام هو رد فعل لقصور الالتزام بضمان العيوب الخفية عن تحقيق حماية فعالة للشاري.

فالمنتِج المستورد أو المنتِج أو مقدم السلعة ملزم بإعلام المستهلك بواسطة نشرة أو بطاقة تتضمن المخاطر المحتملة وطرق الوقاية منها، وطريقة الاستعمال، وسعر ومواصفات المادة، ومدة الصلاحية، واسم المنتج أو الشركة وعنوانها، وكمية المنتج بالوحدات الدولية م 22 ق2/2008.

الثاني: هناك جانباً آخر من الأضرار قد تلحق مستهلك المنتج الصناعي دون أن يمكن ردها إلى عيب خفي فالمنتج الخطر يجب أن تتبع في تغليفه وتسليمه احتياطات مادية تحول دون إلحاقه الأضرار بمُكتسبه أو مستهلكه. فهناك من المنتجات الكيميائية ما يتميز بطبيعته الحارقة أو السامة، وعلى المنتِج أن يراعي في تعبئته مقتضيات السلامة.

فقد تكون العبوة صالحة من الناحية الفنية للمحافظة على المادة الكيميائية وفعاليتها، ولكنها لا تضمن سلامة من يستعملها كأن تكون العبوة من مادة بلاستيكية تجعل المادة الكيميائية تندفع بقوة فتصيب مستعمليها بحروق أو أضرار متنوعة، وفي هذه الحالة لا يجدي المستهلك اللجوء إلى فكرة العيب الخفي بل عليه أن يثبت أن هناك خطأً فنياً في تغليف المنتج أو تعبئته. وقد أشار جانب من الفقه إلى التزام المنتج في هذا الشأن بأن يصنع العوائق المادية ما يحول دون تولد الخطر.

وأياً كان المسئول عن تصميم العبوة وإنتاجها، فإن على المتضرر أن يثبت أن هناك خطأً فنياً في إنتاجها، وأن هذا الخطأ هو الذي تسبب في الضرر الذي لحق به، ولا ريب أن مثل هذه المهمة تضيق من فرصة المتضرر في الحصول على التعويض المناسب، إلا أن المشرع السوري فرض بأن يكون المنتج مطابقاً ومحققاً للمواصفات القياسية والمتطلبات الصحية والبيئية والسلامة والأمان الخاصة به وفق التعليمات الصدارة من الجهة المختصة م5 ق2 /2008.

وتمتد المسؤولية إلى الغير فيتحمل الحائز مسؤولية الأضرار الناجمة عن طرح منتج لا تتوافر فيه المواصفات المطلوبة المتعلقة بالصحة والسلامة، فمن واجبات المنتج أو المستورد أو مقدم الخدمة بيان كيفية استخدام السلعة والمخاطر المحتملة وكيفية الوقاية منها م 22 ق.2/2008. فالمنتج أو مقدم الخدمة مسئولٌ عن الأضرار الشخصية التي يمكن أن تلحق المستهلك من جراء استخدام الخدمة م6،25 ق2/2008.

 

الفرع الثاني: منتجات الصيدلة والكيماويات الطبية وجدوى ضمان العيب الخفي

من الثابت بأن الأدوية والكيماويات الطبية تعتبر من قبيل المنتجات الخطرة، إذ أنها لا تستعمل إلا بناءً على أمر من الطبيب المعالج وفي الحدود التي وجَّه بها. ونظراً لما يمثله الدواء ومنتجات الصيدلة من أهمية بالنسبة للصحة العامة، فقد عُنِي المشرع بتعريف ما يعتبر دواءً أو ما يمكن اعتباره من منتجات الصيدلة، فنص على أنه يعتبر كذلك كل دواء تم إعداده مسبقاً أو طرح في عبوة خاصة واختص بتسمية معينة.

كذلك، أخضع المشرع الفرنسي إنتاج وتسويق الأدوية لنظام قانوني متميز من أهم ملامحه هو الفصل بين المنتج والقائم بالتوزيع وهو الصيدلي، وحظر على المنتج أن يتولى بنفسه تسويق منتجاته، وأن الصيدلي فقط يتولى صرف التذاكر أو الأوامر الطبية والتعامل مع مستهلكي الدواء. وقد أدى ذلك إلى إثارة جدل قانوني حول إمكانية الحديث عن المسئولية العقدية للمنتج في مواجهة مستهلك الدواء وأن هذا الأخير لا يمكنه الرجوع بدعوى المسئولية العقدية إلا على الصيدلي.

وإذا رجعنا إلى التشريعات المصرية في هذا المجال خاصة القانون رقم 212 لسنة 1960 بشأن تنظيم تجارة الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، فإننا لا نجد نصوصاً مماثلة لنصوص التشريع الفرنسي واللبناني رقم 276/1994. وأهم ملامح هذا النظام هو احتكار القطاع العام لتجارة واستيراد وتصنيع الأدوية، فقد أوكل ذلك إلى المؤسسة المصرية العامة للأدوية والمستلزمات الطبية / م1، قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 113 لسنة 1962.

إلا أن هذه المؤسسة لا يقتصر دورها على تجارة الملة والاستيراد والتوزيع بل امتد دورها إلى توزيع الأدوية على مستهلكيها وهذا ما نصت عليه المادة الثانية من القرار بقانون رقم 113لسنة 1962، سالف الذكر، إذ تنص على أنه يجوز للمؤسسة أن تتولى إنشاء وإدارة الصيدليات أو المؤسسات الصيدلية أو مصانع الأدوية والمستلزمات والكيماويات الطبية.

ومن جانب آخر ينبغي أن نشير إلى أن المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 13 لسنة 1964 قد حظر على الصيدليات تصنيع الأدوية بشكل تجاري، إلا أن خضوع تصنيع الأدوية والكيماويات الطبية لنظام قانوني متميز لا ينفي دور فكرة العيب الخفي في هذا المجال، إلا أنه لكي لا يقال أن دواء معيناً به عيب خفي فإنه يتعين أن يؤخذ في الاعتبار الأمور الآتية:

1- أن التزام معامل الأدوية بالحصول على ترخيص إداري بتصنيع وتسويق دواء معين ليس من شأنه أن يحول دون انعقاد مسئوليتها عما قد يصدر من عيب خفي.

2- إن انعقاد مسئولية معامل الأدوية عن عيب خفي لحق دواء معين يفترض بداءة انتفاء الخطأ الطبي من جانب الطبيب في ممارسة مهنة الطب وفقاً للأصول العلمية المستقرة والمتعارف عليها، أو بمعنى آخر ألا يكون الطبيب قد ارتكب خطأ في تشخيص المرض مما أدى إلى اختيار دواء غير ملائم للمريض أو لحالته، وقد لخصت إحدى محاكم الموضوع الفرنسية هذا المبدأ إذ قررت عدم مسئولية الطبيب عما سببه له أحد الأدوية من مضاعفات ذلك أنه ليس من مهام الطبيب أن يراقب أو يتحقق من صدق البيانات العلاجية لدواء حاز على إجازة السلطات المختصة، إن دوره ينحصر في التحقق من مدى ملائمة البيانات العلاجية للدواء على افتراض صحتها لحالة المريض واحتياجاته.

إن الطبيب شأنه في ذلك شأن المريض، له الحق في أن يأخذ وهو مغمض العينين بما أورده معمل الأدوية من بيانات علاجية متعلقة بالدواء، إذ أن هذا الأخير هو وحده المختص والمؤهل علمياً وفنياً لصياغة تلك البيانات. ولكي يقال إن دواءً معيناً به عيب خفي، فيجب على المتضرر وهو مستهلك الدواء أو مستعمله أن يثبت:

أولاً: وجود عقد بيع بين من تعاطى الدواء وبين بائعه أو منتجه، وبالتالي فإن ضمان العيب الخفي لا يمكن الاستناد إليه، كلما انتفت العلاقة التعاقدية، كما هو الحال بالنسبة لمريض المستشفيات العامة أو العيادات الخاصة، أو أن المريض يتعاطى عينات مجانية وزعها طبيب أو صيدلي ففي مثل هذه الحالات ينتفي عقد البيع ولا يكون أمام المريض في مواجهة منتج الدواء أو الصيدلي سوى دعوى المسئولية التقصيرية.

ثانياً: يتعين على من تعاطى الدواء، مستهلكاً كان أو مريضاً، أن يثبت أن الدواء قد لحقه عيب خفي جعله غير صالح للاستعمال المقرر له. وهذا يعني أنه يجب على المريض أن يثبت وجود عيب في تصنيع الدواء أو تصميمه جعله غير صالح للاستعمال المقرر له.

ثالثاً: أن يكون العيب خفياً ويترتب على اشتراط خفاء العيب أن يستبعد الضمان إذا أخطر منتج الدواء الجهات الطبية بالآثار الضارة للدواء سواء تم هذا الإخطار عن طريق بيان أضيف إلى القواميس الطبية المتخصصة أو عن طريق النشرة المرفقة بالدواء. وإذاً فالأدوية المعروفة بآثارها الجانبية الضارة لا يمكن اعتبارها منتجاً معيباً أو أن منتِجها قد اخل بالتزامه بالضمان، فجهل المشتري بهذه المخاطر لا يعني خفاءها إذ العبرة في ذلك الطبيب، فهو فني الأدوية والعالم بأمورها، وينتفي خفاء العيب بالنسبة له بمجرد معرفة الوسط الطبي بهذا العيب.

وقد لاحظ جانب من الفقه الفرنسي عدم ملاءمة دعوى ضمان العيب الخفي لمعالجة ما يسمى بحوادث الأدوية ومنتجات الصيدلة، ذلك أنه إذا كان من المعتاد أن يقدر المشتري مدى ملائمة الشيء لاحتياجاته فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للأدوية. إن المشتري هو أبعد من يكون عن اختيار الدواء إذ أن اختيار الدواء لا سيما أشدها خطورة أو أكثرها فاعلية يوكل أمره إلى أحد الأغيار وهو الطبيب الذي يشار إليه بأنه واصف الدواء. أما المريض فلم يتدخل في اختيار الدواء أو وصفه، بل أنه قد لا يكون مديناً بثمن الدواء. فمستهلك الدواء أو المريض إن هو إلا شبحاً باهتاً وصورةً ضعيفةً للشاري الذي أشار إليه المشرع عندما نظم ضمان العيوب الخفية.

كذلك فإنه مما يفقد دعوى ضمان العيوب الخفية أهميتها وفاعليتها، وهو أن تلك الدعوى يجب رفعها خلال مدة قصيرة بينما تتراخى الآثار الضارة المتولدة عن دواء معيب، ولا تكتشف إلا بعد أمد طويل. ولعل مزايا دعوى الضمان في مجال عيوب الأدوية والكيماويات الطبية تبدو واهية، إذ أن تلك الدعوى تخول للشاري الحق في المطالبة بالفسخ أو إنقاص الثمن، وهو أمر لا معنى له في مجال حوادث الأدوية، فلا يبقى للمريض إلا إمكانية الحصول على التعويض، وهي مكانة تتيحها له القواعد العامة في المسئولية التقصرية ربما على وجه أفضل وأبعد مدى.

وقد حدت تلك العيوب إلى القول بأن دعوى ضمان العيب الخفي في مجال حوادث الأدوية من حيث ملائمتها هي أبعد مما تكون عن المثالية في تكوين المتضرر وأقلها ملاءمة في هذا المجال. ولا شك في صعوبة إثبات العيب في مجال الأدوية والكيماويات الطبية نظراً لطابعه الفني المغرق وما يقتضيه ذلك من بحث متخصص، فضلاً عن صعوبة إثبات ذلك العيب، وقد جعلت تلك العوامل الرجوع إلى ضمان العيب الخفي كوسيلة لتعويض المضرور أمراً غير مجدي ودفعت بالفقه والقضاء إلى البحث عن وسائل أخرى لتعويض المتضرر، وأهم تلك الوسائل القانونية التي طورها الفقه والقضاء الفرنسي هو الالتزام بالإعلام والتوجيه.

إلا أن الدواء يعتبر عيباً إذا غفل المنتج أن يحذر من إحدى موانع الاستعمال كالحساسية الجلدية المتقدمة. أو أن يغفل ذكر تحديد التاريخ م22 ق2/2008 الذي تنتهي فيه صلاحية الدواء، أو أن يحدده على وجه خاطئ لا يقوم على أساس فني سليم، مما يؤدي إلى استعمال الدواء في وقت فقد فيه الدواء صلاحية الاستعمال. وقد ثار التساؤل حول إمكانية اعتبار الآثار الناجمة عن تداخل العقار مع العقاقير الطبية الأخرى هو من قبيل العيب الخفي أم لا.

يجب أن نفرق بين فرضيتين:

الفرضية الأولى: وهي أن يؤدي استعمال العقار مع عقاقير أخرى إلى آثار متوقعة، وهو ما يمكن أن نسميه بالتداخل المتوقع، وذلك كأن لا يحذر منتج الدواء من الآثار الجانبية الضارة لاستعمال الدواء مع المهدئات والمنومات ومضادات الهستامين أو الكحول… إلخ، أو أن يحظر تعاطي الدواء مع أدوية معينة لما له من آثار خطرة. وفي هذه الحالة لا شك في مسئولية منتج الدواء لأنه أخل بالمعطيات العلمية المستقرة التي تمكنه من التنبؤ مسبقاً بخطورة الدواء الذي طرح للاستعمال. وتقوم المسئولية على أساس الإخلال بالتزامه بالإعلام والتوجيه م22 ق2/2008.

الفرضية الثانية: وفيها نجد أن استعمال الدواءين معاً في العلاج يؤدي إلى حدوث مضاعفات لم تكن متوقعة عندما طرح أي من هذين الدوائين للاستعمال، أو بمعنى آخر فإن المعطيات العلمية المستقرة عند إنتاج وتسويق هذين الدواءين لم تكن لتسمح باكتشاف تلك المضاعفات أو الآثار الجانبية الخطيرة التي نتجت عن استعمالها، وهو ما يطلق عليه الفقه الفرنسي بمخاطر التقدم. وهنا يثور التساؤل حول إمكانية انعقاد مسئولية المنتج عن هذه المخاطر. ولا شك في انعقاد مسئولية المنتج إذا ما أمكن اعتبار الدواء معيباً أو أن المنتج قد أخل بالتزامه بضمان العيوب الخفية، أما إذا لم يكن ذلك ممكناً فإنه لا يمكن القول بانعقاد مسئوليته وخاصة أن المشرع لا يأخذ بفكرة المسئولية الموضوعية لمعامل الأدوية، وإن إثبات الخطأ لازال أمراً ضرورياً لانعقاد المسئولية.

وقد طرحت هذه المشكلة عندما استعمل أحد المرضى والمصاب بالتهاب صدري دواءين، كل منهما على انفراد فأدى إلى تحسن ملحوظ في صحته، ولكن بعد ذلك وبناءً على نصيحة الأطباء استعمل الدوائين معاً فترتب على ذلك إصابته باضطرابات عصبية حادة تمثلت في صعوبة التكلم وصعوبة الحركة…إلخ، الأمر الذي تسبب في الإصابة بعجز جسماني كامل. وهنا حاول المريض المتضرر الرجوع على منتجي هذين الدوائين وهما شركتان مستقلتان وعندما عرض الأمر على محكمة استئناف باريس أشارت إلى أن الاضطرابات العصبية التي تعرض لها المريض لم يكن مردها أي من الدوائين، ولكن مردها تعاصر الدوائين في الاستعمال مما نجم عنه مضاعفة الجرعة اليومية من الدواء، وهو ما تسبب في الاضطرابات العصبية التي لحقت بالمريضز

وقد ذكرت محكمة استئناف باريس بأنه في مجال منتجات الصيدلة فإن القانون يفرض على المنتج ضمان المطابقة المطلقة للمنتج المطروح للبيع للصيغة التي على أساسها استصدر إذناً بانتاجه وتسويقه، ولذلك فإنه يضمن ألا يكون هذا المنتج ضاراً في الظروف العادية للاستعمال، إلا أن المنتج لا يمكنه أن يلتزم في جميع الفروض والأحوال بفاعلية الدواء أو بعدم أضراره بصفة مطلقة. وفي جميع الأحوال، فالقانون لا يضع على عاتقه التزاماً بأن يتوقع كافة المخاطر التي تنشأ عن الدواء في كافة الحالات ولا يجعله لذات السبب مسئولاً متى تحققت إحدى هذه المخاطر.

وعندما عرض الأمر على محكمة النقض أيدت حكم محكمة استئناف باريس واستبعدت العيب الخفي كأساس لانعقاد مسئولية المعمل الذي أنتج الأدوية محل النزاع، ونجد أن محكمة النقض قد أخذت بمفهوم ضيق للعيب الخفي، إذ نجدها تقرر أن العيب الخفي هو بالضرورة لصيق بالشيء نفسه ولا يمكن أن ينتج من تعاطي الدواءين وأن محكمة الاستئناف ليس عليها أن تبحث فيما إذا كانت الاضطرابات التي لحقت بالمريض مردها عيب خفي مزعوم لحق الدوائين معاً.

وأضافت المحكمة في فقرة أخرى أنه في الوقائع محل البحث فإن محكمة الاستئناف التي تقرر بأن القانون لم يضع على عاتق معمل الأدوية (المنتج) التزاماً بان يتوقع المخاطر التي قد تنشأ عن الدواء في جميع الأحوال والتي قد تكون مرتبطة بحساسية خاصة بالمريض فإن المحكمة فيما يتعلق بهذه النقطة قد بررت قرارها من الناحية القانونية. وفي النهاية فإن مخاطر التقدم وهي تلك التي لا يمكن للمنتج التنبؤ بحدوثها عند تصنيع المنتج وتسويقه، إما لأن المعطيات العلمية المعروفة في هذا الوقت لم تكن لتسمح باكتشافها، أو لأن تلك المظاهر ترتبط بظروف شخصية أو استثنائية لمستعمل الدواء أو مستهلكه.

ويلاحظ أن القضاء الفرنسي في مجمله فيما يتعلق بالأدوية ومنتجات الصيدلة يتجه إلى إعفاء المنتج من تلك المخاطر إلا أن جانباً من الفقه الفرنسي يحبذ إدخال المسئولية الموضوعية للمنتج في هذا المجال وذلك لوجود مبرراتها فنحن بصدد منتجات ذات تقنية عالية ومصدراً للمخاطر وينتج بوفرة وتعرض حياة الملايين من مستهلكيها لما تتضمنه من مخاطر، ولذا فإن الأدوية يجب أن تخضع لنظام حمائي لضحاياها والمتضررين من استعمالها. وإذا رجعنا إلى الأمر الصادر من مجلس المجموعة الأوربية، فإنه أجاز في المادة السادسة عشر للمنتج بأن يدفع مسئوليته استناداً إلى أن المعرفة العلمية والفنية عندما طرح المنتج في السوق لم تكن لتسمح له باكتشاف وجود العيب، إلا أن تلك المادة أجازت للدول الأعضاء أن تتبنى موقفاً مخالفاً لهذه المادة وأن تنص في تشريعها الداخلي على حرمان المنتج من التمسك بهذا الدفع للتخلص من مسئوليته وذلك إذا كانت تلك الدول تهدف إلى تحقيق حماية أكثر اتساعاً للمستهلك.

 

الفرع الثالث : مفهوم الالتزام بضمان سلامة بمواجهة مفهوم العيب الخفي للعقاقير الطبية

أفرز التعامل القانوني الجديد التزاماً جديداً يسمى الالتزام بالسلامة أو بضمان الالتزام ويهدف إلى حماية المتعاقد وسلامته البدنية كما في عقود النقل contrats de transport فمن المسائل التي جذبت الفقه والقضاء في هذا المجال التساؤل حول وجود التزام بسلامة على عاتق البائع لصالح المشتري. بمعنى آخر، إذا تسبب البائع في إلحاق الضرر بالمشتري نتيجة عيب، فيه فهل يمكن القول أن البائع مسؤول عن تعويض ذلك الضرر مسؤولية عقدية؟

 

أولا ً: طبيعة الالتزام بالسلامة

سعى البعض إلى إزالة الصفة التعاقدية عن الالتزام بالسلامة، فالسلامة تمثل واجب الحيطة والحذر والذي يجد أساسه في م 164 من ق.م.س وهي منتظرة من طرف الجميع وواجبة على الجميع. ويرى جانب من الفقهاء أن الالتزام بضمان السلامة هو التزام محله تحقيق نتيجة حين يسأل المدين به بمجرد عدم تحقق النتيجة المطلوبة ودون الحاجة إلى إثبات الخطأ من جانبه. وإن كان بوسعه دفع مسؤوليته بإثبات السبب الأجنبي، فقد قررت المحكمة الفرنسية أن “العقد المبرم بين المريض وطبيبه يفرض على عاتق هذا الأخير، ودون إخلال بحقه بالرجوع بالضمان، التزاماً بنتيجة ضمان السلامة فيما يتعلق بالأدوات التي يستخدمها في تنفيذ عمل طبي في معرض الفحص والعناية”.

وقررت أيضاً أن المريض عندما يذهب إلى المتشفى الخاص “يقوم عقد استشفاء بينه وبين إدارة المستشفى يلتزم هذا الأخير بضمان سلامة المريض التزام بنتيجة بالنسبة للمنتجات التي يقدمها كالأدوية.

ثانياً: مفهوم الالتزام بالسلامة في القانون المقارن

صدر في سورية قانون حماية المستهلك رقم 2 لعام 2008 والذي يهدف إلى سلامة المستهلك وصحته عند استعمال أو تلقي الخدمات حيث نصت المادة 4 منه على أن “للمستهلك الحق في الحصول على المنتجات أو الخدمات، التي تفرض منها دون إلحاق أي ضرر بمصالحه المادية أو صحته”. كما نصت المادة 5 على أنه “يجب أن يكون المنتج مطابقاً ومحققاً للمواصفات القاسية والمتطلبات الصحية والبيئية والسلامة والأمان الخاصة به”.

ويعتبر الالتزام بالسلامة في القانون الفرنسي التزاماً قانونياً أيضاً، حيث فرضت المادة 221/1 من قانون الاستهلاك الصادرة بموجب القانون 21/7/1983 التزاماً عاماً بالسلامة. ومع ذلك فهي أصبحت غير قابلة للتطبيق على الصيدلي، لأن المادة 8 من القانون نفسه تستثني من نطاق تطبيقه المنتجات التي تخضع لنصوص خاصة، وهذا ينطبق على الأدوية. وهكذا يبقى التزام الصيدلي بالسلامة في فرنسا التزاماً يفرضه القضاء إلى أن أصبح التزاماً قانونياً بموجب قانون المسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة حيث أقرت محكمة النقض الفرنسية وجود التزام بضمان السلامة في عقد البيع، فقضت بحكمها الصادر بتاريخ 20/3/1989 “بأنه على عاتق البائع التزام بتسليم المنتجات خالية من كل عيب ومن كل خلل في التصنيع يكون من شأنه أن يسبب أخطاراً للأشخاص أو الأموال.

ولم يبقَ تطبيق الالتزام بالسلامة قاصراً ليستفيد منه المضرور المتعاقد، وإنما أمتد ليستفيد منه المضرور غير المتعاقد. فقد قررت المحكمة الفرنسية بالحكم الصادر في 17/1/1995 “أن البائع المهني يلتزم بتسليم المنتجات خالية من كل عيب ومن كل خلل في التصنيع يكون مصدر خطر للأشخاص أو الأموال ويكون على حد سواء تجاه الغير وتجاه الشاري.”

إلا أن المشرع الفرنسي أصدر القانون رقم 98 /389 ت 19/5/1998، والذي أسس المسؤولية عن فعل المنتجات المعيبة على الإخلال بالتزام بنتيجة بضمان السلامة (resultat une obligation de securite). فالمنتج المعيب في القانون 98/389 الفرنسي هو المنتج الذي لا يقدم الأمان الذي يمكن أن ننتظره بطريقة شرعية، آخذاً في الاعتبار عن تقدير العيب الخفي كل الظروف وخصوصا ً تقديم المنتج واستعماله الذي يمكن توقعه بشكل معقول لحظة طرحه في التداول. على أن المنتج لا يعتبر معيباً لمجرد وجود منتج آخر أكثر اتقاناً طرح في وقت لاحق في التداول.

ويتم تقدير العيب وفقاً لمعيار موضوعي قوامه الشخص المعتاد دون الالتفات للتوقعات الخاصة بالمتضرر. فمثلاً في مجال الأدوية يجب استبعاد مسؤولية المنتج إذا كان التوقع المشروع للشخص المعتاد والمتعلق بأمان المنتج متوفراً، ولكن حدث الضرر نتيجة الطبيعة الخاصة لجسم المريض وهو ما يسمى بالضرر الاستثنائي. فالتزام المنتج بالسلامة والأمان هو التزام بتحقق نتيجة، تتمل في ضمان خلو منتجاته من العيب الذي يكون من شأنه إحداث ضرر وتقوم مسؤوليته بمجرد عدم تحقق هذه النتيجة ولا يكلف المتضرر بإثبات خطأ المنتج.

 

ثالثاً: مفهوم الالتزام السلامة في العقاقير الطبية

يتحقق مفهوم السلامة في المنتج الدوائي بتقديم أو بيع أدوية صالحة للاستعمال ولكن تشكل خطراً على حياة المرضى الذين يستخدمونها، ويقع هذا الالتزام على عاتق الصيدلي الذي يبيع الدواء وعلى مصنع الدواء أيضاً. فمن جهة، ينبغي عدم الخلط بين فاعلية المنتج الطبي من منظور الغاية المقصودة منه وبين السلامة المرجوة منه من طريق عدم تسببه في وقوع ضرر لمن يستخدمه، ومن جهة أخرى، فإن للدواء المنظور خاصيته العلاجية التي تفرض ضرورة التميز بين الأثر العلاجي المرتقب والذي يمكن أن تنتج عنه أثار ثانوية عير مرغوب فيها وبين الأضرار غير المرتقبة والتي تعبر عن نفسها في تدهور حالة المتداوى، وهي بذلك تنال من سلامة المريض وتضر به مرة أخرى.

كما يراعى في ذلك أن التعارض بين منتــَــجَين دوائيين لا يعد قصوراً في السلامة إنما يأخذ بعين الاعتبار هو أثر كل دواء على حدة، وما إذا كان من شانه أحداث الضرر. ويختلف الأمر إذا كان التعارض بين دواءين محددين لتكملة العلاج، بحيث يستتبع استعمال أحدهما استعمال الآخر، فتثار مسؤولية المنتج لكل منهما على القصور في الالتزام في التبصير أو الإعلام.

 مثلاً إذا وصف الطبيب لمريضة دوائيين، وكان من شان اجتماعهما أن يحدث تفاعلاً يمثل خطراً على عضلة القلب، فيجب أن تضمن نشرة كل منهما تحذيراً حول عدم استخدامه مع الدواء الآخر بالنسبة لمريض القلب الذي قد يجد وسيلة أخرى للعلاج، الأمر الذي فرضه المشرع في قانون حماية المستهلك السوري رقم 2 /2008 من خلال المادة 22 التي فرصت على المنتج المستورد أو المنتج أو مقدم السلعة ملزم بإعلام المستهلك بواسطة نشرة أو بطاقة تتضمن المخاطر المحتملة وطرق الوقاية منها، وطريقة الاستعمال، وسعر ومواصفات المادة، ومدة الصلاحية، واسم المنتج أو الشركة وعنوانها، وكمية المنتج بالوحدات الدولية.

 

رابعاً: القانون الأمريكي

لقد طرح المشرع الأمريكي مفهومان في مجال مسؤولية الصيدلي البائع في القانون الأمريكي نظرية الضمان (Warranty)، النظرية التي تحقق بموجبها مسؤولية الصيدلي في نطاق العقدي في القانون الأمريكي هي خرق الضمان، سواء أكان صريحاً أم ضمنياً، وبموجب هذه النظرية لا يلتزم المدعي المضرور بإثبات الإهمال ولكن يطلب منه إثبات وجود علاقة تعاقدية بينه وبين المدعى عليه الصيدلي. فينشأ الضمان الصريح بموجب القانون الأمريكي بالأقوال والأفعال لإ إذا قدم الصيدلي وعداً أو تأكيداً لحقيقة تتعلق بمنتج معين أو نتيجة متوقعة، فإن هذا الوعد أو التأكيد يصبح واحداً من شروط العقد مع الشاري. وإذا لم تتحقق التوقعات المتعلقة بالمنتج، قامت مسؤولية الصيدلي.

ففي قضيةUllman V.GARNT، ادعى المدعي مسؤولية الصيدلي الذي استبدل الدواء الموصوف بأخر مكافئ له، بموجب نظرية الضمان الصريح، لكن المسؤولية لم تتحقق على اعتبار أنه لم تكن هناك أدلة على تقديم ضمانات شفهية أو مكتوبة. فالضمان ينشأ رغم تبليغ الصيدلي المريض بأن المنتج الموزع هو بديل لدواء الموصوف. فالصيدلي الذي يسأل المريض لتخويله تسليم البديل قد ينشئ بشكل غير مقصود ضمان صريحاً بأن الدواء الموزع تماماً كدواء الموصوف. وعلى خلاف الضمانات الصريحة فإن الضمانات الضمنية لا تنشأ من أقوال البائع أو أفعاله إنما تنشأ بفعل القانون ويقر القانون نوعين من الضمانات الضمنية وهما الكفاية التجارية، والملائمة لغرض خاص، فينشأ الضمان الضمني للكافية التجارية عندما بيع السلع حيث يعد البائع المشتري بأن المنتجات رائجة وملائمة للأغراض العادية التي تستخدم فيها مثل هذه المنتجات.

أما الضمان الضمني للملائمة لغرض خاص أو معين فينشأ عندما يكون البائع مدركاً للغرض الذي تم شراء المنتج من أجله، حيث يضمن البائع بقوة القانون أن هذا المنتج صالح لذلك الغرض الخاص إلا انه من خلال التطبيقات القضائية في قضية Bichler v. willing – Ullman v. garent رأت المحكمة بعدم إمكانية فرض المسؤولية الضمان الضمني على الصيادلة واستنتجا أنه ليس هناك ضمان ضمني يقيد الصيدلي،سواء للكفاية التجارية أو الملائمة لغرض معين.

 فضمان الكفاية التجارية يطبق عندما تكون المنتجات معروضة لاستهلاك الجمهور، إلا أن الدواء متاح فقط لجزء معين من الجمهور بموجب وصفة الطبيب. كما وجدت المحكمة أيضاً أن نظرية الضمان الضمني للملاءمة لغرض معين غير قابلة للتطبيق، إذ ان الضمان للملاءمة لغرض معين مشروط باعتماد الشاري على مهارة البائع ورأي البائع، بينما وصفة الطبيب تكتب عادة بعد فحص المريض وتعتمد على صفاته الفردية.

أما النظرية الموضوعية (Strict Liability) فقد يتلمس المدعي بموجبها الحصول على تعويض من الصيدلي على الأضرار المترتبة على استخدام الدواء؛ هذ هي مسؤولية المنتج الموضوعية. يصعب غالباً إثبات المسؤولية التي تنشأ عن استخدام المنتجات الطبية حيث أن هناك العديد من الأشخاص – المنتج، المورد، الموزعون، الطبيب، وحتى الممرضة التي أعطت المنتجات الطبية – المسؤولين عن وصف الدواء للمريض. وبذلك يصبح الصيدلي البائع مسؤولاً إذا سبب الدواء الموصوف أو الموزع من قبله ضرراً للمريض.

ففي الفضية السابقة Bichler v. willing – Ullman v. garent حيث ادعى المدعيان بأن الصيادلة كبائعين بالمفرد لأدوية الوصفات يجب أن يعاملوا كبائعين بموجب قواعد مسؤلية المنتج الموضوعية. فوجدت المحكمتان أن الأدوية تقع ضمن استثناء من القاعدة العامة لمسؤلية المنتج الموضوعية، فالاستثناء هو المنتجات المفيدة ولكنها خطرة أصلاً. فبعض المنتجات مثل الأدوية لا يمكن أن تصنع أمنه باستعمالها العادي والمقصود، ومثل هذه المنتجات لا تعد معيبة ولا خطرة خطورة غير عادية إذا ما أعدت بشكل صحيح وكانت مصحوبة بالتوجيهات والتحذيرات المناسبة. وهكذا تعتمد المسؤولية على ما إذا تم إعطاء التحذيرات الكافية من الخطر .

فالمحكمة اعتبرت في قضيتنا السابقة بأن الصيدلي مسؤولٌ أن يعطي التحذيرات فقط إذا كان يعلم أو كان من المفترض أن يعلم بمخاطر الدواء، ولم يكن هناك دليل واضح غير هذه القضية على أن الصيدلي كانت عنده تلك المعروفه. وأبعد من ذلك، استنتجت المحكمة أن المنتج وليس الصيدلي هو الذي يجب أن يعلم الأخطار المحتملة للمنتج وهو الذي يقع عليه الواجب لتقديم التوجيهات والتحذيرات الكافية. وتبنت المحكمة Ullman مثل هذا الاستنتاج لرفض تقرير مسؤولية الصيدلي.

فالخلاصة أن تطور مسؤولية الصيدلي في القانون الامريكي وفرض مسؤوليات جديدة على عاتقه قد تضعف الحجج التي تسمح أن يتجنب دعاوى الضمان الضمني ومسؤولية المنتج.

 

بقلم:

أحمد حمصي | مكتب حمصي للمحاماة