مقدمة
جرائم غسيل الأموال هي تلك الجرائم التي تتم بعمليات يحاول من خلالها مرتكبيها إخفاء مصادر هذه الأموال التي تكون غير مشروعة، وتستخدم بعدئذٍ في أنشطة مشروعة مما يخفي مصدرها الأصلي خصوصاً وأنّ التقدم العلمي والتكنولوجي في قطاع الخدمات المالية والمصرفية وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) ساهمت في ترويج وتسهيل هذه الجرائم، مما أثر على كل من الاقتصاد الجزئي للدولة وعلى دخلها القومي وعلى سياساتها المالية والنقدية وعلى توزيع الدخول والاستهلاك، إضافةً إلى التأثير السلبي على مؤسسات قطاع الأعمال الخاص.
وقد تنبه المجتمع الدولي ومؤسساته المالية والنقدية لهذا الخطر المحدق بالاقتصاد العالمي فوضعت بعض المبادئ والإجراءات لمعالجة هذه الجرائم. إلا أن الواقع يكشف أن ثمة صعوبات وعقبات تواجه هذه الجهود خصوصاً وأن مرتكبي هذه الجرائم يحاولون الاستفادة من معطيات التقدم التكنولوجي المعاصر بطرق مختلفة منها استخدام النقود الإلكترونية، كما يستفيدون من مبدأ السرية المصرفية. وإذا كانت الشركات المتعددة الجنسيات أو الشركات العابرة للقارات من ظواهر العولمة، فإنه يمكن القول بثقة شديدة أن جرائم غسيل الأموال تعد من هذه الظواهر أيضاً، ذلك أن حرية تداول الأموال بين مصارف العالم دون قيود ساهم في شيوع هذه الجرائم على نحو مخيف خصوصاً وأنها جرائم متعلقة بأموال قذرة.
ولعل تحوُّل هذه الأموال من مصدرها القذر إلى حالة تمويهية بحيث تجلس في المطاف الأخير إلى جانب الأموال النظيفة يجعل مهمة مكافحتها ليست سهلة. وبما أن التقدم التكنولوجي الهائل يسهم في تسهيل تداول هذه الأموال فإن طرق المكافحة يتعين أن تواكب العمليات والأساليب التي تتم فيها هذه الجرائم بحيث تصبح الطرق وقائية وعلاجية، فتحول دون إتمام هذه الجرائم ونجاحها من جهة، وتقمعها من جهة أخرى سواء اكتشفت في بدايتها أو جرى متابعتها بدقة كي يتم الإمساك بها وبمرتكبيها.
الباب الأول: جرم تبييض الأموال
تبييض الأموال يعني إدخال الأموال ذات الأصول الجرمية في الدورة الاقتصادية وذلك بعد إخفاء معالمها الجرمية العالقة بها.
الفصل الأول: مراحل التبييض
إن الوصول إلى تلك النتيجة، تستلزم مرور تلك الأموال في ثلاث مراحل.
المبحث الأول: التوضيب
يقوم المستفيد بإيداع الأموال في المصارف مستعيناً بأشخاص بعيدين عن الشبهات وفي أماكن نائية بعيدة عن المراقبة.
المبحث الثاني: التجميع
فهي عملية معقدة تهدف إلى إخفاء حقيقة مصدر الأموال الغير شرعية وذلك من خلال عمليات تحويل هذه الأموال بواسطة swift أو بطرق أخرى بنكية.
المبحث الثالث: الدمج
وتأتي تلك المرحلة بعد إتمام عملية التحويل حيث تدخل الأموال في إطار الدورة الاقتصادية الشرعية ويتم استثمارها بأي قطاع.
المبحث الرابع: نظريات ملاحقة جرم غسيل الأموال
تضاربت النظريات حول إيجاد أفضل الحلول الممكنة لمكافحة عمليات تهريب وغسيل الأموال، حيث ظهر تيارين بخصوص ذلك.
المطلب الأول: النظرية الأوربية
ترك للمصارف حرية تقدير كل حالة والإبلاغ عند وجود أي شك في أي عملية تتضمن غسيل للأموال.
المطلب الثاني: النظرية الأمريكية
لقد أوجب البنك المركزي الفدرالي أنه على المصارف الإبلاغ عن كل مبلغ يفوق 10 آلاف دولار.
الفصل الثاني: معيار الأموال الغير مشروعة
ينتج جرم تبييض الأموال عن الأموال الغير مشروعة وذلك بموجب المادة الأولى من القانون 33 /2005 السّوري، والتي حددها المشرِّع اللبناني أيضاً بموجب المادة الأولى من القانون 318/2001 الذي جاء متشابهاً مع القانون السوري، إلا أنَّ مفهوم الأموال غير المشروعة يختلف من دولة لأخرى باختلاف المنهج الاقتصادي السائد بها.
المبحث الأول: المعيار المتبع في مصارف سويسرا
دون الوقوف كثيراً في هذا الفصل إلا أنّه لا بد من معرفة التطور الحاصل في مفهوم الأموال غير المشروعة ولا سيما أنّ سويسرا أهم مركز مالي. فالمصارف والمؤسسات المالية تدير حوالي 300 مليار فرنك سويسري وذلك بسبب التسهيلات الممنوحة للزبائن والسرية المصرفية الصلبة تجاه أي شيء يشوب هذه الأموال ومن هنا فقد تعالت الأصوات عالياً ضد السرية المصرفية السويسرية داخل سويسرا وخارجها وخاصة بعد فضيحة “الكريدي سويس” “وإفلاس المصرف العائد للوكلارك وشركاه” “وقضية الجمارك التي حصلت بين فرنسا وسويسرا”، فتبنت المصارف السويسرية مفهوماً ضيقاً جداً لعملية تهريب الأموال المصرفية غير المشروعة والتي سمحت من خلالها برفع السرية المصرفية وبفسح المجالات للملاحقات الجزائية.
الأمر الذي يطابق الأوصاف المنصوص عليها وفقاً لأحكام القانون الجزائي العام السويسري فقط. ذلك أنَّ السّرية المصرفية تلعب دوراً هاماً في جلب الأموال من دول العالم الثالث كي تستثمر مجدداً فيها، من هنا كان الهجوم على دور السّرية المصرفية في المصارف السويسرية، والمطالبة بتحديدها وتقليص دورها. وما لبثت أن رأت نفسها مضطرة، تحت الضغط والمداخلات الأجنبية والأمريكية على تبني مواقف مغايرة تماماً، وأصبحت مضطرة إلى إعطاء معلومات عن عمليات لم تكن تعتبرها غير مشروعة فيما مضى وحل المصرف من موجب المحافظة على السرية المصرفية.
المبحث الثاني: معيار إعلان بيرن
يعرَّف إعلان بيرن بأنه الإعلان الصادر عن الجمعية السويسرية لتقوية التضامن، ويتعلق بالسرية المصرفية السويسرية التي وجهت انتقادات للمصارف السويسرية. فقد أكدت أنَّ المصارف السويسرية قد استقبلت عام 1976 24 مليار من الفرنكات السويسرية من دول العالم الثالث بطرق غير قانونية وأنَّ الأموال غير المشروعة التي تدخل سويسرا كل عام تفوق عدد المساعدات التي تقدمها سويسرا لتلك الدول، حيث تم اعتماد معيار واسع للأموال المشبوهة التي تبرر رفع السّرية المصرفية بحيث لم يعد مقتصراً على الأموال ذات الأصول الجرمية، بل شمل أيضاً التهرب من دفع الضرائب- الاحتيال الضريبي- الاحتيال على القوانين والحقوق الجمركية والجرائم الاقتصادية – ومضاربات البورصة. وبموجب هذا الإعلان توسعت لائحة الأموال المشبوهة، ومن ضمنها الأموال المشبوهة التي نصَّ عليها القانون الجزائي العام السويسري، الأمر الذي سمح برفع السرية المصرفية عنها.
المبحث الثالث: معيار مجلس وزراء الدول الأعضاء في سوق الاتحاد الأوروبي لعام 1980
اقترح مجلس وزراء الدول الأعضاء في السوق مفهوماً للأموال المشبوهة، ففي توصيته الصادرة في ستراسبورغ عام 1980، فصل هذا المجلس بين الواجبات الملقاة على عاتق المصارف والإجراءات الواجب إتباعها لمنع تنقل الأموال المشبوهة عبر الحدود وطلب كشف هوية أصحاب هذه الأموال، وبيان المستندات العائدة لأصحاب هذه الأموال، وكيفية تتبع الأعمال المشبوهة، وضرورة التعاون الوثيق بين المؤسسات المصرفية والسلطات الجمركية، ليصار إلى تبادل المعلومات المتعلقة بعمليات نقل الأموال المشبوهة إلى أن هذه النظرية وبرأيي لم ترِد إلا على الجرائم التي وردت في القانون الجزائي العام دون ذكر للجرائم الأخرى، ومنها المرتكبة في حقل الضرائب. وعليه فإنَّ توصية المجلس لبيان مفهوم الأموال الغير مشروعة لم يبتعد كثيراً عن المفاهيم الواردة في القوانين الجزائية، والتي من شأنها رفع السرية المصرفية وإعطاء المعلومات اللازمة بغية ملاحقة مرتكبيها.
المبحث الرابع :معيار لجنة المراقبة على مصارف بلجيكا وإعلان بازل
وأخيراً هناك المعيار البلجيكي المقدم من قبل لجنة الرقابة على المصارف في بلجيكا إلا أنَّها لم تعتمد مفهوماً دقيقاً وواضحاً بهذا الصدد، لذلك اكتفت بالقول أنّه في حال استعمال وسائل خاصة لتهريب الأموال من قبل المصارف، فإنَّه يحق للجنة مراقبة المصارف أن تعلن عن هذه الوسائل الخاصة للمديرية المالية المختصة بملاحقة المصارف، حيث تعتبر السرية المصرفية في مصارف بلجيكا متينة جداً بمواجهة مأموري الضرائب، طالما أنَّ زبون البنك لم يعترض على التكليف الذي فرضه المأمور. أما إذا قدم الزبون اعترضاً على التكليف، عندئذٍ يحق لمأمور الضرائب الرجوع على البنك وطلب المعلومات المصرفية الخاصة بالزبون المعترض.
وبرأيي أنَّه من الصعب أن نضع لائحة للعمليات التي تعتبر مشبوهة والتي تنطوي على تبييض للأموال، ولا يمكن حصر الأموال غير المشروعة للتطور الاقتصادي والعلمي الهائل، إلا أنَّ اللائحة الأطول التي أعطت تفاصيل كاملة عن حالات تبييض الأموال المصرفية تعتبر تلك المطبقة في بلجيكا، وتسمى بإعلان بازل. فبموجب المادة التاسعة من النظام أعلاه، يتوجب على المصارف التدقيق بشكل خاص بالمؤثرات الآتية التي لها تأثير على تبييض الأموال:
1- مبادلة كميات كبيرة من القطع النقدية الصغيرة مقابل قطع أكبر من نفس العملة.
2- عمليات القطع الكبيرة والمتكررة.
3- حركة حساب العميل بإيداع مبالغ كبيرة أو إيداعات متكررة.
4- العمليات الكبيرة أو المتكررة المتصلة بنشاط عميل أجنبي أوف ـ شور.
5- استبدال كميات نقدية بطلبات تحاويل إلكترونية أو شبكات مصرفية.
6- تغيير في نمط الإيداع لدى عميل معفى من استمارة cash transaction slip.
7- إيداع شيكات مصرفية سياحية في حساب اسم شركة أو مؤسسة لا تبرر صيغة عملها.
8- العمليات المصرفية التي تنفذ إلكترونياً E-BANKING… إلخ.
المبحث الخامس: معيار الأموال الغير مشروعة في القانون السوري -اللبناني المقارن
جرم تبييض الأموال حديث النشأة في القانون السّوري والذي اقتبسه المشرِّع السّوري من المشرِّع اللبناني في معظم أحكامه والذي اقتبسه بدوره من القوانين الأجنبية> ولا غرابة في ذلك كون أنَّ جريمة تبييض الأموال تشكل جريمة دولية وغالباً ما تتم بواسطة المصارف والمؤسسات المالية الأخرى التي تشكل الملاذ الآمن لإخفاء تلك الأموال، فبموجب المادة الأولى عرف المشرِّع السّوري الأموال الغير مشروعة “بأنّها تلك الأموال المتحصلة أو الناتجة بشكل مباشر أو غير مباشر عن ارتكاب إحدى الجرائم الواردة أدناه، سواء وقعت هذه الجرائم في أراضي الجمهورية العربية السّورية أم خارجها, إذا ثبتت استخدام هذه الأموال في جرائم غسل الأموال” والتي جاءت متشابهه مع مفهوم الأموال غير المشروعة التي أوردها المشرِّع اللبناني بالقانون رقم 318/ 2001 وتعديلاته، الخاص بمكافحة تبييض الأموال وهي:
1- زراعة أو تصنيع أو نقل أو الإتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية.
2- الأفعال التي ترتكبها جمعيات الأشرار المنصوص عليها بالمادة 325 -326 عقوبات سوري، كما نصَّ عليها قانون غسيل الأموال اللبناني في المادتين 335-336 عقوبات لبناني والمعتبرة دولياً جرائم منظمة.
3- جرائم الإرهاب المنصوص عليها بالمادة 304 -305 عقوبات سوري، وفي الاتفاقيات الدولية التي تكون سورية طرفاً بها والتي نصَّ عليها قانون غسيل الأموال اللبناني في مواده 314-315-316 عقوبات لبناني.
4- تمويل أو المساهمة بتمويل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية أو المنظمات الإرهابية، والتي ذكرها القانون اللبناني في الفقرة الرابعة من مفهوم الأموال غير المشروعة. إلا أنَّ هذه الحالة بقيت قاصرة على التشريع اللبناني.
5- تهريب الأسلحة النارية والاتجار غير المشروع بها.
6- نقل المهجرين بصورة غير شرعية والقرصنة والخطف.
7- عمليات الدعارة المنظمة والاتجار بالأشخاص والأطفال والأعضاء البشرية.
8- سرقة المواد النووية أو الكيماوية أو الجرثومية أو السامة أو الاتجار غير المشروع بها.
9- سرقة الآثار أو الممتلكات الثقافية أو الاتجار غير المشروع بها.
10- جرائم التهريب.
11- سرقة واختلاس الأموال العامة والخاصة والاستيلاء عليها بطرق السطو أو السلب، أو بوسائل احتيالية، أو تحويلها غير المشروع عن طرق النظم الحاسوبية، وقد أضاف المشترع اللبناني إلى الفقرة السابقة الاستيلاء بالتزوير أو بإساءة الأمانة الواقعة على المصارف والمؤسسات المالية وهي المؤسسات الخاضعة للسرية المصرفية اللبنانية لعام 3/9/1956، وأيضاً المؤسسات غير الخاضعة للسرية المصرفية ولاسيما الفردية وهي مؤسسات الصرافة وشركات الوساطة المالية وشركات الإيجار التمويلي وهيئات الاستثمار الجماعي وشركات التأمين وغيرها. ذلك لأنَّ جرم إساءة الأمانة الذي أضافه المشترع اللبناني إلى الفقرة الحالية يختلف عن جرم الاستيلاء بوسائل احتيالية أو السطو أو السلب، كما يختلف كل من الجرمين السابقين عن جرم التزوير. فكان يتوجب على المشرِّع السّوري ذكر جرم الاستيلاء بطرق التزوير وإساءة الأمانة إضافة إلى الاستيلاء بطرق السطو أو السلب أو بالوسائل الاحتيالية لنكون أمام قاعدة أشمل وأدق، فلا يستطيع المذنب التحايل على الجرائم المذكورة بأحد الجرمين الآخرين الذي لم يشملهم التشريع السّوري.
بمعنى إذا كانت الأموال المستخدمة في جرم غسيل الأموال، تم الاستيلاء عليها بواسطة الوسائل الاحتيالية، فإنَّها تعد من قبيل الأموال غير المشروعة مما يستوجب رفع السرية المصرفية عنها من قبل الجهات المعنية بذلك، أما إذا كانت الأموال تم الاستيلاء عليها بإساءة الأمانة الواقعة على الغير العام أو الخاص فلا تعد من قبيل الأموال غير المشروعة لعدم ذكرها من قبل المشرِّع السّوري وإن استخدمت في جرم غسيل الأموال، مما يستوجب عدم إمكانية رفع السّرية المصرفية عن هذه الأموال وإن كان لها عقوبة أخرى بموجب قوانين أخرى تحكمها.
كما أنَّ المشترع اللبناني لم يقم بذكر بند الاستيلاء بواسطة السطو والسلب أو تحويلها بشكل غير مشروع بواسطة النظم الحاسوبية وبالتالي فإنَّه من المفترض أن تكون الفقرة كالآتي: *سرقة واختلاس الأموال العامة والخاصة والاستيلاء عليها بطرق السطو أو السلب أو إساءة الأمانة أو التزوير أو بوسائل احتيالية أو تحويلها غير المشروع عن طرق النظم الحاسوبية. ولا حاجة لذكر عبارة “الواقعة على المصارف والمؤسسات المالية” ذلك لأنَّ هذه المؤسسات قد تعد عامة أو خاصة، فمن الأفضل أن تكون القاعدة أعم من أن تحدد بعدد من المؤسسات لأن القانون قد منع القياس والتفسير في الأحكام الجزائية بخلاف القانون المدني الذي لم يسمح بالخروج عن القاعدة العامة.
12- تزوير العملة أو وسائل الدفع الأخرى أو الإسنادات العامة والخاصة.
13- جرائم الرشوة والابتزاز؛ إلا أنَّ المشترع اللبناني لم يقم بإدراج جرائم الرشوة والابتزاز في مفهوم الأموال غير المشروعة وبالتالي أخرج هذه الجرائم من مفهوم جرائم تبييض الأموال، إلا أنَّه لم يبقَ بعيداً عن محاربة الأموال الغير مشروعة ولو بنصوص متفاوتة منها.
14- جرائم الاحتكار والتلاعب بالأسواق.
15- جرائم البيئة.
16- القتل وإحداث جروح بدنية جسيمة.
17- الاتجار غير المشروع في السلع المسروقة.
وما يؤخذ على المشرِّع السّوري:
1- أنَّه لم يدخل في دائرة الأموال الغير مشروعة بموجب قانون غسيل الأموال الأموال الناجمة عن التهرب الضريبي أو الاحتيال الضريبي، وخلافه من الجرائم المالية الأخرى كالاحتيال على القوانين والحقوق الجمركية والجرائم الاقتصادية ومضاربات البورصة، وبالتالي فإنَّ هذه الأموال الناجمة عن تلك العمليات لا تصلح لأن تكون محلاً لجرم غسيل الأموال وإن استخدمت في عمليات غسيل الأموال لعدم اعتبارها أموالاً غير مشروعة وبالتالي عدم توافر الركن المادي للجريمة. ولا يعد كافياً تبني المشرِّع السّوري لمفهوم الأموال غير المشروعة لقيام الركن المادي لهذه الجريمة، والمنصوص عليه بالقانون 33 للعام 2005، من خلال تملك أو تحويل أو إدارة أو استبدال الأموال غير المشروعة ، إلا من خلال قيام الركن المعنوي لها وهو “العلم” بأن هذه الأموال غير مشروعة، عملاً بأحكام المادة 2/ ق33 سوري، والموازي للمادة 2 من القانون اللبناني 31/2001 وتعديلاته، بحيث أنه إذا لم يتوافر الركن المعنوي للجريمة فلا يمكننا الادعاء بأنَّها جريمة تبييض الأموال.
2-كما ذكرت المادة 1/ ج/ ف 2 عبارة “جميع الجرائم المعتبرة دولياً جرائم منظمة” ثم قام بذكر جريمة الدعارة ونقل المهجرين وبيع الأعضاء وتهريب الآثار والنفايات النووية في فقرات منفصلة. وفي رأيي لم يكن هناك داعٍ لذكر هذه الجرائم في فقرات منفصلة لكونها تغدو في مفهوم الجريمة الدولية المنظمة. فالجريمة المنظمة تغطي مجالات واسعة غير محدودة مسبقاً وإنَّها تعني جماعات كبيرة من المجرمين ومن الوسائل الجرمية. وترتكب الجرائم إما من أجل الربح أو للاحتماء وراء الضوابط الاجتماعية والقانونية بطرق غير مشروعة وتعتمد عدة أساليب كالعنف والسرقة والفساد في أوسع الطرق.
“The federal Bureau of Investigation defines organized crime group enterprise as a continuing criminal conspiracy, having an organized structure fed by fear and corruption and motivated by greed.”
وبالرجوع إلى هذين التعريفين نجد أنَّه من غير الضروري أو من الخطأ ذكر هذه الجرائم المنصوص عليها في الفقرة 4-5-6-7-8-/10/12 في فقرات منفصلة لكونها تدخل ضمن مفهوم الجريمة الدولية المنظمة. ومن الجرائم الدولية نذكر الاتجار غير المشروع بالأسلحة، سرقة الأيقونات، سرقة المواد البلاستيكية والنفايات الخطيرة والسامة، الدعارة، بيع الأطفال، الأعمال التجارية غير المشروعة، “جريمة الياقات البيضاء كاختطاف الأغنياء ورجال الأعمال والقرصنة”، والجريمة المنظمة والسلطة السياسية “المافيا”. ففي تركيا، تورطت الحكومة عام 1995 بأعمال إرهابية، انكشف أمرها فسقطت حكومة يلماظ الأولى. وفي إيطاليا، سجن رئيس الجمهورية السابق جوزيف بونانو، وما يزال منذ حكم عليه بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لارتباطه بنشاطات المافيا الايطالية أثناء ولايته. فالمافيا تتم وفق أشكال معقدة وصعبة الفهم كما تنطوي على دقة في تأسيسها والتعامل معها ومقدرة على التنسيق فيما بين الأجهزة كما لا تظهر مساوئها للعيان والإمكانيات الهائلة التي تحوزها فهي تتمتع بأفضل شبكات الإنترنت، وأدق المشاريع الإلكترونية التي قد يصعب وجودها، ليس فقط في الدول النامية وإنَّما أيضاً في الدول المتقدمة صناعياً وتجارياً، الأمر الذي يزيد صعوبة إمكانية اكتشاف العمليات غير المشروعة التي تقوم بها المافيا الإيطالية، الإجرام الروسي المنظم، الجماعات الثالوثية الصينية، الياكوزا اليابانية، الكارتلات الكولومبية، المنظمات الإجرامية النيجرية، المنظمات التركية، وغالباً ما تختص كل واحدة من هذه المنظمات بعمل معين ضمن تنظيمات إدارية ضخمة.
فالمنظمات التركية تختص بتوريد الهروين من أفغانستان إلى أوروبا مستخدمة بحر البلقان، كما أنَّ الياكوزا اليابانية مهمتها نشر الفساد داخل النظام السياسي حيث تتمتع بوجود بارز في معظم أنحاء جنوب شرق آسيا، فيشكلون فرق رئيسية في تنظيم الرق الجنسي للنساء، واستخدمت القبليين كقاعة لتهريب المخدرات والسلاح إلى جميع أنحاء العالم. وهناك بعض المنظمات التي تدار من قبل الحزبيين القديمين في الدول الجورجية والشيشانية، كما تختص البيرو وبوليفيا في صناعة الكوكايين، أما الهيروين في إيران وأفغانستان وباكستان، والأوبيوم في المثلث الذهبي وكان لبنان على هذه اللائحة، وحشيش الكيف في الشرق الأوسط والمغرب العربي والمكسيك وإفريقيا الجنوبية الصحراوية.
الفصل الثالث: عناصر جرم تبييض الأموال
يتألف جرم غسيل الأموال من عنصرين، مادي ومعنوي.
المبحث الأول: العنصر المادي
حدد المشرِّع بشكل دقيق الأفعال التي تعتبر بمثابة تبييض للأموال بموجب المادة 2 من القانون رقم 33 /2005 والمعدلة بالمادة 2 من القانون 27/20011 والتي فصلها المشرِّع اللبناني بالمادة 2 من القانون رقم 315 للعام 2001 الخاص بتبييض الأموال. وهي:
1- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للأموال أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها مع العلم بأنَّها أموال غير مشروعة.
2- تحويل الأموال واستبدالها مع العلم بأنَّها غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصادرها أو مساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم من إفلات من المسؤولية.
3- تملك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو إدارتها أو استثمارها أو استخدامها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة أو القيام بعمليات مالية مع علم الفاعل بأنَّها أفعال غير مشروعة.
المطلب الأول: إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للأموال أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها مع العلم بأنَّها أموال غير مشروعة
هذه المادة لا تختلف عن القانون اللبناني وبالتالي فإنّ إخفاء المصدر يقصد به إخفاء المصدر الحقيقي لها، أي كونها ناجمة عن أحد العمليات المشار إليها من المادة الأولى من القانون أي ناجمة عن الدعارة، عن الاتجار الغير مشروع بالسلاح… إلخ، كما لا يشكل إخفاء الأموال جريمة ما لم يعلم الفاعل بأنَّ تلك الأموال غير مشروعة.
المطلب الثاني: تحويل الأموال واستبدالها مع العلم بأنَّها غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصادرها أو مساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم من إفلات من المسؤولية
إنَّ هذه الفقرة تحمل في طياتها احتمالات ترتكز في معظمها على حالتين، هما:
أ-هي تحويل الأموال واستبدالها مع العلم بأنَّها غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها: وذلك تجنباً للابتعاد عن المصدر غير الشرعي لهذه الأموال وهذه العملية تتم بصورة مستمرة بأشخاص وهميين أو حقيقيين يسخَّرون لهذه الغاية تجنباً للملاحقات القضائية أو عن طريق عمليات SWIFT.
ب- تحويل الأموال واستبدالها مع العلم بأنها غير مشروعة ومساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم من إفلات من المسؤولية: لم يتوقف المشرِّع على عملية التبديل والتحويل غير المشروعة مع العلم اليقين بها، بل شمل كل مساعدة يكون من شأنها تمويه الحقيقة كأن يقوم شخص ثالث زاعماً بأنَّ هذه الأموال له توصلاً إلى مساعدة المجرم.
المطلب الثالث: تملك الأموال الغير مشروعة أو حيازتها أو إدارتها أو استثمارها أو استخدامها لشراء قيم منقولة أو غير منقولة أو القيام بعمليات مالية مع علم الفاعل بأنَّها غير مشروعة
وبالتنويه فإنَّ المشرِّع اللبناني قد استخدم عبارة توظيفها بدلاً من استثمارها وهو الفارق الوحيد مع المشرِّع السّوري.
أ- تملك الأموال: اعتبر المشرِّع أنَّ تملك هذه الأموال يعد جرماً معاقباً عليه بموجب قانون تبييض الأموال المصرفية، فيكفي التحقق من ملكية هذه الأموال دون النظر إلى كيفية الوصول إليها. ويتوجب شرط أساسي، علم المالك بأنَّ هذه الأموال غير مشروعة وبالتالي فإنَّ أمر إثبات شرعية الأموال يعود على المدعى عليه وليس على المدعي على عكس المبادئ العامة للإثبات التي تقضي بأنَّ البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، فإذا ما استعمل وسائل ملتوية لتضليل الحقيقة فإنَّه يكون مرتكباً جرماً يلاحق به قانونياً.
ب- حيازة أموال غير مشروعة: إن حيازة هذه الأموال تعد سبباً كافياً لقيام الركن المادي لهذه الجريمة، كما أن عملية الاستيلاء على الأموال أو حملها مع العلم بعدم مشروعيتها كافيه للملاحقة الجزائية.
ت- استخدام الأموال الغير مشروعة: كل من يقدم على عمليات متنوعة ومتعددة تحصل من جراء استخدام هذه الأموال يعاقب بجرم تبييض الأموال.
ث- استثمار واستخدام الأموال الغير مشروعة لشراء أموال منقولة أو غير منقولة أو القيام بعمليات مالية: وإذا كان المشرِّع صرح بأنّ الاستخدام يكفي لارتكاب الجرم، فإن المشرِّع عاد ووسع من دائرة العلميات التي تعتبر مخالفة ومن هذه العمليات شراء شيكات أو سندات اسمية أو عقارات مبنية أو غير مبنية أو القيام بالعمليات المالية أو التحويل أو إصدار أوامر بالدفع أو نقل الأموال أو إصدار السندات أو الشيكات السياحية أو الشيكات بواسطة الإنترنت. كما وسع المشرِّع السّوري من دائرة التجريم وذكر “إدارتها” أي أن الجرم يتحقق بمجرد إدارة هذه الأموال ودون الحصول على أي منفعة وهي العبارة التي لم يتطرق لها المشترع اللبناني.
المبحث الثاني: العنصر المعنوي
يظهر العنصر المعنوي لجريمة تبييض الأموال من خلال القصد وعلم الفاعل، وبالتالي فإن أساس التجريم كما حرص المشرِّع عليه هو “العلم” وقد أشارت هذه المواد إلى غير موضع العنصر المعنوي من جراء استخدام العبارات التي تفيد ذلك مثل “القصد- العلم”.
الباب الثاني: مساهمة المؤسسات المالية في تبييض الأموال
تقوم المؤسسات المالية والمصرفية بالدور الرئيسي لعمليات تبييض الأموال إلا أن هناك مجموعة من المؤسسات تشكل خطراً أشد وطأة من سابقاتها في تكوين جريمة غسيل الأموال، وبالتالي لا بد من التنويه بأن هناك مؤسسات خاضعة للسرية المصرفية ومؤسسات أخرى غير خاضعة لتلك السرية كما سنقوم بسرده بالتتابع.
1- المصارف.
2- الصيارفة.
3- مؤسسات الوساطة المالية والشركات المالية.
4- مؤسسات الصرافة.
5- هيئات الاستثمار الجماعي.
6- العقود الائتمانية.
7- الإيجار التمويلي.
8- حساب القيم المنقولة.
9- حساب مشترك.
10- مؤسسات الحلي والذهب والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة والتحف النادرة.
11- التأمين والجمارك.
ولا بد من التنويه إلى أنَّ معظم هذه المؤسسات لا تخضع للسرية المصرفية إلا أنها تخضع لموجبات خاصة بها وهي السرية المهنية المنصوص عليها في قانون العقوبات.
الفصل الأول: المصارف
المبحث الأول: ماهية المصارف
لم يعرف المشرِّع السّوري المصرف بموجب القانون 28/2001 “الخاص بتأسيس المصارف”، إلا أنَّ قانون السرية المصرفية رقم 30/2010 عرف المؤسسات المالية “بأنها المؤسسات العامة والخاصة والمشتركة التي تسمح لها القوانين والأنظمة النافذة بقبول الودائع أو منح التسهيلات الائتمانية كجزء من نشاطها الرئيسي”.
المبحث الثاني: دور السرية المصرفية في جريمة غسيل الأموال
يخضع لقانون السرية المصرفية “المؤسسات المالية العاملة في الجمهورية العربية السّورية بما في ذلك تلك العاملة في المناطق الحرة السورية والمعبر عنها أدناه بالمؤسسة أو المؤسسات المالية”. والجدير بالذكر أن المشترع اللبناني قد منع فتح الحساب المرقم والحساب المغفل والحساب بالاسم المستعار، إلا أنَّ المشرِّع السّوري قد سمح بموجب أحكام السرية المصرفية فتح حساب مرقم بموجب المادة 3/ق27/2011. فالسرية المصرفية هي التزام من المصرف بعدم إفشاء الأسرار التي وصلت إلى حوزته وهي تشكل موجباً على البنك وحق للزبون، أو موجباً للمصرف وحقاً في آن واحد بنظر البعض الآخر. فالمستفيد من السرية المصرفية هو الزبون الذي أفصح للمصرف عن أسراره مع التزام منه بعدم إفشائها، وعدم التقيد بالكتمان يلقي على عاتق المصرف مسؤولية مدنية بالتعويض بموجب م 222/2 ق.م.س، مع عدم إخلال بالعقوبة الجزائية المنصوص عليها بالمادة 9 ق 30/2010.
المبحث الثالث: الاستثناءات على السرية المصرفية
رغم إقرار المشرِّع بمبدأ السرية المصرفية المطلقة، إلا أن هناك استثناءات لهذه السرية نابعة من قواعد خاصة تارةً، ومن قواعد عامة تارةً أخرى، الأمر الذي يرفع السرية في الحالات الواردة بالمادة 5/ق 30/2010، وهي:
أولاً:
أ. في معرض ممارسة مجلس النقد والتسليف ومديرية مفوضية الحكومة لمهامهم المنصوص عليها في القوانين والأنظمة النافذة، وعلى المؤسسات المشمولة بأحكام هذا المرسوم التشريعي أن تستجيب لمطالب هذه الجهات دون إبطاء.
ب. في معرض تطبيق القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ج. في معرض ممارسة مهام الجهة المكلفة لدى المؤسسات المالية بالتحقق من الالتزام بإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (مراقب داخلي أو من يقوم مقامه).
د. في معرض ممارسة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية لمهامهما فيما يتعلق بالمؤسسات المالية العامة فقط.
هـ. بموجب موافقة تصدر عن وزير المالية بالذات في الحالات التالية:
1) في معرض ممارسة الهيئة العامة للضرائب والرسوم لمهامها بموجب القانون /41/ لعام 2007 وتعديلاته في سبيل تحصيل حقوق الخزينة العامة للدولة.
2) في معرض ممارسة جهاز مكافحة التهرب الضريبي لمهامه بموجب القانون /25/ لعام 2003 وتعديلاته.
3) في معرض تبادل المعلومات المتعلقة بتطبيق أحكام الاتفاقية الدولية المبرمة بشأن تجنب الازدواج الضريبي والتعاون الجمركي.
4) في معرض تطبيق المرسوم التشريعي رقم /44/ لعام 2005 وتعديلاته الخاص رسم الطابع المالي للصكوك المحررة وفقاً لنصوصه.
ثانياً:
أ. في اتفاق سابق مع العميل أو بإذن خطي منه.
ب. بإذن من القاضي المختص يسمح للورثة أو الموصى له بجزء شائع من التركة أو بجزء مرتبط تحصيله بالأموال المودعة لدى المؤسسة المالية، كما يجوز له بعد موافقة الورثة الخطية أن يأذن للغير بالإطلاع على حسابات وموجودات المورث خلال فترة تصفية التركة.
ج. شهر إفلاس المؤسسة المالية أو العميل.
د. تقدُّم العميل بطلب إجراء صلحٍ واقٍ إلى المحكمة المختصة.
هـ. بطلب من المحاكم القضائية المختصة، بما في ذلك الشهادة أمام المحاكم في معرض دعوى قضائية على أن يتم الطلب في القضايا الجزائية المتعلقة بجرائم غسل الأموال و/أو الجرائم الأصلية التي ينتج عنها أموال غير مشروعة، والتي ورد ذكرها في القوانين الناظمة لمكافحة غسل الأموال وكذلك الجرائم المتعلقة بتمويل الإرهاب عن طريق هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وعلى الهيئة المذكورة أن تقدم المعلومات التي يطلبها القضاء كاملة وعلى وجه السرعة.
و. الحجز التنفيذي
المبحث الرابع: الواجبات المفروضة على المصارف في مكافحة غسيل الأموال
أوجبت م 5/ج من القانون 33/2005 الخاص بغسيل الأموال، أنه على المصارف إنشاء لجنة مختصة على أعلى المستويات الإدارية في البنك تكون مسؤولة عن عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي فرضها المشرِّع اللبناني بموجب م 5/9 مفصلاً بها أكثر من المشرِّع السّوري، فجعلها مؤلفة من المدير العام ومدير المخاطر، ومدير العمليات، ومدير الخزينة، ومدير الفرع، ومسؤول التحقيق إضافة إلى واجبات قسم التحويل وأمناء الصندوق، وواجبات قسم الشيكات، وواجبات مفوض الرقابة حيث أوجبت القوانين على البنك أن يبلغ عن كل عملية تتجاوز العشرة آلاف دولاراً، وذلك من خلال مفوض الرقابة أو اللجنة المختصة بمكافحة غسيل الأموال اللبنانية.
وبالعودة إلى القانون السوري نجد المادة ج/5 حيث أوجبت على المراقبين الداخليين للمصارف العاملة التأكد من أن البنك يقوم بجميع عمليات التحقيق المفروضة عليه ومنها:
أ- التحقق من هوية صاحب الحق الاقتصادي.
ب- التحقق من هوية صاحب الحق فيما يتعلق في هوية المتعاملين العابرين.
ت- التحقق عند إجراء التحويلات المصرفية من تحديد مصدر الحوالة والمبرر الاقتصادي لها.
ث- الاحتفاظ بالمستندات المتعلقة بعمليات التحويل والمستندات المثبتة لهوية المتعاملين لمدة خمس سنوات على الأقل مما يسمح للهيئة بالرجوع إليها.
ج- تحديد المؤشرات التي تدل على احتمال وجود عمليات لغسيل الأموال.
ح- التزام المصارف والمؤسسات المصرفية بعدم إعطاء معلومات مغايرة للواقع.
خ- التزام المصارف بتدريب عامليها حول طرق مراقبة العمليات المصرفية والمالية.
د- اتخاذ الحيطة والحذر مع مصارف المراسلة لتلافي تورطها في عمليات مشبوهة تنطوي على تبييض للأموال.
ذ- على مراقبي المصارف العاملة الداخليين ومراقبي الجهات الإشرافية المختصة التحقق من تقيد المؤسسات المصرفية والمالية بأحكام هذا المرسوم التشريعي وبأحكام تعليماته، وإبلاغ هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عن أي مخالفة بهذا الشأن .
الفصل الثاني: مؤسسات الصيارفة (البورصة)
المبحث الأول: ماهية البورصة
يعود أصل كلمة بورصة إلى مصارف الصيارفة التي كانت تقوم بعمليات تتناول النقود والأسهم وتنسب إلى أحد المصارف وهو “فان بورص” في مدينة بروج في بلجيكا. واعتمد هذا النشاط في فرنسا منذ القرن السادس عشر في مدينة يون عام 1554م ومدينة روان عام 1556م.
المبحث الثاني :عمليات البورصة
تعرف عمليات البورصة بأنها عمليات بيع وشراء يضاف إليها دفع عمولة معينة ومنها الصكوك المالية، ولن نتطرق إلى بورصة البضائع لأنها في الوقت الحالي فقدت الكثير من أهميتها. فالبورصة هي المؤسسة التي يحدث ضمن نطاقها تبادل السندات المالية والقيم من أسهم وسندات وعمليات بيع مصرفية وعمليات شراء المواد الأولية، ولن نتطرق إلى كيفية إدارة هذه السوق لعدم أهمية ذلك، إلا أن السوق عادة تدار من قبل لجنة البورصة – مفوض الحكومة لديها. يتولى مفوض الحكومة السهر على منع استخدام البورصة لتبييض الأموال وعليه أن يركز على وجوب إتمام العمليات بصورة شرعية، وفي حال الشك، يقوم بإعلام الهيئة بذلك ومن دون الوقوف على عمليات البورصة وأشكالها والأوامر التي تعطى للوكيل وطريقة إثباتها. فلا يدخل ردهة البورصة سوى ممثلي المصارف ومستخدميهم والأعضاء.
المطلب الأول: المضاربات الغير مشروعة
قد يحصل أحد الزبائن على قرض مصرفي ويشتري 50 ألف $ بموجب ذلك القرض، فيكون الزبون مشترٍ لهذه الدولارات من مال البنك الموضوع تحت تصرفه وليس من وديعته الخاصة. فالمبدأ القانوني أن البنك يستطيع أن يمنح قروض تتجاوز 15% من رأس ماله، أو 10% حسب البلد، مقابل تملكه عملات أجنبية تكافئ هذه النسبة. إلا أن معظم المصارف تتجاوز ذلك الحد. وكما هو معروف بأنَّ عمليات البورصة شديدة الحساسية، ونتيجة للإعلانات والأخبار المدروسة، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار فيستفيد الزبون من الفارق الحاصل وتتم العملية بالتعاون بين المصرف وزبونه وأحياناً صرافيه.
المطلب الثاني: عمليات ذات الأجل
وهي العمليات التي تقضي بتسليم الأسهم في وقت لاحق على أساس سعر يجري الاتفاق عليه مسبقاً وبصورة نهائية. فأوامر الشراء تصدر مع التوقع بأنَّ أسعار الأسهم سوف ترتفع، و أوامر البيع تصدر مع التوقع بأنها سوف تنخفض، ودون الوقوف على شرح لهذه العمليات. إلا أن هذه العمليات تبدو سهلة للحائز على أموال غير مشروعة لأنه لم يبذل النشاط الكبير لحيازتها مما يسمح له بالمضاربة على هذا الشكل، وهو الأمر الذي يستوجب على الوسيط أخذ الحيطة اللازمة، وكذلك عملية المرابحة (REPORT) بالنسبة إلى عجلة (SWAPS) وهي العملية التي تتم عن طريق يسعى فيها المرابح إلى تجديد المدة المتفق عليها بعمليات الأجل بواسطة أموال تعود إلى شخص ثالث يدعى المستربح والذي لا يسعى للقيام بعمليات مضاربة، كأن يقوم المشتري بشراء صك مالي لمدة شهرين بمبلغ 100$، وفي أواخر الشهر الأول يرتفع السعر من 50 – 70$ فقط فيعمد المضارب إلى تأجيل العملية شهراً آخراً على الأقل فيقدم على البيع من شخص ثالث يدعى المستربح، الذي لا ينوي المضاربة بثمن 70$ فقط ويعود بعد ذلك لشرائه مباشرة لمدة شهر آخر بـ 80$. فهذه العملية تسمح للمضارب أن يضمن لنفسه 80$ من أصل 100$ والتي كان بحاجة لها من أجل تدعيم موقفه.
وفي نهاية الشهر التالي إذا ارتفع السعر إلى 100$ يبيع ويربح أي ما يعادل الفرق بعد دفع 10$ للمستربح، وبالتالي إذا تم الاتفاق على عدم إتمام العملية عند حلول الأجل واكتفى بقبض السعر يكون الاتفاق باطلاً إذ يعتبر مقامرة. أما إذا كان أحد الطرفين أنهى العملية فإننا نكون أمام عملية مرابحة وبالتالي عملية تبييض للأموال.
المبحث الثالث :الواجبات المفروضة على البورصات في مكافحة غسيل الأموال
تلعب البورصة دوراً بارزاً في تداول الأوراق المالية، لذلك يتوجب عليها أسوةً بالمصارف تطبيق نفس الواجبات التي فرضها القانون على المصارف. وعملاً بأحكام م4/ق33/2005 فإنَّه يتوجب عليها:
أ- تسجيل العمليات في سجل خاص.
ب- الاحتفاظ بالمستندات لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
ت- يجب أن لا تفوق قيمة أية عملية المبلغ المحدد من قبل الهيئة، وإلا وجب الإخطار، والتأكد من مصدر الأموال.
الفصل الثالث: شركات الخدمات والوساطة المالية
المبحث الأول: ماهية شركات الخدمات والوساطة المالية
يقصد بشركات الخدمات والوساطة المالية الشركات التي تباشر نشاطاً أو أكثر من الأنشطة التالية:
أ. تقديم الاستشارات وتحليل ونشر المعلومات المتعلقة بالأوراق المالية.
ب. الوساطة في الأوراق المالية.
ج. إدارة الإصدارات الأولية.
د. إدارة الاستثمار في الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.
هـ. أمانة الاستثمار.
و. إدارة حسابات الحفظ الأمين للأوراق الماليةز
ز. أية خدمات أو أنشطة أخرى يتم اعتمادها من قبل الهيئة.
أشكالها:
أ- قد تكون شركة سورية مساهمة أو شركة محدودة المسؤولية إذا كان نشاطها يقتصر على مزاولة الوساطة في الأوراق المالية أو الاستشارات وتحليلات الأوراق المالية، أو أن يكون مصرفاً محلياً يعتزم ممارسة بعض الأنشطة أو الخدمات المالية من خلال شركة تابعة ومملوكة له أو من خلال حسابات مستقلة، حيث يقتصر غرض الشركة على مزاولة نشاط أو أكثر من الأنشطة المشار.
ب- فروع المؤسسات المالية الأجنبية التي تمارس نشاطها في سورية.
المبحث الثاني :دور مؤسسات الوساطة المالية في مكافحة غسيل الأموال
أ- التحقق من هوية المتعاملين وعناوينهم بالاستناد إلى وثائق رسمية لكي لا تتحول لجريمة غسيل أموال.
ب- الإبلاغ عن كل عملية تفوق العشرة آلاف دولاراً أمريكياً.
ت- تحفظ صورة عن المستندات المتعلقة بالعمليات لمدة لا تقل عن خمس سنوات من انتهاء العملية أو انتهاء العلاقة مع العميل، أيهما أطول، على نحو يسمح لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب استخدام هذه الوثائق والمستندات عند حاجتها لذلك.
الفصل الرابع: مؤسسات الصرافة
المبحث الأول: ماهية مهنة الصرافة
تعرف مؤسسات الصرافة بأنها تلك المؤسسات التي تقوم إما بشراء أوراق النقد الأجنبي (البنكنوت) وجميع وسائل الدفع المحررة بالعملات الأجنبية القابلة للتحويل والشيكات المصرفية والشيكات السياحية ودفع قيمتها بالليرة السورية أو بأوراق النقد الأجنبي (البنكنوت)، أو تقوم ببيع أوراق النقد الأجنبي (البنكنوت) والشيكات وإيداع حصيلة الشيكات المصرفية والشيكات السياحية وأية وسائل دفع محررة بالعملة الأجنبية القابلة للتحويل في حساباتها المفتوحة لدى المصارف المرخصة المحلية المسموح لها بالتعامل بالقطع الأجنبي.
المبحث الثاني: دور مؤسسات الصرافة في مكافحة تبييض الأموال
أ- التحقق من هوية المتعاملين وعناوينهم بالاستناد إلى وثائق رسمية لكي لا تتحول لجريمة غسيل أموال.
ب- الإبلاغ عن كل عملية تفوق العشرة آلاف دولاراً أمريكياً.
ت- تحفظ صورة عن المستندات المتعلقة بالعمليات لمدة لا تقل عن خمس سنوات من انتهاء العملية أو انتهاء العلاقة مع العميل، أيهما أطول، على نحو يسمح لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب استخدام هذه الوثائق والمستندات عند حاجتها لذلك.
الفصل الخامس: هيئات الاستثمار الجماعي
المبحث الأول: تعريف هيئات الاستثمار الجماعي
لطالما كانت هيئات الاستثمار الجماعي تسعى إلى توظيف واستثمار الأموال، وهذا الشكل من الهيئات غير موجود في سورية بعد على خلاف وجوده في لبنان وأوروبا، بحيث لا يسمح بالترويج أو التسويق لهيئات الاستثمار الجماعي إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من المجلس المركزي لمصرف لبنان.
المبحث الثاني: دور هيئات الاستثمار الجماعي في مكافحة تبييض الأموال
أ- التحقق من هوية المتعاملين وعناوينهم بالاستناد إلى وثائق رسمية لكي لا تتحول لجريمة غسيل أموال.
ب- الإبلاغ عن كل عملية تفوق العشرة آلاف دولاراً أمريكياً.
ت- تحفظ صورة عن المستندات المتعلقة بالعمليات لمدة لا تقل عن خمس سنوات من انتهاء العملية أو انتهاء العلاقة مع العميل، أيهما أطول، على نحو يسمح لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب استخدام هذه الوثائق والمستندات عند حاجتها لذلك.
الفصل السادس: العقود الائتمانية
المبحث الأول: ماهية العقود الائتمانية
يعرَّف العقد الائتماني بأنه عقد يولي بموجبه شخص طبيعي أو معنوي يدعى المنشئ شخصاً يدعى المؤتمن له حق الإدارة والتصرف لأجل محدود بحقوق أو بأموال منقولة تدعى الذمة الائتمانية، ويتم هذا العقد بين المصارف والمؤسسات المالية أو سائر المؤسسات المرخص لها من قبل المصرف المركزي والمسجلة له. إلا أن هذا العقد غير موجود في القانون السوري بعد.
المطلب الأول: العناصر الداخلة في العقد
رغم عدم إدراج المشرِّع السّوري لهذا العقد، إلا أن المشرِّع اللبناني