تاريخ الترسيم الإداري في مجلة الحقوق العينية

إن الترسيم الإداري هو الذي تجريه إدارة الملكية العقارية ابتداءً دون تدخل قضائي، فهي تدرس مطالب الترسيم وتقبل ما كان منها مطابقاً للقانون وذلك بإدراج الحقوق بالسجل العقاري. ويعدُّ تاريخ الترسيم شرطاًَ لصحته عملاً بالفصل 399 من م.ح.ع، وقد جرى عمل الإدارة على التنصيص عليه في فاتحة كل ترسيم وخاتمته وذلك بذكر اليوم والشهر والسنة، فكيف يمكن تحديده؟

1- تاريخ الترسيم هو تاريخ ورود المطلب

جاء بالفصل 380 من م.ح.ع “تمسك إدارة الملكية العقارية زيادة على سجل رسوم الملكية:

1- دفتر تضمين مطالب الترسيم أو التشطيب يثبت به حسب تاريخ ورودها وبمجرد تسلمها أحكام المحكمة العقارية الصادرة بالتسجيل والوثائق المقدمة للترسيم وبصفة عامة جميع الصكوك والكتائب المراد بموجبها إتمام ترسيم أو تنصيص أو تشطيب.

2- سجل إيداع يثبت به ملخص العمليات المقبول ترسيمها وتاريخ الترسيم…”

إن قراءة النص توحي بأن تاريخ الترسيم هو التاريخ الذي يودع فيه الملف بإدارة الملكية العقارية، وقد جرى عمل الإدارة على تضمين مطلب الترسيم ومؤيداته بدفتر خاص يسمى سجل التضمين باعتبار تاريخ الورود، وبعد إجراء التحقيق والخلوص إلى عدم وجود مانع قانوني للترسيم يقع قبول المطلب وإثبات الترسيم وتاريخه بسجل الإيداع، ثم يدرج الحق بالسجل العقاري. وتعتبر الإدارة أن تاريخ الترسيم هو تاريخ ورود الملف وتضمينه.

وقد أنتقد بعضهم هذا الموقف معتبراً أن ذلك يجعل للترسيم أثراً رجعياً واضحاً يهدد مصداقية السجل العقاري (عبد المنعم عبود، مجلة الحقوق العينية المعلق عليها، دار إسهامات في أدبيات المؤسسة، طبعة ثانية 2000 ص 477) إذ قد يفاجأ الغير بوجود ترسيم بتاريخ سابق لتاريخ اطلاعه على الرسم العقاري، وقد يصل الأمر إلى وضعه في مرتبة متأخرة أو إلى رفض إدراج ترسيمه.

وقد اعتبر بعض الشراح أن موقف الإدارة سليم ذلك أن تاريخ الترسيم هو تاريخ الإيداع دون غيره من التواريخ. كما رد هذا الفقيه القول بأن تاريخ الإيداع يؤول إلى رجعية الترسيم، معتبراً أن هذه الرجعية لا تتحقق من مجرد عمل إداري، بل تنتج من اعتبار تاريخ الترسيم مرتداً إلى تاريخ الحق المرسم (حاتم الرواتبي، إشهار الرهن العقاري، دراسات في قانون التأمينات، مؤلف جماعي لهيئة تدريس قانون التأمينات بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، المطبعة العصرية 1997 ص 296).

والحقيقة أن هذا التأويل يمكن قبوله في إطار قراءة للفصل 380 من م.ح.ع قبل تنقيحه.

2- تاريخ الترسيم هو تاريخ قبول المطلب

كان الفصل 380 من م.ح.ع يوجب على حافظ الملكية العقارية أن يمسك، زيادة على سجل رسوم الملكية، سجلين هما سجل رتبي خاص بالإجراءات السابقة للتسجيل، وسجل إيداع تثبت به حسب تاريخ ورودها وبمجرد تسلمها أحكام المحكمة العقارية الصادرة بالتسجيل والوثائق المقدمة للترسيم أو تسجيل عقلة، وبصفة عامة جميع الصكوك والكتائب المراد ترسيمها أو تسجيلها أو التنصيص عليها.

والمتأمل في صياغة هذا النص الأصلية والمنقحة يلاحظ أن المشرع قد أحدث تفرقة جلية بين دفتر التضمين الذي يعتمد تاريخ الورود وسجل الإيداع الذي يعتمد تاريخ الترسيم، وغير تبعاً لذلك مفهوم تاريخ الإيداع لدى الإدارة، فلم يعد محدداً بورود ملف الترسيم الذي أصبح مشمولاً بمفهوم التضمين، بل جعله موافقاً لتاريخ قبول المطلب، ذلك أن مفهوم الإيداع لا يشمل إلا المطالب المقبولة ويأتي قطعاً في مرحلة لاحقة لورود الملف ( يراجع كذلك الفصل 377 من م.ح.ع الذي يشير إلى ذكر مراجع الإيداع بالرسم العقاري ببيان تاريخ الترسيم والايداع والمجلد والعدد).

ولكن يجب ضماناً للحقوق أن يكون تاريخ إيداع المطالب في السجل بحسب تاريخ تضمينها، فالأول في التضمين هو الأول في الإيداع. ولكن هل يمكن قبول هذا التأويل بخصوص الملفات المودعة لدى كتابة المحكمة العقارية؟

اقتضت أحكام الفصل 353 من م.ح.ع أن “في المدة التي تمضي بين صدور الحكم بالتسجيل وإقامة الرسم العقاري، يتولى كاتب المحكمة قبول جميع الصكوك والاتفاقات التي يرى الأطراف ضرورة تقديمها لحفظ حقوقهم ثم يحيلها مع الملف إلى إدارة الملكية العقارية لتتولى درسها وترسيمها عند توفر الشروط القانونية فيها حسب ترتيب إيداعها لدى كتابة المحكمة”.

وعند إحالة الملف في هذه الصورة إلى الإدارة يقع تضمينه ودراسته وأخذ القرار في شأنه بحسب ترتيب إيداعه لدى كتابة المحكمة العقارية، وعند قبول الترسيم ينصص عليه بسجل الإيداع، ويعتبر تاريخ هذا الإيداع هو تاريخ الترسيم كما سلف بيانه، ولا يمكن في نظرنا اعتبار تاريخ الإيداع لدى كتابة المحكمة العقارية تاريخاً للترسيم لمعارضة ذلك للفصل 380 من م.ح.ع ولأن الفصل 353 منها صريح في نصه على سلطة الإدارة في دراسة الملفات وقبول ترسيمها، ولم يقيدها إلا باحترام ترتيب إيداعها لدى كتابة المحكمة، ولم يفرض عليها اعتماد تاريخ ذلك الإيداع ( يراجع الرأي المخالف، عبد المنعم عبود، مرجع مذكور ص 430).

نخلص مما سبق إلى القول بأن تاريخ الترسيم تاريخ موحد، سواء تعلق الأمر بالملف المقدم إلى الإدارة أو المودع لدى كتابة المحكمة، وأن ذلك التاريخ هو تاريخ قبول العملية وإدراجها بسجل الإيداع.