تطرح دراسة حجية الترسيم الإداري مسألة نسبيتها وعدم المعارضة بإبطال الترسيم.
1- الحجية النسبية للترسيم الإداري
يقتضي الفصل 361 من م.ح.ع “رسم الملكية والترسيم يحفظان الحق موضوعهما ما لم يقع إبطالهما أو التشطيب عليهما أو تعديلهما”. ومفاد ذلك إمكان إبطال الترسيم الإداري، فهو لا يتمتع إلا بحجية نسبية على خلاف الترسيم المأذون به بحكم التسجيل الذي يتمتع بحجية مطلقة.
يمكن إبطال الترسيم الإداري لعيب في السند القائم عليه كبطلان عقد الرهن العقاري، ويمكن أن تثار أسباب البطلان العامة والخاصة والأصلية والشكلية، ولا يمكن التصريح بإبطال الترسيم إلا بحكم قضائي. ولكن الفصل 305 من م.ح.ع في فقرته الثانية ينص على أن “إبطال الترسيم لا يمكن أن يعارض به الغير الذي اكتسب حقوقاً على العقار عن حسن نية واعتماداًَ على الترسيمات الواردة بالسجل”.
فهل يمكن اعتبار عدم معارضة الغير بإبطال الترسيم استثناء للحجية النسبية؟
لقد ذهب بعضهم إلى “انعدام أي أثر للإبطال تجاه الغير حسن النية بحيث تصبح القوة الثبوتية للترسيم مطلقة نحوه حماية لحسن نيته” (عبد المنعم عبود، مجلة الخقوق العينية المعلق عليها، دار إسهامات في أدبيات المؤسسة،طبعة ثانية 2000 ص361).
وقد خالف شق آخر هذا الرأي معتبراً أن النص المذكور لا يقر الحجية المطلقة للترسيم الإداري “لأن هذا الترسيم يبقى متمتعاً بحجية نسبية شأنه شأن كل ترسيم إداري، ولكن المشرع أعفاه فقط من التأثر بعيب ترسيم من انجر إليه منه الحق، وهذا الإعفاء لا يعطي هذا الترسيم حجية مطلقة لأنه يبقى خاضعاً لكل موجبات الإبطال والتشطيب الأخرى” (عادل البراهمي، حصانة الحكم العقاري، ثنائية المفعول التطهيري والحجية المطلقة، مجلة القضاء والتشريع جويلية 2007 ص 128).
والحقيقة أن هذا الرد مبني على سوء فهم للموقف الأول الذي لا يقول بالحجية المطلقة للترسيم اللاحق للترسيم المعيب، بل يقصر هذا الإطلاق على الترسيم المعيب، ولكن هل للترسيم المعيب فعلا حجية مطلقة؟
2- عدم المعارضة بإبطال الترسيم الإداري
يبدو من خلال الفصل 305 من م.ح.ع أن المشرع يستعمل عبارة “إبطال الترسيم” التي تفيد إمكان وقوع الإبطال قضاء، وقد أكدت محكمة التعقيب أن “إبطال الترسيم جائز لكن لا يعارض به الغير حسن النية إعمالاً لمبدأ المفعول الحفظي للسجل العقاري لأن المقصود منه حماية الغير الذي اكتسب حقوقاً على العقار عن حسن نية” (القرار التعقيبي المدني عدد 29898 المؤرخ في 02/04/2009، نشرية محكمة التعقيب 2009 ج1 ص 365)، وهذا خلافاً للترسيم ذي الحجية المطلقة الذي لا يمكن إبطاله فهو محصن في ذاته وإن كان معيباً بسوء نية المستفيد منه.
ويكتفي المشرع بإقرار عدم المعارضة بالإبطال لمن يكتسب حقاً عن حسن نية واعتماداً على ذلك الترسيم المعيب، وحسن النية مفترض حسب الفصل 558 من م.ا.ع، ولا ترفع هذه القرينة إلا بإثبات العلم بعيب الترسيم أي العلم بإمكان بطلان السند الذي وقع بمقتضاه الترسيم، والعلم يثبت بجميع وسائل الإثبات القانونية ومنها وجود قيد احتياطي لدعوى بطلان سند الترسيم.
ومن الجلي أن الفرق واضح بين جزاءي الإبطال وعدم المعارضة بالإبطال، ويعني عدم المعارضة في هذا الإطار عدم إمكان إبطال ترسيم الغير مكتسب الحق عن حسن نية اعتماداً على بيانات السجل العقاري، بسبب إبطال الترسيم السابق المعيب.
كما يفيد عدم المعارضة، في الرسوم العقارية غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم، أنه يمكن لمكتسب الحق عن حسن نية ترسيم حقه رغم إبطال الترسيم المعيب بعد الحصول على حكم قضائي بعدم معارضته بذلك الإبطال.
ما يلاحظ أن الترسيم المعيب في هذه الحالة غير محصن في حد ذاته، بل إن اكتساب حق عن حسن نية واعتماداً عليه هو ما يحصن هذا الاكتساب من التأثر بذلك العيب، فيعد إبطال الترسيم في حكم العدم، وعليه فإننا لا نرى في الفقرة الثانية للفصل 305 من م.ح.ع إقراراً بالحجية المطلقة للترسيم الإداري.