هل يمكن الاتفاق بين المتعاقدين أن يدفع البائع عربوناً؟

من المعلوم قانوناً أن المشتري يفقد العربون في حال إخلاله بالتزاماته التعاقدية، ويترتب على هذا الإخلال فسخ العقد المبرم بينه وبين المشتري مع فقده لمبلغ العربون الذي سبق وأن دفعه للبائع، ولكن هل يضطر البائع أيضاً إلى دفع العربون؟

هذا ما سنجيب عنه في هذه التدوينة، وذلك من واقع قانون المعاملات المدنية الاتحادي لدولة الامارات العربية المتحدة ومن أسرار إحدى الدعاوى التي أقيمت وتم الفصل فيها بأروقة محاكم دبي. ولكن دعنا -صديقي العزيز- أولاً نحاول التعرف على ماهية العربون.

صورة العربون عند فقهاء المسلمين أن يشتري السلعة ويدفع إلى البائع درهماً أو أكثر على أنه إن أخذ السلعة احتسب من الثمن، وإن لم يأخذ فهو للبائع. وأنه لا فرق بين هذه الصورة وصورة ما إذا كان البائع هو الذي له الخيار، فقد يكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما معاً. فدفع العربون دليل على أن العقد بات، ما لم يتفق أو يقضي العرف بغير ذلك.

واتفاق المتعاقدين على أن العربون جزاء للعدول عن العقد مؤداه أن لكل منهما حق العدول، وفي هذه الحالة إذا كان المشتري هو من عدل فإنه يفقد العربون، أما إذا كان من عدل عن العقد هو البائع فإن عليه رد العربون ومثله ولو لم يلحق به ضرر من جراء ذلك.

ويكون اشتراط العربون في هذه الحالة شأن الشرط الجزائي. يفترق العربون عن الشرط الجزائي من حيث عدم جواز التخفيض أو الإلغاء، فهو يستحق ولو انتفى الضرر على وجه الإطلاق، أما إذا كان الضرر الواقع يجاوز مقدار العربون فتجوز المطالبة بتعويض أكبر وفقا للمبادئ العامة.

فالالتزام بدفع قيمة العربون المترتب في ذمة الطرف الذي عدل عن العقد ليس تعويضاً عن الضرر الذي أصاب الطرف الآخر جراء العدول، بل هو نزول على رغبة المتعاقدين من جراء العدول. فقد جعلا العربون مقابلاً لحق العدول، وفي حالة تنفيذ الالتزام اختيارياً يخصم العربون من قيمة ما تعهد به من دفعه.

ولذا، فإن دفع العربون يدل على أن المتعاقدين أرادا أن يجعلا عقدهما باتاً، ولا يجوز العدول عنه إلا إذا كانت شروط الاتفاق أو العرف تقضي بغير ذلك. فإذا خالف من قبض العربون (البائع) شروط العقد وعدل عنه، فإنه يلتزم برده مضاعفاً. وإذا خالف شروط العقد وعدل عنه من دفع العربون (المشتري) فقده.

ولهذا نصت المادة 148 من قانون المعامالت المدنية الاتحادي على أنه “إذا اتفق المتعاقدان على أن العربون جزاء للعدول عن العقد كان لكل منهما حق العدول، فإذا عدل من دفع العربون فقده وإذا عدل من قبضه رده ومثله”.

 ويدل فحواها على أنه وإن كان لدفع العربون دلالة العدول، إلا أن شروط التعاقد قد تقضي بغير ذلك، والمرجع في بيان هذه الدلالة هو بما تستقر عليه نية المتعاقدين، وإعطاء العربون حكمه القانوني، وأن للمحكمة أن تستظهر نية المتعاقدين من ظروف الدعوى ووقائعها وتفسير عقد التداعي بما تحتمله عباراته.

 

بقلم:

محمد محسن | محمد محسن محامون ومستشارون