القيود الإحتياطية والسجل العقاري بتونس

الإعداد : الأستاذة لطيفة التبيني
متفقد مركزي و كاهية مدير
بإدارة الملكية العقارية ببن عروس​

لقد أصبح العـقار المسجل يلعـب دورا هاما في الاقتصاد الوطني ونتيجة لذلك تدخـل المشرع في كم من مناسبة لإصلاح السجـل العقاري تكريسا لمصداقـيته وحتى يواكب الحركة النشيطة للعـقار فلاحـيا وعمرانيا.

إذ يعتبر السجل العقاري المرآة العاكسة التي تبيّن جميع الأعمال والتصرفات القانونية التي تطرأ على العقار بصفة عامة ويقول Soulmagnon George معرّفا السجلات العقارية بأن ” القانون لا يعتبر في نظام السجلات العـقارية المالك بل يعتبر العقار في حدّ ذاته، فهو يتتبع العـقار في انتقالاته المتتابعة، لذلك يجـب بداية تحديد العـقار فنيّا، من حيث أنه وحدة مادية متكاملة … والسجـل العقاري هو دفتر عام ولكل وحدة عقارية في ذلك ورقة خاصة به وتدرج جميع العمليات القانونية المتعلقة بالعقار بهذه الورقة، وهذا ما يسمّى بالإشهار العيني “.

وخلافـا للترسيمات المقـيدة لحرية جـولان العـقار تحفظـيا أو تنفيذيـإ، فإن الترسيمات الاحتياطية تهدف إلى ضمان ترسيم حقـوق عينية لم تثبت نهائيـا أو الاقتران ترسيمها بتوفر عنصر مكمّل ومشخص.

وتتمثل الترسيمات الاحتياطية في مختلف القيود الاحتياطية التي نظّمها المشرع التونسي بالفصول 365 إلى 367 من مجلة الحقوق العينية، لذا سنتطرق في مبحث أوّل إلى أصناف القيود الاحتياطية I وفي مبحث ثاني إلى : آثار القيود الاحتياطـية.

I- أصناف القيود الإحتياطية :

إن الترسيمات الاحتياطـية سواء كانت بموجـب صكّ قضائي أو اتفـاقـي أو إداري إنّما هي إشارة إحتياطية قصد إشهار موضوع القيد بصفة قانونية لا يمكن معها للمالك أو المشتري أن يدّعي التغافل أو عدم المعرفة بالآثار التي قد تترتب عن القيد الاحتياطي المرسّم، وهي ترسيمات من صنف التّحملات.

فالقيـد الاحتياطي ينزع على الغير قرينة حسن النية ويمكن صاحبه من تفادي تطبيق الاستثناء الوارد بالفقرة الثانية من الفصل 305 م ح ع المتعلق بالقوة الثبوتية للترسيم.

1) القيـود الاحتيـاطيـة بموجـب صك قضائـي :

أوّلا : القيد الإحتياطـي للدعاوى :

يوظف هذا النوع من القيود على الرسوم العقاري بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية التي بدائرتها العقار بناء على عريضة تحال على مدير الملكية العقارية لإبداء رأيه عملا بمقتضيات الفصل 367 من مجلة الحقوق العينية.

ويوظف القيد الاحتياطي موضوع الدعوى إما على رسم عقاري واحد أو على عدّة رسوم أو على مناب شائع فقط أو جملة من المنابات.

وقد نص الفصل 365 من مجلة الحقوق العينية على أنه : “يمكن أن تقيد قيدا إحتياطيا”

أوّلا : الدعاوى الرامية إلى إستصدار حكم ببطلان الحقوق العينية المرسمة أو إبطالها أو فسخها أو الرجوع فيها أو إدخال تعديلات على الترسيمات الواقعة بموجب نقل وفاة أو إبطال التشطيب أو القيام بشفعة أو إصلاح الترسيم أو التشطيب.

ثانيا : الدعاوى الرامية إلى ترسيم جميـع الأعمال التي تقتضي التفويـت

في عقار أو التخصيص به”.

هـذه النوعية من الدعاوي تقتضي مبدئيا احترام مبـدأ التسلسل الـذي

ورد ضمن أحكام الفصل 382 م ح ع حيث دأب إتجاه إدارة الملكية العقارية على أن من استفاد بحق عيني بموجب عقد تفويت أو اختص به ولم يتحصل على ترسيم ذلك الحق بالرسم العقاري لسبب من الأسباب فإنه يقوم بقيد دعواه قيـدا احتياطيا قصد إشهارها.

ويتطلب ترسيم القيد الاحتياطي لقضية منشورة أمام المحكمة الإدلاء بأصـل الإذن على عريضة أو نسخة منه مشهـود بمطابقتهـا للأصـــل

تكون ممضـاة من طرف السلطـة القضائية المختصـة وعليهـا ختـــــم

المحكمة وكذلك نسخة من شهادة نشر في الدعوى المأذون بقيدها احتياطيا.

ثانيا : القيد الإحتياطي لطرق الطعـن غير الإعتيادية :

لقد نصّت الفقرة الثالثة من الفصل 365 من مجلة الحقوق العينية على أنه يمكن أن تقيّد احتياطيا برسم الملكية “طرق الطعن غير الاعتيادية في الأحكام المرسمة”.

والملاحظ أنّه ولئن لم يتمّ التنصيص بالفصل 367 من نفس المجلة على أن القيد الاحتياطي لطرق الطعن غير الاعتيادية يجرى بمقتضى إذن على عريضة مثلما هو واضح صراحة بالنّسبة للدعاوى.

فإنّه يتّجه ترسيم مثل هذه القيود بواسطة إذن على عريضة كما هو الشأن بالنّسبة للقضايا الأخرى.

إذ يستنتج من شرط حصول ترسيم الحكم المطعـون فيه أن سند إجراء القيد الاحتياطي هو شهادة في نشر طريقة الطعـن غير الاعتيادية سواء كانت تعقيبا أو اعتراضا أو إلتماس إعادة النظر، معنى ذلك يكفي أن يقدم الطالب طالبا ممضى ومعـرّفا فيه الإمضاء أو بواسطة محضر تبليغ بواسطة عدل تنفيذ أو عن طريق مطلب محرّر من المحامي المنوّب مع شهادة في نشر طريقة الطعن غير الاعتيادية منصوص به على معـرّف الرسم العقاري وعلى الحكم المرسم المطعـون فيه.

غير أنّه بالنسبة للأحكام غير المرسمّة بالسجل العقاري فإن الإذن الصادر بترسيمها احتياطيا يستوجب التّثبت من حالة الحكم المطعون فيه فإن كان ترسيمه متوقفا على إتمام النقائص فإنه لا يمكن الاستجابة لمطلب القيد الاحتياطي حتى يتمّ الترسيم بصفة فعليّة.

أمّا إذا كان الحكم المطعون فيه غير المرسم لا يغيّر من الحالة الماديّة الإستحقاقية للسجل العقاري كأن يكون قاضيا بعدم سماح دعوى ترسيم أو تشطيب ترسيم أو إصلاح ترسيم فإنّه من الضروري أن نتولى ترسيم هذا الحكم بإعتبار أن ترسيمه يتمثل في بقاء الحكم على الحالة الماديّة أو الإستحقاقية للسجل العقاري وسواء تعلّق القيد الاحتياطي بدعوى أو بطريقة طعن غير اعتيادية فإنه يجب أن يتمّ بنص الإذن بيان موضوع القضية ورقمها ومعرّف الرسم العقاري المتعلّق بها وكذلك الطور الذي بلغـته ابتدائيا أو إستئنافيا أو طريقة طعـن عيـر اعتياديـة.

ثالثا : القيد الإحتياطي لمطلب مراجعة حكم بالتسجيل :

لقد كانت أحكام التسجيل الصادرة عن المحكمة العقارية إلى غاية صدور القانون عدد 10 لسنة 1995 المؤرخ في 23 جانفي 1995 لا تقبل الطعن بالاعتراض ولا بالاستئناف ولا بأية وسيلة أخرى إلا أن الفصل 332 جديد من مجلة الحقوق العينية كما تمّ تنقيحه بالقانون عدد 10 المذكور قد تضمن إجراء جديدا يتمثل في ترسيم قيود احتياطية على الرسوم العقارية لمطالب مراجعة أحكام المحكمة العقارية.

وتقتضي أحكام الفصل المذكور أن إجراء القيد الاحتياطي يستوجب تقديم مطلب كتابي متضمن لأسباب طلب المراجعة مرفوقا بكل المؤيدات وإذا حظي الطلب بموافقة رئيس المحكمة العقارية يأذن بتقييده ويعلم إدارة الملكية العقارية لتقوم بإجراء قيد إحتياطي على الرسم العقاري إن تمت إقامته أو يأذن بتعطيل تنفيذ الحكم إذا لم يحدث الرسم العقاري الجديد ذلك أنه يجب أن يكون هناك رسم عقاري محدث إذ لا يمكن لإدارة الملكية العقارية إجراء القيد الإحتياطي إذا لم يرد عليها حكم التسجيل من المحكمة العقارية.

وعلى خلاف القانون عدد 10 لسنة 1995 المؤرخ في 23 جانفي 1995 الذي أقر مراجعة حكم التسجيل فقد تم بموجب القانون عدد 67 لسنة 2008 المؤرخ في 03 نوفمبر 2008 إقرارا لطعن بالتعقيب في حكم التسجيل.

فقد كان حكم التسجيل ينفـذ حالا ولم تكن مراجعته توقف تنفيـذه، ولم يعتبر الفصل 332 (قديم) م ح ع المتعامل على الرسم العقاري خلال أجل مراجعة حسن النيـة. أما في صورة المراجعة، فإن رئيس المحكمة العقارية يأذن بإعلام إدارة الملكية العقارية بذلك لإجـراء قيد احتياطي وإذا كان للمحكمة العقارية تعامل يومي متواصل مع إدارة الملكية العقارية، فإنه ليست لمحكمة التعقيب تقاليـد في التعامل مع الإدارة.

رابعا : القيد الإحتياطي لطعـن في قرار حافظ الملكية العقارية :

لقد أقـرّ الفصل 388 جديد من مجلة الحقوق العينية مثلما تمّ تنقيحه بالقانون عـدد 10 لسنة 1995 المؤرخ في 23 جانفي 1995 إمكانية الطعـن في قرارات حافـظ الملكية العـقارية لدى المحكمة العـقارية في أجـل شهـر من تاريخ الإعـلام بها. وتبتّ المحكمة العقارية في الطعن بعد أخذ رأي حافظ الملكية العقارية ويمكن للطاعن طلب تقييد طعنه احتياطيا كيفما ورد بالفقرة الثالثة من الفصل المذكـور.

خامسا : القـيـد الإحتياطي للطعــن بالإستئناف في أحكـام التحييـن الصـادرة

عـن المحكمة العقارية :

لقـد نصّ الفصليـن 24 و31 من قانـون عــدد 67 لسنـة 2009 المـؤرخ فـي 12 أوت 2009 المتعـلّـق بتنقـيح القانون عـدد 34 لسنة 2001 المؤرخ فـي 10 أفريل 2001 المتعـلّق بتحيين الرسوم العقارية على إمكانية ترسيم قيد احتياطي لمطلب الاستئناف بالرسم العقاري.

حيث أشار الفصل 24 (جديد) من القانون المذكور إلى وجوب التنصيص عند تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين سواء بالترسيم أو الرفض “على أن هذا الحكم قابل للاستئناف من كل من له مصلحة إلى نهاية أجل 60 يوما من تاريخ إدراجه بالرسم العقاري ولا يجوز لإدارة الملكية العقارية إجراء أيّة عملية مطلوبة ما لم يقع الإدلاء لها بما يفيد عدم استئناف الحكم المطعـون فيه ولا يجوز للغير التمسّك بحسن النية عند اكتسابه حقا على العقار ما دام أجل الاستئناف قائما وإلى حين إدراج قيد احتياطي” لمطلب الاستئناف بالرسم العقاري إن تمّ استئناف الحكم المطعـون فيه.

ويقع التشطيب على القيد الاحتياطي المتعلّق بالاستئناف بناء على الحكم الإستئنافي الذي تصدره الدائرة الإستئنافية وتكون أحكامها باتة ولا تقبل الطعـن بالتعقيب ولا بأية وسيلة أخرى وذلك عملا بمقتضيات الفصل 32 جديد من القانون المذكور.

2) القـيود الإحتياطـية بموجـب صـك إتفاقــي :

وهـي ثلاثـة أنــواع :

أ- القـيد الاحتياطي لما يتمّ إنشاؤه وإحالته من حقوق عينية ويكون مقترنا بشرط تعليقي وكذلك الوعـود بالبيع.

* ما يتمّ إنشاؤه وإحالته من حقوق عينية ويكون مقترنا بشرط تعليقي :

إن الفصل 366 من مجلة الحقوق العينية لم يضبط الشروط التعليقية المقترنة بإنشاء أو إحالة الحق العيني وأعطى لحافظ الملكية العقارية سلطة موسّعة لقراءة واستنتاج مثل هذه الشروط.

وهذا الصنف من القيود الاحتياطية يكاد يكون منعدما ولا أثر له بالسجل العقاري.

* الوعـد بالبيـع :

لترسيم قيد احتياطي لوعد بيع يتعيّن أن يكون المطلب مؤيدا بكتب وعد البيع سواء بالحجة العادلة أو كتب خطي مع تسجيله بإحدى القباضات المالية، ويجـب أن يتضمن هذا الكتب كل الشروط والموجبات الواجـب توفرها في كتب البيع ما عدا التراخيص الإدارية المطلوب الإدلاء بها بعد أن يصبح البيع نهائيا.

ب) القيد الإحتياطي للتفويت في قطع مستخرجة من رسم ملكية والتخصيص بها وكذلك حقوق الإرتفاق الموظفة على قطع غير محددة :

يتّضح من هذا العنوان أن الحق العيني المراد قيده احتياطيا هو حق نهائي وثابت إلا أن ترسيمه بالسجل العقاري يتطلّب تشخيصا من طرف ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري.

ولهذا تمّ الاشتراط لتأكيـد مطلب القيد الاحتياطي علاوة على الكتب الذي يجب أن يكون تام الموجبات القانونية اللازمة لترسيم تفويت أو قسمة أو حق ارتفاق الإدلاء بما يثبت التقدم بمطلب في التقسيم إلى ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري حيث يجب أن تكون هذه الوثيقة رسمية ومسلمة من الديوان المذكور منصوص بها خاصة على معرّف الرسم وعلى أن العقار موضوعه مقدّم في شأنه مطلب تقسيم.

ج) القيد الاحتياطي لعـقـود المغارسة :

يتمّ هذا القيد الاحتياطي وعملا بالفقرة الثالثة من الفصل 366 من مجلة الحقوق العينية بموجب صك اتفاقي سواء كان حجة عادلة أو كتب خطي يكون مسجلا بالقباضة المالية تلتقي فيه إرادة طرفين هما : الدافع الذي يجب أن يكون مالكا مرسّما والمغارس أو المدفوعة له الأرض قصد غرسها وإحيائها.

ويجب أن يشتمل الصك المذكور على معرّف الرسم العقاري أو عدد مطلب التسجيل وكذلك الاسم الكامل للدافع أو المغارسي، بيان موضوع المغارسة (جميع العقار، قطعة من عقار…)، بيان مدّة المغارسة، بيان كيفية الاستحقاق بين الدافع والمغارس بعـد انتهاء أعمال المغارسة.

3) القيود الإحتياطية بموجب صك إداري :

أولا : القيد الإحتياطي لحق الأولوية في الشراء :

لقد أقرّ القانون عدد 78 لسنة 2003 المؤرخ في 29 ديسمبر 2003 والمتعلّق بتنقيح وإتمام مجلة التهيئة الترابية والتعمير كيفية إشهار حق الأولوية الذي تنتفع به الدولة أو الجماعات المحلية أو الوكالات (السكنيّة، السياحيّة، الصناعيّة) داخل دوائر التدخل العقاري أو دوائر المدخرات العقارية، وذلك من خلال تكريس مؤسسة القيد الاحتياطي مع إضفائها خصوصية على مستوى آثارها.

يتمّ إشهار حق الأولوية في الشراء بالرّسم أو الرّسوم العقارية الكائنة داخل دوائر تدّخل عقاري أو دوائر مدخرات عقارية من خلال تقييده احتياطيا سواء كان الرّسم يتبع كليا أو جزئيا تلك المناطق.

ويتمّ إدراج القيد الاحتياطي بناء على طلب من المستفيد منه الدولة أو الجماعات المحلية أو إحدى الوكالات (الصناعيّة، السياحيّة، السكنيّة) على أنّه يجب أن يسبق هذا التقييد التنصيص على الأمر القاضي بفتح الدائرة (تدخل عقاري أو مدّخرات عقارية).

ويجب التحقـق من مطابقة مطلب الترسيم مع الأمر القاضي بتحديد دائـرة التدخل أو دوائر المدّخرات العقارية من حيث كون المستفيد من حق الأولوية هو المستفيد من القيد الإحتياطي. ويتمّ التشطيب عليه في صورتين :

* الصورة الأولى : انقضاء مدّة سريان الحق والتي هي بالنسبة لدوائر التدخـل العقاري : – 4 سنوات قابلة لتجديد مرة واحدة لمدة سنتين.

و 6 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة لدوائر المدخرات العقارية.

* الصورة الثانية : تخلي المستفيد من القيد الاحتياطي عن حقه في الأولوية في الشراء ويمكن أن يتمّ التخلي إمّا صراحة أو ضمنيا في صورة التّخلي الصريح فإنه يتمّ التشطيب على القيد الاحتياطي لحق الأولوية في الشراء بناء على طلب من يهمّه الأمر يجب أن يكون مؤيدا بمكتوب صادر عن الجهة المستفيدة من الحق يقضي صراحة بتخليها من ممارسة حقّها.

أما بالنّسبة للتخلي الضمني فيتجسم من خلال رفض الجهة المستفيدة من حق الأولوية في الشراء إجابة مالك العقار عن عرضه لها في اقـتناء عقاره وذلك في أجل شهرين، ويعتبر سكوت الوكالة تخليا منها عن ممارسة حقها.

وبالتالي فإن التشطيب على القيد الاحتياطي الساري المفعـول بناء على التخلي الضمني لا يمكن أن يتمّ إلاّ استنادا إلى إذن على عريضة يقضي بالتشطيـب طبقا لمقتضيات الفصل 371 من مجلة الحقوق العينية، إضافة إلى أن التشطيب على القيد الاحتياطي لا يترتب عنه التشطيب على التنصيص على الأمر القاضي بفتح الدائرة.

ثانيـا : القيد الاحتياطي لأمر انتـزاع : هو ترسيم وقتـي :

الغاية منه حفظ حق المنتزع بمعارضة الغير به مؤقتا ريثما يحضر ما يلزمه للحصول على الترسيم النهائي لنقـل ملكيته بالرسم العقاري.

وهو ما تضمنته أحكام الفصل 37 من قانون 11 أوت 1976 والقيد الاحتياطي لأمر الانتزاع يتم في حالتين وهما :

· حالة الانتزاع لجزء غير مفرز من عقار : فالترسيم النهائي لنقل الملكية يصبح متوقفا على الإدلاء بالمثال الهندسي لذلك الجزء أو بالأمثلة الهندسية لتلك الأجزاء وهو ما لا يتم إلا بعد إتمام قيس الأراضي والمسح العقاري لعمليّة التقسيم قد تطول مدتها. ففي هذه الحالة وحفظا لحقوق الإدارة المنتزعة خـوّل الفصل 37 من قانون 11 أوت 1976 لهذه الإدارة طلب إجـراء قيد احتياطي برسم الملكية إلى أن يتسنى لها الاستظهار بالمثال النهائي للقطعة المنتزعة أو بالأمثلة الهندسية النهائية للقطع المنتزعة.

· حالة الانتزاع لعقار موظف عليه تحملات : إذا كان العقار المنتزع موظف عليه عدّة تحملات فإن ترسيم نقل الملكيّة ترسيما نهائيا باسم الإدارة المنتزعة يتوقف على الإدلاء لحافظ الملكيّة العقارية بما يفيد التشطيب على ذلك التّحمـل ويكون ذلك إمّا برضى المعنيين بالأمر أو بإذن قضائي طبقا لأحكام الفصل 39 من قانون 11 أوت 1976.

وفي انتظار إدلاء الإدارة المنتزعة بما يفيد التشطيب، فقد خوّل الفصل 37 من القانون المذكور لتلك الإدارة طلب إجراء قيد احتياطـي برسم الملكيّة إلى أن يتسنى لها الحصول على ما يفيد التشطيب على التّحملات إتفاقيا أو قضائيـا.

كما نصّ الفصل 37 من قانون 11 أوت 1976 أن القيد الاحتياطي يحول دون أي ترسيم نهائي جديد بفعل المالك ومعنى ذلك أنّه لا يمكن لإدارة الملكية العقارية الاستجابة بعد إجراء القيد الاحتياطي لأمر الانتزاع لأي طلب يرمي إلى ترسيم أي حق صادر عن المنتزع منه لفائدة الغير مهما كان نـوع هـذا الحق وينتهي مفعـول القيد الاحتياطـي بعـد انقضـاء أجــــــل 3 سنوات من تاريخ ترسيمه بإدارة الملكية العقارية ولئـن تميزت إجراءات إشهار أمر الانتزاع بالسجل العقاري طبق القانون عدد 85 لسنة 1976 بالازدواجية باعتبار أن أمر الانتزاع يرسم نهائيا إذا كان مستجيبا للشروط القانونية لذلك أو يقيد احتياطيا إذا تعلّق الأمر بانتزاع جزئي أو كانت هناك تحمّلات موظفة على العقار المنتزع إلا أن الفصل 4 من القانون عدد 26 لسنة 2003 نصّ على إلغاء أحكام الفصل 37 من القانون عدد 85 لسنة 1976 المنظم لإجراء القيد الاحتياطي ويترتب على ذلك توحيد طرق إشهار أو أمر الانتزاع بحيث أن الترسيم النهائي أصبح هو الإجراء الوحيد الذي يجب اعتماده مستقبلا.

II- آثار القيـود الاحتياطيـة :

لقد نظم المشرع مؤسسة القيد الاحتياطي ضمن تشاريع مختلفة نظرا لإتساع مجالها وتوحد هدفهـا من خلال حفظ الحقوق ولكونها في مجملها لها علاقة بالسجل العقاري كوعاء لحفظ الحقوق وإشهارها للعموم، إلا أن المشرع حدد مدة سريان هذه القيود بالتوازي مع أهمية القيد الاحتياطي ومجاله. لذا سوف نتطرق إلى سريان أجل القيد الاحتياطي (أولا) والآثار المنجرة عن القيد الاحتياطي (ثانيا).

1/ سريان أجل القيد الاحتياطي :

ولئن لم تشترط الفصول 365-366-367 من مجلة الحقوق العينية أجلا محدّدا لطلب ترسيم القيود الاحتياطية على اختلاف أنواعها سواء كانت

بموجب صك اتفاقي أو صكّ قضائي، فإن الفقرة الثانية من الفصل 370 من نفس المجلة المذكورة قد نصّت صراحة على ما يلي “ويسقط القيد الاحتياطي ويصبح غير ذي موضوع بمضي 18 عاما بالنسبة لعقود المغارسة و3 سنوات في جميع العقود الأخرى إلا إذا وقع تجديده بإذن على عريضة يصدره رئيس المحكمة الابتدائيـة التي بدائرتها العقار لكن الأمر يختلف بالنسبة للقيد الاحتياطي لحق الأولوية في الشراء داخل دوائر التدخل العقاري ودوائر المدخرات العقارية، إذ يبقـى ساري المفعول لمدة 3 سنوات بداية من يوم ترسيمه إذ لم يقع تجديده قبل انقضائه وذلك في حدود فترة سريان حق الأولوية، وقد حدّدت مدّة الحق داخل دوائر التدخـل العقاري بـ 4 سنوات قابلة للتمديد مرّة واحدة لمدة سنتين وداخل المدّخرات العقارية بـ 6 سنوات قابلة للتمديد مرّة واحدة.

إذا تمّ ترسيم القيد الاحتياطي مباشرة إثر صدور الأمر فإن القيد يحفظ الحق طيلة مدّة نفاذه والتي تقابل الثلاث سنوات الأولى من مدّة سريان الحق، أمّـا المدّة المتبقية والمقدرة بسنة بالنسبة لدوائـر التّدخل العقاري وثلاث سنوات بالنسبة لدوائر المدخرات العقارية. فإن حفظها يتطلب تقديم مطلب في تجديد القيد الاحتياطي قبل انقضاء مدته الأصليّة ويبقـى القيد الاحتياطي المجدّد ساري المفعـول في حدود المدّة المتبقيّة فقط.

أمّا إذا تـمّ ترسيم القيد الاحتياطي بعد صدور الأمر (أي أن هناك فترة فاصلة ما بين تاريخ صدور الأمر وتاريخ الترسيم) فإن احتساب مدّة الحق تبقى خاضعة لنفس المرجع وهو تاريخ صدور الأمر القاضي بفتح الدائرة.

2- آثـار القيود الاحتياطيـة :

وأوّل هذه الآثار هي الخطورة في عدم التمييز بين مؤسسة الترسيم ومؤسسة القيود الاحتياطية وفعلا كثيـرا ما تختلط المفاهيم في أذهـان البعض إلى حدّ وضع المؤسستين على قدم المساواة . وقد طرح الإشكال خاصّة عندما أوجب المشرع صيغة معينة في تحرير الكتائب الخاضعة للترسيم، ومع أن المشرع أورد بوضوح عبارة الترسيم طالب الأغلبية بضرورة سحب الشرط على كامل الكتائب بما في ذلك الخاضعة للقيد والحال أن ما يمكن ترسيمه لا يمكن قيده احتياطيا والعكس بالعكس. وكثيـرا ما يقع الخلط بين مؤسسة القيد الاحتياطي والاعتراضات التحفظية، بل أن التشريع التونسي قد يحمل إلى ذلك الاعتقاد حين أدرج أحكام القيود الاحتياطية تحت عنوان “الاعتراضات التحفظية” ونحن نعلم أن الاعتراضات التحفظية على معنى الفصول 327 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية وما بعد تمنع إدراج أي حق وهي غير الآثار المرتبطة بمؤسسة القيد الاحتياطي التي لا تمنع إدراج الترسيمات اللاحقة فقط، أنّه إذا لم يسبق قيد الدعوى قيدا احتياطيـا فإن الحكم لا يكون له مفعول إزاء الغير إلا من تاريخ ترسيمه (الفصل 368 م ح ع)، والترسيمات الحاصلة بعد ذلك لا يمكن ان يعارض بها المستفيد من القيود الاحتياطية التي ترتب حسب تواريخها (الفصل 370 م ح ع) والجدير بالملاحظة أنه رغم قصر الفقرة الأولى من الفصل المذكور فإن موضوعها قد استأثر باهتمام كبيـر واستغـرقـت النقاشات حول مفهوم تلك الفقرة حيزا هاما من الزمن إلى أن تطوّر إلى مستوى تبادل الاستشارات كتابيّا بين حافظ الملكية العقارية ورئيس المحكمة العقارية من ذلك المكتوب عدد 541 الذي وجهته الإدارة إلى المحكمة العقارية بتاريخ 17 جويلية 1976 ورد المحكمة العقارية عن ذلك المكتوب بمقتضى مكتوبها عدد 1317 المؤرخ في 31 مارس 1977.

ولعـلّ الاختلاف في وجهات النّظر حول هذه المسألة يعود إلى أسباب تاريخية، وذلك أن إدارة الملكية العقارية قد دأبت طيلة الثمانين سنة السابقة لظهور مجلة الحقوق العينية وطيلة المدة المتراوحة من سنة 1965 إلى سنة 1972 تقريبا على عدم إجراء أي ترسيم جوهري تكون نتيجته التفويت في حقوق التملك إذا كان الرسم مقيدا لقيود احتياطية مستشهدة بوجود قضايا عدليّة منشورة إلا إذا صدر حكم بالتشطيب عليها أو انقضت آجالها القانونية بمرور الزمن.

كل ذلك حفاظا على سلامة السجل العقاري وتجنبا لمشاكل قد تكون عويصة الحلّ.

والجدير بالملاحظة أن المحكمة العقارية قد ساندت بموجب مكتوبها عدد 1317 المذكـور توجّه إدارة الملكية العقاريـة بناء على أن أحكام الفصل 370 المذكـور لا تمنع حافظ الملكية العقارية من رفض ترسيم العقود التي تفوّت في حقوق التملك إذا كان الرسم مقيـدا بقيـد احتياطي، أما إذا كان القيد الاحتياطي يتعلّق بإحداث حقوق ارتفاقية على العقار أو إشهار قضية في القسمة فلا شيء يمنع من الترسيم رغم وجود القيد الاحتياطي.

رغم ذلك فقد ارتأت إدارة الملكية العقارية مواصلة التمسك بموقفهـا حيث أكدّت على ضرورة رفض الترسيمات المطلوبة إذا كان القيد الاحتياطي من القيود التي يمكن أن تسفـر على إثبات تفويت في حق التملك وإجازة الترسيم إذا كان القيد الاحتياطي المرسم يرمي إلى إحداث حقوق ارتفاقية على العقار أو إشهار قضية في القسمة.

والجدير بالإشارة في هـذا الصدد أن محكمة التعـقيـب قـد أصدرت بتاريخ 17 جويلية 1979 قرارها عدد 2708 الذي ينصّ على أن “الترسيم الواقع بعد القيد الاحتياطي لا يعارض به المستفيد من هذا القيد ويجـوز إدخال تعديلات على ما وقع ترسيمه من حقوق أو الحطّ منها وحتى التشطيب عليها” كما أصدرت بتاريخ 24 فيفري 1981 قرارها عدد 2921 الذي ينصّ على أنه “إذا كان القيد الاحتياطي أسبق تاريخا من ترسيم كتب البيع بالسجل العقاري فإن هذا الترسيم لا يمكن أن يعارض به المستفيدون من القيود الاحتياطية التي ترتب حسب تواريخها” وهو موقف مخالف لموقف المحكمة العقارية غير أن إدارة الملكية العقارية قد غيـرت رأيها بعد ذلك وعدلت موقفها ليصبح متناغما مع روح الفصل 370 م ح ع وحسمت الموقف نهائيا لإنجاز الترسيمات رغم وجود القيود الاحتياطية بناء على أن الترسيمات اللاحقة لا تمس من حقوق المستفيد من القيد الاحتياطي التي تبقى دائما محفوظة إلى أن يصبح حقه قابلا للترسيم “بصفة نهائية” ويتم تبعا لذلك التشطيب على جميع الترسيمات اللاحقة إلاّ إذا كانت متعلقة بإنذار قائم مقام قلة عقارية باعتباره يمنع كل ترسيم جديد يخص المعقول عليه طبقا لأحكام الفصل 453 م م م ت ولا يمكن تشطيبه.

وخلافا للقواعد العامة للقيد الاحتياطي، فإن تقييـد حق الأولوية في الشراء داخل دوائر التدخل العقاري والمدخرات العقارية احتياطيا يمنع إدراج ترسيمات لاحقة بالرسم ويهم هذا المنع عمليات الإحالة بعوض أو بدونه وتشمل جميع العمليات العقارية التي يترتب عنها نقل حق ملكية العقار أو منابات منه من ذمة إلى أخرى ولا يشمل هذا المنع العمليات التي تهم حقوقا شخصية كالكراء أو الحقوق العينية الأخرى كالرهن أو الاعتراض التحفظي والإنذار والقيود الاحتياطية وأيضا مطالب التحيين.

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

القيود الإحتياطية والسجل العقاري بتونس