القوانين العقارية الجزائرية
تمت اعادة نشر بواسطة لويرزبوك
يأخذ المشرع الجزائري بنظام الشهر العيني, ملغيا سلطان الإدارة في توجهها و تراضيها على نقل الملكية العقارية و سائر الحقوق العينية الأخرى، جاعلا وجودها و عدمها يسير اطرادا مع إجراء أو تخلف القيد.
و القيد, يقصد به جملة الإجراءات و القواعد القانونية و التقنية التي تخص التصرفات الدائرة حول العقارات كاشفة كانت، أو منشئة, أو ناقلة, أو معدلة, أو منهية, سواء أكان التصرف عقدا, أو حكما, أو قرارا إداريا, كما يستوي أن يكون الحق ناشئا عن تصرف قانوني أو عن واقعة مادية.
و على ضوء ذلك تعين تبيين: ما هي التصرفات التي تستلزم إجراء الشهر و كذا دور القيد في إنشاء الحق و ما يترتب عنه من آثار تجاه الغير؟
المبحث الأول:
التصرف الواجب الشهر و آثار القيد:
تقتضي المعاملات العقارية الحديثة ضرورة إجراء القيد, و هو ما سارت عليه عامة التشريعات, إلى جانب أخدها بالرسمية ركنا لتكريس قيمة الحق تجاه الغير، و قد نصت المادة 793 من القانون المدني على أن “ملكية و الحقوق العينية الأخرى في العقار لا تنقل فيما بين المتعاقدين و لا في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون, و بالأخص تلك التي تدير مصلحة الشهر العقاري” كما أن ” العقود الإدارية و الاتفاقات التي ترمي إلى إنشاء أو نقل أو تصريح أو تعديل أو انقضاء حق عيني لا يكون لها أثر حتى بين الأطراف إلا من تاريخ نشرها في مجموعة البطاقات العقارية ” بنص المادة 16 من الأمر رقم: 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن قانون المسح العام للأراضي و تأسيس السجل العقاري .
و يشترك هذان النصان في اعتبارهما القيد شرطا لنقل الملكية في العقارات و الحقوق العينية الأخرى, بصرف النظر عن نوع التصرف و كذا تساوي الحال بين كونه كاشفا أو منشئا، أيا كان مصدره.
و لذلك وجب تفضيل التصرفات التي يتعين شهرها لنقل الملكية و الآثار المنجزة عن القيد و عدمه في المطلب الموالي.
المطلب الأول:
التصرفات اللازمة الشهر ليحصل الاعتراف بالحق
إن مقتضي المادة 16 من الأمر: 75/74 المتضمن قانون المسح العام للأراضي و تأسيس السجل العقاري رغم أن له مؤدى عام، فإنه يمتد إلى الحقوق العينية الأصلية و التبعية, كالرهن و التخصيص, و تلك الامتيازات الخاصة المتصلة بالعقارات.
إن أي تصرف أو عقد, تبادليا كان كالبيع أو ما تفرع عنه من حقوق عينية كالانتفاع و الاستعمال و الحق على الرقبة.. ، أو تلك التي تغير الحقوق العينية العقارية كتمديد مدد الإستفادات من حقوق الانتفاع, أو تلك التي تنهيها, أو أي عقد كاشف لحقوق عينية، أو عقود الصلح متى دارت حول حق عيني تعين شهرها لتنقل إزاء الطرفين و الغير, و نفس الشئ بالنسبة للعقود المنشئة لالتزام من جانب واحد، كالوصية ، و الوقف و الهبة.
و تندرج ضمن نفس الإطار جميع القرارات الإدارية المتصلة بأي من الحقوق العينية العقارية كما تقصده نصوص أخرى, كالمادة 30 من قانون نزاع الملكية، و المادتين 29 و 30 من قانون الأملاك الوطنية فيما يتعلق بمسألة تعيين الحدود و التصفيف الخاصة بالضم إلى الأملاك الوطنية العمومية، و المادة 26 من قانون التنازل عن أملاك الدولة، و المادتين 12 و 13 من القانون 87/19 لـ:08/12/1987.
و رغم ما يكتنف نص المادة 16 المنوه إليها من تعميم، إلا أن النص الموالي لها ( المادة 17) قد أضاف أن لا يكون هناك أثر بين الأطراف كما لا يحتج بها في مواجهة الغير جميع العقود التي تساوى أو تفوق مددها 12 سنة إذا ما لم تكن محل شهر, رغم أنها لا تنشئ أي حق عيني.
بالإضافة إلى النص السابق (المادة 14 من نفس القانون), و بعض مواد المرسوم التنفيذي 76/63 المطبـق لقـانون الشهر العقـاري, و القانون المدني, و قانون الإجراءات المدنية .
ضف إلى ذلك المادة 353/1 من قانون التسجيل المعدلة بالقانون رقم 03/22 المؤرخ فـي: 28/12/2003 المتضمن قانون المالية لعام: 2004 الذي يقتضي إجراء الشهر لتنتقل الملكية في العقارات التي يبت في نزاعاتها بقرارات قضائية نهائية بالتعديل أو التغيير أو الإزالة أو الكشف كالقسمة، أو إسناد الملكية للتقادم, أو ثبوت الشفعة وفقا للمادة 803 من القانون المدني, أو إرساء المزاد وفق المادة: 394 من قانون الإجراءات المدنية…
إن القرارات القضائية النهائية الصادرة عن مختلف الجهات القضائية, و إن لم يفرق المشرع بينها و بين سائرها باعتبارها لها سندات ملكية قد ألزم الموثقون و الموظفون و كتاب أمناء الضبط كل في حدود اختصاصه بإجراء شهرها داخل الآجال التي حددتها المادة 90 من المرسوم 76/63 المطبق لقانون الشهر.
المطلب الثاني:
آثار التصرفات اللازمة الشهر:
أضاف المشروع إلى الأركان اللازمة في عامة العقود بخصوص تلك المنصبة علي العقارات ركنا آخر، يتعلق الأمر بالرسمية (بعد سنة: 1971 كما سنفصله في حينه) و بالتبعية لذلك ألزم باحترام مبدء الأثر الإضافي للشهر (راجع البحث الخاص بذلك) بنص المادة 88 من المرسوم: 76/63 المطبق لقانون الشهر، فحال بهذا المبدء دون إمكانية شهر أي تصرف من غير أن يكون التصرف السابق له مشهر هو الأخر , حماية للغير .
و هنا تكمن الأهمية الكبرى لسن الشهر, استثناء من مبدء سلطان الإرادة، ونية المشرع من وراء قصر آثار القيد دون الشهر على طرفي العلاقة بالتزامات شخصية، هذا إذا لبيا الشكلية المتطلبة لانعقاد العقد ، و مع ذلك وجب الوقوف عند نقطتين هامتين تتصلان بهذا العنوان:
الفرع الأول:
العقود السابقة لتاريخ 01/01/1971
لم يكن يشترط القانون قبل هذا التاريخ وجوب مراعاة الرسمية و الشهر (العقود العرفية)، معتدا بصحة التصرف بين طرفيه أو أطرافه، إلا أنه لا يتولد عنه أي أثر في مواجهة الغير إلا من بعد صبه في طابع رسمي و إجراء الشهر ،و بذلك يصبح مثلا من المستحيل بعد إجراء القيد إعادة الحال إلي ما كانت عليه إذا قام نفس البائع الذي باع للمشتري الأول بإشهار البيع للمشتري الثاني ، ولا تطرح هنا إلا إمكانية المطالبة بالتعويض .
الفرع الثاني:
العقود اللاحقة لتاريخ 01/01/1971
كرس المشرع فعليا ركن وجوب إفراغ التصرف في شكل رسمي غير معتد في ذات الوقت بأي تصرف يختل فيه هذا الركـــن, و بالتالي يعدم إمكانية المخاصمة لأجل إثبات صحة التعاقد العام و يساوي بين الحالتين – ما قبل التعاهد و ما بعده- مع إمكانية الدفع بالإثراء بلا سبب لرد ثمن المبيع.
و مع ذلك فانه مد هذه الحماية التي كفلها للطرفين إلى الالتزام بإجراء شهر التصرف الذي يصير بين يدي الموثق أو الموظف أو كاتب الضبط مباشرة عقب تلقيه رسميا، و تقوم في حال مخالفة ذلك مسؤوليته
أو مسؤولية الدولة بقيام مسؤولية من تقاعس عن هذا الإجراء ، و ذلك ببساطة لأن نقل الملكية التي أرادها المشتري أو من طلبها لا يكون إلا من تاريخ القيد ، و قد يحدث أن يتم التصرف في العين مرتين أو أكثر لأشخاص لا يعلم كل منهم أو بعضهم بالتصرفات السابقة غير المشهرة لغيرهم, فيكون التصرف اللاحق أسبق في القيد من غيره فيتضرر من أبرم التصرف الأول لمصلحته بانتقال الملكية إلي غيره. كبيع ذات العين مرتيــن.
و إذا سلمنا بأن الملكية لا تنتقل إلا من تاريخ القيد فإنه من المتعين القول كذلك بأن التزامات البائع جميعها تقوم بمجرد ذلك, كالتسليم و ضمان منع التعرض و الاستحقاق و العيوب الخفية.
و بالنسبة للحقوق العينية العقارية نجد المشرع يُعمِل القواعد نفسها إذا ما تعلق الأمر بعقود الإيجار المجاوزة لمدة 12 سنة بحسب قانون الشهر بخصوص التصرفات الناقلة للحقوق العينية العقارية كما سبق التنويه إليه في معرض الموضوع الحالي .
المبحث الثاني :
شرط القيد كمرتب للحق و آثاره في مواجهة الغير:
مكن المشرع من كان الحق أو التصرف القانوني لمصلحته من امتياز شرط القيد ليدّعي في مواجهة الغير, سواء أكان مركزه منجرّا عن تصرف قانوني أو واقعة مادية كالتقادم المكسب للملكية أو الالتصاق أو الوفاة, و هذا بعد شهر الدّعوى الدائرة حول الحق المنوه إليه، أو تعرقل التصرف فيه.
و قد جاء في نص المادة 15 من الأمر 75/74 المتضمن قانون المسح العام للأراضي و تأسيس السجل العقاري أن:
” كل حق للملكية و كل حق عيني أخر يتعلق بعقار لا وجود له بالنسبة للغير إلا من تاريخ يوم إشهارهما في مجموعة البطاقات العقارية، غير أن نقل الملكية عن طريق الوفاة يسري مفعوله من يوم وفـــاة أصحاب الحقوق العينية ” .
و بذلك يكون النص الحالي قد اقتصر في استثناءاته على الوفاة، التي يعتد بها وحدها لإعمال الأثر الرجعي لنشوء حقوق الورثة في الملكية عند أي قيد لاحق.
تجدر الإشارة إلى أنه ثار خلاف قضائي و فقهي حاد قبل سنة 2003 حول ضرورة شهر عقد الوعد بالبيع، فذهب اتجاه إلى عدم ضرورة ذلك لاعتبار أن التصرف لا يؤثر على المركز القانوني للعين من جهة، ومن جهة أخرى اعتبار إمكانية الرجوع قبل حلول التاريخ المحدد لإبرام عقد البيع, و كذا أن ذلك لا يؤثر في شئ إذا ما لم يبد أي من الواعد و الموعود له رغبتيهما في التقدم إلى الموثق أو بذل إجراء قضائي لتفعيل الوعد، فتستمر الحالة علي ما كانت عليه دون تغير في صاحب الملكية. فلا داع بذلك لإجراء الشهر .
فيما ذهب الاتجاه الغالب إلى إخضاع الوعد بالبيع إلى ذات أحكام عقد البيع لا نصبابهما على عقار, و هو ما كرسه مجلس الدولة بقراره: 004983 لتاريخ: 15/07/2002 – مجلة الدولة عدد 3 لسنة 2003 الصفحة 155- إذ اعتبر أن الوعد بالبيع إذا لم يراع الشهر فلا يحتج بـه في مواجهة الغير، و هو الموقف الذي اتخذه المشروع بقانون المالية لسنة 2004.
المطلب الأول:
مدى نفاذ التصرفات و الإجراءات القانونية في حق الغير :
لقد حسم كل من القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية و كذا قانون الشهر مسألة جواز الاحتجاج بالحق في مواجهة الغير، معتبرة كلها ذلك لا يمكن قيامه إلا من تاريخ القيد. كالتصريح بالشفعة الذي لا ينفد في حق الغير إلا من تاريخ تسجيل الرغبة فيها (الشفعة)، فبذلك يمكن أن يكون التصرف الحاصل لغير الشفيع محلا للإبطال.
كذلك تسري آثار القيد في الحيلولة دون التصرف في الشئ المحجوز عليه بالنسبة للحجوز العقارية سواء عن طريق الإيجار أو البيع و تلقي الإيرادات و الأجور، و أيضا مثل عدم نفاذ الحوالات و المخالصات بالأجرة متى زادت عن ثلاث سنوات في حق الدائن المرتهن إلا في حالة ما إذا تم تسجيلها سابقة عن قيد الرهن طبقا للمادة 897 القانون المدني.
كما أوقف المشروع بالمرسوم 76/63 المطبق لقانون الشهر قبول العرائض الهادفة إلى الحكم بالفسخ أو الإبطال أو نقض الحقوق الناتجة عن وثائق مشهرة ، و ذلك بموجب المادة 85 منه، إذ يثبت هذا الشهر بشهادة من المحافظ العقاري (راجع الموضوع الخاص بذلك).
أما فيما يتعلق بالشرط الذي تم على أساسه الفسخ أو الإلغاء أو الإبطال الواقع للحقوق المشهرة, فإن عدم إشهاره يجعله غير سار تماما, كالحكم المؤسس عليه قِبَـلَ الخلف الخاص لصاحب الحق، فإذا افترضنا أن عقد البيع أًبرم بتاريخ: 27/12/2006 من “أ” إلى “ب” و تم شهره في: 02/01/2007، تم تعاقد “أ” مع “ب” من جديد على أن لا يتصرف بالبيع و لا بغيره من التصرفات في العقار المبيع بتاريخ 04/01/2007 و تصرف “ب” ببيع العقار نفسه إلى “ج” في 06/01/2007 قام “أ” و “ب” بشهر العقد الثاني المانع للتصرف الذي أبرماه، فإنهما لا يمكنهما أن يطالبا “ج” برد المبيع و استلام الثمن لأن الشرط أسبق من البيع الأخير، إذ يمكن لـ “ج” أن يدفع حينها بأن الشهر هو الذي يرتب آثار الشرط الذي تعاقد “أ” و “ب” من أجله معتمدا على ما تحميه به المادة 87 من المرسوم 76/63 المطبق لقانون الشهر .
أما فيما يتعلق بمصير الدعاوى غير المشهرة فإن مجلس الدولة بقراره رقم 2160 المؤرخ في 08/10/2001 المنشور على الموقع [Link nur für registrierte Benutzer sichtbar] رتب عدم قبول الدعاوى الدائرة حول حقوق كانت مشهرة، و رغم صواب ما ذهب إليه ، فإن الغريب أن الغرفة العقارية للمحكمة العليا استثنت من هذا الشرط- و بالتالي من هذه النتيجة – العرائض الافتتاحية الدائرة حول العقارات المتواجدة بالأماكن التي لم تكن خاضعة للمسح. ولا ندري ما العبرة من اعتماد معيار المسح في ذلـك.
المطلب الثاني :
شرط القيد لوجود الحق العيني قبل الغير
ترتيبا على ما سبق عرضة تحت العنوان السالف, يمكن التساؤل حول إشكالية هامة و هي:
هل أن المشرع الجزائري قصد تخويل القيد مطلق القوة الإثباتية أم أنه أجاز الطعن فيه؟ و كذا: ماذا يمكن أن يترتب عن القيد عند الاعتداد بالأثر الرجعي في حالة الوفــاة؟
اشترط القانون ضرورة الإثبات بالقيد على كل مدع ملكيته لحق عيني بموجب واقعة مادية, كالتقادم المكسب أو الالتصاق بالعقار التي أجازها القانون المدني للحصول على الملكية, شأنه شأن المرسوم: 83/352 المؤرخ في: 21/05/1983 المتعلق بإعداد عقود الشهرة, المتضمن الاعتراف بالملكية.
فضلا عن المادة 39 من قانون التوجيه العقاري التي تخص تسليم شهادة الحيازة .
يشترط أن يفرغ التقادم المكسب للملكية في تصرف قانوني, مثل عقد الشهرة الذي يعده الموثق أو القرار القضائي الذي يتضمن اكتساب الملكية بهذه الطريقة، أو شهادة الحيازة المحصلة من البلدية ( و هنا تجدر الإشارة إلي أن شهادات الحيازة المسلمة من قبل البلدية لا تعد سند ملكية و إنما تعتبر وثيقة للإكساب بالتقادم عند مسح الأراضي) و يجدر التنوية إلى أن المادة 827 و المواد التالية لها من القانون المدني تضع حدا للإكساب بالتقادم في المناطق التي يكون فيها القيد لاحقا للمسح, مع إمكان ذلك فيما كان سابقا للمسح أو وقت القيد الأول, شريطة أن يحصل إفراغه في تصرف قانوني كما تم تبيانه أعلاه.
هناك إشكال يثور حول إمكانية تملك الحق الذي يشهر بعد القيد الأول عن طريق الحيازة ، سواء أخرج العقار من تحت يد مالكه إلى غيره فاستمر حائزا له للمدة التي تجيز الكسب بالتقادم في مقابل اعتبار الملكية أبدية بعد القيد كما هو معروف…
تكتسب الملكية بالتقادم بحسب المواد من 823 إلى834 و كذلك جميع الحقوق العينية العقارية الأصلية و تزول بعدم الاستعمال .
و استثنت الأراضي الممسوحة بالمادة الأولى من المرسوم 83/352 المؤرخ في 21/05/1983 المتعلق بإعداد الموثوق لعقود الشهرة, أي أنه خص فقط الأراضي التابعة للخواص دون غيرهــا.
كما يثور الإشكال أيضا حول قابلية الإدعاء للمطالبة بتقرير الملكية على أساس التقادم لأرض مندرجة ضمن مناطق ممسوحة تحصل صاحبها على وثائق.
إنه من غير الجائز اكتساب الملكية حيث ذلك لخضوع الدعوى هنا إلى ذات أحكام إعداد عقد الشهرة.
إذا أخدنا بمبدأ الشهر العيني نجد كثيرا من التشريعات تمنح القيد الأول قوة إثباته مطلقة لا تطرح مع وجودها مسألة الاكتساب بالتقادم.
لكن القانون الجزائري على خلاف ذلك سلك مسلكا أخر جاعلا بإمكان كل من له مصلحة أن يطعن في قرارات المحافظ العقاري كموظف, و ذلك أمام القضاء الإداري وفقا لنص المادة 7 من قانون الاجراءات المدنية مع احترام قواعد الاختصاص المقررة.
نصت المادة 15 من المرسوم 76/63 المطبق لقانون الشهر على أجل رفع الدعوى – تحت طائلة سقوط إمكانية رفعها – كاستثناء وحيد عن الأثر المطهر للقيد و القوة الاثباتية للقيد النهائي عند للجوء إلى القضاء لإعادة النظر في الحقوق التالية للعقد الأول .
و ينجلي – تفسيرا لذلك – عدم أخذ المشرع الجزائر بمطلق القوة الإثباتية للشهر بإجازته الطعن بإلغاء القيد أمام القيد لكن من تاريخ العلم بالقيد حسب الأحكام العامــة.
أما في ظل نظام الشهر العيني فلا يمكن الطعن و إنما فقط المطالبة بالتعويض بدعوى القضاء الكامل.
لا يمكن الإدعاء بالملكية بسبب الالتصاق ما لم يتم شهر السند الذي يثبت ذلك على ان يخرج ذلك عن الأراضي الممسوحة تحت طائلة افتقار القيد لقوته الإثباتية .
و قد نظمت الالتصاق بالمواد 778 ق م و ما يليها سببا لتقرير الملكية سواء اتصل ذلك بتغيير الحدود أو إنشاء حق عيني معين لصالح الخواص ، أو إلحاق ملكية خاصة بالأملاك الوطنية، مهما كان مصدر الفعل (أي الإنسان أو الطبيعة)، كما تضمنت ذلك مواد كثيرة من المرسوم: 76/63 المطبق لقانون الشهر, و المادة 15 من الأمر: 75/74 المؤرخ في: 12/11/1975 المتضمن قانون المسح العام للأراضي و تأسيس السجل العقاري.
لكن الغرفة العقارية كانت قد حسمت مسألة كون ” الدفاتر العقارية الموضوعية على أساس مجموعة البطاقات العقارية البلدية و مسح الأراضي المحدث، تشكل المنطلق الوحيد لإقامة البينة في نشأة الملكية العقارية … ومن الثابت قانونا كذلك أن الدفتر العقاري هو الدليل الوحيد لإثبات الملكيـة العقارية ” (راجع المجلة القضائية لسنة 2001 الصفحة 249 ) .
بعد تطرقنا لكل من التصرفات القانونية و ثانيا إلى أحكام انتقال الملكية بناء على وقائع مادية و دور القيد بشأنها.. تعين أخيرا التطرق إلى الوفاة كواقعة مادية مكسبه للملكية عن طريق الميراث أو الوصية كتصرفين مضافين إلى ما بعد حصول واقعة الموت, وفقا لأحكام القانون المدنــي.
استثناء من آثار عدم الرجعية بالنسبة للقيد نجد المادة 15 من الأمر: 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن قانون المسخ العام للأراضي و تأسيس السجل العقاري تجعل من الإمكان الرجوع بالآثار إلى تاريخ الوفاة شريطة أن يسعى الوارث أو الموصى له أو هما معا للحصول على شهادة رسمية موثقة تتضمن انتقال الحق و قيده بمجموعة البطاقات العقارية طبقا للمادتين 39 و62 من المرسوم 76/63 المطبق لقانون الشهر العقاري, و هو ما كرسته المادة 91 من نفس المرسوم بجعلها “كل انتقال أو إنشاء أو انقضاء لحقوق عينية عقارية بمناسبة أو بفعل الوفاة يجب أن يثبت بموجب شهادة موثقة ” .
و سطرت المادة 99 من المرسوم 76/63 المطبق لقانون الشهر العقاري أجلا للوارثين أو الموصين لهم قدره 6 أشهر بعد الوفاة, تحت طائلة عدم اعتبار القيد شرطا كاشفا, لينفذ التصرف في مواجهة غيرهم ، فتقع مسؤوليتهم المدنية إذا أضر تقاعسهم هذا بالغير, كما لا يمكن نتيجة لذلك أن يشهروا تصرفاتهم تطبيقا للأثر الإضافي للقيد و لا يمكنهم أن يحتجوا بما ينجر عن نظام القيد العيني من الضمانات لصالح ذوي الحقوق العينية التي تم شهرها لتصير تصرفاتهم ناجزه في الحقوق المترتبة عن الميراث بعد الوفاة .
الخــــاتمة:
يمكن القول أخيرا أن المشرع الجزائر قد وفق كثيرا بأخذه بنظام الشهر العيني، و إعطائه أثرا منشئا للقيـد، و العلة من كل ذلك الضمان الأقصى و تحقيق المرونة في تأميـن المعامـلات بيـن المتعاملين في العقـارات أو علاقتهم بالغير من زاوية المسؤولية، رغم الفواصل و الفراغات التي تتخلل أحكام المشرع في إطار القوة الإثباتية للقيد، وكذا استثناء المناطق الممسوحة من إمكانية اكتساب الملكية بطريق التقادم، و هذه الانتقادات على قلتها لطبيعة الموضوع الحالي، تجعل المشرع أمام ضرورة سن نصوص لسدها, و إثراء المكتبة التشريعية العقارية التي تسرح أيدي القضاء في الفصل و عدم التراوح بين مختلف المفاهيم التي يصير إليها بتأويل نصوص متفرقة قد تنزل إلى مرتبة التناقض حول ذات المواضيع.
دراسة قانونية و بحث عن القوانين العقارية الجزائرية
بارك الله فيكم صفحة ممتازة