جدال حول عقوبة الإعدام بالقوانين المختلفة
يتجدد الجدل السياسي والإعلامي حول مسألة عقوبة الإعدام التي تعد وبحسب بعض الخبراء من القضايا الخلافية الشائكة والمعقدة التي اثارت العديد من الخلافات خصوصا وانها بحسب بعض الآراء مخالفة للعديد من الاتفاقيات الدولية التي تحرم تقييد عقوبة الإعدام. وهو ما يرفضه البعض الاخر لأسباب مختلفة منها الدفاع عن حق الضحايا وكونها عقوبة رادعة ستسهم بالحد من انتشار الجرائم. هذا الجدل تجدد بعد ان قامت السلطات الإندونيسية بتنفيذ أحكام الاعدام بحق ثمانية من مهربي المخدرات بينهم سبعة أجانب وهو ما اثار حالة من الاستياء والغضب لدا بعض الحكومات خصوصا وانها قد سعت الى تقديم التماسات لإنقاذ أرواح مواطنيها، هذا الامر وبحسب بعض المراقبين ربما سيؤدي الى حدوث خلافات وازمات سياسية جديدة.
من جانب اخر استمرت العديد من الدول بتطبيق هذا القانون على الرغم من المناشدات الكثيرة التي قدمتها المنظمات الحقوقية والانسانية، وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية بشأن عقوبات الإعدام المنفذة عام 2014 فإن الصين وإيران والمملكة العربية السعودية تصدرت الدول التي نفذت فيها العدد الأكبر من أحكام الإعدام. واشار التقرير إلى أنه من الصعب معرفة عدد الذين أعدموا في الصين بسبب تستر السلطات الصينية على هذا العدد، غير أنه قال أن الآلاف من الأشخاص يعدمون سنوياً في هذا البلد. ومن المعروف أن الصين دأبت على تنفيذ أحكام الإعدام بحق أتراك الأويغور. وحسب التقرير فإن إيران تلت الصين، حيث أعدم فيها 289 شخصاً ، فيما أعدم في السعودية 90 شخصاً و في العراق 61 شخصاً وفي الولايات المتحدة الأمريكية 35 شخصاً. وأوضح التقرير أنه بإستثناء معطيات الإعدامات في الصين، فقد أعدم 607 أشخاص في عموم العالم خلال عام 2014 ، ولفت الأنظار إلى تصاعد عقوبات الإعدام في مصر ونيجيريا خلال الأعوام الأخيرة.
إندونيسيا
وفي هذا الصدد فقد نفذت في إندونيسيا أحكام إعدام ثمانية من مهربي المخدرات بينهم سبعة أجانب وأدانتها على الفور أستراليا والبرازيل اللتان قدمتا التماسات يائسة أخيرة لإنقاذ أرواح مواطنين استراليين وبرازيلي. ويعزز الإعدام الجماعي رميا بالرصاص النهج الصارم في تنفيذ العقوبة الذي تبناه الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في إطار حربه على المخدرات وقوبل بانتقادات من الأمم المتحدة التي وصفته بأنه ينطوي على ازدواجية في المعايير. وأعدم أربعة نيجيريين وأستراليان وبرازيلي وإندونيسي في منطقة قريبة من السجن فيما أضاء أقاربهم الشموع على مقربة من المكان.
وقال النائب العام في إندونيسيا الجنرال اتش.ام براستيو للصحفيين في تشيلاكاب قبالة جزيرة نوساكامبانجان في جاوة الوسطى حيث يوجد السجن “أعدم كل الثمانية في نفس اللحظة.” ولم تعدم فلبينية كانت ضمن المجموعة المحكوم عليها بالإعدام في اللحظة الأخيرة في إطار اتفاق على ما يبدو بين جاكرتا ومانيلا للسعي للحصول منها على مزيد من المعلومات لملاحقة عصابات المخدرات التي تنشط في المنطقة.
وتعارض استراليا والبرازيل عقوبة الإعدام وبذلتا جهودا ضد مسعى ويدودو لتسريع وتيرة أحكام الإعدام منذ أن تولى السلطة في يوليو تموز بعد أن توقف تنفيذها خمس سنوات. وأعلنت أستراليا استدعاء سفيرها في جاكرتا وهي خطوة اتخذتها البرازيل بالفعل بعد إعدام سجين برازيلي آخر في يناير كانون الثاني. وتدرس الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية الآن خطوات أخرى لاتخاذها.
وهونت إندونيسيا من شأن الرد الدبلوماسي الأسترالي. وتربط أستراليا علاقات تجارية وسياسية قوية مع جارتها إندونيسيا وقالت إن أحكام الإعدام لن تؤثر على العلاقات التجارية. وستكون البرازيل أيضا حذرة قبل أن تعرض عقود الدفاع الثمينة للخطر. وقال تشارلي بوروز وهو مستشار ديني للمدان البرازيلي وكان مع السجناء قبل إعدامهم إن جميعهم رفضوا تعصيب أعينهم قبل إطلاق النار عليهم.
وانتقد روبرت كولفيل المتحدث باسم حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جنيف تطبيق إندونيسيا لعقوبة الإعدام. وقال “تطلب إندونيسيا العفو عندما يواجه مواطنوها الإعدام في دول أخرى لذا ليس مفهوما لماذا ترفض تماما منح العفو عن جرائم أقل على أراضيها.” ونادرا ما تقدم أستراليا على خطوة استدعاء السفير ولم تفعل ذلك قط من قبل بسبب إعدام سجين. بحسب رويترز.
وقال توني أبوت رئيس الوزراء الأسترالي للصحفيين في كانبيرا “نحترم سيادة إندونيسيا لكننا نأسف لما حدث ولا يمكن أن يستمر العمل كالمعتاد. “أريد أن أؤكد أن العلاقة بين أستراليا وإندونيسيا مهمة للغاية لكنها تضررت نتيجة ما حدث خلال الساعات القليلة الماضية.” لكنه حذر من أي تبعات على علاقات التجارة والسياحة. وقالت الحكومة البرازيلية في بيان إنها شعرت بالصدمة لدى تلقيها النبأ فهذه هي ثاني مرة يعدم فيها برازيلي في إندونيسيا خلال ثلاثة شهور رغم مناشدات إنسانية شخصية تقدمت بها رئيسة البرازيل ديلما روسيف. وذكرت الخارجية البرازيلية أنها تجري تقييما لعلاقاتها مع إندونيسيا قبل أن تتخذ قرارا بشأن الخطوة التي ستقدم عليها.
الى جانب ذلك دافعت اندونيسيا عن قيامها بإعدام ثمانية محكومين متحدثة عن “حرب” على تهريب المخدرات على خلفية انتقادات دولية شديدة. وقال محمد براسيتيو “نخوض حربا ضد الجرائم المروعة المرتبطة بالمخدرات التي تهدد استمرارية امتنا”. وقلل من شأن قرار استراليا استدعاء سفيرها معتبرا انه “قرار موقت” فيما شدد وزير خارجية اندونيسيا رتنو مارسودي على رغبته في “مواصلة اقامة علاقات جيدة” مع هذه الدولة التي تعتبر احد الشركاء التجاريين الرئيسيين لاندونيسيا. من جهتها ردت فرنسا عبر تأكيد “معارضتها لعقوبة الاعدام في اي مكان وفي اي ظرف”، حسب ما اعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية. كما عبرت فرنسا عن تضامنها مع الدول الاخرى التي اعدم رعايا منها ايضا واكدت انها “تواصل العمل من اجل سيرج عتلاوي الذي لا يزال وضعه مقلقا جدا”.
باكستان
في السياق ذاته قال مسؤولون إن باكستان أعدمت شنقا 15 شخصا وهو أكبر عدد من الاشخاص ينفذ فيهم حكم الاعدام في يوم واحد منذ انهاء تعليق غير رسمي لهذه العقوبة في ديسمبر كانون الاول. ورفع رئيس الوزراء نواز شريف تعليقا لعقوبة الاعدام يوم 17 ديسمبر كانون الاول بعد ان هاجم مسلحون من حركة طالبان الباكستانية مدرسة وقتلوا 153 شخصا معظمهم أطفال. ووضعت أعمال القتل ضغوطا على الحكومة لكي تفعل المزيد للتعامل مع التشدد الاسلامي.
وكان حكم الإعدام ينفذ اصلا في جرائم المتشددين لكن المسؤولين قالوا في وقت لاحق ان العقوبة ستنفذ ضد أي سجين صدر حكم باعدامه. وقال المفتش العام للسجون في اقليم البنجاب فاروق نظير ان 14 شخصا شنقوا في الاقليم بعد ادانتهم في “جرائم بشعة”. وقال مسؤول في اقليم بلوخستان ان شخصا اعدم هناك. بحسب رويترز.
وقالت منظمة (جاستيس بروجكت باكستان) للمساعدة القانونية استنادا الى تقارير اعلامية انه بهذه الاعدامات يصل عدد من شنقوا في باكستان منذ ديسمبر كانون الاول الى 95 شخصا. وظل تعليق حكم الاعدام ساريا منذ تولت حكومة ديمقراطية السلطة من حاكم عسكري في عام 2008.
الصين
من جانب اخر ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية أن محكمة حكمت على رجل بالإعدام لادانته بارتكاب جرائم من بينها قتل واغتصاب امرأة عام 1996 أعدم بسببها شخص آخر بطريق الخطأ قبل تبرئته العام الماضي. واعتقل تشاو تشيهونغ (42 عاما) في 2005 واعترف بارتكاب سلسلة من جرائم الاغتصاب والقتل من بينها جريمة في دورة مياه عمومية في مدينة هوهيهوت عاصمة منطقة منغوليا الداخلية عام 1996 أنحي باللائمة فيها على هوغيلت الذي كان عمره وقتئذ 18 عاما. وأعدم فيما بعد هوغيلت الذي مثل كثيرين من المنغول الصينيين لا يستخدمون سوى اسم واحد فقط . وألغت محكمة في ديسمبر كانون الأول إدانته ومنحت والديه تعويضا. وأمرت المحكمة بالإضافة إلى ذلك تشاو بدفع 102768 يوان(16445 دولارا)تعويضا لضحاياه.
امريكا والحقنة القاتلة
الى جانب ذلك تنظر المحكمة العليا في الولايات المتحدة في دستورية الاعدام بالحقنة القاتلة الذي يثير جدلا حادا في البلد الغربي الوحيد الذي لا يزال يطبق هذه العقوبة. وكانت المحكمة العليا اعتبرت في العام 2008 من خلال قضية “بايز ضد ريس” ان الاعدام بالحقنة القاتلة ليس مخالفا للتعديل الثامن للدستور الذي يضمن الحماية من العقاب “الوحشي وغير المعتاد”.
الا ان المعطيات تغيرت منذ تلك الفترة وبات قرار المحكمة العليا متقادما ويتعين عليها الحسم مجددا في المسالة. فقد تغيرت العقاقير المستخدمة لتنفيذ العقوبة بعد رفض مختبرات طبية لا سيما الاوروبية منها استخدام منتجاتها لغايات الاعدام. وازاء هذا الوضع، قررت الولايات ال32 التي لا تزال تطبق العقوبة استخدام عقاقير جديدة غير مماثلة وشركات تصنيع غير موثقة. وترفض الولايات المعنية الكشف عن مواردها تخوفا من تعرضها للملاحقة القانونية وتعتمد اسلوبا مناقضا لما وافقت عليه المحكمة العليا في 2008.
واوضح ديل بيخ احد المحامين عن المدعين وهم ثلاثة محكومين بالاعدام في اوكلاهوما ان “عمليات الاعدام الفاشلة هذه تمت في جو من التجارب والتسرع من قبل سلطات الولايات المعنية ودون اشراف طبي”. وتوفي دينيس ماغواير في 16 كانون الثاني/يناير 2014 بعد 26 دقيقة اختناقا. وفي 29 نيسان/ابريل توفي كلايتون لوكيت بعد 43 دقيقة امضاها وهو يئن ويتاوه. وفي 23 تموز/يوليو توفي جوزف وود في اريزونا بعد 117 دقيقة مقارنة بعشر دقائق هي المهلة المعتادة.
والقاسم المشترك بين هذه العمليات الثلاث هو استخدام مادة ميدازولام المستخدمة لعلاج القلق والتي لم يرخص باستخدامها في التخدير. وفي كل مرة استخدم العقار في الحقنة الاولى التي يفترض ان تؤدي الى فقدان الوعي قبل حقن المحكوم بالمادة القاتلة. وفي هذا الاطار سيتعين على المحكمة العليا ان تقرر ما اذا كان التعديل الثامن يمنع الولايات من اعدام شخص باستخدام خليط من العقاقير “يمكن ان يسبب له الما مبرحا”، خصوصا عندما يتعلق الامر بمادة اولى ليست مخدرة وليس من المضمون ان “تؤدي الى فقدان الوعي بشكل عميق مثل الغيبوبة”.
ويعتبر المحكومون بالاعدام الثلاثة وهم ريتشارد غلوسيب وجون غرانت وبنجامين كول ان الاعدام بهذا الشكل مخالف للتعديل الثامن لان الميدازولام يؤدي الى “خطر كبير باثارة الالم بشكل لا يمكن احتماله موضوعيا”. في المقابل، تؤكد ولاية اوكلاهوما ان الامر عكس ذلك وان العقار يجعل المحكوم لا يشعر “بالالم الشديد”.
وفي غضون ذلك تم اعدام محكوم رابع يدعى تشارلز وورنر رغم معارضة اربعة قضاة من اصل تسعة في المحكمة العليا. واشتكى خلال اعدامه “اشعر بانني اشتعل”، بعد حقنه بالمادة القاتلة. ويفترض ان تصدر المحكمة قرارها حول اوكلاهوما وحدها وبعد ذلك حول الولايات التي تستخدم الميدازولام او تعتزم القيام بذلك. واعتبرت ديبرا دينو خبيرة كلية الحقوق في جامعة فوردهام ان “المحكمة العليا يمكنها دائما ان تصدر قرارا اوسع حول دستورية الاعدام بالحقنة القاتلة”. بحسب فرانس برس.
وبانتظار صدور القرار، اعلنت عدة ولايات تعليق اي عملية اعدام بينما لجات اخرى مثل تكساس (جنوب) الى مادة بنتوباربيتال المسكنة التي تحصل عليها من مصدر مجهول. وفضلت ولايات اخرى الانتقال الى وسائل اخرى ازاء النقص في العقاقير واحتمال ان تعلن المحكمة العليا ان الاعدام بالحقنة القاتلة مخالف للدستور، وعليه قررت ولاية يوتا (غرب) الاعدام رميا بالرصاص وتينيسي (جنوب) بالكرسي الكهربائي واوكلاهوما المعنية بشكل مباشر قررت الاعدام بغاز الازوت. واضافت دينو انه “امر استثنائي ان تنظر العليا في وسيلة اعدام للمرة الثانية في غضون سبع سنوات”. وتابعت “من الواضح ان العليا لاحظت عدة مشاكل وهذا لا يبدو لصالح عقوبة الاعدام”.
بعد 30 عاما
في السياق ذاته برأت محكمة في الاباما جنوب الولايات المتحدة رجلا امضى حوالى ثلاثين عاما بانتظار تنفيذ عقوبة الاعدام فيه بعد ادانته بقتل شخصين وافرجت عنه. وخرج انتوني راي هينتون البالغ من العمر 58 عاما من محكمة منطقة جيفرسون ليحيي مؤيديه قبل ان يحيط به اقرباؤه غداة اسقاط القاضية لورا بتر كل التهم الموجهة اليه. وقال وهو يمسح دموعه ان “الشمس تشرق من جديد”. واضاف “كانوا ينوون اعدامي لشيء لم افعله (…) ما كان يجب ان امضي ثلاثين عاما في ممرات الموت”. واكد براين ستيفنسون محامي هينتون ان احد اسباب اتهام موكله بجريمتي القتل هو لونه.
واضاف ستيفنسون الذي يرئس منظمة “مبادرة المساواة في العدالة” (ايكوال جاستيس اينيشياتيف) ان “العرق والفقر ومحام غير ملائم والاستهتار بالبراءة الذي اظهره الدفاع تجعل من هذه القضية نموذجا للظلم”. وانتوني راي هينتون هو المحكوم ال152 بالاعدام الذي تتم تبرئته منذ 1973 في الولايات المتحدة والثاني في 2015، حسب ارقام مركز المعلومات عن الاعدام. وهو يعد من السجناء الذين امضوا فترة طويلة بانتظار تنفيذ العقوبة فيه. بحسب فرانس برس.
وفي 1985، قتل اثنان من مديري مطعم للوجبات السريعة في منطقة برمنغهام بالرصاص خلال عملية سطو. ولم يكن لدى الشرطة اي دليل على المذنبين. وفي 25 تموز/يوليو من السنة نفسها، اصيب صاحب مطعم في المنطقة نفسها بجروح طفيفة بالرصاص خلال عملية سرقة. واوقف هينتون (29 عاما) وتعرف عليه صاحب المطعم. وكان الرجل الذي دفع ببراءته من بداية القضية، يعمل عندما وقع السطو على بعد نحو 25 كلم في مستودع. وقد شهد المشرف عليه وزملاؤه في العمل على ذلك، كما اخضع لجهاز كشف الكذب وجاءت النتيجة لمصلحة براءته. وقالت المنظمة نفسها ان كل الاتهام الذي بناه مدع معروف “باحكامه العنصرية المسبقة” يرتكز على العثور على سلاح لدى والدة المتهم، قال الخبراء الذين عينتهم الدولة انه استخدم في الهجمات. والعام الماضي الغت المحكمة العليا للولايات المتحدة الحكم بينما امر القاضي بترو بمحاكمة جديدة.
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك
جدال حول عقوبة الإعدام بالقوانين المختلفة