قراءة قانونية في بيان هيئة السوق المالية بإدانة مخالفين
محمد بن عبدالله السهلي
أحدث البيان الذي صدر من هيئة السوق المالية السبت الماضي والمتضمن صدور قرار نهائي من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بإدانة اثنين من المتداولين وآخرين من وسطاء التداول في سوق الأسهم، صدى كبيراً لدى أوساط المتداولين والمهتمين في سوق الأسهم، ما بين ترحيب وانتقاد، وظهرت تساؤلات عدة حول بيان الهيئة. ولعل المتابع لتعليقات القراء في مواقع الصحف الإلكترونية على الخبر وما كتب قي المواقع والمنتديات المتخصصة في سوق الأسهم على شبكة الانترنت يلمس حالة الإحباط الذي أصاب الكثير من واقع السوق ومن جراء الخسائر الكبيرة التي تكبدوها منذ تدهور السوق في فبراير 2006وحتى الآن، واستمرار حالة عدم الثقة في السوق وقرارات الهيئة.
وبيان هيئة السوق المالية حول الإدانة والعقوبات قد ولّد العديد من التساؤلات جلها ترتكز على مسائل قانونية، وتتمحور هذه التساؤلات فيما يلي:
ما هو الأساس القانوني للإدانة والعقوبة؟
ما هو مصير المبالغ المالية التي حكم بها على هؤلاء المدانين بمخالفة أنظمة السوق. وما هي أسس تحديد هذه المبالغ؟
هل التشهير عقوبة نظامية؟
وأخيراً هل هؤلاء المدانون هم فقط الذين خالفوا أنظمة ولوائح هيئة السوق المالية منذ تدهور سوق الأسهم؟
سنحاول في هذا المقال تأسيس بيان الهيئة من الناحية القانونية والإجابة على التساؤلات المطروحة في هذا الشأن.
صدر نظام السوق المالية بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/30) وتاريخ 1424/6/4ليسد فراغاً تشريعياً كبيراً في سوق الأسهم (الأوراق المالية عموماً) فقبل صدور النظام كانت هناك مخالفات وأخطاء كبيرة في آلية عمل السوق ولم يكن ممكناً تجريمها والعقاب عليها لغياب النصوص القانونية المجرمة لها تطبيقاً لقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص). إلا أنه وبعد صدور هذا النظام وتوالي صدور اللوائح التنفيذية له والتي بلغ عددها تسع لوائح تنفيذية، فقد اكتملت البنية التشريعية تقريباً للسوق المالية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هيئة السوق المالية تقترب من الاحتفال بعامها الرابع على تأسيسها، واكتسبت خلال هذه المدة خبرة ونضجاً لا بأس به خاصة مع توفر الدعم الإداري والمالي الكبير لها، لذا أصبح من الممكن القول إن الهيئة واستناداً إلى هذه المعطيات قادرة ومؤهلة على القيام بمهامها في الإشراف والرقابة على عمل السوق، وضبط آلية عمله وفقاً للنظام ولوائحه.
وبعودة إلى قرار اللجنة، فبحسب منطوق البيان فقد تم تأسيس قرار الإدانة على المدانين بمخالفة المادة (49) من نظام السوق المالية، حيث نصت المادة على أنه يعد مخالفاً لأحكام هذا النظام، أي شخص يقوم عمداً بعمل أو يشارك في أي إجراء يوجد انطباعاً غير صحيح أو مضللاً بشأن السوق، أو الأسعار، أو قيمة أي ورقة مالية، بقصد إيجاد ذلك الانطباع أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع أو الاكتتاب في تلك الورقة أو الإحجام عن ذلك أو لحثهم على ممارسة أي حقوق تمنحها هذه الورقة أو الإحجام عن ممارستها، وقد عددت المادة الأعمال والتصرفات التي تعد من أنواع الاحتيال المحظورة.
وفي سبيل الإثبات لوقوع أحد هذه المخالفات وغيرها مما حظرها النظام ولوائحه التنفيذية، فإنه يجوز للمدعي (الهيئة في الحق العام والمتضرر في الحق الخاص) الإثبات في قضايا الأوراق المالية بجميع طرق الإثبات.
ومما يسجل لصالح بيان الهيئة أنه أتى بسابقة حيث تم النص ولأول مرة على تحديد وقت المخالفة وأسهم الشركات التي وقعت المخالفة في تداول أسهمها، وقد ألزم قرار اللجنة المدان الأول بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفات والبالغة حوالي ستة ملايين ريال، مع فرض غرامة مالية عليه قدرها مائة وخمسين ألف ريال. وألزمت المدان الثاني بدفع المكاسب التي حققها والبالغة تقريبا خمسة ملايين وسبعمائة ألف ريال، مع فرض غرامة قدرها مائة وخمسون ألف ريال. كما تقرر إدانة اثنين من الوسطاء بغرامة قدرها مائة ألف ريال وعشرة آلاف ريال على التوالي.
وتساءل البعض ما هو مصير هذه الأموال، هل تذهب لهيئة السوق المال أم أنه يمكن أن يعوض بها الأشخاص الذين تضرروا من هذه المخالفات. فنقول بالنسبة للغرامات المالية فجميعها تذهب لحساب هيئة السوق المالية حيث تعتبر أحد الموارد المالية للهيئة كما نص عليه في المادة (13) من النظام. وأما تقدير مبلغ الغرامة فقد تم النص عليه في الفقرة (ب) من المادة (59) من النظام، حيث أجازت للهيئة أن تطلب من لجنة الفصل في المنازعات إيقاع غرامة مالية على أي شخص مخالف للنظام أو لوائحه، بحيث لا تقل الغرامة عن عشرة آلاف ولا تزيد على مائة ألف ريال عن كل مخالفة، إلا أن البيان لم يحدد عدد المخالفات المدانين بها.
أما المكاسب المالية التي ألزمت اللجنة المدانين دفعها والتي تجاوزت حد عشر مليوناً وثمانمائة ألف ريال، فستحول إيضاً لحساب الهيئة استناداً إلى المادة (59) والتي نصت على العقوبات التي يمكن أن تفرض على المخالفين لأحكام هذا النظام ولوائحه، فمن هذه العقوبات: (تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة، أو إلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة) ويتضح من نص البيان أن اللجنة قررت إلزام المخالف بدفع المكاسب وليس التعويض للمتضررين وهو أمر غريب، فالأولى أن يتم تعويض المتضررين خاصة وأن فترة المخالفة محددة وفي أسهم شركة محددة، لذا يمكن حصر المتضررين والمبالغ من خلال سجلات السوق، حيث إن النظام يلزم أن تثبت جميع صفقات البيع والشراء في سجلات السوق، كما أنه يمكن الرجوع إلى سجلات مركز إيداع الأوراق المالية في الهيئة وهي الجهة الوحيدة في المملكة المصرح لها بمزاولة عمليات إيداع الأوراق المالية المتداولة في السوق ونقلها وتسويتها ومقاصتها وتسجيل ملكيتها كما نص على ذلك النظام، لذا فإنه يسهل معرفة كل المتضررين والمبالغ التي خسروها وإلا كيف استطاعت لجنة الفصل في المنازعات تحديد المبالغ التي يتعين على المدانين دفعها بهذه الدقة.
وبما أن اللجنة أدانت المضاربين بمخالفة المادة (49) فكان من الممكن إشعار المتضررين للمطالبة بالتعويض تأسيساً على المادة (57) والتي تنص على أن أي شخص يخالف المادة (49) من النظام أو أياً من اللوائح يكون مسؤولاً عن تعويض أي شخص يشتري أو يبيع الورقة المالية التي تأثر سعرها سلباً بصورة بالغة نتيجة لهذا التلاعب، وذلك بالقدر الذي تأثر به سعر شراء أو بيع الورقة المالية من جراء تصرف ذلك الشخص.
ويتم تحديد مبلغ التعويض على أساس الفرق بين السعر الذي دفع بالفعل لشراء الورقة المالية (السهم) على ألا يتجاوز السعر الذي عرضت به على الجمهور، وبين قيمة السهم في تاريخ إقامة الدعوى، أو السعر الذي كان من الممكن التصرف في السهم قبل رفع الدعوى أمام اللجنة.
وحول عقوبة التشهير بالمخالفين فلم تنص أي مادة من مواد النظام أو اللوائح التنفيذية على هذه العقوبة، فالمادة (59) من النظام نصت على مجموعة من العقوبات وجاءت على سبيل الحصر، ولم يرد من بينها عقوبة التشهير بالمخالفين وهو أمر يحتاج إلى توضيح من الهيئة حول الأساس القانوني لهذه العقوبة إعمالاً لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. وسنتذكر في هذا المقام أن المستشار القانوني للهيئة قد أكد في ندوة عقدت بالغرفة التجارية في الرياض بتاريخ 1427/5/9بعنوان (الآثار القانونية للتعامل في سوق الأسهم السعودية) أن الهيئة تدرس مشروع لائحة تتضمن نصاً يمكِّن مجلس الهيئة من التشهير بالمخالفين بمجرد صدور قرار نهائي من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، إلا أنه وبحسب ما نشر في صحيفة الرياض (1427/5/12) فقد عبر عدد من مسؤولي الهيئة عن مفاجأتهم لتصريح المستشار القانوني للهيئة، وأكدوا عدم وجود مثل هذا التوجه للهيئة بإصدار لائحة تتضمن عقوبة التشهير، بل إنها كانت مجرد دراسة على أجندة أعمال الإدارة السابقة للهيئة ولم يتم البت فيها. وهذا دلالة أكيدة على عدم وجود نص قانوني على عقوبة التشهير.
وعلى أية حال نحن نتفق مع عقوبة التشهير بالمخالفين والإفصاح بأسماء المتلاعبين تحقيقاً للردع وحتى يتمكن المتضررون من المطالبة بالحق الخاص لهم، إلا أن ذلك يتطلب حتماً تعديل النظام بإدراج هذه العقوبة من ضمن العقوبات التي تم النص عليها في المادة (59).
وإجمالاً فقد أتى هذا البيان والقرار الصادر بإدانة متداولين ووسطاء تداول في سوق الأسهم ليسلط الضوء على قدرة قوانين السوق في رد بعض الثقة للسوق متى ما طبق، إلا أنه يبقى سؤال يطرح وبشكل ملح ويحتاج إلى جرأة وشفافية في الإجابة عليه، وهو أنه منذ انهيار سوق الأسهم في فبراير 2006وحتى الآن لم يتم الإعلان إلا على مخالفات وعقوبات في 7قضايا فقط، وهو أمر يبعث إلى الحيرة بالفعل، فهل هؤلاء هم فقط الذي خالفوا أنظمة السوق، وهل هؤلاء هم فقط من تسبب في خسارة الآلاف من المواطنين لمدخراتهم وقلب حياتهم رأساً على عقب، الجواب حتماً لا، إذاً لماذا فلت كبار المضاربين (الهوامير) من العقاب رغم ارتكابهم مخالفات كبيرة أدت إلى كسبهم مليارات الريالات من المواطنين البسطاء بدون وجه حق أو مسوغ قانوني، ويمكن الاستدلال على هذه المخالفات من الناحية الفنية عن طريق مركز إيداع الأوراق المالية وسجلات السوق، فكم علّق الكثير فإن مشكلة سوق الأسهم لن تحل بعقاب شخص أو شخصين حققوا مكاسب بستة ملايين أو عشرة ملايين، بل بتطبيق قوانين سوق المال على جميع المخالفين بلا استثناء وليس فقط البحث على كبش فداء وذر الرماد في العيون، في حين أن من تسبب في خسارة آلاف المواطنين لمدخراتهم وتحميلهم قروض البنك لسنوات طويلة هم في مأمن من الوقوع تحت طائلة القانون والعقاب.
@ باحث قانوني
[email protected]
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك
إدانة المخالفين في سوق الأسهم في ضوء النظام السعودي