الإجراءات الواجب اتخاذها للحصول على الضمان

أولا : فحص المبيع و إخطار البائع

يتضح من خلال المادة 380 ق.م.ج /1 أن المشترى عليه المبادرة بإخطار البائع بالعيب فور كشفه، لأن السياسة التشريعية في ضمان العيب تقتضي عدم التراخي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإثبات العيب و المبادرة إلى رفع دعوى الضمان، وبالتالي حتى يتمكن المشترى من رجوعه على البائع بضمان العيب، عليه أن يخطر البائع بهذا العيب من وقت كشفه له حتى يتمكن هذا الأخير إما تغيير المبيع أو إصلاح العيب.

– ماهية الإخطار و شكله و مدته:

الإخطار هو عمل إجرائي ينقل به البائع تذمر المشترى، من كون المبيع يحتوى على عيب معين يجعله غير مطابق للمنفعة المرجوة منه، و غالبا ما يكون مقدمة لدعوى قضائية،

و بالنسبة لشكل الإخطار فالقانون الجزائري لم يشترط فيه شكلا معينا، بل يكون بأي شكل، و بالنسبة لمدة الإخطار فالمشرع لم يحدد مهلة معينة بل جاء بالصيغة التالية في المادة 381 أي يكون الإخبار بالعيب في المبيع في الوقت الملائم أو في أجل مقبول حسب المادة 380/1.

أما في الفقه الإسلامي فهناك خلاف حول تحديد مهلة الإخطار، فالمذهب الحنفي لم يحدد مهلة للإخطار و اعتبر السكوت الطويل بمثابة قبول العيب، أما المذهب المالكي فيحدد مهلة الإخطار بيومين، أما المذهب الشافعي فأوجب أن يتم الإبلاغ فورا إلا في حالة التأخر المشروع.

أما القانون اللبناني: فيحدد مهلة الإخطار بـ07 أيام و هذا ما يتضح من المادة 446 قانون الموجبات اللبناني و نصعا كالآتي : ” إذا كان المبيع من المنقولات، غير الحيوانات، وجب على المشترى أن ينظر إلى حالة المبيع على إثر استلامه

و أن يخبر البائع بلا إبطاء في خلال 7 سبعة أيام التي تلي الاستلام عن كل عيب يجب على البائع ضمانه”.

أما المشرع الجزائري ـ كما سلف القول ـ فلم يحدد مهلة للإخطار، وهذا ما أخذ به أيضا المشرع المصري في المادة 449 ق م مصري.

ملاحظــة:

إن النقطة التي تتلاقى فيها جميع التشريعات هي : إن على المشترى أن يتحقق من حالة المبيع عند استلامه و أن يخطر البائع بذلك، و إذا لم يتم الإخطار في وقت معين، اعتبر المبيع غير معيب أي اعتبر المشترى راضيا بالعيب و سقط عن البائع الالتزام بالضمان حتى و لو لم تكن دعوى الضمان قد تقادمت بانقضاء سنة التقادم لو وقع الإخطار.

و خلاصة القول، أن على المشترى أن يفحص المبيع فور تسلمه إياه إذا كان من الأشياء التي يمكن تبين العيب بها
و أن يخطر البائع بذلك في مدة معقولة، و تقدير هذه المدة مسألة موضوعية مخولة لسلطة قاضي الموضوع، أما إذا كان العيب من النوع الذي لا يظهر إلا بطريق الاستعمال العادي، فلا يسقط حق المشترى في الضمان حينئذ إلا إذا كشف العيب فعلا.

ثانيا: رفع دعوى ضمان العيوب الخفية

بعد فحص المبيع و إخطار البائع بالعيب في فترة معقولة و لم يجد الإخطار، كان للمشترى الحق في رفع دعوى الضمان خلال سنة من وقت تسلم المبيع تسلما فعليا لا حكميا، لأن في التسلم الفعلي تنتقل حيازة المبيع إلى المشترى حيث يتمكن من فحص المبيع و الإطلاع عليه، و لعل تحديد هذه المدة سنة واحدة من وقت التسليم، تبررها اعتبارات معينة تقوم على أساس تأمين الاستقرار في التعامل و بعث الثقة فيما بين المتعاقدين،

وحتى لا يبقى البائع أيضا مهددا بموجب الضمان لمدة طويلة، مما يؤثر على استقرار المعاملات و تجيز المادة 383/1 مدني جزائري الاتفاق على مدة أطول من السنة حيث نصت : “…ما لم يلتزم البائع بالضمان لمدة أطول “.

أما إذا تعمد البائع إخفاء العيب غشا منه، فلا تسقط دعوى الضمان هاته إلا بمرور 15 سنة من وقت البيع، أي طبقا للقواعد العامة.

ثالثا: آثار هذه الدعوى

كما سبق القول، فإن المشترى بعد إخطاره للبائع، يجب عليه أن يرفع دعوى الضمان و هذه الدعوى تتمثل إما في حق الفسخ في كل المبيع أو في جزء منه، أو في المطالبة بالتنفيذ العيني (أي استبدال الجزء المعيب بآخر سليم)، و لكن هذا التنفيذ العيني لا يخل بحق المشترى في طلب تعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب وجود العيب.

و بالرجوع للمادة 381/1 ق.م.ج “إذا أخبر المشترى البائع بالعيب الموجود في المبيع في الوقت الملائم، كان له الحق في المطالبة بالضمان وفقا للمادة 376” و يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع يقرب بين ضمان العيب الخفي وضمان الاستحقاق، فوجود العيب ينقص من الانتفاع بالمبيع ويكون المبيع بالتالي قد استحق جزئيا من حيث استعماله إلا أنه مع ذلك يجب التفرقة بين ضمان العيب الخفي و ضمان الاستحقاق.

إن الإنقاص في حالة الاستحقاق الجزئي يرجع إلى سبب خارج عن المبيع و هو الحق الذي يدعيه الغير على المبيع.

أما الإنقاص في حالة العيب الخفي يرجع إلى الشيء ذاته فاستنادا إلى المادة 381 التي تحيلنا إلى المادة 376حيث نجد الفقرة الأولى منها تعرض حالة الاستحقاق الجزئي الجسيم قياسا على العيب الخفي الجسيم، و الفقرة الثانية من المادة 376 تعرض لحالة “الاستحقاق الجزئي غير الجسيم قياسا على العيب الخفي غير الجسيم”.

الحالة الأولى : حالة العيب الجسيم

معيار العيب الجسيم هو العيب الذي لو علمه المشترى وقت البيع لما أقدم على الشراء، ومتى كان الأمر كذلك رد المشترى المبيع و ما أفاد منه من ثمار إلى البائع و في مقابل ذلك يطلب تعويضا شاملا لكافة العناصر التي استعرضتها المادة 375 ق.م.ج و هذا في حالة ما إذا اختار دعوى الضمان، أما إذا اختار المشترى دعوى الفسخ، فله أن يسترد الثمن الذي دفعه للبائع و ليس قيمة المبيع عند ظهور العيب، وله أن يطالبه أيضا بالتعويض إن كان له محل.

و المشرع اللبناني أورد في المادة 455 موجبات لبناني: إن المشترى لا يحق له الاسترداد و لا خفض الثمن إذا كان غير قادر على رد المبيع في الأحوال التالية:
* إذا كان المبيع قد هلك بقوة قاهرة أو بخطأ المشترى، أو من أشخاص هو المسئول عنهم.
* إذا كان المبيع قد سرق أو انتزع من المشترى.
* إذا حول المشترى المبيع إلى شكل لم يبق معه صالحا لما أعد له في الأصل.

الحالة الثانية: حالة العيب غير الجسيم

معيار العيب غير الجسيم هو متى لم يبلغ حدا من الجسامة بحيث لو علمه المشترى لأقدم على الشراء، لكن بثمن أقل فالمشترى في هذه الحالة ليس له رد المبيع، و إنما له أن يطالب البائع بتعويض عما أصابع من ضرر بسبب العيب،

أي يطالبه بالفرق بين قيمة المبيع سليما و قيمته معيبا، و بمصروفات دعوى الضمان، أي بوجه عام عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، فإن أمكن إصلاح العيب، طالب المشترى البائع بإصلاحه بدلا من التعويض، المادة 376 ق.م.ج .

فإن هذا التعويض إذا ثبت للمشترى، فإنه قد يزيد أو ينقص تبعا لما إذا كان البائع سيء النية أو حسن النية (أي عالما بالعيب أو غير عالم به) فإن كان عالما به فإنه يسأل عن كل الضرر، الضرر المباشر و الضرر غير المتوقع أما إذا كان حسن النية، فإنه لا يسأل إلا عن الضرر المباشر المتوقع فقط.

رابعا : سقوط حق المشترى في الرجوع بالضمان

يسقط حق المشترى في الضمان في إحدى الحالات التالية:
أ ـ بالتقادم أي بمرور سنة من يوم تسلم المبيع تسلما فعليا، إلا في الحالات التي أشرنا إليها سابقا، و لم يصف المشرع الجزائري في المادة 383 التسليم الذي تبدأ منه سقوط الدعوى، إلا أن الغالبية العظمى من الفقه ترى أنه التسليم الفعلي لأن الوقت الذي يمكن معه للمشترى إجراء فحص المبيع على الوجه الذي يمكنه كشف العيب،

و يلاحظ أن مدة التقادم تبدأ من وقت التسليم بصرف النظر عن وصول المشترى إلى كشف العيب الموجب للضمان أو عدم وصوله إلى ذلك ولم يشأ الشارع أن يربط بين اكتشاف العيب و سريان التقادم كما كان ذلك في النصوص المدنية المصرية السابقة.

و قد اختار المشرع الجزائري و على غراره المشرع المصري حلا يوفق بين الطرفين و يحقق استقرار التعامل، إذ جعل مدة التقادم سنة من يوم تسليم المبيع، لكن لا يستطيع البائع أن يتمسك بهذه المدة لتمام التقادم إذا أثبت المشترى أنه تعمد إخفاء العيب غشا منه، فهنا مدة التقادم تصبح 15 سنة من يوم انعقاد البيع و ليس من وقت التسليم.

ب ـ إهمال المشترى فحص المبيع في الوقت المناسب أو عدم المبادرة إلى إخطار البائع لدى كشفه العيب، لأن إهمال المشترى في فحص المبيع أو تقصيره في إخطار البائع يعتبر راضيا بالمبيع، المادة 380/1 ق.م.ج المادة 449 ق مدني مصري، المادة 446 قانون الموجبات اللبناني .

ج ـ هناك بعض البيوع يسقط فيها حق الضمان و هي البيوع القضائية و الإدارية التي تتم بالمزاد و هذه النقطة ذكرناها في البداية.

د ـ التصرف في المبيع بعد كشف العيب (أي نزول المشترى عن حق الضمان صراحة أو ضمنا).

ه ـ زوال العيب “تسقط دعوى الرد (الضمان) إذا زال العيب قبل إقامة دعوى الفسخ أو دعوى تخفيض الثمن أو في أثنائهما، و كان العيب بطبيعته مؤقتا و غير قابل للظهور ثانية).

الـخاتـمـــــــــــة:

تجدر الإشارة إلى أن هذه الضمانات و الالتزامات الملقاة على عاتق البائع، هي في الأصل ضمانات قانونية، و هناك بالمقابل ضمانات أخرى اتفاقية،

و يختلف مضمون الضمان القانوني عن نظيره الضمان الاتفاقي من حيث الطبيعة فبالنسبة للضمان القانوني يستطيع المشترى رد المبيع و المطالبة بالتعويضات الكاملة أو الاحتفاظ بالمبيع و طلب التعويض عن العيب، أو إنقاص الثمن بقدر ما أصابه من ضرر بسبب العيب، هذا في حالة العيب الجسيم، أما إذا كان العيب غير جسيم،

فإنه يحتفظ بالمبيع و يحصل على تعويض عما أصابه من ضرر بسبب العيب، أما بالنسبة للضمان الاتفاقي فإعماله يتمثل في إصلاح الخلل و استبدال الأجزاء المعينة بالأجزاء الجديدة، كما أن المشرع حدد مدة رفع الدعوى في الضمان القانوني بسنة من يوم التسليم، أما بالنسبة للضمان الاتفاقي فهي ستة أشهر من تاريخ الإخطار بوجود الخلل في خلال شهر من ظهوره.

كما أن تطور الأوضاع لا سيما تلك التي أتت بعد الحرب العالمية الثانية، و التي تميزت بالتطور الصناعي الهائل و نمو الاستهلاك و تنوع المنتجات، و كذا التقدم التقني و العلمي و تطور التأمين، كل هذه العوامل سمحت بظهور بعض الالتزامات الجديدة مثل الالتزام بالمعلومات و النصيحة و كذا الالتزام بالسلامة، و هي التزامات مستنبطة من القواعد العامة المذكورة في القانون المدني، و كذا من قانون الاستهلاك (قانون حماية المستهلك) الصادر بتاريخ 07 فبراير 1989

منقول

شرح تفصيلي للإجراءات الواجب اتخاذها للحصول على الضمان