كيفية رفع دعوى بتنفيذ حكم أجنبي

كيف يمكن أن ترفع دعوى بتنفيذ حكم أجنبي ؟

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

1-صحيفة دعوى مفصلة وشاملة لأسماء الخصوم وعناوينهم كاملة والوقائع التي تتضمن الإشارة إلى الحكم الأجنبي وتوضح كذلك أن الحكم الأجنبي أنما تم وفقا لما يقتضي به القانون الدولة الأجنبية التي صدر فيها الحكم وان هذا الحكم لا يخالف النظام العام والآداب في دولة الأمارات العربية المتحدة .
2- تقديم الحكم الأجنبي مترجما إلى اللغة العربية إذا لم يكن الحكم أصلا باللغة العربية .
3- تقديم ما يثبت أن الحكم الأجنبي أعلن وقد أصبح نهائيا وقابلا للتنفيذ في بلد إصداره .
4- أداء الرسوم النسبية عنه وفقا لشريحة الرسوم المقررة .

القيمة القانونية للحكم الأجنبي قبل الأمر بالتنفيذ

((دراسة مقارنة))

الفصل الأول مفهوم الحكم الأجنبي وآلية الاعتراف به

يعد صدور الحكم خاتمة المطاف لأي دعوى بعد انتهاء الخصومة, ليصار بعدها إلى المرحلة الفعلية من إصدار الحكم, وهي الغاية المنشودة منه في مجال الاعتراف به أو تنفيذه, فهنا لا يصطدم بأي صعوبة بصدد الاعتراف بالحكم أو تنفيذه, طالما هو داخل حدود الدولة التي صدر فيها, ولكن الصعوبة تثار إذ ما أريد الاعتراف بالحكم الأجنبي في دولة أخرى, فلا بد من الإحاطة بجوانب الموضوع ابتدءاً من تحديد مفهوم الحكم في مجال الاعتراف بالأحكام الأجنبية وآلية الاعتراف بالحكم الأجنبي من شروط وإجراءات, ولبيان ذلك سنقسم هذا الفصل إلى مبحثين الأول نخصصه لبيان مفهوم الحكم الأجنبي, والمبحث الثاني نبين فيه آلية الاعتراف بالحكم الأجنبي.

المبحث الأول مفهوم الحكم الأجنبي

إنَّ مفهوم الحكم الأجنبي برز في إطار الاعتراف بالأحكام الأجنبية وتنفيذها. ومفهوم الحكم الأجنبي لا يقتصر على الأحكام القضائية الأجنبية فقط وإنما يشمل أحكام التحكيم (قرارات التحكيم) الأجنبية, وأن الاعتراف بالأحكام الأجنبية لم يأتي اعتباطاً أنما بتضافر عدة مسوغات دعت إلى ذلك, ولبيان ذلك سنقسم هذا المبحث على ثلاث مطالب, نتناول في المطلب الأول التعريف بالحكم القضائي الأجنبي القابل للاعتراف به, ونتناول في المطلب الثاني التعريف بحكم التحكيم الأجنبي, وفي المطلب الثالث مسوغات الاعتراف بالحكم الأجنبي.

المطلب الأول التعريف بالحكم القضائي الأجنبي القابل للاعتراف به

إنَّ الوقوف على بيان الحكم الأجنبي القابل للاعتراف به يتطلب معرفة ما المقصود من الحكم الأجنبي وما موضوعات الأحكام الأجنبية القابلة للاعتراف بها وللوقوف على ذلك سنقسم هذا المطلب على فرعين, الفرع الأول يضم تعريف الحكم القضائي الأجنبيوالفرع الثاني يبين طبيعة الحكم القضائي الأجنبي القابل للاعتراف به.

الفرع الأول تعريف الحكم القضائي الأجنبي

إنَّ تعريف الحكم الأجنبي ليس على وتيرة واحدة بالنسبة لتشريعات الدول, لأن تعريف الحكم الأجنبي, هي مسألة تخضع لتكييف قانون القاضي, فهو من يحدد جنسية الحكم على وفق نظامه القانوني, وهذا ما يستفاد من قرار محكمة النقض المصرية بقولها (لئن كان قانون الدولة التي يراد التمسك فيها بالحكم هو القانون الواجب التطبيق لتحديد ماهية الحكم وبيان ما يعتبر حكماً, يصدر الأمر بتنفيذه…).([1]) وبذلك يكمن هذا الاختلاف في المعايير التي استندت إليها الدول في إسباغ الصفة الأجنبية على الحكم, فهناك من استند على معيار مكان صدور الحكم, ومنهم من أهمل المعيار المكاني وأستند على المعيار السيادي, أي كون الحكم صادراً باسم سيادة أجنبية بغض النظر عن مكان صدوره.

في النظم الانكلوأمريكية,يُعرف الحكم الأجنبي على وفق معيار مكان صدور الحكم بصورة عامة,ويأخذ به الفقه الانكليزي بصورة خاصة, ([2]) بأن الحكم الأجنبي كل حكم يصدر

عن جهة قضائية تقع خارج إقليم الدولة المراد تنفيذ الحكم القضائي فيها, فوفقاَ لذلك تعد الأحكام الصادرة عن محاكم المستعمرات البريطانية أجنبية على الرغم أنها صدرت باسم السيادة البريطانية, وتعد الأجزاء الأخرى من المملكة المتحدة التي تضم إلى جانب إنكلترا جزيرة مان وجزر القناة وسكوتلاندا وايرلندا الشمالية أحكام أجنبية, وأن كان يعترف بها وتنفذ بإجراءات مبسطة في انكلترا.

أما القانون الفرنسي فلم يعرف الحكم الأجنبي وأن أشار إلى أمكانية تنفيذ الأحكام الأجنبية في المادة(509),([3]) ولكن الفقه الفرنسي مستقر على أن الحكم القضائي الأجنبي هو الحكم الذي يصدر باسم سيادة أجنبية, وعلى ذلك تعد الأحكام الصادرة عن المحاكم القنصلية داخل فرنسا أجنبية متى صدرت باسم سيادة دولة ما, وفي المقابل لا تعتبر الأحكام الصادرة عن المحاكم في المستعمرات الفرنسية خارج فرنسا أحكاماً أجنبية لأنها صادرة باسم السيادة الفرنسية,([4]) وهذا ما يسير عليه القضاء الفرنسي في العديد من أحكامه,([5]) كما في الحكم الذي صدر في 13/1/ 1939الذي جاء فيه (أن الأحكام الصادرة من المحاكم المختلطة في مصر لابد من شمولها بأمر التنفيذ حتى يمكن الاعتراف بها وتنفيذها في فرنسا حيث أن الأمر يتعلق بأحكام أجنبية صادرة باسم سيادة دولة أجنبية وهي سيادة الدولة المصرية, على الرغم من أن الحكم قد صدر من محكمة يدخل في تشكيل قضاتها أحد القضاة الفرنسيين).([6])

أما الدول العربية محل البحث, ففي مصر ذكر المشرع في المادة (296) من قانون المرافعات المصري رقم (13) لسنة 1968,([7])الأحكام الأجنبية بقوله ( الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها……). أن نص المادة يوحي إلى أن المشرع قد

اعتمد معيار مكان صدور الحكم بقوله الأحكام الصادرة في بلد أجنبي ولم يقل من محكمة أجنبية أو الأحكام الصادرة باسم سيادة أجنبية, وعلى الرغم من ذلك يذهب جانب من الفقه المصري,([8]) إلى أنه يجب أن يفهم النص المذكور أن المقصود بالحكم الأجنبي هنا هو الحكم الذي يصدر باسم دولة أجنبية, لا المقصود منه الحكم الذي يصدر في خارج الأراضي المصرية, و يُعرف

جانب أخر من الفقه المصري, ([9]) الحكم الأجنبي بأنه الحكم الصادر باسم سيادة دولة أجنبية بغض النظر عن جنسية القضاة الذين يفصلون في الخصومة ودون الاهتمام بالمكان الذي صدر فيه.

وأما المشرع اللبناني فقد نص صراحة على أن الحكم يعد أجنبياً متى صدر باسم سيادة أجنبية, وهذا ما نصت عليه المادة (1009) من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1983 المعدل ([10]), بقولها ( تعد أجنبية بالمعنى المقصود بهذا القانون الأحكام الصادرة باسم سيادة غير السيادة اللبنانية). ومع ذلك فأن بعض الأحكام الصادرة من محاكم غير لبنانية وباسم سيادة أجنبية لا تعتبر أحكام أجنبية, كالأحكام الصادرة عن محكمة الروتا في الفاتيكان لأن المحاكم اللبنانية تعد مرجعاً استئنافياً بالنسبة إلى الأحكام الصادرة عن المحاكم الروحية للطوائف الكاثوليكية المسيحية في لبنان, وبذلك تعد هذه الأحكام استثناءا من الأصل العام. ([11])

ويتضح مما سبق أن الدول الإنكلوأمريكية تضفي الصفة الأجنبية للحكم الأجنبي وفقاً لمكان صدوره, أما الدول ذات الاتجاه اللاتيني (فرنسا, مصر, لبنان) فتضفي الصفة الأجنبية للحكم الصادر باسم سيادة أجنبية, فأين القانون العراقي من هذين المعيارين ؟

لقد نص قانون تنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية في العراق رقم (30) لسنة 1928, في المادة الأولى منه إلى تعريف الحكم الأجنبي والمحكمة الأجنبية بقوله (يراد في هذا القانون بعبارة:‏ الحكم الأجنبي الحكم الصادر من محكمة مؤلفة خارج العراق, والمحكمة الأجنبية المحكمة التي أصدرت الحكم الأجنبي ….).‏ يتبين من قراءة النص المذكور أن المشرع قد اعتبر الحكم أجنبياً متى ما صدر من محكمة مؤلفة خارج الإقليم العراقي, أي أنه أخذ بمعيار مكان صدور الحكم كالدول الانكلوأمريكية.([12])

ولكن يذهب الدكتور جابر جاد,([13]) إلى أن المشرع اعتمد المعيار السيادي لأنه لا يعتبر حكماً أجنبياً الحكم الذي يصدر من محكمة عراقية مؤلفة في الخارج, ويحدث ذلك لو أن العراق قد قبل امتيازات قضائية في دولة أجنبية, كما لا يعد كذلك لو فرضنا صدور هذا الحكم من محكمة أجنبية مؤلفة في العراق, أي من محكمة تستمد من دولة أجنبية فوق الأراضي العراقية, يتصور ذلك لو أن العراق قد منح الدولة امتيازات قضائية في أراضية مثلا.

وقد عرّف الحكم الأجنبيبأنه الحكم الذي يصدر عن سلطة قضائية تمارس وظيفتها على وفق النظامين القضائي والقانوني السائدين في دولة معينة أو عن جهة خولت اختصاصات قضائية سواء أكانت هذه الجهة فرداً أو هيئة.ويلاحظ أن هذا التعريف أعتمد المعيار السيادي, وأنه عرف الحكم الأجنبي تعريفاً موسعاً فأدخل بين طياته أحكام التحكيم الأجنبية. ([14])

يلاحظ أن المادة الأولى من قانون تنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية حددت جنسية الحكم معياراً مكانياً, بكونه صادر داخل العراق أو خارجه, بقولها (الحكم الأجنبي الحكم الصادر من محكمة مؤلفة خارج العراق ). فمتى كان الحكم صادر خارج العراق عد أجنبياً بغض النظر عن صدوره على وفق نظام قانوني وقضائي لدولة ما, فلم يأخذ بعين الاعتبار أنه قد يصدر حكم في خارج العراق ولكنه يصدر باسم السيادة العراقية, كما بالنسبة للأحكام الصادرة من القنصلية

العراقية في فرنسا مثلاً, وبذلك يمكن أن نعرف الحكم الأجنبي بالجمع بين المعياريين الإقليمي

والسيادي (بأنه الحكم الصادر على وفق النظام القانوني والقضائي الأجنبي, والحكم الصادر من محكمة غير عراقية). فيخرج من نطاق هذا التعريف الأحكام الصادرة خارج الإقليم العراقي إذ ما صدرت على وفق النظام القانوني والقضائي العراقي لأنها تعد أحكام وطنية.

وقد يثار سؤال ما نطاق الحكم الأجنبي, هل يشمل الأعمال الولائية الأجنبية فتحتل المكانة نفسها التي يحتلها الحكم القضائي الأجنبي بصدد الاعتراف بها أو لا…؟

نرى أن المحاكم عند ممارستها لوظيفتها تصدر نوعين من القرارات, منها ما يتعلق بوظيفتها القضائية والأخرى ما يرتبط بوظيفتها الولائية, وان معيار التفرقة بينهما هو عدم

وجود طرفيين متخاصمين, وكذلك إن الأحكام القضائية تحوز حجية الأمر المقضي فيه, أما الأعمال الولائية فلا تتمتعبهذه الحجية, وهناك من يضيف معيارين آخرين للتفرقة بينهما,وهما وظيفة القاضي المطلوب منه العمل الولائي, والإطار الذي يباشر فيه تدخله.([15])

ففي إنكلترا, فأن الحكم القضائي هو كل قرار صادر من محكمة مختصة,([16]) ويلاحظ أن قواعد الاعتراف بالأحكام الأجنبية لا يشمل الأعمال الولائية.([17])

وفي فرنسا يلاحظ أن المشرع الفرنسيلم يتطرّق للأعمال الولائية، لأن المشكلة طرحت بالنسبة لتنفيذ الأحكام القضائية والسندات الرسمية الأجنبية فقط,مما أدّى إلى تذبذب فقهي وقضائي فيما يتعلق بالأعمال الولائية,([18]) فنجد حالياً إن القضاء الفرنسي يخضع الأعمال الولائية إلى نظام الأمر بالتنفيذ, مثلها مثل الأحكام القضائية.([19])

أما الاتفاقيات المنظمة إليها كل من فرنسا وإنكلترا, كاتفاقية بروكسل لسنة 1968 المعدلة سنة 1978, ([20]) عرفت الحكم في المادة (25) تعريف موسع بقولها (الحكم في معرض هذه الاتفاقية يعني أي حكمصادر عن محكمة أو هيئة قضائية في إحدى الدول الأعضاء، كل ما يمكن أن يطلق عليه حكم، بما في ذلك مرسوم أو النظام العام أو قرار أو أمر التنفيذ..). ([21])

وأما لائحة بروكسل بشأن الاختصاص القضائي والاعتراف وتنفيذ الأحكام المدنية والمسائل التجارية, فقد جاءت بذات النص وذلك في المادة (32) على النحو التالي: (أي حكم يصدر عن محكمة أو هيئة قضائية في إحدى الدول الأعضاء، كل ما يمكن أن يطلق عليه حكم، بما في ذلك مرسوم أو قرار أو أمر التنفيذ بغض النظر عن تسمية الحكم ).بشرط أن تكون دولة عضوه وفقا للمادة (33) من اللائحة.([22])وبذلك يمكن أن يعترف بالأحكام الولائية ما بين الدول المتعاقدة.

أما في مصر, فأن المشرع المصري انزلها بمنزلة الأحكام القضائية بصدد الاعتراف بها وتنفيذها, وذلك بنص المادة (269) من قانون المرافعات النافذ إذ جاء فيها ( الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها….. لتنفيذ الأحكام والأوامر المصرية فيه). ([23])

وكذلك الحال في لبنان فأن الاعتراف بالأحكام الأجنبية يشمل إضافة إلى الأحكام القضائية الأعمال الولائية, وهذا ما أشارت إليه بشكل واضح نص المادة (1012) من قانون أصول المحاكمات المدنية 1983, بقولها (تنتج الأحكام الأجنبية …….والقرارات الأجنبية الصادرة عن القضاء ألرجائي مفاعيلها حكما في لبنان دون اقترانها بالصيغة التنفيذية شرط أن لا تكون محل نزاع) .

أما بصدد موقف مشرعنا العراقي فان مطالعة قانون تنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية رقم (30) لسنه 1928, وقراءة نص المادة الأولى منه إذ تقول (يراد في هذا القانون بعبارة الحكم الأجنبي: الحكم الصادر من محكمة مؤلفة خارج العراق….). تيقن حينها انه يقتصر على تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية فحسب من دون التفاته إلى الأعمال الولائية الأجنبية بدليل إيراد لفظ حكم في طيات المادة المذكورة أعلاه.

ومع ذلك لا يمكن القول بحتمية رفض المشرع الاعتراف بالأعمال الولائية, إذا أخذنا بعين الاعتبار الاتفاقيات التي ابرمها العراق على الصعيدين الثنائي والجماعي, إذ أن الثابت في الفقه القانوني إن الدولة إذا تفاوضت بشأن اتفاقية في تنظيم مسألة معينة وأودعت وثائق التصديق أو الانضمام إليها, فأنها تصبح جزءاً من نظامها القانوني ومن ثم تكون واجبة التطبيق أمام محاكمها.([24])

وهذا ما أكدته المادة (الثالثة) في فقرتها الثانية من قانون التنفيذ العراقي لسنة 1980,([25]) بقولها (الأحكام الأجنبية القابلة للتنفيذ في العراق، وفقا لقانون تنفيذ الأحكام الأجنبية، مع مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في العراق). وأيضاً المادة (12) من القانون نفسه ( لا تكون الأحكام الصادرة من محاكم أجنبية قابلة للتنفيذ في العراق، إلا إذا عدت كذلك، وفقا للأحكام التي قررها قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية أو الاتفاقات الدولية المعمول بها في العراق ).

وبذلك يمكن الاعتراف بالأعمال الولائية الأجنبية أو تنفيذها في العراق إذا ارتبط العراق بمعاهدة مع الدولة التي صدر منها الحكم, كما في اتفاقية الرياض لسنة 1983,([26])في الفقرة الأولى من المادة (25) التي جاء فيها, (يقصد بالحكم في معرض تطبيق هذا الباب كل قرار أيا كانت تسميته يصدر بناء على إجراءات قضائية أو ولائية من المحاكم, أو أي جهة قضائية لدى الأطراف المتعاقدة….).

الفرع الثاني طبيعة الحكم القضائي الأجنبي القابل للاعتراف به

بعد بيان تعريف الحكم الأجنبي يثار تساؤل عن طبيعة الأحكام المراد الاعتراف بها, هل الأحكام الأجنبية الصادرة باسم سيادة دولة أجنبية أو صادرة في بلد أجنبي (بحسب نظام كل دولة)يمكن الاعتراف بها أو تنفيذها على وجه الإطلاق؟ وللإجابة سنتطرق للموضوع على الصعيد الداخلي ومن ثم على صعيد الاتفاقيات الدولية.

المقصد الأول:على الصعيد الداخلي: ذهب الفقه,([27]) على أنه يشترط لتنفيذ الأحكام الأجنبية أن يكون الحكم الأجنبي صادرا في منازعة متعلقة بمسألة من مسائل القانون الخاص, ومقتضى ذلك أن الأحكام الأجنبية الصادرة في المواد الجنائية أو المالية أو الإدارية لا تكون قابلة للتنفيذ, والمعيار في كون الحكم الأجنبي صادرا في مواد القانون الخاص أو كونه غير صادر فيه, هو طبيعة المسألة التي صدر فيها, وليس بنوع القضاء الذي صدر منه الحكم, وتحديد ذلك (أي تحديد طبيعة المسألة) يخضع لقانون القاضي, وبناء على هذا الأساس المتقدم فأن الحكم الأجنبي الذي يفصل في مسألة ذات طبيعة مدنية يعتبر حكماً مدنياً ولو كان صادراً من القضاء الإداري, أما الحكم الصادر بالغرامة فأنه لا يمكن تنفيذه في فرنسا ومصر ولبنان والعراق ولو كان صادراً من محكمة مدنية أو تجارية.

وبناءً على المعيار السابق،فإن التعويضات التي يقضى بها قضاء جنائي أجنبي أو الحكم الأجنبي الصادر من محكمة إدارية بتعويض مالي لمصلحة شخص في مواجهة مقاول بسبب الأضرار التي لحقته من جراء الأعمال التي قام بها المقاول وهو بصدد تنفيذ أشغال عامة، مثل هذهالأحكام لا يوجد شك حول إمكان الأمر بتنفيذهالكونها متعلقة بمسألة من مسائل

القانون الخاص وعلى هذا المفهوم تخرج الأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية، مثل محكمة العدل الدولية بلاهاي, من الأحكام الأجنبية وفق أحكام القانون الدولي الخاص ولأنها تخضع لأحكام القانون الدولي العام وتنظمها اتفاقيات دولية.([28])

هذا الكلام فيما يتعلق بالأحكام القابلة للتنفيذ فهل يشمل ذلك أيضاً مسألة الاعتراف من دون التوصل إلى التنفيذ ؟

ذهب جانب من الفقه بالقول,([29])ليس هناك ما يحول دون اعتراف القاضي الوطني

بالآثار التي تترتب على الحكم الجنائي أو الإداري مادام أن ذلك لا يتطلب استخدام سلطة

القهر والإجبار لتنفيذه, كالاعتراف بنقص الأهلية الناتج عن الحجر القانوني التابع للإدانة الجنائية أو الحكم الصادر بإسقاط جنسية عن شخص لارتكابه عملاً مخلاً بأمن الدولة, باعتبار ذلك واقعة أو دليلاً على واقعة قابلة للإثبات العكسي.([30])

المقصد الثاني:الاتفاقيات الدولية: فبالنسبة لاتفاقية بروكسل لسنة 1968المعدلةبشأن الاختصاص القضائي والاعتراف وتنفيذ الأحكام المدنية والمسائل التجارية, ولائحة بروكسلEC)) 2001 بشأن الاختصاص القضائي والاعتراف وتنفيذ الأحكام المدنية والمسائل التجارية, فقد اقتصرت على الاعتراف بالأحكام المتعلقة بالمسائل المدنية والتجارية.

وأما على الصعيد العربي فهناك عدة اتفاقيات بشأن التعاون القانوني والقضائي بشأن الاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية, وقد عنيت هذه الاتفاقيات بتحديد طبيعة الأحكام المعترف بها وتنفيذها. فقد جاء في المادة الأولى من اتفاقية تنفيذ الأحكام المبرمة بين دول الجامعة العربية لسنة 1952,([31]) بيان طبيعة الحكم القابل للاعتراف به بين دول الجامعة بقولها ( كل حكم نهائي مقرر لحقوق مدنية أو تجارية أو قاض بتعويض من المحاكم الجزائية أو متعلق بالأحوال الشخصية صادر عن هيئة قضائية من إحدى دول الجامعة العربية ).

وكذلك عنيت اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لسنة 1983,في تحديد طبيعة الأحكام القضائية المراد الاعتراف بها في الفقرة(ب)من المادة (25) بقولها ( يعترف كل من الإطراف المتعاقدة الصادرة عن محاكم أي طرف متعاقد أخر في القضايا المدنية بما في ذلك الأحكام المتعلقة بالحقوق المدنية الصادرة عن محاكم جزائية وفي القضايا التجارية والقضايا الإدارية, وفي قضايا الأحوال الشخصية الحائزة لقوة الأمر المقضي به).

وهذا المضمون ما أكدته اتفاقية التعاون القانوني والقضائي بين دول مجلس التعاون العربي لسنة 1989,([32]) في الباب الخامس الخاص بالاعتراف بالأحكام الأجنبية وتنفيذها وذلك في المادة (27) والتي جاء فيها ( يعترف وينفذ كل من الإطراف المتعاقدة الأحكام الحائزة قوة الشيء المقضي فيه الصادرة في القضايا المدنية والتجارية والإدارية والأحوال الشخصية والأحكام المقررة للتعويض في القضايا الجنائية التي تصدر لدى إحدى الأطراف المتعاقدة بعد نفاذ هذه الاتفاقية ).

وفيما مضت الإشارة إليه تبين لنا أن الاتفاقيات قد وسعت من طبيعة الأحكام القابلة للاعتراف بها, فهل ترجح نصوص الاتفاقية على نصوص القانون الداخلي أو بالعكس ؟

من المسلم به, في حال التعارض بين القانون الوطني والاتفاقية, فأن نصوص الاتفاقية هي التي تطبق, وهذا ما يستفاد من أحكام القضاء العراقي كما في الحكم الصادر في 30/1/1982, ([33]) إذ جاء بحيثياته (…..أن المادة الثانية من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية في العراق رقم (30) لسنة 1928, نصت على أنه يجوز تنفيذ الحكم الأجنبي وفقا لأحكام هذا القانون بقرار يصدر من محكمة عراقية يسمى قرار التنفيذ……..وأن المادة الأولى من اتفاقية تنفيذ الأحكام الأجنبية الخاصة بدول الجامعة العربية المصدقة بالقانون رقم 35 لسنة 1956,نصت على أنه كل حكم مقرر نهائي مقر لحقوق مدنية أو تجارية أو قاضي بتعويض من المحاكم الجنائية أو يتعلق بالأحوال الصادرة من هيئة قضائية من أحدى دول الجامعة العربية يكون قابلا للتنفيذ في سائر دول الجامعة وفقا لأحكام هذه الاتفاقية……).

وأن ترجيح الاتفاقية على القانون الوطني لا يقتصر على العراق بل سائر الدول تسلم بهذا, وعلى سبيل المثال القرار الصادر من محكمة النقض المصرية في 18/1/1969, إذ جاء

فيأحدى فقرات القرار (….أنه لما كانت المادة 497 من قانون المرافعات الصادر سنة 1949 وهي تقابل المادة 301 من قانون المرافعات الصادر 1968والتي اختتم بها المشرع الفصل الخاص بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الأجنبية, تقضي بأنه إذا وجدت معاهدات بين الجمهورية العربية المتحدة وغيرها من الدول بشأن تنفيذ الأحكام فأنه يتعين إعمال أحكام هذه المعاهدات وكانت حكومتنا الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد اشتركتا في تنفيذ الأحكام التي أقرها مجلس جامعة الدول العربية في14 سبتمبر سنة1952………فأن أحكام هذه الاتفاقية تكون هي الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى ولما كانت المادة الأولى من تلك الاتفاقية بينت الأحكام القابلة للتنفيذ في دول الجامعة العربية بأنه كل حكم نهائي مقرر لحقوق مدنية أو تجارية أو قاض بتعويض…….).([34])

المطلب الثاني التعريف بحكم التحكيم الأجنبي

إنَّ تبيان تعريف حكم التحكيم الأجنبي ليس بالأمر اليسير, والسبب في ذلك أنه لم يرد في معظم القوانين المنظمة للتحكيم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أطار القواعد العامة تعريف له مما أدى إلى تـأرجح الفقه في تحديد الضوابط التي تمييز حكم التحكيم الأجنبي عن حكم التحكيم الوطني, هل جنسية الخصوم أو محل إقامتهم أو القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم أو مكان صدور الحكم ﻟﻀﺒﻁ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍلأجنبية ﻟﻠﺘﺤﻜـﻴﻡ ﻭﻟﺘﻤﻴﻴـﺯﻩ ﻋـﻥﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ. سنقسم هذا المطلب إلى فرعين, مخصصين الفرع الأول إلى تعريف حكم التحكيم و تميزه عنﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ الأجنبيوفي الفرع الثاني معايير أجنبية التحكيم ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﺎﺕ.

الفرع الأول تعريف حكم التحكيم وتمييزه عنﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ لأجنبي

يلاحظ أنه أن أغلب التشريعات وغالبية الفقه لم تعرف حكم التحكيم, وإنما عرفوا التحكيم إذ أنطلق كل منهم في تعريفه من زاوية معينة، واعتمد بعضهم في تعريفه على أطراف النزاع واعتمد آخرون على شخص المحكّم, فيما اعتمد بعضهم الآخر على الوظيفة التي يقوم بها المحكّم في حين اعتمد فريق آخر على نظام التحكيم في ذاته، إلاّ أن أغلبهم يركز في تعريفه على جانبين,أولهما الاتفاق بين الأطراف وثانيهما المحكمون. فقد عرف بأنه ( الاتفاق على طرح النزاع على أشخاص معينين يسمون محكمين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة).([35]) عرف وأيضا(هو الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة، فمقتضى التحكيم نزول الأطراف عن الالتجاء إلى القضاء مع التزامهم بطرح النزاع على محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بحكم ملزم للخصوم, وقد يكون هذا الاتفاق تبعاً لعقد معين يذكر في صلبه يسمى شرط التحكيم وقد يكون بمناسبة نزاع معين قائم بالفعل بين الخصوم ويسمى في هذه الحالة مشارطة التحكيم).([36]) وعُرف أيضابأنه(طريق إلزامي بالنسبة لمن بدأه, وتكون البداية هي الاتفاق على التحكيم, ولا يلزم إبرام عقد التحكيم بل يمكن أن يأخذ الاتفاق صورة شرط التحكيم يتضمنه أي عقد من العقود, ويطلق على الصورة الأولى مشارطة التحكيم ويطلق على الثانية شرط التحكيم ).([37])

ومن التعريفات التي أعطت أهمية لإرادة الأطراف بالتحكيم بأنه (مكنه يقررها القانون للأفراد يستطيعون بمقتضاه الاتفاق على إحالة المنازعات التي تقوم فيها بينهم على فرد أو أكثر يطلق عليهم تسمية محكم أو محكمين دون السلطة القضائية بذلك).([38]) وأيضاً (هو نظام لتسوية المنازعات عن طريق أفراد عاديين يختارهم الخصوم أما مباشرة أو عن طريق وسيلة أخرى يرضونها ).([39]) وأيضاً (هو مكنة أطراف النزاع بإقصاء منازعاتهم عن الخضوع لقضاء المحاكم المخول لها طبق القانون كما تحل عن طريق أشخاص يختارونهم).([40])

ومن اظهر الطبيعة الخاصة بالتحكيم عرفه (بأنه قضاء خاص يتولاه أفراد من دون ولاية الفصل بالمنازعات وذلك خروجا على الأصل العام وهو أن أداء العدالة من وظائف الدولة تؤديها سلطتها القضائية).([41])

ويتضح أن شراح القانون الوضعي كل منهم يختار تعريف ملائما للمجال القانوني الذي يختص به, فالمتخصصون بقانون المرافعات المدنية يعرفونه بما يظهر الجانب الإجرائي وشراح القانون التجاري يظهرون الجانب التجاري, أما شراح القانون الدولي الخاص فيظهرون العلاقات الدولية الخاصة.([42])

وأن مشروع التحكيم التجاري العراقي لسنة2011, له خطوة ايجابية,فقد عرف التحكيم وهيئة التحكيم واتفاق التحكيم في المادة الأولى منه إذ نصت على ( يقصد بالمصطلحات والعبارات التالية لإغراض هذا القانون المعاني المبينة إزاء كل منها:

أولاً:- التحكيم: أسلوب يختاره إطراف النزاع لحله من محكم أو أكثر بدلاً من اللجوء للقضاء.

ثانياً:– هيئة التحكيم: تعني محكماً واحداً أو أكثر من المحكمين.

ثالثاً :- اتفاق التحكيم :هو اتفاق طرفي النزاع على حل كل أو بعض المنازعات التي قد نشأت بينهما بشأن علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية, ويجوز أن يكون ذلك الاتفاق في صورة شرط تحكيم وارد في العقد الأصلي أو في صورة اتفاق مفصل). ويتضح أن المشرع برز الطبيعة المستقلة عن القضاء بِعده طريقاً بديلا يختاره أطراف النزاع لحل النزاع.

والذي يعنينا هنا متى يعد حكم التحكيم أجنبياً وأن اغلب التشريعات لم تعرف التحكيم الأجنبي, ويجب أن نلاحظ, أن التطور القانوني السريع في مجال التحكيم قد افرز ما يسمى بالتحكيم الدولي, فالسؤال هنا هل هناك فرق بين حكم التحكيم الدولي وحكم التحكيم الأجنبي؟

ذهب رأي,([43]) إلى أنه لا بد من التمييز بين حكم التحكيم الأجنبي وحكم التحكيم الدولي ولاسيما بعد قيام بعض القوانين بالنص عليه ووضع معايير لتحديده ، إذ يكون على القاضيالذي ينظر طلب تنفيذ حكم تحكيم أن يكيفه بين فروض ثلاثة هي أن يكون حكم التحكيم وطنياً، أو أن يكون حكم التحكيم أجنبياً أو أن يكون حكم التحكيم دولياً.

في حين يذهب رأي أخر, ([44]) بعدم وجود فرق بين حكم التحكيم الأجنبي وحكم التحكيم الدولي, ويجمع بينهما تحت اسم واحد هو حكم التحكيم الدولي, وأن كل تحكيم غير وطني هو دولي لأن أي حكم تحكيم أجنبي بالنسبة لدولة ما يعد وطنياً بالنسبة لدولة أخرى, ومن ثم فإن اتصال التحكيم بأكثر من نظام قانوني يجعله تحكيم دولي، ولأن التفرقة بين التحكيم الأجنبي والتحكيم الدولي تؤدي إلى الخلط بين التحكيم الذي يتم بين أفراد أو هيئات خاصة والتحكيم الذي يمكن أن يقع بين الدول.

ويذهب رأي ثالث, أن دولية التحكيم المنصوص عليها في القوانين المختلفة ومنها القانون المصري في المادة (24) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم (27) لسنة 1994 المعدل،([45])والقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية الانسيترال (UNCITRAL),([46]) يتضح بأنه كل تحكيم أجنبي هو تحكيم دولي ولكن ليس كل تحكيم دولي هو تحكيم أجنبي, لأن التحكيم يمكن أن يقع على إقليم دولة محددة ومع ذلك يكتسب الصفة الدولية الأمر الذي يجعل للرأي الأول وجاهة وثقلاً، كما أن

هناك فروق تترتب على اكتساب حكم التحكيم لوصف الأجنبية أو الدولية تثار بمناسبة تحديد مدى سلطة القاضي الوطني عند التعرض لحكم تحكيم أجنبي أو دولي من حيث التعرض لصحته أو بطلانه وإصدار الأمر بتنفيذه أو رفضه ، فمثلاً القواعد المتعلقة بحكم التحكيم في ذاته من حيث شروط صحته وضوابط إصدار الأمر بتنفيذه تخضع لقانون الدولة التي تم إجراء التحكيم على إقليمها سواء كان التحكيم وطنياً أم دولياً, أما إذا كان التحكيم يجري في الخارج فإنه لا يخضع لهذا القانون إلا إذا أتفق أطرافه على ذلك. ([47])

ويضيف رأي رابع,([48]) أن سبب الفرق بين المصطلحين, أن مصطلح التحكيم الدولي مفهوم قانوني حديث نسبيا يقوم على سحب الاختصاص من القضاءالوطني لحل المنازعات التي تحدث بسبب إبرام عقود التجارة المبرمة بين الدول بعضها مع بعض, أو بين الدول والشركات التجارية الدولية أو الأفراد، و إسناد حل هذهالمنازعات إلى أشخاص خواص يتم اختيارهم, إلا أنه يجوز الجمع بين الأجنبية والدولية للتحكيم إن كان يتعلق بمنازعةدولية.

وفي ضوء ما تقدم يمكن التوصل إلى أن التحكيم الدولي هو مصطلح أفرزته الاتفاقيات الدولية, وما يؤكد هذا أن القانون النموذجي (UNCITRAL) يميز بين قرارات التحكيم الدولية وغير الدولية بدلا من الاعتماد على التمييز التقليدي بين قرارات التحكيم الأجنبية والمحلية ([49]).

وعلى كل حال فأن الذي نتوخاه هو الحكم الصادر من التحكيم بكونه غير وطني بغض النظر عن الاختلاف بكونه متعلق بأمور التجارة الدولية أم لا هذا من جهة, ومن جهة أخرى أن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبي لا يشمل كل المسائل لآن نطاق التحكيم يتحدد بمواضيع معينة قابلة للتحكيم وبذلك تخرج المسائل الجنائية ومسائل الأحوال الشخصية من خضوعها للتحكيم, فيمكن القول بأن التحكيم التجاري الدولي هو جزء من التحكيم الأجنبي, وأن تطور التجارة الدولية أضفت عليه هذه التسمية, وﺇﻥ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ ﻴﻔﺭﺽ ﻨﻔﺴﻪ ﺤﺎﻟﻴﹰﺎً ﺒقوﺓ ﻋﻠﻰ ﻤﻌﻅﻡ ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﺎﺕ ﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔ, ﻭيعد ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ حالياً ﻤﻥ ﺃﻫﻡ ﺍﻟﻭﺴﺎﺌل ﺍﻟﻤﺘﺎﺤﺔ ﻟﺤل ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒﺎﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ.

وبذلك يتضح أن محاولة تعريف حكم التحكيم ليست بالأمر الهين، بدلالة أن القانونيين الذي وضعوا القانون النموذجي للتحكيم الدولي (UNCITRAL) حاولوا أن يضعوا تعريفاً للحكم التحكيمي ولكنهم تراجعوا عن ذلك، وكان النص المقترح لتعريف الحكم التحكيمي هو أن كلمة حكم تحكيمي يجب أن تفهم على أنها حكم نهائي يفصل في كل المواضيع المطروحة على المحكمة التحكيمية.([50])

وأما اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية لسنة 1958,([51]) فقد حددت المقصود بأحكام المحكمين في الفقرة الثانية من المادة الأولى بقولها (أنه يقصد بأحكام المحكمين ليس الأحكام الصادرة عن محكمين معينين للفصل في حالات محددة, بل أيضاً الأحكام الصادرة عن هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف).

الفرع الثاني ﻤﻌايير أجنبية التحكيم ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﺎﺕ

تـأرجح الفقه في تحديد الضوابط التي تمييز حكم التحكيم الأجنبي عن حكم التحكيم الوطني بين جنسية الخصوم أو محل إقامتهم أو القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيمأو مكان صدور الحكم, وبغض النظر عما وُجه من انتقادات لمعايير تمييز التحكيم الأجنبي عن التحكيم الوطني، فإنه يمكن حصرها في ثلاث معايير رئيسة :- المعيار الإقليمي (الجغرافي) والمعيار القانوني (الإجرائي) والمعيار الاقتصادي.

‌1- معيار جغرافي: ويتمثل في ثبوت الصفة الأجنبية لحكم المحكمين في صدوره في بلد أجنبي بغض النظر عن البلد الذي عقدت فيه مشارطة التحكيم, وبغض النظر عن جنسية الخصوم أو المحكمين, وفي حال تعدد الدول التي يعقد فيها التحكيم, فيعتد بالدولة بصفة رئيسة التي صدر فيها حكم التحكيم, لأن الحكم يحمل صفة الدولة التي صدر فيها.([52])

2- معيار قانوني (إجرائي): ويتمثل هذا المعيار في اكتساب حكم التحكيم جنسية الدولة التي تطبق قانونها الإجرائي على التحكيم, وهذا المعيار أكثر تماسكا من المعيار الجغرافي, لأنه قد يصدر في دولة ما دون أن يخضع لنظامها القانوني.([53])

3- معيار اقتصادي، ويتمثل في تعلق العقد الذي يجري تسوية منازعته عن طريق التحكيم بالتجارة الدولية أو بمعاملة دولية، فإذا كان هذا العقد عقداً دولياً فإن التحكيم في منازعاته يكتسب صفة الدولية بطريق التبعية.([54])

ويمكن القول إنهُ لا توجد قاعدة موحدة على مستوى دول العالم لاعتبار تحكيم ما أجنبياً من عدمه, فكل قاضي يراد منه الاعتراف بحكم تحكيم ما, هو الذي يتولى تكييف كون الحكم أجنبياً من عدمه على وفق قانونه الداخلي وعلى وفق الاتفاقيات المنضمة إليها دولته.

اعتمدت انكلترا معياراً إقليمياً في تحديد جنسية حكم التحكيم,وهذا ما ذهب إليه الحكم الصادر من مجلس اللوردات الإنكليزي في 24/6/1991, في قضية (Hiscox v.Outhwaite), الذي عدّ حكم التحكيم الصادر في فرنسا الذي تم بصورة عرضية بين شخصين يحملان الجنسية البريطانية تحكيماً أجنبياً بموجب اتفاقية نيويورك وقانون التحكيم لعام 1975, على الرغم من صدوره على وفق إجراءات محكومة بالقانون الإنكليزي.([55])

ويلاحظ أن قانون التحكيم الانكليزي الصادر في 17/5/ 1996,([56]) اعتمد هذا المعيار

أيضاً وأن لم ينص على ذلك بنص صريح, فقد نص في المادة (99) إلى أن الجزء الثاني من قانون التحكيم لعام1950 ما يزال سارياً فيما يتعلق بأحكام التحكيم بالمعنى المقصود في هذا الباب([57]), وبالرجوع إلى الفقرة الرابعة من المادة (100)من قانون التحكيم 1996,إذ نصت على (المقصود باتفاقية نيويورك تعني اتفاقية الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية, التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي في 10/5 /1958 ).([58])وبهذا يكون المعيار المعتمد في انكلترا هو الذي أخذت به اتفاقية نيويورك وهو المعيار الإقليمي.

أما الموقف في فرنسا, فقد أخذ المشرع الفرنسي بالمعيار الاقتصادي فيعد التحكيم أجنبياً إذا تعلق بمصالح ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ, وهذا ما أشارت إليه المادة (1492) من المرافعات الفرنسي التي أضيفت بموجب مرسوم 1981،([59]) ﻭﺒﻤﻭﺠـﺏ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺩﻭﻟﻴﹰﺎً, ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻟﻨﺯﺍﻉ ﻴﺘﻌﻠﻕ بحركة ﺍﻷﻤﻭﺍل ﻭﺍﻟﺨﺩﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺒﻀﺎﺌﻊ ﻋﺒﺭ ﺍﻟﺤﺩﻭﺩ.

ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻤﻼﺤﻅ ﺃﻥ ﻤﻌﻅﻡ ﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ,([60]) ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﻤﺩﺕ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ

ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ ﺃﻭ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘـﻲﺘﻤﻴﺯ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ ﻭﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ قد ﺃﺨﺫﺕ ﺒﺎﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻲ ﻟﻠﺼﻔﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻕ ﺒﻤﺼﺎﻟﺢﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻥ ﻤﻊ ﺘﻘﻴﻴﺩﻩ ﺒﺎﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ الإقليمية ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺨﺫ ﺒﻬﺎ ﺍﻟﻘـﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻨﻤـﻭﺫﺠﻲ، ﺃﻭ ﺒﺒﻌﺽ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ, ﻭﻤﻊ ﺴﻴﻁﺭﺓ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﻤﺭﻜﺏ ﻟﻠﺼﻔﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﻌﻅﻡ ﻗﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﺕ ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﻟﺩﺨﻭل ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ, في حين بعض ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ الأخرى ﺘﻌﺘﻤﺩ ﻤﻌـﺎﻴﻴﺭ ﺸـﻜﻠﻴﺔ ﻟﺘﺤﺩﻴـﺩﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻠﺘﺤﻜﻴﻡ، ﻤﺜل ﻤﻌﻴﺎﺭ ﺠﻨﺴﻴﺔ ﺃﻁﺭﺍﻑ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴم.([61])

أما قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994، فقد وضح الحالات التي يعد فيهاالتحكيمتحكيماً دولياً في المادة الثالثة من الباب الأول، والتي تنص على أنه ( يكون التحكيم دولياً في حكم هذا القانون إذ كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية ….).

أما المشرع اللبناني, فقد أعتمد ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺃﺼﻭل ﺍﻟﻤﺤﺎﻜﻤـﺎﺕ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴـﺔ ﺍﻟﻠﺒﻨـﺎﻨﻲ ﺍﻟﻤﻌـﺩل 1983, على المعيار الاقتصادي في المادة (809(, إذ نصت على ( يعتبر دولياً التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية(.

وفيما يتعلق بالعراق, فأن مشروع قانون التحكيم التجاري لسنة2011, قد اعتمد المعيار الاقتصادي في الفقرة الرابعة من المادة الأولى, إذ جاء فيها ( يكون التحكيم التجاري دولياً إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال الآتية:

أ- إذا كان مركز الأعمال الرئيس لطرفي اتفاق التحكيم يقع في دولتين مختلفتين وقت إبرام اتفاق التحكيم, فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال فالعبرة بمحل إقامته المعتاد.

ب- إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى هيئة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم الدولي يوجد مقره في داخل العراق أو خارجه .

ج- إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة.

د- إذا كان المركز الرئيس لأعمال كل من طرفي التحكيم واقعاً في الدولة نفسها وقت إبرام اتفاق التحكيم وكان احد الأماكن التالية واقعاً خارج هذه الدولة:

1- مكان إجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تعيينه.

2- أي مكان ينفذ فيه جزء جوهري من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية.

3- المكان الأكثر ارتباطاً بموضوع النزاع .

مع ملاحظة أن مصدر كلا المادتين سواء أكان ذلك في مشروع التحكيم التجاري الدولي العراقي أم في قانون التحكيم المصري هو القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (.([62])

كيفية رفع دعوى بتنفيذ حكم أجنبي

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك