الكاتب: ماجد باجندوح
البيع هو مبادلة مالٍ بمال لغرض التملك .
والغرر هو ما لا قدرة على تسليمه فيسمى معدوماً .
فيكون البيع باطلاً في هذه الحالة , لاستحالة تنفيذ البائع ما التزم به من تسليم المبيع للمشتري .
ويسمى الشيء المبيع في العقود بمحل الالتزام .
وتعريفه : هو الشيء الذي يلتزم المدين القيام به .
فقد يكون التزاماً تعاقدياً كما في عقود البيع فيتولى أطراف العقد تعيينه .
وقد يكون التزاماً غير تعاقدي فيتولى القانون (النظام) تعيينه .
ويشترط في المحل توافر ثلاثة شروط وهي :
1-أن يكون المحل موجوداً وقت التعاقد إذا كان شيئاً (كالسلعة), أو يكون ممكناً إذا كان عملاً (كالأجير) أو امتناع عن عمل (كالامتناع عن استخدام علامة تجارية مملوكة للغير) .
2-أن يكون المحل معيناً أو قابلاً للتعيين .
3-أن يكون صالحاً للتعامل فيه .
فإذا كان محل الالتزام نقل حق عيني متعلق بشيء معين بالذات فيشترط أن يكون المحل موجوداً وقت التعاقد, وإن لم يكن موجوداً وقت التعاقد إلا أنه ممكن الوجود في المستقبل فنحن بصدد فرضين :
الأول : أن يقصد طرفي العقد أو أحدهما التعامل على محل موجود حالاً ثم يتبين أنه غير موجود, فالعقد يكون باطلاً ولو كان المحل ممكن الوجود في المستقبل, لاتجاه إرادة المتعاقد على شيء موجود يقبضه على الفور, وانعدام المحل في هذا الفرض يمثل عيباً من عيوب الإرادة يترتب عليه بطلان العقد .
الثاني : أن يقصد طرفي العقد التعامل في محل غير موجود حالاً ولكنه ممكن الوجود مستقبلاً.
والأصل أن يكون المحل موجوداً وقت التعاقد لكي يتم البيع صحيحاً, والاستثناء هو جواز بيع المعدوم وفقاً لشروط معينة تختص بها كل حالة من حالات المعدوم, وهي ثلاث حالات :
·الحالة الأولى : وهي وجود الشيء في أصله ثم تكامله, كالثمر بعد طلوعه وقبل بدو صلاحه
فالأصل أنه ليس بمال متقوّم ينتفع به ولا يجوز بيعه أو التعاقد عليه, فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها أو قال حتى تزهو أو قال حتى تؤمن العاهة . أي أنه لا يؤمن عليها من الفساد .
أما إن كانت مما ينتفع بها بحالتها الراهنة فيجوز بيعها بشرط القطع في الحال لأنه لا يؤمن عليها من الفساد مع تركها, لقوله صلى الله عليه وسلم (أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمرة , بم يستحل أحدكم مال أخيه المسلم) .
وجاء في المغني لابن قدامة رحمه الله ( لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام) .
وقسمها كما يلي :
1-أن يشتريها بشرط التبقية, فلا يصح البيع إجماعاً .
2-أن يبيعها بشرط القطع فيصح بالإجماع, لأن المنع كان خوفاً من تلف الثمرة.
3-أن يبيعها مطلقاً فلا يشترط القطع ولا يشترط الترك فالبيع باطل, وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله وأجازه أبو حنيفة باعتبار أن إطلاق العقد بدون شروط يقتضي القطع لأن الأ
صل في عقد البيع القبض حالاً ما لم يتفق أطرافه على خلاف ذلك .
·الحالة الثانية : المحل غير موجود أصلا وقت التعاقد ولكنه محقق الوجود في المستقبل
فالأصل عدم صحة بيع المعدوم كما ذكرنا سابقاً وقد أجمع الفقهاء على عدم بطلان البيع إن كان المحل معدوماً وقت التعاقد وإن كان محقق الوجود مستقبلاً, وأساس المنع يقوم على فكرتي الغرر والجهالة, فالغرر هو ما لا قدرة على تسليمه والجهالة هو ما كان مجهولاً في شيء من عناصره الأساسية كالنوع والمقدار , ومثال ذلك بيع الزيت في الزيتون قبل عصره فالزيت منعدماً حال كونه زيتوناً ومجهول المقدار أيضاً .
غير أن حاجة الناس وتعاملاتهم أوجدت نوعين من أنواع بيع المعدوم صح البيع فيها إن توافرت فيها شروطها وهي :
النوع الأول : بيع السلم
وهو بيع شيء غير موجود بذاته بثمن مقبوض في الحال, على أن يوجد الشيء ويسلم للمشتري في أجل معلوم .
ويشترط في السلم :
1-أن يكون المبيع معلوم ***** والنوع والصفة .
2-أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع .
3-أن يمكن وصفه بحيث لا تبقى من جهالة المبيع شيئاً أو شيء يسير لا يؤثر على طرفي العقد أو أحدهما بالقدر الذي يكون معه غبن فاحش .
4-أن يكون الشيء موجوداً بنوعه لا بذاته, كبيع قدر معلوم من التمر دون اشتراط تمر نخلة بعينها .
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زيداً بن شعبة لما أراد أن يسلم إلى رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال أسلم عليك في تمر نخلة بعينها, فقال عليه الصلاة والسلام أما في تمر نخلة بعينها فلا .
لأن احتمال الغرر في التمر يكاد يكون غير ممكن أما في تمر نخلة بعينها فلا يؤمن الغرر فيها لاحتمال أن لا تثمر أو أن تهلك .
5-قبض الثمن في مجلس العقد , واختلف العلماء في ضرورة قبض الثمن في مجلس العقد وجاء في المغني/ ( 3231 ) مسألة : قال : ( ويقبض الثمن كاملا وقت السلم قبل التفرق ) هذا الشرط السادس , وهو أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد , فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد . وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي .
وقال مالك : يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة وأكثر , ما لم يكن ذلك شرطا .
6-أن يكون السلم إلى أجل معلوم لا إلى أجل مجهول, لقوله صلى الله عليه وسلم (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم , أو وزن معلوم إلى أجل معلوم), وجاء في المغني لابن قدامة/ ( 3222 ) الفصل الثاني , أنه لا بد من السلم كون الأجل معلوما السلم ; لقوله تعالى : ( إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” إلى أجل معلوم ” . ولا نعلم في اشتراط العلم في الجملة اختلافا فأما كيفيته فإنه يحتاج أن يعلمه بزمان بعينه لا يختلف , ولا يصح أن يؤجله بالحصاد والجزاز وما أشبهه . وكذلك قال ابن عباس , وأبو حنيفة , والشافعي , وابن المنذر . وعن أحمد , رواية أخرى , أنه قال : أرجو أن لا يكون به بأس .
النوع الثاني : الاستصناع
وهو أن يلتزم شخص لآخر بأن يصنع له شيئاً غير موجود وقت التعاقد, كحياكة ثوب أو صناعة أثاث منزل, والالتزام هنا التزام على عين لا على عمل وهذا هو الاختلاف الجوهري بين عمل الصانع وعمل الأجير .
ويشترط في الاستصناع ما يلي :
1-أن يبين نوع الشيء المراد صناعته نوعاً وجنساً وقدراً ووصفه وصفاً نافياً للجهالة بحيث لا يبقى تفاوت بين ما تعاقد عليه الطرفان وبين ما استصنعه الصانع أو يكون بينهما تفاوت يسر لا يؤثر على صحة التراضي بينهما .
2-أن يكون محل الالتزام ممكناً فلا يصح التعاقد على ما يستحيل تنفيذه .
والاستصناع يمر بمرحلتين :
المرحلة الأولى : من وقت التعاقد إلى وقت رؤية المشتري للشيء المصنوع .
ففي هذه المرحلة يكون العقد غير ملزم لأي من الطرفين ولهما الرجوع عن العقد قبل رؤية المشتري للشيء المصنوع, وسبب ذلك أن الأصل هو عدم جواز بيع المعدوم وجاز الاستصناع استحساناً نظراً لحاجة الناس له في التعامل, فيكون العقد غير ملزم ما بقي محل الالتزام غير موجود .
والمرحلة الثانية : من وقت رؤية المشتري للشيء المصنوع
وفي هذه المرحلة ليس للصانع خيار الفسخ , ولو شاء فسخ العقد والتحلل من التزامه لما مكّن المشتري من رؤية الشيء المصنوع .
أما المشتري فله الخيار إن كان هناك تفاوت بين ما اتفق عليه مع الصانع وبين ما استصنعه, فإن لم يكن هناك تفاوت فلا خيار له, والسبب في ذلك أن التفاوت ينعدم به الرضا فيثبت الخيار للمشتري .
أما في حالة أن يكون الشيء المصنوع متطابقاً مع ما اتفق عليه مع الصانع فلا خيار له في الفسخ لما قد يترتب على الصانع من ضرر نتيجة فساد متاعه .
·الحالة الثالثة : المحل غير موجود أصلاً أو موجود في أصله وهو غير محقق الوجود في المستقبل
ففي كلتا الحالتين لا يجوز البيع سواء كان المحل موجوداً في أصله أو غير موجود أصلاً ما دام في الحالتين غير محقق الوجود لدخول عنصر الغرر في البيع, كشراء تمر نخلة بذاتها قبل أن تثمر أو شراء اللبن في الضرع أو الحمل في بطن أمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر .
هل العبرة في النهي عن بيع المعدوم إنما هي للغر أو للعدم ؟
نجد أن الفقه الإسلامي توسع كثيراً في هذا المجال ليس نهياً عن بيع المعدوم وقت التعاقد بل صيانةً من الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والغرر كما قسمه الفقهاء نوعان :
1-غرر يسير لا يؤثر على صحة العقد .
2-غرر كثير يفسد العقد ويبطله .
وهناك غرر متوسط لا يصل لدرجة الكثير و أكثر من القليل فألحق تارة بالغرر اليسير الذي لا يؤثر على صحة العقد وألحق تارة بالغرر الكثير المفسد للعقد . ويختلف الاجتهاد في تحديد نوع الغرر باختلاف الواقعة غالباً .
وقد نصت المادة 129 من التقنين المدني العراقي المأخوذ من مجلة الأحكام العدلية على مذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله على أنه : (يجوز أن يكون محل الالتزام معدوماً وقت التعاقد إذا كان ممكن الحصول في المستقبل وعُيِّنَ تعييناً نافياً للجهالة والغرر) .
وفي بيع المعدوم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في أعلام الموقعين (1/357-361) “ليس في كلام الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كلام أحد الصاحبة أن بيع المعدوم لا يجوز, لا بلفظ عام ولا بمعنى عام, وإنما السنة النهي عن بيع بعض الأشياء التي هي معدومة, كما فيها النهي عن بيع بعض الأشياء الموجودة . فليست العلة في المنع لا للعدم ولا للوجود, بل الذي وردت به السنة النهي عن بيع الغرر, وهو ما لا يقدر على تسليمه سواء كان موجوداً أو معدوماً.”
مفهوم الغرر في البيوع – حسب القانون