مواد انتهاء عقد الوكالة بين التبسيط والتعقيد

إعداد : محمد أبواليزيد

مراجعة : المحامية مجد عابدين.

في ظل تعقيدات مقننة وممنهجة في إجراءات التسجيل العقاري ، احتل عقد الوكالة مكانة متقدمة في أن يكون الوسيلة الأنجع والأسرع في إضفاء مسحة رسمية على المحررات العرفية بين المتعاملين حيث أن هذا لا يستغرق وقتا ولا يستنزف مالا ، إلا أنه بمراجعة عابرة للمواد القانونية الناظمة لهذا العقد في القانون المدني نجد أنه يكتنفها الكثير من الغموض خاصة فيما يتعلق بانتهاء الوكالة.

وعلى سبيل المثال المادة 714 “المتعلقة بانتهاء الوكالة قد نصت على انتهاءها بالحالات التالية :

1. بانتهاء العمل الموكل فيه

2. أو بانتهاء الأجل المعين للوكالة

3. أو بموت الموكل أو الوكيل

وهنا قد يقول قائل أن النص واضح وصريح ولا اجتهاد مع وجود نص بلغ في وضوحه هذا المبلغ فأضحت الثقافة القانونية السائدة هي انقضاء التوكيل بمجرد موت الموكل أو موت الوكيل.

بعد هذا تأتي الفقرة الأولى من المادة (715) فتدخل بنا في مناطق أكثر ضبابية في هذا الخصوص حين تجيز للموكل في أي وقت يشاء أن ينهى الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك فإذا كانت الوكالة بأجر فأن الموكل يكون ملزما بتعويض الوكيل عن الضرر الذي لحقه من جراء عزله في وقت غير مناسب أو بغير عذر مقبول.

وهنا يصبح عقد الوكالة من الهشاشة لدرجة تتعرض معها مصالح الوكيل والغير لخطر محقق عند قيام الوكيل بإنهاء الوكالة في أي وقت يراه ،

وكان هذا يحدث بالفعل رغم الاتفاق بين طرفي العقد على عدم الإلغاء فزاد اللغط بين الأفراد وزادت قضايا المحاكم مما دعا لتدخل الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة من خلال المنشور الفني رقم (7) للإدارة العامة للبحوث القانونية بمصلحة الشهر العقاري بتاريخ 30/12/1993 والذي تم التنبيه فيه على مكاتب الشهر العقاري ومأمورياتها ومكاتب التوثيق وفروعها والإدارات العامة بالمصلحة بالامتناع عن إلغاء التوكيلات الصادرة من العملاء للبنوك التي تتيح للبنوك بموجبها رهن أو بيع محلات تجارية أو عقارات أو منقولات أو غير ذلك نيابة عن العملاء ضمانا أو وفاءا للمديونيات المستحقة عليهم لصالح البنوك والتي ينص بها على عدم جواز إنهائها أو تقييدها إلا بموافقة كتابية من البنك على ذلك بموجب محرر موثق أو مصدق على توقيع الموكل أو الوكيل عليه.

ومع كل ما تقدم ، فإن الفقرة الثانية من المادة (715) من القانون المدني تنص على أنه:

” إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهى الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه”.

وهنا ، ووفقا لمتطلبات المرحلة التي فرضتها التشابكات في التعامل بالتوكيلات ، سواء كان هذا في الرهون العقارية أو بيع العقارات والسيارات وغير ذلك ،

فقد استظهرت إدارة الفتوى لوزارات الداخلية والخارجية والعدل بمجلس الدولة في فتواها المؤرخة 8/9/2001 ملف 126/9/313 أنه وفقا لما استقرت عليه الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من أن الوكالة عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل أن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل وهي في الأصل من عقود التراضي التي تتم بمجرد أن يتبادل طرفيها التعبير عن إرادتين متطابقتين ما لم يكن التصرف محل الوكالة شكليا وأن حدود الوكالة ضيقا واتساعا يتحدد بما هو منصوص عليه في عقد الوكالة.

وأن الوكالة قد تكون عامة وهي لا تصلح إلا لمزاولة الوكيل أعمال الإدارة فقط نيابة عن الموكل وقد تكون خاصة وهذه لابد من توافرها لقيام الوكيل بأعمال التصرف شريطة أن تتضمن تحديد أنواع التصرفات التي يجوز للوكيل مباشرتها.

وأنه متى كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح الغير فإنه لا يجوز للموكل عزل الوكيل أو إلغاء الوكالة إلا برضاء من كانت الوكالة لصالحه ، وفي هذه الحالة فإن عزل الوكيل لا يكون صحيحا ولا ينعزل بل تبقى وكالته قائمة بالرغم من عزله ، وأنه على الموثق في هذه الحالة أن يتثبت من أن هذه الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو الغير وفي هذه الحالة يمتنع عليه إلغاء التوكيل إلا برضاء من صدرت لصالحه الوكالة.

وأنه متى ثبت أن موضوع الوكالة وكالة خاصة تنطوي على مصلحة للوكيل أو الغير يؤيدها ويعضدها ما ورد في موضوعها من حق الوكيل في البيع لنفسه أو الغير والتوقيع على عقد البيع النهائي والتي تدل دلالة واضحة على أن هذه الوكالة تنطوي على مصلحة للوكيل ومن ثم يمتنع على الموكل إلغاء هذه الوكالة إلا برضاء من صدرت الوكالة لصالحه ويمتنع على الموثق توثيق إقراره بإلغاء هذه الوكالة.

ومع هذا فقد ظل النص الوارد في المادة (714) من القانون المدني في خصوص انتهاء الوكالة : “تنهى الوكالة بانتهاء العمل الموكل فيه أو بانتهاء الأجل المعين للوكالة وتنتهي أيضا بموت الموكل أو الوكيل”.

هو السائد والمسيطر في الثقافة القانونية لدى موثقي مصلحة الشهر العقاري والمتعاملين معها من القانونيين ، فكأن موت أحد طرفي الوكالة هو نهاية المطاف بالنسبة لعقد الوكالة مما تسبب معه الكثير من الضرر للمتعاملين ، وعليه فقد بادرت الإدارة العامة للبحوث القانونية بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق بتعميم المنشور الفني رقم (15) بتاريخ 18/12/2006 وذلك في خصوص ما استظهرته الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة في فتواها المؤرخة 28/2/2000 ملف 88/1/69 التي جاء بها “……………….

أما حيث يخلو العقد من حكم فإنه يرجع إلى أحكام النيابة الاتفاقية باعتبارها المصدر للوكالة ، وأن الأصل أن الوكالة تنتهي بإتمام العمل محل الوكالة أو انقضاء أجلها أو وفاة أحد طرفيها غير أن هذا الأصل ليس من ا لنظام العام فيجوز لطرفيها الاتفاق على ما يخالفه كاستمرارها حتى مع وفاة الموكل ففي هذه الحالة لا تنتهي الوكالة بموت الموكل بل يلتزم بها ورثته في حدود التركة ،

وكذلك الأمر إذا كانت الوكالة لمصلحة الوكيل أو الغير أو إذا كان من طبيعتها ألا تبدأ إلا عند وفاة الموكل كالتوكيل في سداد دين من التركة أو نشر مذكرات وبالنظر إلى أن الأصل في الوكالة أنها تصدر لصالح الموكل فقد قيل بعدم جواز عزل الوكيل إذا كانت الوكالة لصالحه أو لصالح الغير إلا برضاء من كانت الوكالة في صالحه وفي هذه الحالة فإن عزل الوكيل لا يكون صحيحا ولا ينعزل بل تبقى وكالته قائمة بالرغم من عزله وينصرف اثر تصرفه إلى الموكل وأنه إذا كان الأصل في الوكالة أن الموكل لابد أن يكون أهلا لمباشرة التصرف الذي وكل فيه غيره ،

وكذلك الحال بالنسبة للوكيل عند مباشرة التصرف نيابة عن الموكل فإن هذا الأصل لا يؤخذ على إطلاقه فلا يجوز اشتراط استمرار أهلية الموكل لإبرام التصرف حتى تمام إبرامه في حالة الوكالة لمصلحة الوكيل أو الغير.

فإذا كان المشرع بموجب نص صريح قد غل يد الموكل عن إنهاء الوكالة أو تقييدها في هذه الحالة على الرغم من تمام أهليته لذلك فإنه لذات الحكمة يغدو من المتعين القول أنه لا أثر لفقد الأهلية لدى الموكل عند مزاولة الوكيل التصرف إذا كانت الوكالة لصالحه أو لصالح الغير.

لذلك انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى عدم جواز قيام مكاتب التوثيق بإلغاء التوكيلات التي تتضمن شروطا بعدم جواز إلغائها إلا بحضور الطرفين أو عدم إلغائها نهائيا وكذلك التوكيلات المتضمنة شرطا باستمرار التوكيل بعد وفاة الموكل أو فقده أهليته.

وفي السابق تعرض الفقه القانوني لهذه القضية حيث يقول الدكتور / محمد كامل مرسي رئيس اللجنة القائمة على وضع التقنين المدني الحديث:
” تبقي الوكالة بعد وفاة الموكل أو الوكيل إذا وجد اتفاق بذلك هذا الاتفاق قد يكون صريح أو ضمنياً إذا كانت الوكالة قد عملت في مصلحة الموكل وشخص أخر أو من مصلحة الموكل و الوكيل ”

(شرح القانون المدني الجديد – العقود المسماة – عقد الوكالة – ص 320 – طبعة 1949)

ويقول الدكتور / عبد الرازق السنهوري ” …. وانتهاء الوكالة بموت الموكل كانتهائها بموت الوكيل لا يعتبر من النظام العام فيجوز الاتفاق على ما يخالف هذا الحكم فلا تنتهي الوكالة بموت الموكل بل يلتزم بها الورثة في حدود التركة , كذلك لا تنتهي الوكالة بموت الموكل إذا كانت في مصلحة الوكيل أو في مصلحة الغير ………. “

(الوسيط في شرح القانون المدني – الجزء السابع – المجلد الأول – العقود الواردة على العمل المقاولة والوكالة والوديعة والحراسة طبعة دار إحياء التراث العربي ببيروت ص 656 : 659)

ويؤكد الدكتور المستشار / قدر ي عبد الفتاح الشهاوي ” لا تنتهي الوكالة بموت الموكل إذا كانت في مصلحة الوكيل أو في مصلحة الغير ”

(أحكام عقد الوكالة – ص 506 – طبعة 2001)

المستشار/ إبراهيم سيد أحمد تبني الرأي سالف التأكيد وأيد هذا بالعديد من أحكام النقض

(عقد الوكالة فقها وقضاءً – ص 119 – طبعة دار الكتب القانونية بالمحلة 2005)
وفي أحكام محاكم الاستئناف جاء:

” لا تنتهي الوكالة بموت الموكل إذا كانت صدرت لمصلحة الوكيل ”

(استئناف 13/3/1900 عدد 12 ص 174 ، واستئناف 28/12/1932 منشور بمجلة المحاماة عدد 15 رقم 142 ديسمبر 1932)

وجاء في أحكام محكمة النقض :

للعاقدين أن يتفقا على أن تستمر الوكالة رغم وفاة أحدهما على أن تنتقل التزامات المتوفى منهما إلى ورثته ، وهذا الاتفاق كما يكون صريحا قد يكون ضمنيا ولقاضى الموضوع استخلاص الاتفاق الضمني من ظروف العقد وشروطه بأن تكون الوكالة لمصلحة الموكل والغير مثلا ،

وإذن فمتى كان الواقع هو أن المطعون عليه الأول تعهد بموجب عقد رسمي بأن يتنازل عن دين له قبل باقي المطعون عليهم إلى مورث الطاعن ونص في الاتفاق على أن هذا التنازل هو لأجل تحصيل المبلغ من المدينين ودفعه إلى الطاعن الذي يداين المطعون عليه الأول بأكثر منه وكان الحكم المطعون فيه قد كيف هذا الاتفاق بأنه وكالة تعلق بها حق الغير وليس للموكل سحبها أو إسقاطها بغير رضاء وقبول هذا الغير ، فان هذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون .

( الطعن رقم 327 لسنة 20 ق جلسة 1953/1/22 س 4 ص 375 )

أيضا هناك من المصادر ما يؤيد استمرار الوكالة في ظل وفاة أحد طرفيها فقد جاء بمرجع مرشد الحيران إلي معرفة أحوال الإنسان في المعاملات الشرعية – محمد قدري باشا – ص 110 – الطبعة الثالثة 1909 ” تستمر الوكالة الخاصة المرتبة لمصلحة الوكيل أو الغير رغم وفاة أحد طرفيها “..

من خلال ما تقدم نرى أن حماية عقد الوكالة وبالذات حماية الوكيل فيه تعود بنتائج إيجابية على المجتمع والأفراد المتعاملين بهذا العقد لأنه في الحقيقة وواقع الأمر فأغلب عقود الوكالة لا سيما ما يتعلق بعقار أو مركبة هي عقود بيع وما التوكيل الذي تتضمنه إلا لتنصل الموكل من القيام بالإجراءات وانسحابه منها بعد أن قبض ثمن المبيع وأصبح المشتري الوكيل هو المضطر لمتابعة هذه الإجراءات والأجدر تعديل النص القانوني وفق فتاوى الجمعية وذلك ليكون واضحاً وصريحاً بشكل لا لبس فيه ولا غموض

أشكر لكم متابعتكم وآمل التواصل بالنقاش الهادف

الموضوع مستمد من المنشور الفني رقم 10 ، 15 الصادران عن الإدارة العامة للبحوث القانونية بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق وفتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وبعض المصادر على شبكة المعلومات الدولية.

مناقشة مواد انتهاء عقد الوكالة بين التبسيط والتعقيد