بواسطة باحث قانوني
أركان جريمة القتل – لويرزبوك
تقوم جريمة القتل العمد – شأنها في ذلك شأن الجرائم الأخرى – على ركنين : ركن مادي وركن معنوي . أما الركن المادي فإنه يحتوي على النشاط والنتيجة وعلاقة السببية . وأما الركن المعنوي فإنه يتخذ صورة القصد الجنائي
الركن المادي في جريمة القتل
يتكون الركن المادي في جريمة القتل من نشاط ونتيجة وعلاقة سببية . فجريمة القتل من الجرائم ذات النتيجة المادية وهي إزهاق الروح . ومادامت الجريمة لا تقوم إلاّ بحدوث نتيجة مادية ، فإنه من اللازم توافر علاقة السببية بين النشاط والنتيجة .
النشاط في جريمة القتل
النشاط في القتل يتحقق بكل فعل يؤدي إلى الوفاة . فلا عبرة بالوسيلة المستعملة ، كما أن النشاط الإجرامي يمكن أن يكون إيجابيا أو سلبيا .
لا عبرة بالوسيلة المستعملة في القتل :
لا يعتد القانون بوسيلة معينة في القتل . هذا ما يبين من مطالعة المواد 230 وما بعدها من قانون العقوبات . فالمهم هو تحقيق الوفاة من فعل الفاعل ، أيا كانت الوسيلة المستعملة .
فلا يلزم إذن أن تكون الوسيلة المستعملة مما يُستعمل عادة في القتل أو أن تكون صالحة بطبيعتها لإحداث الوفاة . فالوسيلة ليست من أركان القتل. لذلك قُضي بأنه “متى استبانت محكمة الموضوع من أدلة الدعوى وظروفها أن المتهم كان منتويا فيما صدر منه من الاعتداء قتل المعتدى عليه بفعل مادي موصل لذلك ، فلا يهم إذن نوع الآلة المستعملة ، مطواة كانت أم غير ذلك ، مادام الفعل من شأنه تحقيق النتيجة المبتغاة.
كما قضت محكمة النقض المصرية أيضا بأنه ” لا يقدح في ذلك أن الطاعنين استعملا في القتل آلة غير قاتلة بطبيعتها وهي عصا غليظة ، مادامت هذه الآلة تحدث القتل ومادام الطبيب قد أثبت حدوث الوفاة نتيجة إصابة رضية ، يجوز أن تكون من الضرب بعصا “.
كما قُضي بقيام جريمة القتل إذ دفع المتهم المجني عليه في بئر الساقية وعجل عليه متهم آخر بإلقاء حجر كبير عليه وهو في الماء.
فالمهم إذن أن تستظهر المحكمة توافر القصد الجنائي ، أي نية القتل لدى الفاعل . فإذا ضرب شخص آخر بعصا أو بمطواة ففارق الحياة ، فإن على المحكمة أن تجيب على السؤال الآتي : هل كان الجاني قاصدا القتل ؟ الإجابة ليست دائما سهلة وخاصة في الفرض السابق ولكنها ضرورية لأنها تحدد ما إذا كانت الجريمة هي جريمة قتل أم هي جريمة ضرب أفضى إلى الموت . فإذا لم تتوافر نية القتل وتوفى المجني عليه ، فالجريمة هي ضرب أفضى إلى الموت.
وتستظهر المحكمة توافر نية القتل أو عدم توافرها من ظروف وملابسات الحادث وعلاقة المتهم بالمجني عليه وسبب اعتداء الأول على الأخير وهي يمكن أن يقصد المتهم قتل المجني عليه بسبب الخلاف بينهما ؟ فإذا كان الخلاف غير خطير ، فإن نية الجرح والإيذاء هي التي تتوافر عادة لدى المتهم .
وإذا داخل المحكمة شك في توافر أو عدم توافر نية إزهاق الروح لدى المتهم ، فإن الشك يُفسر لمصلحة المتهم وتقضي بعدم توافرها مقتصرة في ذلك على توافر نية الإيذاء والجرح وتكون الجريمة ضرب أفضى إلى موت .
النتائج القانونية المترتبة على قاعدة عدم الاعتداد بنوع الوسيلة :
1 – من سلطة المحكمة أن تعاقب المتهم عن استخدامه لوسيلة لم ترد في قرار الاتهام والإحالة من النيابة العامة. ولا يعد ذلك مخالفة لقادة تقيد المحكمة بقرار الاتهام ، ذلك أن هذا التقيد يقتصر على الوقائع ، فلا تملك المحكمة إضافة واقعة جديدة لم ترد بقرار الاتهام والإحالة . أما نوع الوسيلة المستخدمة ، فهو ليس من باب الوقائع .
2- فيما يتعلق بتسبيب الأحكام :
يترتب على قاعدة أنه لا عبرة بالوسيلة في القتل بعض النتائج على مستوى تسبيب الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة :
أ – لا يخطئ الحكم إذا ما أخطأ في تحديد نوع السلاح الذي اُستخدم القتل . فلا يعيبه أنه وصف السلاح بنوع معين بينما مواصفاته كما وردت في حيثيات المحكمة ترشح لنوع آخر من السلاح . فخطأ المحكمة هذا لا يعيب الحكم ولا يرتب ضرورة التعرض له بالنقض من جانب محكمة النقض.
ب – لا يعيب الحكم عدم تحدثه عن الوسيلة التي استخدمت في القتل إذا تحدت عن أن المتهم ضرب المجني عليه مثلا بآلة راضة قاصد قتله ، دون تحديد نوع تلك الآلة ، مادامت الوفاة قد حدثت فعلا من استعمال تلك الآلة . فهذه العناصر تكفي لصحة الحكم . ولا يستوجب عدم تحديد نوع السلاح الذي استخدم في القتل نقض الحكم.
3 – فيما يتعلق بالقتل بالوسائل المعنوية :
تثور مشكلة مدى جواز الاعتداد بالوسائل المعنوية في القتل . فقد أنكر البعض أن يُسأل شخص عن جريمة قتل إذا روى خبرا مفجعا لشخص آخر مريض يمكن أن يقضي عليه هذا الخبر ، كما لو أخبره كذبا ب وفاة ابنه في حادثة أو بخسارة أمواله وتجارته كلها . ويستند ذلك إلى أن ا لقتل هو إزهاق للحياة عن طريق المساس بالجسم. فالفاعل يصل إلى نفس المجني عليه مباشرة دون المرور بحسمه.
لكن رأيا آخر في الفقه يتجه إلى التسوية بين الوسائل المادية والوسائل المعنوية على أساس أن المادة 234 من قانون العقوبات استخدمت صيغة عامة ” من قتل نفسا ” دون أن تحدد وسيلة القتل . فيستوي لدى المشرع إذن استعمال الوسائل المادية أو الوسائل المعنوية.
غير أن هذا يثير صعوبة على مستوى علاقة السببية ، إذ يجب أن يكون هذا الخبر هو سبب الوفاة. وجدير بالذكر أن هناك عاملا آخر بجانب الخبر المفجع ، وهو مرض المجني عليه فيتعين على المحكمة أن تحدد : هل الخبر هو الذي أدى إلى الوفاة أم المرض هو الذي أنتج هذا الأثر ؟ أم الاثنان معا ؟ وفي الحالة الأخيرة ، يلزم تحديد أيا من العاملين كان له الدور الأكبر في الوفاة ، فإذا كان المرض قد وصل إلى درجة أن أي خبر مفجع يسبب الوفاة فإن علاقة السببية تكون قائمة بين المرض والوفاة وليس بين الخبر المفجع والوفاة . وبالتالي فإن المشكلة تقوم على مستوى علاقة السببية ، مع افتراض التسوية بين الوسائل المعنوية والوسائل المادية .
ويترتب على عدم اشتراط وسيلة معينة للقتل أن الحكم بإدانة الشخص عن جريمة قتل لا يعد معيبا مستوجبا النقض إذا خلا من بين الآلة المستخدمة في القتل ، لأن طريقة القتل ليست من البيانات الجوهرية التي تلتزم المحكمة بالتحدث عنها في الحكم ، مادام قد ثبت لديها وقوع القتل فعلا . ولهذا فإن محكمة النقض قضت بأنه ” وحيث أنه وقد اقتنعت المحكمة بأن المجني عليه قتل عمدا ، فإنه لا يعنيها بعد ذلك أن التحقيق لم يكشف عن الطريقة ا لتي قُتل بها على وجه اليقين وذلك بسبب حرص الجناة على إخفاء هذه الطريقة وما أقدموا عليه في سبيل تحقيق ذلك من وضع الجثة على شريط السكة الحديد يمر عليها القطار ويقطع أوصالها على النحو الذي وجدت عليه ، على أن الذي تستنتجه المحكمة من وجود الدماء على العصا وعلى سلاح الشرشرة اللتين وجدتا في منزل القتيل هو أنهما استعملتا في إزهاق روحه “.
السلوك الإيجابي أو السلوك السلبي :
يستوي وفقا للرأي الراجح فقها والسائد قضاء أن يكون النشاط في الجريمة سلوكا إيجابيا أو سلوكا . والمقصود بالنشاط الإيجابي هو ذلك الذي يعبر عن تدخل من جانب الفاعل بقصد إحداث النتيجة . أما النشاط السلبي فيتمثل في الامتناع أي نكول الفاعل عن التدخل لحيلولة دون حدوث النتيجة .
ويتجه رأي آخر إلى عدم الاعتداد بالنشاط السلبي على أساس فلسفي وأساس قانوني . أما الأساس الفلسفي فيتلخص في أن الامتناع عدم وأن العدم لا يمكن أن يترتب عليه وجود ، وهو وقوع جريمة من الجرائم ذات النتيجة . أما الأساس القانوني لهذا الرأي فإنه يعتمد على انتفاء علاقة السببية بين النشاط والنتيجة لوجود عامل آخر فعّال هو الذي أحدث النتيجة بشكل مباشر.
وإذا طبقنا ذلك على جريمة القتل يتضح التالي :
أولا – بالنسبة لجريمة القتل الخطأ :
لا تُثار مشكلة قانونية حول النشاط السلبي إذا كان القتل خطأ لأن الإهمال صورة من صور النشاط في هذه الجريمة . والإهمال هو بالطبيعة نشاط سلبي : ” من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح ” ( مادة 238 عقوبات ) . فبالإضافة إلى الإهمال يعتبر عدم مراعاة القوانين واللوائح من قبيل الخطأ غير العمدي .
ثانيا – بالنسبة لجريمة القتل العمد :
ظهر خلاف في الرأي وخاصة فيما يتعلق بالتفرقة بين المساهمة الأصلية في جريمة القتل العمد والمساهمة التبعية بالمساعدة .
(أ) أثار الامتناع مناقشات فقهية من ناحية صلاحيته لاعتباره نشاطا في القتل. ويسود هذا الرأي الفقه والقضاء الفرنسي الذي لا يتصور وقوع القتل العمد بناء على مجرد الامتناع.
ويستند الرأي المنكر للنشاط السلبي في القتل إلى نفس الحجج التي قُيل بها للنشاط السلبي في الجرائم بوجه عام . فالامتناع عدم وهو كذلك لا يمكن أن يكون سببا كافيا لإزهاق الروح . ويُضاف إلى ذلك حجة عملية مفادها أن غير ذلك يؤدي إلى مسئولية كل شخص يرى المجني عليه مهددا بخطر الموت ولا يتدخل رغم ذلك ، كمن يشاهد غريقا ولا يقوم بإنقاذه أو الطبيب الذي يرفض إجراء عملية جراحية لمريض في حالة خطيرة . فمن التوسع غير المقبول أن يسأل كلاهما عن جريمة القتل العمد . وقد تأثرت بعض أحكام قديمة للقضاء المصري بهذا الرأي ، كالحكم الذي أصدرته محكمة دكرنس الجزئية في 22 فبراير سنة 1933 عندما قضت بأن جريمة التبديد لا تثبت في حق الحارس إذا امتنع عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على مال محجوز عليه ، حال زراعته. ومن أمثلة ذلك أيضا حكم محكمة جنايات الزقازيق في 9 فبراير سنة 1925 الذي قضى ببراءة أم تركت وليدها يهلك بعد ولادته بامتناعها عن تغذيته.
غير أن الرأي الراجح في الفقه يتجه إلى المساواة بين النشاط الإيجابي والنشاط السلبي ، أي أنه يؤيد وقوع القتل بالامتناع ، وذلك في حالة وجود التزام قانوني أو اتفاقي بالقيام بعمل معين . فالأم التي لا تقوم بتغذية طفلها بقصد التخلص منه ترتكب جريمة قتل . كما يقوم الالتزام القانوني إذا وقع من الفاعل فعلا ضارا كمن تسبب في الحريق بإهمال ، فهو يلتزم بأن يقوم بإطفاء هذا الحريق أو من يتسبب في حادثة ، فإنه يلتزم بإسعاف المجني عليه. وجدير بالذكر أن القضاء المصري يعتبر الامتناع بمثابة نشاط سلبي في جريمة القتل الخطأ . تطبيقا لذلك قُضي بأن يرتكب جريمة القتل الخطأ حارس مجاز السكة الحديد إذا لم يبادر إلى تحذير المارة في الوقت المناسب وتنبيههم إلى قرب مرور القطار وتراخى في إغلاق المجاز من ضلفتيه ولم يستعمل المصباح الأحمر في التنبيه. وكذلك قُضي بمسئولية حارس المنزل ( صاحبه ) الذي يهمل في صيانته فينهار ويصيب سكانه بالأذى فيقتل بعضهم ويصاب سائرهم بجراح.
لذا نرى أنه على الرغم من عدم تعرض القضاء في مصر للقتل العمد بطريقة الامتناع ، فإن النشاط في القتل يمكن أن يكون سلبيا ، طالما أن التزاما قانونيا يقع على عاتق الفاعل. من ذلك الأم التي تمتنع عن تغذية وليدها أو كان هناك التزام تعاقدي كمن يصطحب شخصا كفيفا ، فلا يحذره من خطر داهم يحدق به .
ب – المساهمة التبعية في القتل :
الاشتراك في القتل يقع إما بالتحريض أو بالاتفاق أو بالمساعدة ، شأنه في ذلك شأن الاشتراك في سائر الجرائم . وواضح أن التحريض أو المساعدة يكفيان لإضفاء وصف الشريك على شخص لم يقم بدور إيجابي في الجريمة . أما المساعدة فقد اختلف حولها الرأي .
فقد ذهب رأي في الفقه إلى أن المساعدة كوسيلة للاشتراك تقتضي أن يصدر من الشريك سلوك إيجابي ، فلا مساعدة يمكن تصورها بمجرد الامتناع . ويستندون في ذلك إلى تعبير المادة 40 – ثالثا عقوبات التي يجري نصها على أن ” من أعطى الفاعل أو الفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها .. ” . غير أن ذلك مردود عليه بأن نفس المادة أضافت إلى إعطاء السلاح والأشياء الأخرى قولها ” أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها ” . فالمساعدة – في رأي اتجاه آخر في الفقه – كما تكون بعمل إيجابي تكون بسلوك سلبي أزال الفاعل بامتناعه عن قيامه عن القيام بواجبه القانوني عقبة كان يمكن أن يحول دون وقوع الجريمة ، كالخفير الذي يرى الجريمة ترتكب ولا يحرك ساكنا لمنعها مع قدرته على ذلك.
لكن محكمة النقض قد صدر منها حكم غير حديث اتجهت فيه إلى استبعاد الاشتراك بالامتناع بقولها : ” لا جدال في أن الاشتراك في الجريمة لا يتكون إلاّ من أعمال إيجابية ولا يترتب أيضا عن أعمال سلبية ”. ولم تصدر بعد ذلك أحكام حديثة من القضاء المصري عن حالات الامتناع عن القيام بواجب قانوني أو تعاقدي . فهل إذا كان النشاط في المساهمة الأصلية صورة الامتناع ، أليس يمكن أن تقوم المساهمة التبعية بناء على الامتناع ؟ القول بعدم تصور المساهمة التبعية بالامتناع يتناقض مع الاعتداد بهذا الامتناع كنشاط للمساهمة الأصلية .
صور الامتناع السلبي :
يتخذ السلوك السلبي صورتين ، الأولى – الامتناع البحث ، الثانية ، الامتناع المصاحب لسلوك إيجابي .
الصورة الأولى : الامتناع البحت
وفيها لا يصدر أي سلوك إيجابي للفاعل بل إنه يقف موقفا سلبيا يتمثل في الامتناع عن القيام بعمل يلزمه القانون أو الاتفاق على القيام به .
الصورة الثانية : الامتناع المصاحب لسلوك إيجابي
وفيها يقوم الفاعل بنشاط إيجابي ثم يتبعه نشاط آخر سلبي وتتحقق النتيجة تبعا لذلك بسبب الاثنين معا . ومن الأمثلة على ذلك ما قضت به محكمة النقض من أنه ” لا نزاع في أن تعجيز شخص عن الحركة بضربه ضربا مبرحا وتركه في مكان محروما من وسائل الحياة بنية القتل يعتبر فعلا عمدا ، متى كانت الوفاة نتيجة مباشرة لتلك الأفعال. ففي هذا المثال يصدر من الفاعل نوعان من النشاط ، أولهما إيجابي وثانيهما سلبي . ومن جملة هذه الأنشطة تتحقق النتيجة وهي الوفاة .
ويتحقق نفس الغرض في حالة ما إذا صدم قائد سيارة أحد الأشخاص بدون قصد وبدلا من أن يتوقف لنقله إلى المستشفى فضل الفرار هاربا من المسئولية وتوفى المصاب متأثرا بجراحه بينما كان يمكن إسعافه . فهناك نشاط إيجابي يتمثل في القيادة المسرعة ونشاط سلبي يتمثل في الامتناع عن نقل المصاب إلى المستشفى . وهذان النوعان من النشاط يمثلان وحدة واحدة ويمكن إقامة علاقة السببية بين هذه الأنشطة مجتمعة وتحقيق النتيجة وهي الوفاة . غير أن المسئولية هنا تقوم عن القتل الخطأ ، لأن الفاعل في النوعين من النشاط لم يكن قاصدا إحداث النتيجة ، وهي قتل المجني عليه .
ولكن لا يتغير الأمر إذا ت وقف قائد السيارة وحاول إسعاف المجني عليه ولكنه توفى رغم ذلك ، فهو مسئول عن قتل خطأ طالما أن قيادته كانت خاطئة وتسبب بذلك في وقوع الحادثة . غاية الأمر أن القاضي يأخذ في اعتباره هذا السلوك عند الحكم بالعقوبة عليه ، فيميل عندئذ إلى التخفيف .
أما إذا كانت الحادثة تُعزى إلى الخطأ ، ولكن السائل عندما تبين أن المجني عليه هو عدو من أعدائه تعمد تركه يموت ، فإن هذا الامتناع يمثل نشاطا يصلح لقيام جريمة القتل . ذلك أنه قام بالإخلال بالتزام قانوني بأن يتوقف السائق لينقذ المضرور من الحادثة . ومصدر هذا الالتزام هو ا لفعل الضار.
وجدير بالذكر أن توقف السائق لا يكون التزاما حيث يخشى السائق
على حياته بسبب هذا التوقف من اعتداء الناس عليه .
إزهاق الروح
نتيجة في جريمة القتل
أهمية النتيجة :
تتحقق جريمة القتل ت تامة عند لحظة حدوث النتيجة وهي الوفاة . أما قبل ذلك فإن الجريمة تكون في حالة شروع ، وعلى هذا فإن جريمة القتل من جرائم الضرر وليست من جرائم الخطر ، طالما أن النتيجة المادية يلزم أن تحدث حتى تصبح الجريمة تامة . فإذا اعتدى الفاعل على المجني عليه قاصدا قتله ولكنه أُسعف بنقله إلى المستشفى ، وفي أثناء محاكمة الفاعل عن شروع في قتل توفى المجني عليه ، فإن على المحكمة أن تعدل وصف التهمة من الشروع في قتل إلى جريمة القتل التامة . وجدير بالذكر أن ف رقا يقوم بين الجريمتين من ناحية العقوبة . فهي أشد في حالة القتل عن الشروع في قتل .
(ب) النتيجة قد تحدث آجلا أو عاجلا :
قد يفارق ا لمجني عليه الحياة فور الفعل كما في حالة إطلاق الرصاص عليه في مقتل ، وقد لا يموت إلا بعد فترة زمنية تطول أم تقصر . فلا عبرة بتأخر الوفاة عدة أيام أو عدة شهور طالما أن ا لفعل هو الذي سبب الوفاة ، أي علاقة السببية تقوم بين النشاط والنتيجة.
تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بمسئولية شخص عن جريمة القتل عندما طعن آخر بمطواة قاصدا قتله مع أن المجني عليه لم تزهق روحه إلاّ بعد علاج دام ثمانية وخمسين يوما بالمستشفى من أثر جرح في تجويف الرئة.
فإذا توفى المجني عليه في أثناء محاكمة الفاعل عن شروع في قتل ، فإن المحكمة تعدل وصف التهمة من شروع في قتل إلى القتل . وعليها في هذه الحالة أن تنبه المتهم إلى حدوث تعديل في التهمة حتى يقدم دفاعه على هذا الأساس .
أما إذا توفى المجني عليه بعد الحكم على المتهم من محكمة الجنايات عن شروع في قتل ( ذلك أن ا لشروع في قتل هو من الجنايات ) فإنه لا يجوز إعادة محاكمة المتهم مرة أخرى عن القتل ، لأنه لا يجوز محاكمة شخص عن فعل واحد مرتين . والمقصود بالفعل هنا هو النشاط . وليس للنيابة العامة أن تطعن في الحكم على أساس الخطأ في تطبيق القانون أو في تفسيره . فحكم المحكمة الصادر عن تهمة الشروع في قتل قبل أن يموت المجني عليه حكم صحيح وقت صدوره ولم تخطئ المحكمة في حكمها .
الشروع في قتل :
تتحقق جريمة الشروع في قتل في فرضين :
الفرض الأول : عدم تحقق النتيجة
يتحقق الشروع في حالة عدم تحقق النتيجة رغم البدء في التنفيذ بغرض ارتكاب القتل في حالتين :
الحالة الأولى : الجريمة الخائبة
وفيها يقوم الفاعل بالنشاط كاملا ولكن لا يتحقق غرضه رغم ذلك ، كمن يطلق الرصاص على المجني عليه ولا ينجح في إصابته و من أو من يقدم لغيره السم فيمتنع عن تناوله . وبالتالي فإن عدم حدوث النتيجة يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه .
وقد يصيب الفاعل المجني عليه في جسمه ولكن يتم إسعافه . وبالتالي لا تتحقق النتيجة وهي الوفاة . فالأمر في كلتا الحالتين من قبيل الشروع ، وذلك إن إنقاذ المجني عليه من الوفاة هو سبب خارج عن إرادة الفاعل . وهذه الحالة هي من قبيل الشروع ، مثلها في ذلك مثل الحالة التي لا ينجح فيها الفاعل في إصابة المجني عليه ، غاية الأمر أن للقاضي أن يحكم بعقوبة أشد في حالة إصابة المجني عليه عن الغرض الذي لم تتحقق فيه إصابته .
الحالة الثانية – الجريمة الموقوفة :
لا يتمكن الفاعل في هذه الجريمة من القيام بالنشاط المكوّن للجريمة ، بسبب لا دخل لإرادته فيه ، كمن يتربص أمام منزل المجني عليه وهو مسلح انتظارا لإطلاق الرصاص عليه ، ولكنه يتم القبض عليه في هذه الحالة ، وقبل أن يقوم بالنشاط المكوّن للجريمة .
وعلى الرغم من عدم إتيان الفاعل للنشاط المادي المكوّن للقتل ، فإن تربصه أمام منزل المجني عليه ليس من قبيل الأعمال التحضيرية ، بل إنه بدء في التنفيذ بالمعيار الشخصي المعروف في الشروع ، ذلك أن الفاعل لو تُرك لارتكب جريمة القتل حالا ومباشرة ، وهذا هو مضمون المعيار الشخصي في الشروع .
الفرض الثاني : تحقق النتيجة وانقطاع علاقة السببية
قد يُسأل الفاعل عن ا لشروع في قتل رغم تحقق لنتيجة وهي وفاة المجني عليه إذا انقطعت علاقة السببية بين نشاط الفاعل والنتيجة . وتنقطع علاقة السببية في حالتين :
الحالة الأولى : تدخل عامل غير مألوف بين النشاط والنتيجة
تنقطع في هذه الحالة علاقة السببية بين نشاط الجاني ووفاة المجني عليه بسبب عامل لاحق على النشاط . هذا العامل يلزم أن يكون غير مألوف حسب المجرى العادي للأمور حتى يقطع علاقة السببية بين نشاط الجاني ووفاة المجني عليه . ومن أمثلة العامل غير المألوف وقوع خطأ جسيم من الطبيب في أثناء إجراء عملية جراحية للمجني عليه أو تعمد المجني عليه تسوئ حالته لتشديد المسئولية الجنائية للجاني أو حدوث واقعة غير متوقعة كحريق بالمستشفى الذي نقل إليها المجني عليه .
الحالة الثانية : وجود عامل غير متوقع في أثناء النشاط
وهنا يتوافر العامل غير المتوقع في أثناء إتيان الفاعل للنشاط فتدخل هذا العامل ليس كالحالة الأولى ، يحدث بشكل لاحق بعد النشاط ولكنه كان سابقا على النشاط و معاصرا له . وهو كما في الحالة الأولى قد أسهم بشكل مباشر في حدوث النتيجة ، بل إن دوره كان أكبر في حدوث النتيجة . ومن أمثلة ذلك أن يكون المجني عليه مريضا بمرض خطير عجل بوفاته ، بحيث يمكن القول أنه إذا كان المجني عليه صحيح البدن لكان قد قاوم الإصابة وأمكن إنقاذه .
والقاعدة التي تبناها القضاء في تحديد تأثير المرض على علاقة السببية أن يكون المرض من النوع الغريب وغير المألوف . أما إذا كان من النوع كثير الحدوث، فإنه لا يقطع علاقة السببية ، إذ على من يقدم على فعل الإيذاء أن يتوقع أن يكون المجني عليه مريضا بما يساهم في إزهاق روحه . ومن الأمثلة على مساهمة المرض المتوقع في حدوث الوفاة أن تكون إصابة المجني عليه في غير مقتل كما لو كانت في ساقه أو في كتفه . وبسبب إصابة المجني عليه بمرض السكر فإن إسعافه كان صعبا بسبب نزيف الدم المتواصل مما عجل بوفاته.
وأيا ما كان الأمر فإنه يلزم لاعتبار المرض عاملا غير مألوف يقطع علاقة السببية أن يكون الجاني غير عالم به ، لأنه إذا كان عالما به وأطلق على المجني عليه النار أو طعنه بمطواة قاصدا قتله ، فإنه إنما أراد أن يستفيد من تأثير هذا المرض ويستغله لصالحه في إحداث النتيجة . فالمرض أصبح وسيلة يستفيد بها الجاني ، و من ثم فعلاقة السببية تتوافر في حالة العلم به .
حكم الاستحالة من الشروع :
قد يبدأ الفاعل في التنفيذ ولا تحدث النتيجة أي يتواجد في حالة جريمة موقوفة أو جريمة خائبة ، على الرغم من ذلك فإن الجريمة لا يمكن أن تقع إذا ترك وشأنه ، فالجريمة إذن مستحيلة . والتساؤل هنا هو : هل البدء في التنفيذ يُعد شروعا في قتل ، إذا كان هذا القتل مستحيلا ، كما لو كان المجني عليه ق د فارق الحياة أو أنه لم يكن بالمنزل في أثناء ترصد الجاني له مسلحا بقصد قتله؟
وقد ثارت مشكلة الجريمة المستحيلة في الفقه وهل يشترط توافر المحل أي المصلحة محل التجريم لكي يُعد الفعل شروعا ؟
في هذا الموضوع ظهرت نظريتان : الأولى ، تقوم على التمييز بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية ، والنظرية الثانية تعتمد على التمييز بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية .
تتجه النظرية الأولى إلى عدم اعتبار البدء في التنفيذ من قبيل الشروع إذا تخلف شرط قانوني في الجريمة ، كما لو كان المجني عليه قد فارق الحياة لحظة البدء في التنفيذ . ذلك أن جريمة القتل تشترط لوقوعها أن ترد على إنسان حي . أما الاستحالة التي ترجع إلى الوسيلة ، كما لو تناول الجاني مسدسا لقتل المجني عليه ، ولما أراد أن ينفذ جريمته اتضح أن ما يمسكه بيده مسدس أطفال أبدله زوجته بالمسدس الحقيقي لفشلها في إقناعه بالعدول عن مشروعه الإجرامي .
أما أصحاب نظرية التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية ، فإنهم لا يوافقون على التوسع الذي يؤدي إليه تطبيق النظرية الأولى من حيث مجال الشروع . ذلك أن كل بدء في التنفيذ يُعد شروعا بحسب النظرية السابقة ن ما عدا تخلف شرط يفرضه القانون . وبدلا من ذلك فإن أنصار نظرية الاستحالة المطبقة والنسبية يركنون إلى معيار تهديد المصلحة المحمية . فإذا كان البدء في التنفيذ يهدد هذه المصلحة بالخطر فإن الشروع يُعد قائما والعكس بالعكس . ومن ثمّ فإنهم يرون أن الاستحالة المطلقة لا ينبعث عنها تهديد . ومن أمثلة الاستحالة المطلقة أن يكون التهديد بمسدس أطفال أو أن يكون القتل بعصا رفيعة مع أن المجني عليه قوي البنية . ففي كل حالة لا يمكن فيها أن تحدث النتيجة ، فإن الاستحالة هي من النوع المطلق . وبالتالي لا محل للقول بالشروع ، على الرغم من البدء في التنفيذ ويدخل أنصار هذه النظرية في مجال الاستحالة المطلقة حالة تخلف شرط قانوني في المصلحة ، كما لو كان المجني عليه قد فارق الحياة قبل البدء في التنفيذ ( وهو فرض الاستحالة القانونية عند النظرية الأولى).
أما الاستحالة النسبية فهي تتوافر في كل حالة لا يستطيع فيها الجاني تحقيق النتيجة بسبب ظروف خاصة بالواقعة كما لو كان المسدس فارغا من الرصاص مع أنه مسدس حقيقي ، كما لو أفرغه ش خص آخر عندما علم بنية الجاني في استخدامه . ومن الأمثلة الأخرى أيضا حالة عدم تواجد المجني عليه بالمنزل الذي يتربص أمامه الجاني . ففي هذه الحالة كان يمكن أن يؤدي هذا البدء في التنفيذ إلى إحداث النتيجة لو أن المسدس كان معبئا بالرصاص ولو كان المجني عليه بالمنزل . إذن فالاستحالة هي من النوع النسبي ويُسأل الفاعل عن شروع في قتل.
ويتبنى القضاء المصري نظرية التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية. وعلى ذلك قضت محكمة النقض في خصوص جريمة الشروع في القتل بالسم بأنه : ” متى كانت المادة المستعملة للتسمم صالحة بطبيعتها لإحداث النتيجة المبتغاة ، فلا محل للأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة “. كما قضت بأنه يرتكب جريمة الشروع في التسميم من وضع زئبق في أُذن المجني عليه بقصد قتله ، على الرغم من أن ذلك لا يؤدي إلى التسمم إلاّ إذا وجدت جروح بهذه الأُذن . وهو ما لم يكن كذلك. كما قُضي بوقوع ا لشروع في النصب إذا كان المجني عليه عالما بالوسائل الاحتيالية فلم ينخدع بها طالما أن الرجل العادي كان يمكن أن ينخدع بها.
وقد أكدت محكمة النقض المصرية تبنيها لمعيار ا لتفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية عندما قضت بأنه لا تعتبر الجريمة في عداد الجرائم المستحيلة إلاّ إذا لم يكن في الإمكان تحققها مطلقا كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البتة لذلك …. أما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن لم تتحقق بسبب ظرف آخر خارج عن إرادة الجاني فإنه لا يصح القول بالاستحالة . فإذا كان الثابت أن الطاعن الأول ” أطلق النار على المجني عليه من بندقية خرطوش عيار 16 قاصدا قتله فأصابه في أُذنه اليسرى ، ودلّ تقرير الطب الشرعي أنه أُصيب بجرح سطحي بأعلى صيوان الأُذن اليسرى حدث من طلق ناري أطلق من مثل إحدى البندقيتين الخرطوش عيار 16 وعيار 12 وأن كلا من البندقيتين صالحة للاستعمال وأُطلقت في وقت يتفق وتاريخ الحادث ، فهذا يكفي لتحقق جريمة الشروع في القتل . أما كون المجني عليه لم يُصب إلاّ برش واحد ، فلا يفيد استحالة ارتكاب الجريمة بها لأنه ظرف خارج عن إرادة الجاني قد يحول دون إتمامها. كما قضت المحكمة بأنه “لا يشترط لقيام جريمة تقليد العملة الورقة أن يكون التقليد متقنا بحيث ينخدع به حتى المدقق ، بل يكفي أن تكون الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة في التعامل.
تعدد الجناة ولحظة الوفاة :
لتحديد لحظة الوفاة أهمية كبيرة في حالة تعدد الجناة مع عدم وجود رابطة للمساهمة الجنائية بينهم . فإذا قام تشخصان بإطلاق الرصاص على ثالث دون أن يتواجد بينهما اتفاق مسبق ، أو حتى تفاهم لحظة وقوع الجريمة ، فإن كلا منهما يقوم بالنشاط مستقلا عن الآخر كما لو لم يكن عالما بأن هناك شخصا آخر يريد قتل المجني عليه أو سمع ثوت عيار ناري أطلقه آخر على المجني عليه ولم يكن متفقا أو متفاهما مع هذا الشخص . ولما خُيل إليه أن المجني عليه لم يصبه المقذوف أطلق هو عليه النار . فإذا ثبت أن الرصاصة الأولى هي التي قتلت المجني عليه فور إصابته ، فإن هذا يعني أن ا لشخص الثاني أطلق الرصاص على شخص كان قد فارق الحياة ، فهو لا يرتكب جريمة قتل ، كما أنه لا يُنسب إليه شروع في قتل . أما الشخص الأول فإنه يُسأل عن جريمة قتل تامة . لكن الاستعداد للقتل والتربص له يُعد شروعا فيه طالما كان المجني عليه حيا في ذلك الوقت ، كما في المثال السابق .
وتوزيع هذه المسئولية يختلف فيما لو كان الاثنان على اتفاق مسبق على القتل أو توافر لديهم تفاهم على مسرح الجريمة ، أو توافر قصد التداخل لدى أحد المساهمين للانضمام في مشروع الجريمة التي ينفذها المساهمون الباقون . في هذه الحالات يُسأل كل منهما باعتباره فاعلا أصليا في جريمة القتل . ولا عبرة بتحديد لحظة الوفاة ، لوجود مشروع إجرامي واحد ضمّ المساهمين ، وترتب على ذلك قيام التضامن في ا لمسئولية عن النتيجة .
أما إذا لم يتوافر اتفاق أو تفاهم أو حتى قصد التداخل وأطلق اثنان النار على شخص واحد ، ولم يمكن للخفير تحديد من منهما صاحب الرصاصة القاتلة ، فإن الاثنين يسألان عن شروع في قتل على الرغم من وفاة المجني عليه ، عملا بالقدر المتقين منه . غير أن أحكاما للنقض المصري عاقبتهما بوصفهما شريكان مع فاعل مجهول ، عملا أيضا بفكرة القدر المتيقن منه. ولكننا نرى أن الرأي الأول أكثر منطقية من الرأي الثاني خاصة وأن عقاب الشريك هو نفس عقاب الفاعل الأصلي .
عدم العثور على الجثة :
تقوم جريمة اقتل تامة بالوفاة ، حتى ولو لم يتم العثور على الجثة ، طالما تبين للمحكمة على وجه اليقين أن المجني عليه قد فارق الحياة بالفعل . فلا يحول من محاكمة المتهم أنه قام بإخفاء الجثة أو بتقطيعها أو بإحراقها . والحقيقة أن وجود الجثة يُعد أمرا هاما ، إذ إنه الدليل القطعي على حدوث الوفاة، لكن هذا الدليل يمكن أن يتأتى من شهادة الشهود في حالة إخفاء الجثة .
علاقة السببية في القتل
المقصود بعلاقة السببية وأهميتها :
يلزم في جريمة القتل شأنها في ذلك شأن كل جريمة مادية أن يكون النشاط هو الذي تسبب في حدوث النتيجة ، وهو ما يطلق عليه علاقة السببية .
والأمر يكون واضحا إذا كان سلوك الفاعل هو السبب الوحيد في الوفاة ، كمن يطلق الرصاص على شخص ، فيموت حالا أو من يقدم السم في طعام إلى آخر فتحدث الوفاة بالتسمم حالا ، غير أن علاقة السببية تثير بعض المشكلات القانونية في حالتين :
الحالة الأولى : تراخي حدوث النتيجة
في هذه الحالة تتداخل عوامل أخرى لتساهم مع فعل الفاعل في إحداث النتيجة . ومن ذلك أن يهمل المجني عليه في علاجه أو أن يخطئ الطبيب في أثناء إسعافه للمجني عليه . وهنا يثور التساؤل حول السبب الذي ينسب إليه النتيجة . هل إلى إصابة المجني عليه بالرصاص أم هل إلى إهمال المجني عليه ، أم هل إلى خطأ الطبيب ؟ هل تُعزى النتيجة إلى أحد العاملين ، أم كلاهما معا ، وما مدى مسئولية الفاعل في هذه الحالة الأخيرة ؟
السببية القانونية والسببية الطبيعية :
تختلف السببية القانونية عن السببية الطبيعية كما يحددها الطبيب . فإذا قرر هذا الأخير بعد فحص الجثة أن ا لوفاة ترجع إلى نزيف داخلي نتج عن ضغط على المخ مما أدى إلى انفجاره بسبب التأخير في نقل المجني عليه إلى المستشفى ، فإنه يتحدث عن السبب الطبيعي للوفاة . أما القانونيون فإنهم يتحدثون عن السببية من الوجهة القانونية . فإحداث جرح نافذ برأس المجني عليه يجعل نشاط الفاعل سببا للوفاة . وما التأخير في نقل المجني عليه إلى المستشفى إلاّ بأمر مألوف بحسب ظروف الواقعة أو المكان .
معيار علاقة السببية :
تتنازع علاقة السببية نظريتان : الأولى ؛ نظرية تعادل الأسباب والثانية نظرية السببية الملائمة .
أما بالنسبة لنظرية تعادل الأسباب فإنها تعطي لكافة الأسباب دورا في حدوث النتيجة دون تمييز بينها .غير أنه إذا كان بين هذه الأسباب فعل إنساني ، فإن النتيجة تُنسب إلى هذا الفعل . فإذا أطلق شخص عيارا ناريا بقصد قتل آخر وتمّ نقله إلى المستشفى ، حيث اشتعلت النار بها فتوفى المصاب في الحال ، فإن علاقة السببية تقوم بين النشاط وإزهاق الروح ويُسأل الفاعل عن جريمة القتل ، لأنه لولا إطلاق النار على المجني عليه لما نُقل إلى المستشفى ولما تعرض لخطر الحريق .
ولا يختلف الأمر إذا أخطأ الطبيب خطأ جسيما في أثناء إجرائه لعملية جراحية فإنه وإن كان هناك عاملان إنسانيان : السلوك العمد من الفاعل والسلوك الخاطئ من الطبيب ، فإن النشاط الأول في التسلسل السببي هو الذي تُنسب إليه النتيجة. وبالتالي فإن إطلاق الرصاص على المجني عليه هو السبب الذي ترتبط به النتيجة وهي الوفاة، إذ لولا هذا النشاط لما نقل إلى المستشفى ولما كان هناك خطأ جسيم من الطبيب .
ويوجه النقد إلى نظرية تعادل الأسباب بسبب أنها تؤدي إلى التوسع في مسئولية الفاعل ، بحيث تُنسب كافة النتائج إلى الفعل الأول الذي حرّك التسلسل السببي ، أيا كانت قوة الأسباب التي تتداخل بعد ذلك وتأثيرها ومدى توقع حدوثها . ومن ناحية أخرى فإنها تترك تساؤلا كبيرا دون إجابة وهو الآتي : إذا طعن شخص آخر بمطواة قاصدا قتله ، ثم بعد ذلك حضر شخص آخر دون اتفاق معه فألقى المجني عليه في النهر ، فأجهز عليه بذلك ، وكانت الحالة السيئة التي عليها المجني عليه قد سهلت على المتهم الأخير إتمام مهمته ، فإذا قلنا بأن النتيجة تُعزى إلى المتهم الأول ، فما هي مسئولية المتهم الثاني ؟ وهل تُنسب جريمة القتل إلى الاثنين سويا مع أنه لا يوجد مساهمة جنائية بينهما أي لا يتوافر اتفاق أو تفاهم ؟
لما كانت نظرية تعادل الأسباب تلقي بالمسئولية على الفاعل الأول ، فإن نظرية السببية الملائمة تفضلها في أنها تقيم التفرقة بين الأسباب ولا تعتد فقط بالسبب الأول الذي حرك التسلسل السببي للأحداث . فهي تسند النتيجة إلى السبب الذي تتوافر فيه الإمكانات الموضوعية لإحداث النتيجة وتستبعد العوامل الأخرى التي تتداخل والتي يكون حدوثها مألوفا بحسب المجرى العادي للأمور. ولذا فإن هذه النظرية الأخيرة تصل في تطبيقها إلى نتائج مختلفة عن نظرية تعادل الأسباب . فالأسباب التي تتدخل ولا تكون مألوفة بحسب المجرى العادي للأمور كالحريق الذي يشب بالمستشفى وكخطأ الطبيب الجسيم ، هذه العوامل تقطع علاقة السببية بين نشاط الجاني وإزهاق الروح . ولا يُسأل الفاعل عندئذ إلاّ عن شروع في قتل .
ويميل القضاء المصري إلى تبني نظرية السببية الملائمة ، على الرغم من أن بعض أحكامه تصرح بأن علاقة السببية تقوم إذا أمكن تصور حدوث النتيجة ولو لم يرتكب الفعل . فنظرية السببية الملائمة أيضا لا يتصور أن تنسب النتيجة إلى عامل لم يكون ضروريا في إحداثها أي إذا كانت النتيجة
سوف تحدث على أية حال سواء تواجد هذا العامل أم لم يتواجد .
عدم انقطاع علاقة السببية :
لا تنقطع علاقة السببية في حالتين :
1- إهمال المجني عليه في العلاج :
لا تنقطع علاقة السببية في رأي محكمة النقض في حالة توافر أسباب أو عوامل أخرى ، طالما كانت مألوفة بحسب المجرى العادي للأمور . لذلك قضت محكمة النقض بأن علاقة السببية تقوم رغم إهمال المجني عليه في العلاج. كما قضت المحكمة بأن المجني عليه لا يُلزم بإجراء عملية جراحية من شأنها أن تعرضه للخطر أو أن تحدث له آلاما مبرحة وأنه إذا رفض ذلك وتوفى أثر مضاعفات من جروحه ، فإن الفاعل يُسأل عن القتل العمد باعتبار أنه كان عليه وقت ارتكاب فعلته أن يتوقعها. كما قضت بأنه لا يدفع مسئولية المتهم أن المجني عيه أو ذويه رفضوا بتر ساقه وأن هذا البتر كان يُحتمل معه نجاته.
2 – مرض طارئ أصاب المجني عليه :
فما يصيب المجني عليه من مرض طارئ أو من مضاعفات من الإصابة التي أوقعها به المتهم لا تقطع علاقة السببية ويُسأل هذا الأخير عن الوفاة إن هي حدثت طالما كان المرض أو المضاعفات أمرا مألوفا بحسب المجرى العادي للأمور .
3 – انقضاء مدة بين الفعل والوفاة :
طول المدة المنقضية بين الإصابة وبين الوفاة لا تقطع علاقة السببية . تطبيقا لذلك قُضي أن المتهم بالقتل العمد مسئول عن وفاة المجني عليه التي لم تحدث إلاّ بعد ثمانية وخمسين يوما طالما كان ذلك أمرا متوقعا وفقا للمجرى العادي للأمور.
– انقطاع علاقة السببية :
تنقطع علاقة السببية بين الفعل والوفاة إذا تداخل ب ينهما عامل غير متوقع . ويستوي في العامل غير المتوقع الذي يقطع علاقة السببية أن يكون ناتجا عن فعل إنسان لم يتفق معه الفاعل أو بفعل الطبيعة كما في مثال الحريق الذي يسب بالمستشفى.
دراسة موسعة لجريمة القتل تحليلات و مناقشات للدكتورة شيماء عطالله