كل ما يتعلق بعقد البيع وآثاره وكيفية فسخه

عقد البيع وآثاره.. وكيفية فسخه

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

يعد عقد البيع من أهم العقود وأكثرها انتشارا وممارسة في الحياة البشرية قديما وحديثا، ويقترن بوجود الحياة الاجتماعية بين الناس، فيسهل لهم التعاون في تبادل المنافع والاموال، فإذا كان المال هو عصب الحياة، فإن الإنسان ينفق نسبة كبيرة منه لشراء ضروراته وحاجياته وكمالياته، وهذا الشراء يقتضي ان يكون هناك عقد بيع ولهذه الاهمية أهتم المشروع الحكيم به وفصل في أحكامه، وكذلك نجد في القوانين الوضعية هذا الاهتمام بعقد البيع فقوانين المعاملات في كل دولة تتناول عقد البيع وتفرد له مواد وفصولاً عديدة لكثرة ما يثور حوله من نزاعات تتطلب الفصل العادل من القضاء.

تعريفه ومشروعيته:
البيع لغة: يطلق على التمليك والتملك، وفي الشرع: (مبادلة عين مالية ولو في الذمة أو منفعة مباحة بأحدهما على التأييد غير رباً ولا قرض). وهو مشروع في الكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى: {وأحل الله البيع} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض). والبيع هو من عقود المعاوضة التي لابد ان يكون هناك مقابل للمتعاقدين سواء كانت نقوداً، أو عيناً، أو منفعة أو عملاً أو غيرها.

أركان عقد البيع وأنواعه:
أركان عقد البيع أربعة: وهي: العاقدان، والمعقود عليه، والصيغة، وصيغة البيع تكون بألفاظ تدل على الايجاب والقبول أو بما يدل على الرضا وهو المعاطاة وعلى هذا يكون هناك نوعان من عقد البيع:
بيع الإيجاب والقبول:
فالإيجاب مثل ان يقول بعتك أو ملكتك أو اي لفظ يدل عليهما، والقبول مثل ان يقول اشتريت او قبلت ونحوهما، ولا يصح البيع إلا بلفظ أمر، أو ماض فقط، ويصح ان يقدم القبول على الايجاب، وكذلك تراخي أحد العاقدين على القبول ماداما في مجلس العقد، ما لم ينشغلا بما يقطعه عرفاً، ويصح التعاقد بالمراسلة عند الغائب، وبالكتابة.

بيع المعاطاة: وهو التعاقد دون إيجاب وقبول مثل ان يقول المشتري اعطني بهذا الدينار خبزاً فيعطية أو يقول البائع: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه المشتري. وهذا البيع جائز، لان الحاجة تدعو إليه وأكثر أنواع البيوع في هذا العصر من بيع المعاطاة.

شروط عقد البيع:
اشترط الفقهاء في عقد البيع اثني عشر شرطاً، وهي موزعة على أركان البيع، فهناك شروط تتعلق بالعاقدين، وشروط تتعلق بالمعقود عليه، وشروط تتعلق بالصيغة وهي:
أولاً: شروط العاقدين: يشترط في العاقدين ما يلي:
– الرشد إلا في شيء يسير: وهو ان يكون العاقد سواءً كان بائعا أو مشتريا جائز التصرف بأن يكون بالغا، عاقلاً، غير محجور عليه لسفه أو غفلة، فلا يصح بيع الصبي ولا المجنون، ولا السفيه ما لم يأذن الولي به لمصلحة، وإذن الولي يكون بتفويض البيع والشراء إليهم.
– الرضا: فيشترط في البيع التراضي بين العاقدين مع توافر ارادة حرة واختيار تام، وذلك بأن لا تكون الإرادة منعدمة أو معيبة بأحد العيوب، فيشترط في الإرادة سلامتها بأن تكون متفقة تماماً مع الإرادة الباطنة والرضا الحقيقي الذاتي للمتعاقد، وتكون الإرادة منعدمة في حالة الإكراه، ومعيبة في حالتي الغبن والتدليس.
فالغبن هو توهم يصور للعاقد غير الواقع واقعاً، فيحمله على التعاقد، وينتج عن ذلك غبن فاحش، مثل ان يشتري ما ثمنه عشرون بمائة دينار، أو يبيع ما ثمنه مائة بعشرين دينار، وتقدير ما إذا كان في العقد غبن فاحش أم لا يرجع على العرف ورأي أهل الخبرة.
والتدليس هو ان يدلس البائع على المشتري، ما يزيد به الثمن، كتصرية اللبن في الضرع وهو حرام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)، ورغم ان الغبن يكون موجوداً في التدليس والغبن إلا ان الفرق بينهما هو ان الغبن لا يكون متعمداً من البائع وربما يكون البائع نفسه وقع في غلط جعله يتصور غير الواقع واقعاً أما في التدليس فيكون البائع هو الذي تعمد وتسبب في وقوع المشتري فيه قاصداً غشه وحمله على التعاقد رغم علمه بأن المشتري لو تم لحاله لما اقدم على التعاقد.
والإكراه هو إجبار الشخص بغير حق على ان يعمل عملاً دون رضاه، مثل حمله على التعاقد على البيع أو الشراء بتهديده، أو إجباره بالقوة، وإخافته من ضرر جسيم يقع على نفسه أو ماله أو من يهمه أمرهم كأفراد أسرته واقاربه بحيث لا يرضى بوقوع ذلك الضرر عليهم حتى لو ادى إلى ان يفقد أمواله، والإكراه بالحق مثل ان يجبر الحاكم الشخص على بيع أمواله لسداد ديونه، أو على بيع الرهن لاستيفاء ما رهن لاجله وغيرها فإذا كان الإكراه بحق فهو جائز والبيع صحيح اذا تم دون الإضرار ضرراً بليغا به في الثمن.

ثانيا: شروط الصيغة: أربعة وهي كما يلي:
اتحاد المجلس: وهو ان يكون القبول في مجلس الايجاب قبل التفرق ودون ان يكون بينهما فاصل يفهم منه في العرف ان من وجه إليه الإيجاب لم يكن راغباً في القبول.
توافق القبول بالإيجاب: فيجب ان يكون القبول على وفق الايجاب في النقد والصفة والحلول والاجل دون ان يكون هناك اي تغيير، فلو قال البائع بعتك هذا بعشرة دنانير، فقال اشتريها بثمانية لم ينعقد البيع، ولو قال بعتك بثمانية دنانير فقال اشتريتها بثمانية دراهم لم ينعقد البيع، أو قال بعتك بعشرة حالاً فقال اشتريتها بعشر مؤجلاً لم ينعقد البيع، وهكذا فإذا خالف القبول الإيجاب اي شيء لم ينعقد البيع.

ثالثاً: شروط المعقود عليه: يشترط في المعقود عليه، وهو الشيء المبيع ستة شروط هي:
– ان يكون مالاً، وهو كل ما يمكن الانتفاع به مطلقاً في غير حاجة ولا ضرورة، مع جوازه شرعاً، فإمكانية الانتفاع وحدها لا تكفي، بل يجب ان يكون مباحاً من الشارع الحكيم إلا في حالة الضرورة والحاجة ووفقاً لضوابطها.
– ان يكون المبيع مملوكاً لبائعه ملكاً تاماً، وانعدام الملكية التامة مثل ان يكون قد اشترى المبيع من احد ويكون لبائعه خيار فسخ العقد أو إمضائه، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك)، وكذلك إذا كان المبيع ليس ملكاً للبائع يجب ان يكون مأذوناً له بالبيع من مالكه أو من الشارع الحكيم، مثل الوكيل الشرعي وولي الصغير والمجنون والسفيه وناظر الوقف. ويصح في المذهب الحنفي بيع الفضولي اذا اجازه مالك المبيع، والفضولي هو من يتصرف في شيء ليس مملوكاً له دون إذن له من مالكه.
ان يكون المبيع مقدوراً على تسليمه حال العقد: لان ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم، والمعدوم لا يصح بيعه، لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وهو ما تردد بين امرين، فلا يصح بيع دين لغير مدين، ولا بيع سمك بماء إلا إذا كان مرئياً بماء محجوز يسهل أخذه منه، ولا طائر بمكان يصعب اخذه منه ولا في الهواء.
معرفة الثمن والمثمن للعاقدين: والمعرفة تكون إما بالوصف، أو المشاهدة حال العقد أو قبله بزمن يسير لا تتغير فيه العين عادة تغيراً ظاهراً.
– ان يكون البيع مؤبداً ومنجزاً غير مؤقت او معلق على شرط مثل ان جاء رأس الشهر أو ان رضي زيد.
– خلو الثمن والمثمن والمتعاقدين من موانع الصحة: فلا يصح بيع محرم كالبيع الذي فيه ربا، ولا بيع موقوف بلا مسوغ، ولا بيع مرهون بلا إذن مرتهن ولا يصح البيع بعد نداء الجمعة.

الشروط في البيع:
وهي تختلف عن شروط صحة البيع التي تقدم الحديث عنها فهي شروط مقترنة بالبيع، بمعنى أن البيع يكون صحيحاً ومكتملاً أركانه وشروطه، إلا ان هناك شروط يشترطها أحد العاقدين لمصلحته، وتثير نزاعاً احياناً بين المتعاقدين، وهي تنقسم إلى نوعين: شرط صحيح لازم، وشرط فاسد مبطل للعقد:

أولا: الشرط الصحيح اللازم: وهو على ثلاثة أنواع هي:
– شرط مقتضى العقد: كأن يشترط احد المتعاقدين شيئا هو من مقتضيات العقد بحكم الشرع ولا يتم البيع بدونه، كالتقايض، وخيار المجلس، وحلول الثمن، وغيرها، وهذا الشرط لا يؤثر في العقد فوجوده كعدمه لانه بيان وتأكيد لمقتضي العقد.
– شرط لمصلحة المشترط: كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله، أو اشتراط كفيل أو رهن معين بالثمن، أو تأجيل بعضه إلى وقت معلوم، أو الاشهاد، أو اشتراط صفة معينة في المبيع فإن وجد المشروط لزم البيع وإلا فللمشترط فسخ العقد لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم).
اشتراط منفعة المبيع للبائع مدة معلومة: يصح ان يشترط البائع للمشتري منفعة ما باعه له مدة معلومة، كسكنى الدار شهراً.

ثانياً: الشرط الفاسد: وهي ايضاً ثلاثة أنواع هي:
– شرط فاسد مبطل للبيع، كشرط بيع آخر، أو سلف، أو قرض، لهذا يبطل العقد لانه بيعتان في بيعة وهي منهى عنها، والنهي يقتضي الفساد، مثل بعتك بكذا دينار على ان آخذ منك دينار بكذا درهم، ومثل بعتك على ان تبيعني كذا، أو تقرضني.
– شرط فاسد غير مفسد للبيع: وهو شرط في العقد ينافي مقتضاه، نحو ان يشترط الا خسارة عليه، أو ان يبع بشرط إلا يبيعه المشتري أو ان لا يهبه، أو ان يشترط عليه وقف المبيع، فهذا الشرط باطل في ذاته ولكنه لا يبطل البيع فيصح البيع ولا يعمل بالشرط.

شرط فاسد يمنع اتعقاد البيع: كبعت أو اشتريت ان رضي زيد، أو جاء كذا وهو البيع المعلق على شرط، فمثل هذه الشروط ان وجدت في العقد تبطله، وتحول دون انعقاد البيع من اساسه.
بيع البراءة من كل عيب:
إذا باع شخص سلعة واشترط على المشتري البراءة من كل عيب بها، أو من عيب كذا ان كان ذلك العيب بها، أو باعه بشرط البراءة مما يحدث بعد العقد، وقبل التسليم لا يبرأ البائع سواءً كان العيب ظاهراً أم باطناً ويعتبر الشرط لا تأثير له على العقد.
حكم المقبوض في بيع فاسد:
المقبوض في بيع فاسد لا يملك به، ولا ينفذ تصرف المشتري فه ببيع أو هبة أو وقف أو غيرها، ويجب على المشتري ضمان المقبوض ببيع فاسد، ويلزمه إعادة الثمن المنفصل والمتصل، واجرة مثل المبيع مدة بقائه في يده سواءً انتفع به ام لم ينتفع.

الخيارات في البيع:
هنالك خيارات في البيع تثبت للمتعاقدين معاً أو لاحدهما، وهو ان يكون له الخيار في امضاء البيع أو فسخه وهي ثمانية أنواع، وهي:
خيار المجلس: وهو مكان التعاقد على اية حال كان المتعاقدان، ويثبت هذا الخيار للمتعاقدين من حين العقد إلى ان يتفرقا بابدانهما عرفاً، ما لم يكن قد اشتراطا على الاخيار بينهما، فيلزم البيع بمجرد العقد، وكذلك يلزم البيع اذا اسقطا خيار المجلس بعد العقد وقبل التفرق لان الخيار حق للعاقد فيسقط بإسقاطه، وإذا اسقطه احد العاقدين دون الآخر يبقى الآخر على خياره.
خيار الشرط: وهو ان يشترط العاقدان او احدهما في العقد او بعده في المجلس بأن لهما الخيار في امضاء العقد أو فسخه إلى مدة معلومة وان طالت. فهذا الشرط صحيح وثبت به الخيار، ويحرم تصرف العاقدين في الثمن والمثمن في مدة الخيار، إلا إذا كان للتجربة، فإذا كان الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه إذا تصرف في المبيع ويسقط به الخيار ويلزم البيع، ويسقط خيار الشرط بالقبول الصريح بإسقاطه، وبالفعل كالتصرف في الشيء المبيع على نحو يدل على قبول المشتري به.

خيار الغبن: وقد تقدم بيانه، وهو يثبت للمغبون فله الحق في فسخ العقد أو الإمساك بالمبيع.
خيار التدليس: ويثبت فيه الخيار للمشتري بين فسخ العقد أو الإمساك بالمبيع.
خيار العيب: وهو نقص في المبيع مما ينقص من قيمته عرفاً، فإذا وجد للمشتري عيباً بما اشتراه فهو بالخيار بين رد المبيع وبين إمساكه مع الارش أو بدونه، والارش هو الفرق في الثمن بين ما اشتراه به وبين الثمن الحقيقي. ويرجع المشتري بالثمن كاملاً، لانه بذل الثمن ليستلم منه مبيعاً سليماً، ولم يثبت المبيع فثبت له الرجوع بالثمن. والسبب في أخذ الارش حال إمساكه ان الجزء الناقص بالعيب يقابله جزء من الثمن، فإذا لم يلم كان المشتري الحق في مقابلة وهو الارش وخيار العيب متراخ فلا يسقط بالتأخير لانه ثبت لدفع ضرر، إلا اذا صدر للمشتري ما يدل على رضاه به بعد علمه كتصرفه فيه ببيع، أو هبة، أو استعمال لغير تجربة.

خيار تفرق الصفقة: ويثبت هذا الخيار للمشتري إذا باعه شخص جميع الشيء، وهو لا يملك إلا بعضه، فيصح في ملكه بقسطه من الثمن ان لم يعلم المشتري بذلك وله الارش ان امساك فيما ينقصه من الثمن التفريق.
خيار الخلاف في قدر الثمن: وهو اختلاف البائع والمشتري في قدر الثمن المباع به فإذا نشأ الخلاف يحلف البائع أولا بأنه ما باعه بكذا وانما باعه بكذا، ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا إنما اشتريته بكذا، وبعد ذلك ان رضي احدهما بقول الآخر، أو نكل احدهما وحلف الآخر، اقدر العقد ويثبت لهما الخيار في فسخه وهذا فذ الخيار ثابت عند الإمام مالك والشافعي دون غيرهما.

– خيار الخيانة في بيوع الامانة: وبيوع الامانة هي:
بيع التولية: وهو البيع برأس المال فقط دون زيادة أو نقصان، ويجب ان يكون الثمن معلوماً.
– بيع الشركة: وهو بيع بعض المبيع بقسطه من الثمن المعلوم للبائع والمشتري.
بيع المرابحة: وهو بيع الشيء بثمنه المشترى به مع ربح معلوم، مثل القول بعتك هذا الشيء بثمنه وهو مائة دينار مع ربح دينارين.
– بيع المواضعة وهو بيع خسران ان البيع بأقل من ثمنه المشترى به، كان يبيعه ما ثمنه مائة دينار بوضيعة دينار من كل عشرة.
ويجب ان يكون رأس المال في جميع هذه البيوع معلوماً لدى البائع والمشتري، وهو يعتمد على امانة البائع.
فإذا تم العقد بناءً على ثمن معلوم وظهر فيما بعد بأنه ثمنه الحقيقي أقل منه كان ذلك خيانة وللمشتري حط الزيادة في بيع التولية والشركة والمرابحة، وينقص الزائد في المواضعة ولا خيار فسخ في هذه الاحوال.

ويثبت الخيار في هذه الاحوال:
أ – اذا قال البائع ثمن المبيع مائة ثم قال فيما بعد غلطت، والثمن زائد عما اخبرت به، فالقول قوله بيمينه، على أن يحلف انه لم يكن يعلم بهذا وقت البيع، والمشتري بالخيار بين الرد ودفع زيادة الثمن.
ب – إذا اشترى البائع السلعة ممن لا تقبل شهادته لهم كأبيه وابنه وزوجته وكتم ذلك عن المشتري فللمشتري الخيار بين الفسخ والاخذ.
ج – لو اشترى البائع السلعة بأكثر من ثمنها حيلة، كشرائها من غلام وكتم ذلك عن المشتري.

كل ما يتعلق بعقد البيع وآثاره وكيفية فسخه

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك