كيف يرتبط  النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والأنظمة القضائية الوطنية

المحامي خليل معتوق
يعتبر الأول من شهر تموز عام 2002 نقطة تحول في تاريخ الإنسانية كونه بمثابة انتصار لإرادة المجتمع الدولي. ففي هذا اليوم دخل النظام الأساسي لمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ بعد أن اصبح العدد الضروري من الدول المصادقة عليه متوافراً.

والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي نحن بصدده هو خلاصة لجهد تاريخي طويل يمكن إيجازه بمايلي :

-1919 أطلقت فكرة “الجرائم ضد الإنسانية” بموجب البنود /227-229/ من معاهدة فرساي التي أبرمت بين ألمانيا والقوى المتحالفة في أعقاب الحرب العالمية الأولى وفي نفس العام أوصت اللجنة المكلفة بالبحث عن مسؤولية مرتكبي الجرائم وتطبيق العقوبات الجنائية بخصوص الجرائم التي ارتكبت بحق الأرض من قبل السلطات التركية في ذلك الوقت.

– 1945 أنشأت القوى المتحالفة محكمتي (نورمبرغ وطوكيو).

– 1948 أعطت الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع وقع جريمة الإبادة الجماعية الصلاحية لقضاء جنائي دولي من أجل محاكمة أشخاص متهمين بارتكاب جرائم الحرب.

– 1950 جرت محاولات في إطار الأمم المتحدة لوضع مشروع نظام أساس لمحكمة جنائية دولية.

-1973 نصت الاتفاقية الدولية للقضاء على قمع جريمة الفصل العنصري على إمكانية تقديم الأشخاص المتهمين بارتكاب تلك الجريمة إلى محكمة جنائية دولية.

– 1980 تم وضع مشروع نظام اساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إلاّ أن ذلك المشروع لم يكتب له النجاح.

-1990 بعد عشر سنوات توصلت لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة على اتفاق مبدئي واسع حول ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية ذات غرض محدد خاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة.

– 1994 تشكلت محكمة جنائية دولية خاصة بالجرائم التي ارتكبت في رواندا.

-1998 إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

– 2002 اصبح النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قائما فأخذ مفعوله بعد مصادقة ستين دولة عليه.

– 2003 البدء الفعلي لعمل المحكمة الجنائية الدولية.

– إن المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تفترض بأن تقوم الدول التي صادقت عليه بمراجعة تشريعاتها وقوانينها الوطنية لكي تتواءم معه.

س- هل يشكل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مساساً بالسيادة الوطنية؟

نصت المادة /17/ من النظام الأساسي على أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحل محل الاختصاصات القضائية الوطنية، وإنما تتدخل حصراً حينما لاتتوافر لدى الدول الرغبة في الاضطلاع بالتحقيق والمقاضاة أو القدرة على ذلك.

وعليه فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يشجع الدول على ممارسة سلطاتها القضائية على الجرائم الداخلة ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية ولايجوز للمحكمة ممارسة سلطاتها القضائية إلاّ أعمالاً للأحكام إذ أن الأصـل أن كل دولة ملزمة بمحاكمة مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، ومن ثم لاينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية إذا قامت الدولة بواجبها في الاضطلاع أو المحاكمة، أما إذا لم ترغب الدولة أو كانت غير قادرة على الاضطلاع بواجبها فإنها تحيل بذلك اختصاصها إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ونخلص من ذلك إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لاتشمل سيادة أجنبية مستقلة عن إدارة الدول، بل أن الدول الأطراف ذاتها هي التي أنشأت تلك المحكمة بإرادتها بموجب اتفاقية دولية ورد النص فيها صراحة على أن المحكمة الجنائية الدولية “… ذات اختصاص تكميلي وليس سيادة على القضاء الوطني”.

ثانياً : في إطار العلاقة مابين النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والأنظمة القضائية الوطنية تثار إشكالية خطر تسليم رعايا الدولة إلى قضاء أجنبي وهو المبدأ الوارد في دساتير العديد من دول العالم، ومدى تعارض هذا المبدأ مع الالتزام بتقديم رعايا الدولة إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا انعقد لها الاختصاص في إجراء المحاكمة.

وهنا يجب أن نفرق مابين… الإحالة إلى المحكمة… والذي هو تقديم الدولة لشخص ما إلى المحكمة و”.. التسليم..” الذي هو تسليم الدولة لشخص ما إلى دولة أخرى، هذه التفرقة الواردة صراحة في نص المادة /102/ من النظام الأساسي يدفعنا إلى القول بأن التسليم إلى دولة أخرى ذات سيادة يختلف تماماً عن الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية كهيئة دولية أنشئت بموجب القانون الدولي وبمشاركة الدول المعنية وموافقتها.

وهذه التفرقة تطرح تساؤلاً أخر مفاده “… هل المحكمة الجنائية الدولية تعد محكمة أجنبية؟ وبهذا الصدد نقول أنها ليست محكمة أجنبية إنما هي امتداد لولاية القضاء الوطني.

وإن الاختصاص الجنائي الوطني يكون له الأولوية على اختصاص المحكمة الجنائية، لكنها تستطيع ممارسة اختصاصها في حالتين هما:

آ- الأول عند انهيار النظام القضائي الوطني.

– عند رفض أو فشل النظام القضائي الوطني في القيام بالتزاماته القانونية بالتحقيق ومحاكمة الأشخاص المشتبه بارتكابهم الجرائم المختصة بها المحكمة الجنائية.

– وحيث أن المحكمة الجنائية الدولية كمحكمة مكملة للاختصاص الجنائي الوطني، فإن تسليم الدول الأطراف شخصياً إلى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ‘نفاذاً للمعاهدة:

آ- لايقلل من سيادتها الوطنية.

ب-لاينتهك السـيادة الوطنية لدولة أخرى (مثل دولة جنسية الجاني

أو المجني عليه).

ج-لاينتهك حقوق الشخص الذي تنقل محاكمته إلى الاختصاص الجنائي المختص.

وأخيراً، وعلى ضوء ما تقدم نجد أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وفي إطار علاقته بالأنظمة القضائية الوطنية يحكمه مبدأ التكاملية والتعاون ولايترتب عليه المس بالسيادة الوطنية للدول الأطراف، إلا أن كل ذلك لاينفي بأن هناك محاولات التفاف على هذه المحكمة وخصوصاً بعد أحداث “11ستنمبر التي تركت أثارها على العديد من القضايا الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وكذلك مبادىء القانون الدولي الإنساني والقضاء الجنائي الدولي الذي تمثل هذه المحكمة عنوانه في هذه المرحلة من حياة البشرية.

ومن ضمن تلك المحاولات قيام الولايات المتحدة بإبرام عدد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأطراف، الهدف منها إفراغ المعاهدة من مضمونها، واحتجاج الدول الكبرى باتفاقيات جنيف واللجوء إلى القضاء الجنائي الدولي، مع أن بعضها هي التي تنتهك تلك الاتفاقيات ولعل ما جرى في العراق مؤخراً خير دليل على ذلك.

ومع كل ذلك فإن إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يجعل العالم كله عن اعتاب مرحلة جديدة عنوانها ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وإننا أمام منظمة عالمية جديدة تهدف إلى تكريس القضاء الجنائي الدولي، تلك المرحلة التي تتطلب تضافر الجهود الإقليمية والوطنية والدولية لدعم المحكمة الجنائية الدولية.

إعداد المحامي خليل معتوق المشارك في الورشة العربية التدريبية المتخصصة حول المحكمة الجنائية الدولية – الورقة المقدمة من القاضي د/محمد الطراونة.

كيف يرتبط النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالأنظمة القضائية الوطنية