ما هي الحكومة الإلكترونية؟

مدخل لفهم الحكومة الإلكترونية ..في ظل ماهو قائم

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

للمحامي جواد المقداد

فتحت “الثورة التقنية”ومنذ بدايات التسعينات ,آفاقا واسعة للتعاملات بين الأطراف المكونة لهذه التعاملات ,من أفراد فشركات وأخيرا أشخاص القانون العام,وفي مقدمتهم “الدولة”والتي بات حرصها على مواكبة التغييرات الجارية ملحوظا ,وسمة أساسية لنشاطاتها, إن المواقع الالكتروني على الانترنت ومجالات الحوار عبرها وتبادل الطروحات وأوجه الرأي على اختلافها لا تعدو بيانا لما سلف,وعليه غدت..”الحكومة الالكترونية” ، “القرار الالكتروني “،، “المشتريات الالكترونية” و” الإدارة الالكترونية”وغيرها ….مصطلحات يجري تداولها في الوقت الحاضر وباتساع ,ولا تعدو مضمونا سوى استمرار لفكرة إعادة خلق الحكومة التي انطلقت مع منتصف التسعينات ، واذا كانت هذه المصطلحات وكمفاهيم تشغل العديد من الفعاليات المؤثرة والفاعلة في الأوساط العربية ومنها سورية ، فانه يمكن القول إن مفهوم الحكومة الالكترونية في البيئة العربية لم يزل مشوبا بالضبابية ،وبلا تصور شمولي لما ستكون عليه الاحوال لدى انجاز الخطط التقنية والتأهيلية والقانونية المقترحة لتوفير متطلبات اطلاق هذه “الحكومة الالكترونية”.

بداية ، وبالنسبة لكلي الحكومتين ، الواقعية أو الافتراضية ,فإنهما تسعيان لتحقيق فعالية وكفاءة عاليتين في تقديم خدماتهما للجمهور وتبادل النشاط بين دوائرهما ومؤسساتهما وتحقيق وفر في كلف الاداء ومصروفاته ، لهذا فان ” فكرة الحكومة الالكترونية تقوم من بين ركائزها على تجميع كافة الانشطة والخدمات المعلوماتية والتفاعلية والتبادلية في موضع واحد هو موقع الحكومة الرسمي على شبكة الانترنت “، في نشاط اشبه ما يكون بفكرة مجمعات الدوائر الحكومية . وتحقيق حالة اتصال دائم بالجمهور ( 24 ساعة في اليوم 7 ايام في الاسبوع 365 يوم في السنة ) ، مع القدرة على تامين كافة الاحتياجات الاستعلامية والخدمية للمواطن . وتحقيق سرعة وفعالية الربط والتنسيق والاداء والانجاز بين دوائر الحكومة ذاتها ولكل منها على حده . و تحقيق وفرة في الانفاق في كافة العناصر بما فيها تحقيق عوائد افضل من الانشطة الحكومية ذات المحتوى التجاري.

بمراجعتنا لذلك وفي إطار التجارب العالمية نجد في التجربة الأمريكية ومن حيث المساحة الأرحب للاهتمام ,فقد انصب على المشتريات الحكومية وعلى العلاقات التجارية بين قطاعات الحكومة ومؤسساتها وبين الجمهور ومؤسسات الاعمال في القطاع الخاص ، وهو ما يترجم الذهنية الاقتصادية السائدة في امريكا ، بينما عكست التجارب الأوروبية هاجس العمل على حماية وخدمة المستهلك او المواطن المستفيد . وبين هذين الاتجاهين تتجاذب تجارب الدول النامية المنقولة والتي لا تعدو مجرد نماذج مستنسخة , وإذا كان يمكن التجاوز عن استنساخ اي تطبيق من تطبيقات تقنية المعلومات فان الحكومة الالكترونية لابد من أن تنأى عن “الاستنساخ” إذا أردناها ناجحة وفاعلة ، كونها يجب أن تتأسس على البناء الخاص للحكومة الواقعية أولا و الأداء الخاص بالموظف الحكومي ثانيا وعلى الثقافة الخاصة بمجتمع المواطنين ,إجمالا .

وإذا كانت بعض المفاهيم للحكومة الالكترونية ترتكز على تجميع الخدمات في موضع واحد ، فان مفاهيم اخرى تناقض هذه الفكرة ، اذ لا يرى البعض حاجة لانتهاج مسلك التجميع بل يمكن ان يتحقق الانجاز افضل ان تم انشاء اكثر من مركز للعمل الحكومي الالكتروني ، ومن ثم يثر التساؤل حول النظامين المركزي واللامركزي وايهما افضل في الواقع التطبيقي . وبذا فالحكومة الالكترونية تعيد امتحان كافة النظريات الادارية والدستورية للحكم ، بل ربما تعيد طرح فكرة العقد الاجتماعي ذاته الذي فسر اساس السلطة في الدولة . ولهذا فإنها تمثل البيئة الكفيلة بتحقيق خدمات المواطنين واستعلاماتهم من جهة ,وتحقيق الأنشطة الحكومية للدائرة المعنية من دوائر الحكومة بذاتها او فيما بين الدوائر المختلفة باستخدام شبكات المعلومات والاتصال عن بعد في اطار مفهوم متكامل لعناصر ومتطلبات الادارة والاداء والانتاج والتفاعل في المجتمع .من جهة أخرى .

إن بناء الحكومة الالكترونية يعني الاخذ بالحسبان كل ما تمارسه الحكومة في العالم الحقيقي ، سواء في علاقتها بالجمهور او علاقة مؤسساتها بعضها ببعض او علاقتها بجهات الاعمال الداخلية والخارجية . انها بحق اعادة تشكل وبناء وتكوين ما هو قائم ووضعه في نطاق البيئة الرقمية التفاعلية . لهذا فان محتوى الحكومة الالكترونية يتضمن أولا محتوى معلوماتي يغطي كافة الاستعلامات تجاه الجمهور او فيما بين مؤسسات الدولة او فيما بينها وبين مؤسسات الاعمال . ومحتوى خدمي يتيح تقديم كافة الخدمات الحياتية وخدمات الاعمال على الخط ,ثانيا ومحتوى اتصالي ( وهو ما يسمى خلق المجتمعات ) يتيح ربط انسان الدولة واجهزة الدولة معا في كل وقت وبوسيلة تفاعل يسيرة ,أخيرا .

وأيا كان الانجاز ومستوياته في بناء الحكومة الالكترونية فان ثمة حاجة لتحديد الاولويات من حيث القطاعات المستهدفة بعملية الاتمتة ، وهذه مسالة محكومة بظروف كل مجتمع ومحكومة بخطة التكامل المستقبلية لادماج كافة القطاعات ، وهنا تظهر اول معالم الاصالة في مقابل الاستنساخ ، فاذا كانت الاولوية مثلا في مجتمع ما تتصل بقطاعات الاستثمار ، فربما تكون في مجتمع آخر لازمة وضرورية في قطاعات الصحة والتعليم .

والحكومة الالكترونية وفق منطق الاحتياجات في الدول النامية ، يتعين ان تكون وسيلة بناء اقتصاد قوي وتساهم في حل مشكلات اقتصادية ، وتكون وسيلة خدمة اجتماعية تساهم في بناء مجتمع قوي ، ووسيلة تفاعل باداء اعلى وكلف اقل وهي ايضا وسيلة اداء باجتياز كل مظاهر التاخير والبطء والترهل في الجهاز الحكومي .

وان تكون اهم وسيلة للرقابة لما تتمتع به النظم التقنية من امكانيات التحليل والمراجعة آليا وبشكل مؤتمت للانشطة التي تتم على الموقع ، فاذا نظر اليها من هذه الابعاد حققت غرضها ، وبغير ذلك ربما تكون وسيلة اعاقة ان لم يخطط لبنائها بالشكل المناسب وضمن رؤية واضحة

وثمة متطلبات عديدة لبناء الحكومة الالكترونية ، سياسية أولا ,ثم تقنية وتنظيمية وإدارية وقانونية وبشرية لكن ابرزها واهمها وضع تصور دقيق لحل المشكلات القائمة في الواقع الحقيقي قبل الانتقال الى البيئة الالكترونية ، وللتمثيل على اهمية هذا المتطلب نضرب المثال بشان محتوى الحكومة الالكترونية ، إذ يجب على الحكومات ان تقوم بتوفير المعلومات اللازمة بمواطنيها عبر الانترنت, حيث يجب ان تتواجد سياسية يتم بموجبها تحديد جميع الوثائق والمعلومات والنماذج الحكومية مباشرة عبر الانترنت ,فكل وثيقة حكومية جديدة او معلومات جديدة يجب وضعها مباشرة على الانترنت وفي هذا الاطار فان اكبر مشكلة تواجهنا هي مشاكل التوثيق القائمة في الحياة الواقعية ، اذ ليس ثمة نظام توثيق فاعل يضع كافة وثائق العمل الحكومي في موضعها الصحيح بالوقت المطلوب ، فاذا ما كان هذا واقع العمل الحقيقي فان من الخطورة الاتجاه لبناء الحكومة الالكترونية قبل انهاء المشكلة القائمة في الواقع غير الالكتروني .

كذلك حل مشكلات قانونية التبادلات التجارية وتوفير وسائلها التقنية والتنظيمية ، ذلك ان جيمع المبادلات التي تتعامل بالنقود يجب وضعها على الانترنت مثل امكانية دفع الفواتير والرسوم الحكومية المختلفة مباشرة عبر الانترنت ، وجعل هذه العملية بينية بمعنى انها تردد لتشمل كل من يقوم لاداء التعاملات التجارية مع المؤسسات الحكومية . وتوفير البنى والاستراتيجيات المناسبة الكفيلة ببناء المجتمعات ، فبناء المجتمعات يتطلب انشاء وسيط تفاعلي على الانترنت يقوم بتفعيل التواصل بين المؤسسات الحكومية وبينها وبين المواطنين وبينها وبين مزوديها بحيث يتم توفير المعلومات بشكل مباشر عن حالة اية عملية تجارية تم تأديتها في وقت سابق اضافة الى استخدام مؤتمرات الفيديو لتسهيل الاتصال بين المواطن والموظف الحكومي .

ويعد موضوع الاطار القانوني للحكومة الالكترونية اكثر الموضوعات حساسية وأهمية ، مع اننا لا نرى في الواقع العربي أي نشاط تشريعي فاعل يراعي هذه الأهمية ، فالعلاقات فيما بين الجهات الحكومية والافراد في شتى الميادين ومختلف القطاعات تاسست على تعبئة الطلبات والاستدعاءات الخطية والمكتوبة ، وتسليم الاصول والحصول على مستندات رسمية .. الخ من الوقائع التي تجعل علاقة المواطن بالموظف الحكومي لا يحكمها غير الورق والكتابة ، وليس اي ورق وانما في الغالب نماذج حكومية وليست اية كتابة وانما في الغالب كتابة موثقة ضمن مفهوم المستندات الرسمية المقرر قانونا .

ووثمة اشكالات في ميدان انظمة الرسوم والطوابع وعمليات استيفائها , وثمة مشكلات تتصل باجراءت العطاءات الحكومية وشرائطها الشكلية واشكالات تتصل بوسائل الدفع وقانونيتها ومدى قبول القانون للدفع ( القيدي – نسبة للقيد ) كبديل عن الدفع النقدي .

وثمة اشكالات في ميدان حماية امن المراسلات الالكترونية في ظل غياب استراتيجيات امن شمولية في بيئة المؤسسات العربية سواء في القطاعين العام او الخاص ، ومن جديد يطفو على السطح التساؤل حول حجية التعاقد الالكتروني وحجية الاثبات بالوسائل الالكترونية ، وثمة خشية من ان يكون التكامل الرقمي على حساب السرية وعلى حساب الخصوصية وحريات الافراد ، وفي ظل غياب قواعد المساءلة الجنائية على العبث بالكمبيوتر والشبكات واساءة استخدامها وعلى الانشطة الجرمية المرتكبة بواسطتها ثمة خشية على امن التعامل سواء فيما بين المؤسسات الحكومية او بينها وبين الجمهور .

لهذا فان المسالة الجوهرية في سلامة بناء الحكومة الالكترونية ادراك ان الحكومة الالكترونية تتطلب الوقوف على كافة تشريعات النظام القانوني القائم وهي لا تحتمل ان يشرع لها بقالب تشريعي جاهز قد يكون مناسبا في بيئة مغايرة وغير مناسب في البيئة المحلية .

المحامي

جواد محمود المقداد

ما هي الحكومة الإلكترونية؟

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك