بواسطة باحث قانوني
طرق الاثبات في الفقه الاسلامي
طرق الإثبات :
* الطريق الأول : الشهادة .
تعريفها /
لغة: خبر قاطع.وهي بمعنى الحضور ومنه قوله تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )(4)
وشرعاً: لها عدة تعريفات لدى المذاهب وأجمعها ( إخبار صادق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء.(5)
والأصل في الشهادة قبل الإجماع: الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}.(6)،وأما السنة فمثل قوله صلّى الله عليه وسلم لمدعٍ: «شاهداك أو يمينه».(7)، وخبر في السنة: «أنه صلّى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة، فقال للسائل: ترى الشمس؟ قال: نعم، فقال: على مثلها فاشهد، أو دع».(8)
والشهادة هي في المرتبة الأولى في الإثبات في الفقه الإسلامي حيث أن لها حجية مطلقة أمام القضاء في جميع الوقائع والحوادث ولم تقيد بمجال معين ، وحكمها أنه يجب على القاضي القضاء بموجبها بعد توافر شروطها .
كما لا يجوز للشهود كتمانها إذا طالبهم المدعي بها، لقوله تعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دُعوا}(9).
لذا فقد كان المسلمون يقومون بالشهادة امتثالا لهذا الأمر الكريم واحتسابا للأجر من الله تعالى ،ونظرا لأهمية الشهادة وأدائها فإن بعض القوانين في بعض الدول ـ بغض النظر عن هذا الرأي ـ قد جعلت غرامة مالية في حالة ما إذا امتنع الشاهد من المثول أمام المحاكم لأداء الشهادة.
وهذا مالا خلاف فيه بين الفقهاء في وجوب تحمل الشهادة وأدائها ، وهذا في حقوق العباد أما في حقوق الله تعالى فقد ميز الفقهاء في ذلك بين الحدود وغيرها ، فالحدود لا تجب فيها الشهادة بل إن الستر فيها أفضل لصيانة عرض المسلم ، ولا يخفى حديث هزّال الذي حمل ماعزا بالاعتراف عند النبي فقال له النبي ( لو سترته بثوبك لكان خيرا لك )(10)، كما أنه ورد عن النبي أنه لقن المقر في الحدود بالرجوع كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم.
وللشهادة شروط سوف نجملها فيما يلي :
أن يكون الشاهد مسلما فلا تقبل شهادة الكافر ، على تفصيل في شهادة الكافر في بعض المواضع (11)،وأن يكون عاقلاً فلا تقبل شهادة المجنون ولا الصبي الصغير(12)،وأن يكون بالغاً فلا تقبل شهادة الصبي المميز وهذا عند الجمهور وقال الملكية والحنابلة في رواية تقبل في الجراح على مثله(13)، وأن يكون حراً على تفصيل بن المذاهب ، وكونه رشيدا فلا تقبل شهادة المحجور عليه لسفه أو عقل ، وكونه بصيرا ناطقاً ضابطاً عدلاً على خلاف بين الفقهاء في ذلك(14)، وألا يكون محدودا في قذف واختلفوا في قبولها بعد توبته(15)، وألا يكون الشاهد متهما ، ويتحقق ذلك في أمور عدة منها القرابة والخصومة والعداوة وما يستبعد أمره كشهادة البدوي على القروي في المعاملات ونحو ذلك مما هو محل تهمة .
وهناك شروط أخرى ذكرها الفقهاء ليس المقام مقام تفصيل فيها مثل كون الشاهد عالما بالمشهود به وكون الشهادة على علم ويقين واشتراط العدد واتفاق الشهادات مع بعضها وأن يؤديها بلفظ ( أشهد ) على خلاف ، وأن يسبق الشهادة الإنكار(16).
وللفقهاء كلام كثير في نصاب الشهادة في كل موطن بحسبه فمنها ما يشترط فيها شهادة رجلين ومنها رجل وامرأتان ومنها أربعة شهود وهناك شاهد ويمين ، ومنها ما تصح فيه شهادة النساء منفردات في حالات معينة ذكرها الفقهاء تراجع في مظانها.
الشهادة في نظام المرافعات الشرعية
أفرد نظام المرافعات فصلا مستقلا تحدث فيه عن الشهادة كونها طريقا لإثبات الحق ، وأن على المحكمة سماع بينة المدعي متى ما طلب ذلك وتعين المحكمة موعدا لذلك .
جاء في المادة السابعة عشرة بعد المائة: على الخصم الذي يطلب أثناء المرافعة الإثبات بشهادة الشهود أن يبين في الجلسة كتابة أو شفاهاً الوقائع التي يريد إثباتها ، وإذا رأت المحكمة أن تلك الوقائع جائزة الإثبات بمقتضى المادة السابعة والتسعين قررت سماع شهادة الشهود وعينت جلسة لذلك وطلبت من الخصم إحضارهم فيها .
كما نص نظام المرافعات على الاستخلاف في سماع بينة المدعي متى ما كان الشاهد يقيم خارج اختصاص المحكمة
جاء في المادة الثامنة والتسعون :إذا كانت بينة أحد الخصوم في مكان خارج عن نطاق اختصاص المحكمة فعليها أن تستخلف القاضي الذي يقع ذلك المكان في نطاق اختصاصه لسماع تلك البينة كما جاء في المادة الثامنة عشرة بعد المائة :إذا كان للشاهد عذر يمنعه عن الحضور لأداء شهادته فينتقل القاضي لسماعها أو تندب المحكمة أحد قضاتها لذلك ، وإذا كان الشاهد يقيم خارج نطاق اختصاص المحكمة فتستخلف المحكمة في سماع شهادته محكمة محل إقامته .
كما أن النظام جعل للمحكمة تفريق الشهود ومناقشتهم عند إدلائهم بالشهادة ، جاء في المادة التاسعة عشرة بعد المائة :تسمع شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم وبدون حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم على أن تخلفهم لا يمنع من سماعها ، وعلى الشاهد أن يذكر اسمه الكامل وسنه ومهنته ومحل إقامته وجهة اتصاله بالخصوم بالقرابة أو الاستخدام أو غيرها إن كان له اتصال بهم مع التحقق عن هويته والمادة الحادية والعشرون بعد المائة : للقاضي من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب أحد الخصوم أن يوجه للشاهد ما يراه من الأسئلة مفيداً في كشف الحقيقة وعلى القاضي في ذلك إجابة طلب الخصم إلا إذا كان السؤال غير منتج.
الطريق الثاني : اليمين
اليمين هي من الطرق التي يستند إليها القاضي في إصدار حكمه في فصل النزاع وإنهاء الخلاف ، وقبل التعرض لهذا
الطريق نقدم بتعريف لليمين .
اليمين لغة : الحَلِف والقسم .وفي الاصطلاح : لها تعريفات مختلفة ولعلنا نختار منها / اليمين هي : تأكيد ثبوت الحق أو نفيه
أمام القاضي بذكر اسم الله أو بصفة من صفاته(17).
أما عن مشروعيتها فمن الكتاب قوله تعالى :” ويستنبؤونك أحق هو قل إي وربي إنه الحق وما أنتم بمعجزين “(18) في
ثلاث مواضع أمر الله نبيه أن يقسم على الحق ، والله تعالى لا يشرع محرما.
ومن السنة منها قوله صلّى الله عليه وسلم : «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على
المدعى عليه» وفي رواية البيهقي: «ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»(19) .
وحلف عمر لأبي بن كعب على نخيل، ثم وهبه له، وقال: خفت إن لم أحلف أن يمتنع الناس من الحلف على حقوقهم، فتصير
سنَّة.
وأما الإجماع فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحلفون في الدعاوى ويطلبون اليمين في القضاء لفصل الخصومات ولم
يخالف مسلم في ذلك فكان إجماعا .
واللفظ الذي ينعقد به اليمين هو القسم بالله تعالى أو بصفة من صفاته مثل: والله ، ورب العالمين، والحي الذي لا يموت
وأن يكون من غير استثناء فلا تنعقد اليمين اتفاقاً إذا قال: إن شاء الله تعالى، بشرط كونه متصلاً باليمين من غير سكوت
عادي؛ لأن الاستثناء يزيل حكم اليمين (20)،كمالا تدخل النيابة في اليمين، ولا يحلف أحد عن غيره، فلو كان المدعى عليه
صغيراً أو مجنوناً، لم يحلف عنه، ووقف الأمر حتى يبلغ الصبي(21) .
وأن يقول(والله أو بالله أو رب العالمين )، وأما يمين الكافر: فاتفق أكثر الفقهاء(22) على أن الكافر يحلف بالله كالمسلم؛ لأن
ا
ليمين لا تنعقد بغير اسم الله ، لحديث «من حلف بغير الله فقد أشرك» ولما رواه البخاري: «من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال».
واليمين يجب أن تكون جازمة لا مجال فيها للتردد والظن والتخمين .
أما على ماذا يحلف الإنسان ؟ فقد اتفق الفقهاء على أن الشخص يحلف على البت والقطع على فعل نفسه(23)، لحديث ابن عباس أن رسول الله قال لرجل حلفه ( قل والله الذي لا اله إلا هو ماله عندي شي ) (24)، فالحديث صريح في الحلف على البت وهو القطع على فعل نفسه .
أما إذا كان على فعل غيره ففيه خلاف بين الفقهاء منهم من قال على نفي العلم مطلقا ومنهم من قال يحلف على نفي العلم في النفي دون الإثبات ويراجع ذلك في مظانها (25).
كما أن اليمين ـ ونقصد بها اليمين القضائية الموجهة من القاضي أو نائبه لفصل الخصومة والنزاع ـ فتكون باتفاق الفقهاء (26)على نية المستحلف وهو القاضي، فلا يصح فيها التورية ولا ينفع الاستثناء لقوله صلّى الله عليه وسلم : «يمينك على ما يصدّقك به صاحبك» (27).
أما عن شروط اليمين المتفق عليها فهي :
أن يكون الحالف مكلفاً (بالغاً عاقلاً) مختاراً: فلا يحلف الصبي والمجنون، ولا تعتبر يمين النائم والمستكره ،وأن يكون المدعى عليه منكراً حق المدعي: فإن كان مقراً فلا حاجة للحلف، وأن يطلب الخصم اليمين من القاضي وأن يوجهها القاضي إلى الحالف: لأن النبي صلّى الله عليه وسلم استحلف رُكانة بن عبد يزيد في الطلاق، فقال: «آلله ما أردت إلا واحدة» فقال ركانة: «الله ما أردت إلا واحدة» ، وأن تكون اليمين شخصية: فلا تقبل اليمين النيابة، لصلتها بذمة الحالف ودينه، فلا يحلف الوكيل أو ولي القاصر، ويوقف الأمر حتى يبلغ ، وأن لا تكون في الحقوق الخالصة لله تعالى كالحدود والقصاص ، وأن تكون في الحقوق التي يجوز الإقرار بها: للحديث المتقدم: «واليمين على من أنكر» فلا تجوز اليمين في الحقوق التي لا يجوز الإقرار بها، فلا يحلف الوكيل والوصي والقيم؛ لأنه لا يصح إقرارهم على الغير.(28)
أما المختلف فيها فمنهم من لا يجيز تحليف المدعى عليه إذا كانت البينة حاضرة في مجلس القضاء أو في البلد ،كما أن بعضهم يشترط أن يكون هناك خلطة بين المدعي والمدعى عليه حتى لا يتطاول السفلة على أصحاب المكانة والفضل، باستدعائهم إلى المحاكم،على خلاف بين الفقهاء يطلب في مظانها .
واليمين أنواع :
1- يمين المدعى عليه : وتسمى اليمين الدافعة وهي التي يوجهها القاضي للمدعى عليه بناء على طلب المدعي وهي متفق عليها بين المذاهب .
2- يمين المدعي ومنها أ- اليمين الجالبة وهي التي يؤديها المدعي لسبب ، كوجود شاهد أو نكول المدعى عليه ورد اليمين عليه أو لوثا ونحو ذلك .ب_ يمين الاستظهار وقال بها المالكية ويسمونها يمين القضاء ويمين الاستبراء وهي التي يؤديها المدعي بناء على طلب القاضي .
وهناك يمين يذكرها بعض المعاصرين وهي يمين الشاهد وهي اليمين التي يحلفها الشاهد قبل أداء الشهادة للاطمئنان إلى صدقه، وقد لجأت إليها بعض القوانين في بعض البلاد في عصرنا بدلاً من تزكية الشاهد ، وقد منع هذه اليمين الجمهور وأجازها ابن القيم(29) .
ثم ننتقل بعد ذلك إلى النكول عن اليمين وهو ما إذا طلب القاضي اليمين من المدعى عليه أو لم يحضر لأدائها فهنا يقول الفقهاء : أن القاضي ينذر المدعى عليه ثلاثاً فإن أمتنع عن الحلف فهل يقضى عليه بالنكول أم لا ؟ خلاف بين الفقهاء منهم من قال يقضى عليه بالنكول ومنهم من حكم برد اليمين على المدعي(30)، وإذا قلنا بالحكم عليه بالنكول ، فإنه يقضى بالنكول في المال وما يقصد به المال ، وأما إذا نكل في غير ذلك فيخلى سبيله وهو قول الحنابلة (31) .
اليمين في نظام المرافعات
نص نظام المرافعات في الفصل الثالث على الطريق الثاني من طرق الإثبات وهو اليمين .
فقد نصت المادة 107 الفقرة 2 ، 4 على أن اليمين تكون بطلب الخصم وتوجه بعد إذن القاضي ، كما أن للقاضي أن يوجه يمين الاستظهار متى ما رأى لذلك ضرورة .
كما نصت المادة 109 على وجوب الحضور لأداء اليمين متى ما دعي المدعى عليه لذلك وأنه يعد ناكلا لو تخلف أو امتنع كما أن له رد اليمين ، كما نصت لائحة المادة على أنه لا يقضى بالنكول إلا بعد إنذاره ثلاث مرات جاء في المادة التاسعة بعد المائة : من دعي للحضور للمحكمة لأداء اليمين وجب عليه الحضور فإن حضر وامتنع دون أن ينازع من وجهت إليه اليمين لا في جوازها ولا في تعلقها بالدعوى وجب عليه ــ إن كان حاضراً بنفسه ــ أن يحلفها فوراً أو يردها على خصمه ، وإن تخلف بغير عذر عدّ ناكلاً كذلك .
كما قررت المادة 108 على أن أداء اليمين والنكول عنها لابد أن يكون في مجلس القضاء المادة الثامنة بعد المائة : لا تكون اليمين ولا النكول عنها إلا أمام قاضي الدعوى في مجلس القضاء ولا اعتبار لهما خارجه ، ما لم يوجد نص يخالف ذلك .
كما جاء في المادة العاشرة بعد المائة :إذا كان لمن وجهت إليه اليمين عذر يمنعه عن الحضور لأدائها فينتقل القاضي لتحليفه ، أو تندب المحكمة أحد قضاتها أو الملازمين القضائيين فيها ، فإذا كان من وجهت إليه اليمين يقيم خارج نطاق اختصاص المحكمة فلها أن تستخلف في تحليفه محكمة محل إقامته ، وفي كلا الحالين يحرر محضر بحلف اليمين يوقعه الحالف والقاضي المستخلف أو المندوب والكاتب ومن حضر من الخصوم .
الطريق الثالث : الإقرار
الإقرار لغة : الاعتراف وهو إظهار الحق لفظا أو كتابة
وفي الاصطلاح : إخبار عن ثبوت حق للغير على نفسه. (32)
والحكمة من الإقرار هو التوصل لإثبات الحقوق وإيصالها إلى أصحابها من أقرب الطرق وأيسرها ، والإقرار هو الحاسم في النزاع فلو ادعى شخص على شخص فأقر بدعواه فهو حاسم في قطع النزاع أمام القاضي وهو وسيلة من وسائل الإثبات قال جل وعلا : {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}(33)، قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه إقرار .
أما السنة: فخبر الصحيحين في قصة العسيف: «واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فأثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم الحد بالاعتراف.
وأما الإجماع: فإن الأمة الإسلامية أجمعت على صحة الإقرار، وكونه حجة من لدن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير.
والإقرار مع كونه بهذه المثابة إلا أنه حجة قاصرة على المقر فلا يتعدى إلى غيره.(34)، والإقرار مع ذلك فلا يصح من أي أحد إلا بتحقق شروط منها العقل والبلوغ والاختيار وعدم التهمة في الإقرار ومعلومية المقر به كما يشترط أهليه المقر للتملك وألا يكون المقر به محالا وغير ذلك من الشروط تطلب في مراجعها .(35)
الإقرار في نظام المرافعات
تحدث نظام المرافعات عن هذا الطريق من طرق الإثبات وبين أن المعتبر من الإقرار ما كان في مجلس القضاء ، وهو حجة قاصرة على المقر لا يتعدى إلى غيره جاء في المادة الرابعة بعد المائة :إقرار الخصم عند الاستجواب أو دون استجوابه حجة قاصرة عليه ، ويجب أن يكون الإقرار حاصلاً أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المقر بها.
كما تحدث النظام عن الشروط المعتبرة في المقر فجاء في المادة الخامسة بعد المائة:يشترط في صحة الإقرار أن يكون المقر عاقلاً بالغاً مختاراً غير محجور عليه ، ويقبل إقرار المحجور عليه للسفه في كل ما لا يعد محجوراً عليه فيه شرعاً.
* الطريق الرابع الإثبات بالكتابة
وهي أنواع : كتابة مستبينة مرسومة واختلف الفقهاء باعتبارها دليلا في إثبات الحقوق ، وكتابة غير مستبينة وهي اقرب إلى العبث منها إلى الحقيقة .
والفقهاء مختلفون في كون الكتابة وسيلة من وسائل الإثبات أم لا على قولين .
وهذا الطريق فيما عدا الأوراق الرسمية كالصكوك ونحو ذلك فإن للقاضي التحقق من سلامة هذه الأوراق بالطرق المناسبة .
وقد عالج نظام المرافعات هذا الأمر كما جاء في المادة الثامنة والثلاثون بعد المائة :الكتابة التي يكون بها الإثبات إما أن تدون في ورقة رسمية أو ورقة عادية . والورقة الرسمية هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع النظامية وفي حدود سلطته واختصاصه.
أما الورقة العادية فهي التي تكون موقعة بإمضاء من صدرت منه أو ختمه أو بصمته.
كما قرر نظام المرافعات أن الأوراق الرسمية لها قوتها في الإثبات جاء في المادة الأربعون بعد المائة :لا يقبل الطعن في الأوراق الرسمية إلا بادعاء التزوير ما لم يكن ما هو مذكور فيها مخالفاً للشرع. .
كما جعل النظام للمحكمة الحرية في اتخاذ أي إجراء من الاستعانة بخبير أو نحو ذلك في حال الطعن في الورقة محل الدعوى جاء في المادة الحادية والأربعون بعد المائة :إذا أنكر من نسب إليه مضمون ما في الورقة خطه أو إمضاءه أو بصمته أو ختمه أو أنكر ذلك خلفه أو نائبه وكانت الورقة منتجة في النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بمدى صحة الخط أو الإمضاء ، فللمحكمة إجراء المقارنة تحت إشرافها بوساطة خبير أو أكثر تسميهم في قرار المقارنة .
* الطريق الخامس القرائن
تعريف القرينة: القرينة لغة: هي العلامة الدالة على شيء مطلوب.(36)
واصطلاحاً: هي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً فـتدل عليه.(37)
ومن القرائن القضائية: الحكم بالشيء لمن كان في يده، باعتبار أن وضع اليد قرينة على الملك بحسب الظاهر.
والحكم بالقرائن الفقهاء فيها على اتجاهين بالجواز ومنهم ابن تيمية وابن القيم ، وعدمه وكل له دليل وحجة على ما يقول ، والأظهر في ذلك أن القرائن وسيلة من وسائل الإثبات وأكثر الفقهاء على العمل والاعتماد عليها وهي غير محصورة وتتعدد بحسب العرف والعادة والعصر .
والبينة هي كل ما يبين الحق ويظهره دون قصره على وسيلة دون أخرى فالشارع الحكيم جعل دم الحيض أمارة على براءة الرحم وخلوه من الحمل ورتب عليه أحكام العدة والرجعة ، كما أن فحص الدم في هذه الأيام يعتبر من أهم الوسائل في التحقيق الجنائي لمعرفة القاتل ، فهل يقال بإغفال كل هذه الأمور والعلامات ، ولا نسمح للقاضي باستنباط القرائن والاعتماد على الأمارات المصاحبة للحق .
قال ابن القيم: ومن أهدر الأمارات والعلامات في الشرع بالكلية، فقد عطل كثيراً من الأحكام، ووضع كثيراً من الحقوق.(38)
كما أنه تجدر الإشارة إلى أن القاضي لا يلجأ إلى القرائن إلا عندما يفقد الأدلة والحجج الظاهرة أمامه فيضطر للبحث عن وسيلة أخرى للإثبات وإحقاق الحق فيلجأ للاستنباط والاستدلال .
وهل تثبت الحدود والقصاص بالقرائن على رأيين للفقهاء .
القرائن في النظام
لقد نص نظام المرافعات على هذه الوسيلة وجعل للقاضي الحرية في استنتاج واستخراج القرائن والأمارات التي تعينه للوصول إلى الحق ، مع شرط بيان دلالتها جاء في المادة الخامسة والخمسون بعد المائة :يجوز للقاضي أن يستنتج قرينة أو أكثر من وقائع الدعوى أو مناقشة الخصوم أو الشهود لتكون مستنداً لحكمه أو ليكمل بها دليلاً ناقصاً ثبت لديه ليكون بهما معاً اقتناعه بثبوت الحق لإصدار الحكم .
كما جاء في المادة السابعة والخمسون بعد المائة :حيازة المنقول قرينة بسيطة على ملكية الحائز له عند المنازعة في الملكية ويجوز للخصم إثبات العكس.
* الطريق السادس علم القاضي
علم القاضي بالواقعة يفيد اليقين والعلم ، فهل يعتبر هذا العلم الذي اكتسبه بنفسه وسيلة ليعتمد عليها في القضاء ؟؟
هناك اتفاق بين الفقهاء بأن القاضي لا يقضي بخلاف علمه قالوا : ولو مع البينة فإذا علم بطلاق أو بدين ثم قامت البينة على ما يخالف علمه فلا يجوز له القضاء بالبينة قطعا حتى ان بعض الفقهاء قال بالإجماع عليه ، فيعتزل القضية ويكون شاهدا فيها.(39)
واختلف الفقهاء فيما علمه القاضي خارج مجلس القضاء هل يجوز له أن يحكم به ام لا ؟ على عدة أقوال .
وقد أخذ المنظم في نظام الإجراءات الجزائية بعدم جواز ذلك جاء في المادة الثمانون بعد المائة:
تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه•
* الطريق السابع المعاينة والخبرة
وهي أن يشاهد القاضي بنفسه أو بواسطة أمينه محل النزاع بين المتخاصمين لمعرفة حقيقة الأمر فيه .وقد تكون المعاينة في مجلس القضاء ويكون علمه كالعلم بالبينة والإقرار والحلف ، وهذا لا يعتبر قضاء بعلمه بل هو قضاء بما ثبت عنده في مجلس القضاء .
والخبرة هي الإخبار عن حقيقة الشيء المتنازع فيه بطلب من القاضي والأصل في ذلك قوله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) كمعرفة عيوب الزوج مثلا فيرجع فيه إلى أهل الخبرة وهم الأطباء ، وكذا رجوع القاضي في عيوب السلعة إلى أهل الاختصاص في ذلك ونحوه .
المعاينة والخبرة في النظام :
نص نظام المرافعات على اعتبار المعاينة والخبرة فقد جاء في المادة الثانية عشرة بعد المائة :يجوز للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم معاينة المتنازع فيه بجلبه إلى المحكمة إن كان ذلك ممكناً ، أو بالانتقال إليه ، أو ندب أحد أعضائها لذلك ، على أن يذكر في القرار الصادر بذلك موعد المعاينة ولها أن تستخلف في المعاينة المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها الشيء المتنازع فيه ، وفي هذه الحالة يبلغ قرار الاستخلاف القاضي المستخلف على أن يتضمن هذا القرار جميع البيانات المتعلقة بالخصوم وموضع المعاينة وغير ذلك من البيانات اللازمة لتوضيح جوانب القضية .
كما نص النظام على أن للمحكمة أن تقرر ندب خبير جاء في المادة الرابعة والعشرون بعد المائة :للمحكمة عند الاقتضاء أن تقرر ندب خبير أو أكثر وتحدد في قرارها مهمة الخبير وأجلاً لإيداع تقريره وأجلاً لجلسة المرافعة المبنية على التقرير كما تحدد فيه عند الاقتضاء السلفة التي تودع لحساب مصروفات الخبير وأتعابه والخصم المكلف بإيداعها والأجل المحدد للإيداع كما يكون لها أن تعين خبيراً لإبداء رأيه شفوياً في الجلسة وفي هذه الحالة يثبت رأيه في دفتر الضبط. كما نصت على أن للطرفين الإنفاق على خبير أو أن المحكمة تقوم بذلك بنفسها جاء في المادة السادسة والعشرون بعد المائة :إذا اتفق الخصوم على خبير معيّن فللمحكمة أن تقر اتفاقهم وإلا اختارت من تثق به.
كما نص النظام على ما يجب على الخبير فقد جاء في المادة ثلاثون بعد المائة :على الخبير أن يحدد لبدء عمله تاريخاً لا يتجاوز الأيام العشرة التالية لتسلمه قرار الندب وأن يبلغ الخصوم في ميعاد مناسب بمكان الاجتماع وزمانه ويجب على الخبير أن يباشر أعماله ولو في غيبة الخصوم متى كانوا قد دعوا على الوجه الصحيح .
وجاء في المادة الحادية والثلاثون بعد المائة :يعد الخبير محضراً بمهمته يشتمل على بيان أعماله بالتفصيل كما يشتمل على بيان حضور الخصوم وأقوالهم وملاحظاتهم وأقوال الأشخاص الذين اقتضت الحاجة سماع أقوالهم موقعاً عليه منهم ، ويشفع الخبير محضره بتقرير موقع منه يضمنه نتيجة أعماله ورأيه والأوجه التي يستند عليها في تبرير هذا الرأي ، وإذا تعدد الخبراء واختلفوا فعليهم أن يقدموا تقريراً واحداً يذكرون فيه رأي كل واحد منهم وأسبابه .
وبعد فإن من العلماء من لم يحصر طرق الإثبات في هذه الطرق فقط بل منهم من أطلق الأمر واعتبر الفراسة والقرعة وغيرها .ورأى أن تقييد القاضي فيما ذكر أن في ذلك حجر وتحييد له وهو رأي بعض المحققين من أهل العلم .
أسأل الله أن يسدد الجميع .
لأمانة النشر منقول للأفادة من بحث لـ صلاح بن خميس الغامدي
إبلاغ إساءة
كيفية و طرق الإثبات في الدراسات و الفقه الإسلامي