التدخل و الإدخال قانونا
بواسطة باحث قانوني
الإدخال والتدخل – لويرزبوك
فقه التقاضي
الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعدُ:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله – مستمعي الأفاضل – في برنامجكم: “فقه التقاضي”، وقد ذكرت في حلقات مضتْ جُملة مما تضمنه نظام المرافعات السعودي الصادرُ عام 1421هـ، وكان من آخر ذلك خُلاصة ما ورد في الباب الخامس الذي خُصص للحديث عن إجراءات الجلسات ونِظامِها، وفي هذه الحلقة أشرع – مستمعي الأفاضل – في إبراز أهم ما تضمنه الباب السادس الذي جعل عنوانه: (الدفوع والإدخال والتدخُّل والطلبات العارِضة).
ولنبدأ بالكلام حول الدفوع وأثرها في سير القضية.
الدفوع: جمع دفع، والمراد بالدفع في المرافعات التجارية والمدنية: “أن يدَّعي المدَّعى عليه أمرًا يُريد به درء الحكم عليه في الدعوى”[1]؛ وأصل الدفع في اللغة: مِن دفَع الشَّيءَ، نحَّاه وأبعده وردَّه، ويقال: دفَع خَصمَه: نحَّاه وصدَّه وردعه بقوَّة، ودفع القولَ: ردَّه وأبطله بالحجَّة[2]، ويمكن القول بأن دفع الدعوى هو: إيراد المدعى عليه إفادة تكون مؤثرة في الدعوى، كما لو دفع المدعى عليه بعدم اختصاص المحكمة أساسًا بنظر الدعوى ونحو ذلك.
ونص المادة الحادية والسبعين من نظام المرافعات: (الدفع بِبُطلان صحيفة الدعوى أو بعدم الاختِصاص المحلِّي أو بإحالة الدعوى إلى محكمة أُخرى لقيام النزاع ذاتِه أمامها، أو لقيام دعوى أُخرى مُرتبِطة بِها يجب إبداؤه قبل أيِّ طلب أو دفاع في الدعوى، وإلا سقط الحق فيما لم يبدُ مِنها).
وواضح من المادة أن المدعى عليه إذا لم يدفع بهذه الدفوعات المؤثرة في أول جلسة، فإنَّ حقه في إبدائها يسقط؛ لأنَّ سُكُوته عن ذلك في الجلسة الأولى وشروعَه في سماع الدعوى والإجابة عنها يدل على رضاه وإسقاط حقه الذي كفله له النظام، ومثالًا على ذلك: لو أقيمت الدعوى على زيد في جدة، وهو مقيم في الرياض، ومع ذلك حضر لدى محكمة جدة وسمع الدعوى وأجاب عنها، ولم يدفع بعدم اختصاص محكمة جدة لكونه مقيمًا خارجها، فإن حقه في هذا الدفع يسقط، فلا يسوغ له في جلسات قادمة أن يطالب بإسقاط الدعوى أو إحالتها إلى محل إقامته؛ لأنه لم يدفع بهذا الدفع من أول مرة.
وهذا فقط في الدفوع المؤثرة التي نصت عليها المادة، وأهمها الدفع ببطلان صحيفة الدعوى وعدمِ الاختِصاص المحلي ووجود دعوى في النِزاع ذاتِه منظورة لدى محكمة أخرى.
وأما النوع الثاني من الدفوع التي يمكن الدفع بها في أيِّ مرحلة تكون فيها الدعوى، فإن شأنها أخف، وقد عالجتها المادة الثانية والسبعون من نظام المرافعات، ونصها: (الدفع بعدم اختِصاص المحكمة النوعي، أو الدفع بِه بعدم قبول الدعوى لانعِدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو لأيِّ سبب آخر، وكذلك الدفع بعدم سماع الدعوى تحكُم بِه المحكمة من تلقاء نفسِها، ويجوز الدفع بِه في أيِّ مرحلة تكون فيها الدعوى).
وبَيَّنَت المادة الثالثة والسبعون موقف المحكمة من الدفوع كلها، بما نصه: (تحكُم المحكمة في هذه الدفوع على استقلال ما لم تُقرِّر ضمُه إلى موضوع الدعوى، وعندئذ تُبيِّن ما حكمت بِه في كُل من الدفع والموضوع).
فللمحكمة أن تحكم فيما يخص الدفع على حدة، ولها أن تضمه إلى موضوع الدعوى الأساس ليكون الحكم في نهاية نظر الدعوى الأصلية وما ورد فيها من دفوع.
وبينت المادة الرابعة والسبعون أنه: (يجب على المحكمة إذا حكمت بعدم اختِصاصِها، أن تُحيل الدعوى إلى المحكمة المُختصة وتُعلِم الخصوم بذلك).
وأما الإدخال في الدعاوى فهو “طلبٌ يوجه من أحد المتخاصمين إلى ثالثٍ خارجٍ عن الخصومة”[3]، والمراد بالإدخال هنا: أن يطلب الخصم دخول طرف ثالث في القضية؛ لكونه صاحب علاقة بالدَّعوى المنظورة، ومثاله: لو ادعى زيد على خالد مطالبًا بثمن سيارة اشتراها خالد، فذكر خالد أنه اشترى السيارة المدعى بها من زيدٍ المدعي وشخص آخر اسمه أحمد، وطلب خالد أن يدخل أحمد في القضية لكونه صاحب شأن فيها.
جاء في المادة الخامسة والسبعين: (للخصم أن يطلب من المحكمة أن تدخُل بالدعوى من كان يصِح اختِصامُه فيها عند رفعِها، وتُّتبع في اختِصامِه الأوضاع المُعتادة في التكليف بالحضور، وتحكُم المحكمة في موضوع طلب الإدخال والدعوى الأصلية بحُكم واحِد كُلما أمكن ذلك، وإلا فصلت المحكمة في موضوع طلب الإدخال بعد الحُكم في الدعوى الأصلية).
ففي المادة بيان أنه يجوز لكل من المدَّعي والمدعى عليه أن يطلب دخول طرف آخر له علاقة مؤثرة بالدعوى، وبينت اللائحة التنفيذية أن طلب الإدخال من أي من المتداعيين يكون كتابة أو مشافهة أثناء الجلسة.
وقد يكون الإدخال بطلب من المحكمة دون طلب أحد الخصوم، وذلك في حالات محددة، نصت عليها المادة السادسة والسبعون، ونصها: (للمحكمة من تلقاء نفسِها أن تأمُر بإدخال من ترى إدخالُه، في الحالات الآتية:
1- من تربِطُه بأحد الخصوم رابِطة تضامُنٍ أو حق أو التِزامٍ لا يقبل التجزئة.
2- الوارِث مع المُدعي أو المُدعى عليه أو الشريك، على الشيوع لأيِّ مِنهُما، إذا كانت الدعوى مُتعلقة بالترِكة في الحالة الأولى، أو بالشيوع في الحالة الثانية.
3- من قد يُضار بقيام الدعوى أو بالحُكم فيها إذا بدت للمحكمة دلائل جدية على التواطؤ أو الغش أو التقصير من جانِب الخصوم، وتُعيِّن المحكمة ميعادًا لحضور من تأمُر بإدخاله، وتُتبع الأوضاع المُعتادة في التكليف بالحضور.
وأما التدخل في الدعوى فهو دخول خصم جديد في القضية مِن تِلقاء نفسه للدفاع عن مصلحة له فيها دون أن يكون طرفًا مِن أطرافها الأصليِّين[4].
ومثال ذلك: لو علم محمد أنَّ شخصَين يتخاصمان لدى المحكمة على ملكيَّة أرض يملكها محمد وتحت يده، فلمحمد هنا أن يتدخَّل في القضية مدافعًا عن حقه مطالبًا برد الدعوى المقامة.
جاء في المادة السابعة والسبعين: (يجوز لكُل ذي مصلحة أن يتدخل بالدعوى مُنضمًّا لأحد الخصوم أو طالِبًا الحُكم لنفسِه، بطلب مُرتبِط بالدعوى، ويكون التدخُّل بصحيفة تُبلَّغ للخصوم قبل يوم الجلسة أو بطلب يُقدَّم شفاهًا في الجلسة في حُضورِهم، ويُثبت في محضرِها، ولا يُقبل التدخل بعد إقفال باب المُرافعة).
مستمعي الأفاضل، كانت هذه لمحة حول الإدخال والتدخل في الخصومات.
وفي الحلقة القادمة – بإذن الله تعالى – أعرج على موضوع الطلبات العارضة التي يقدمها الخصمان أو أحدهما خلال نظر القضية، مبينًا أثرها وموقف المحكمة منها.
أسأل الله تعالى أن يمدني وإياكم بعونه وتوفيقه، والحمدلله رب العالمين.
المرجع:
نظام المرافعات ولائحته.
[1] المعجم الوسيط – (1 / 289).
[2] معجم اللغة العربية المعاصرة – (1 / 752).
[3] معجم اللغة العربية المعاصرة (1 / 728).
[4] انظر: المعجم الوسيط – (1 / 275).
التدخل و الإدخال حسب الأنظمة السعودية