بحث خاص بالتفتيش دراسة مقارنة
—–
إذن التفتيش له عمر محدد ومعين حسبما هو وارد به. وحتى لا يصبح أمر التفتيش سيفاً تسلطه السلطة على أعنق المواطنين تقتضي الحكمة أن تحدد له مدة معينة ينتهي مفعولها بانتهاء هذه المدة.
قد يختلف أمر التفتيش من جريمة لأخرى حيث أن بعض الجرائم تتطلب وقتاً لإكتشافها وضبطها. لذا نري أن يترك للمحكمة أو القاضي أو وكيل النيابة سلطة تقديرية لتحديد زمن التفتيش ومدة هذا الإذن حتى تتمكن السلطه من القيام بواجبها على أحسن وجه .
لا يشترط القانون المصرى اجراء التفتيش فى وقت معين فقد يكون نهارآ او ليلآ او فى اى وقت .
لكن نجد أن بعض القوانين تشترط حدوثه نهارآ او ليلآ فى بعض الاحيان كما هو الحال فى القانون اليوغندى (م 118) والكينى (م 119) وان كانا لا يمنعان حصوله فى ايام الاحاد وهى ايام العطله الرسميه
عليه فاذا انتهت مدة الاذن بالتفتيش لا يجوز اجراء التفتيش بناء عيه .
4/ سبب التفتيش .:
الى جانب الشروط الثلاثه السابقه نرى ضرورة اضافة السبب الذى يدعو للتفتيش فى الاذن , حتى يعلم الشخص تفتيشه سواء فى شخصه او تفتيش منزله السبب من التفتيش .فالسلطه المختصة باصدار أمر التفتيش عليها تبين السبب الذى من اجله يجرى التفتيش .
فالقضاء الامريكى يتطلب بيان الوقائع والظروف التى تعتبر سببآ معقولآ يبنى عليه الاذن بالتفتيش , فالانسان الذى تتعرض ممتلكاته لخطر التفتيش ينبغى أن يعلم على وجه التحديد الاساس الذى صدر الاذن بناءآ عليه .
تقتضى المادة (332) من قانون الاجراءات الايطالى أن امر التفتيش مسببآ , ونؤيد ما ذهب إليه بعض الفقهاء فى انه آن الاوان لكى ينتبه مشرعونا فى أن يكون امر التفتيش مسببآ لضمان وكفالة حريات الافراد .
وقد أرست سابقه حكومة السودان ضد محمد اوهاج حسين وجوب توضيح سبب التفتيش على وجه الدقه و التحديد .
الشروط الشكليه فى أمر التفتيش ::
إلى جانب الشروط الموضوعيه نرى ضرورة توافر بعض الشروط الشكلية في أمر التفتيش فامر التفتيش يجب أن يكون مكتوبا ومؤرخا وموقعا عليه ممن أصدره ويجب أن يكون صريحا في الدلالة على التفويض في مباشرة الجريمة (1).
والقانون السودانى يشترط الآتى :-
1- أن يكون بحضور صاحب المحل بل قد يكون بحضور من ينوب عنه او من له سلطة على المحل .
2- أن يكون موقعآ عليه من قاضى يأذن فيه للقيام به .
3- أن يكون بحضور شاهدين بقدر الامكان .
وسوف نناقش هذا الشرط الاخير فى فصل مستقل (1) عليه فان أمر التفيش يجب أن يكون يصدر من السلطه المختصه باصداره قانونآ وموقعآ عليه .
ونحن نتسال هل يشترط أن يكون امر التفتيش مكتوباً فى حالة إجرائه بحضور القاضي او وكيل النيابه طبقآ للمادة “78” والتى نصها (( يجوز لاى قاضى أو وكيل نيابه أن يأمر بإجراء تفتيش فى حضوره لاى مكان يكون مختصآ باصدار أمر تفتيش …)) .
فنرى انه اذا كان التفتيش بحضور القاضي او وكيل النيابه فيجوز أن يكون أمر التفتيش شفاهة لرجال الشرطة على أن يتم بحضوره. متى يكون التفتيش تحت رقابته الشخصيه.
مسؤولية رجل الشرطة عند إجراء التفتيش:
يثور التساؤل حول مدى مسئولية رجل الشرطة عند القيام بالتفتيش وخطأه في التفتيش خطأ من شأنه أن يضر بمصلحة من قام بتفتيشه، فهل يعتبر هذا الخطأ مسئولية تقصيرية (Tortious liability) ونحن نري أن خطأ رجل الشرطة والذي يكون بسوء نية يعتبر مسئولية تقصيرية إذا توافرت أركان المسئولية التقصيرية ويسأل رجل الشرطة عن ذلك كما يجوز للمضرور أن يطالب بتعويض. (2).
يذهب القضاء الإداري في مصر إلى تعزيز مبدأ وهو عدم مسئولية الدولة عن أعمال القضاء وأسا هذا المبدأ في نظر الفقه المصري هو حجية الأحكام واستقلال القضاء وحجة عملية وهي خشية عرقلة سير العدالة إذا تقررت المسئولية. (3)
وتشمل أعمال القضاء:
أولاً: أعمال القضاء: سواء كانت المحاكم عادية أو إدارية أو استثنائية، سواء كانت أحكام قضائية بالمعنى الفني أو
كانت أعمال تمهيدية للأحكام.
ثانياً: أعمال النيابة العامة: وتدخل في نطاق الأعمال القضائية التي لا تسأل عنها الدولة مثل أعمال النيابة العامة في التحقيق ومباشرة الدعوى العمومية كالقبض والتفتيش والمصادرة والحبس الاحتياطي. (1)
ثالثاً: أعمال الضبطية القضائية: يفرق الفقه المصري بين أعمال الضبطية الإدارية والضبطية القضائية، فالدولة تسأل عن أعمال الضبطية الإدارية. أما الضبطية القضائية ولخروجها عن اختصاص القضاء الإداري باعتبارها أعمالاً قضائية ويميل القضاء المصري العادي إلى تقدير مسئولية الدولة عنها.
وقد قررت محكمة الإستئناف الوطنية المصرية في حكم لها في 10 ديسمبر 1932م مبدأ مسئولية الدولة عن أعمال الشرطة ورد فيه ” … فيما يتعلق بنظرية الحكومة بقياس أعمال الضبطية القضائية على أعمال القضاة من جهة وجوب حصانة رجالهم وعدم مسئوليتهم عن أعمالهم، إذا وقع منهم خطأ ضار بالافراد .
ترى هذه المحكمة عدم قبول هذه النظريه لان أساس عدم مسئولية الحكومة عن حكم القضاء هو حجية الاحكام من جهة ومن جهة أخرى فان أعمال رجال البوليس المتشعبه المتعددة ليس لها صفة ولاية القضاء بل أن وظيفتهم اداريه ..)
فى فرنسا كان القضاء يرى عدم مسؤولية الدولة أعمال الضبطة القضائيه إلا أن محكمة النقض الفرنسية ذهبت الى تقرير مسئولية الدولة عن أعمال الضبطية القضائيه .”3″
اما فى السودان والذى يعرف نظام القضاء الموحد على عكس مصر التى تاخذ بنظام القضاء المزدوج حيث تختص المحاكم فى السودان بنظر المنازعات العاديه والاداريه .
فقد أرست محاكمنا سابقه قضائيه تؤكد عدم مسئولية الدولة عند الخطا فى التفتيش وبحسن نية . وقد جاء فى هذه السابقه ( حكومة السودان ووزارة الداخلية ضد الصادق ضو البيت مجلة 1972 ص 52 )) أرست هذه السابقة هذا المبدأ :-
(( لا تعتبر الدوله مسئولة عن خطأ الشرطة عند تنفيذ امر صادر من المحكمة اذا وقع ذلك الخطأ بحسن نية )) .
وتتلخص وقائع هذا هذة القضيه فى أن البوليس استصدر أمر بتفتيش منزل المدعو (الصادق على الفكى ) وعند وصولهم الى حيث يقع المنزل سألوا عن المنزل فدلهم احد الماره على منزل المدعى .
جاء فى البينه أن المدعى القى نظرة على أمر التفتيش وسمح للبوليس بالدخول وبعد التفتيش تم اكتشاف الخطأ . فى هذه القضيه حكم القاضي الجزئى بان يدفع مقدموا الطلب (( جمهورية السودان )) للمقدم ضده الطلب مبلغ مائه وخمسون جنيه لتعويضه عن الضرر الذى لحق به من جراء تفتيش رجال الشرطة لمنزلة عن طريق الخطأ .
وورد فى الحكم وبعد استقراء البينات ما يلى (( انى أرى عدم وجود اى مسئولية ضد الدولة حتى ولو صدقنا رواية المدعى , فالبوليس هنا ينفذ أمر صادر من محكمة مختصة بموجب المادة (44) عقوبات فلا يجوز مساءلتهم جنائيآ عن اى تصرف صدر عنهم عن طريق الخطأ ولكن بحسن نية فى سبيل تنفيذ ذلك الأمر القضائى )) .
انتهت محكمة الاستئناف إلي اللغاء حكم محكمة الموضوع وشطب الدعوى برسومها .
من خلال استعراض هذه السابقة يتضح لنا أن مسئولية الشرطة عند الخطأ فى اجراء التفتيش مبنية على سوء نية الشرطي عند إجراءه للتفتيش – آما إذا كان رجل الشرطة حسن النية فلا مسئولية . لانه يقوم بأداء واجبه .
وعليه فاذا تعمدت الشرطة عند إجراء التفتيش مع علمها بان المكان المراد تفتيشه هو ليس المكان الذى قامت بتفتيشه . فإنها تكون مسؤولة عن هذا الخطا العمدي .
وقد أثار البروفسير كرشنا فاسديفى مسالة الخطأ في التفتيش فقال :-
(Suppose the police have been issued with a warrant to search the Premisese of “A“ at NO 244 Sharia Elgamma but by mistake they search the premiseses of “B“ ,without any objection on his part , at NO 144 Sharia Elgamma and find a quantity of stolen goods .
Can the evidence discovered be used in the Prosecution of “B“ or can it be argued that evidence having been obtained illegally ought to be excluded) (1)
((فللنفترض انه اصدر امر لشرطى بتفتيش منزل (ا) رقم 244 شارع الجامعه ولكن عن طريق الخطا فتشوا منزل (ب) رقم 144 شارع الجامعه دون أي اعتراض من صاحبه ,وعثروا علي كميه من الامتعه المسروقه . هل يمكن استخدام البينه المتحصل عليها في دعوي (ب),او أن يتم استبعاد تلك البينه لأنه تم الحصول عليها بطريقه غير قانونيه ))
فقد تعرض البروفيسر فاسديف لمسأله الخطأ في التفتيش و تساءل عن مدي مشروعيه وقانونيه استخدام البينه غير المشروعه ..إلا انه لم يتعرض لمسؤوليه الشرطي عند الخطأ في اجراء التفتيش . إلا انه اشار الي أن القاضي التيجانى الطيب قد تنبه لهذه المساله في سابقه بابكر محمد بابكر إلا انه لم يشرع في الاجابه علي هذه المسأله .
للاجابه عن مسؤوليه الشرطي في مثل هذه الحالة فقد نصت الماده (144) من قانون المعاملات المدنيه 1984 علي الاتي :-
(( لا يكون الموظف العام مسئولا عن فعله الذي بالغير اذا قام به تنفيذا لأمر صدر إليه من رئيسه ,متي كانت اطاعه هذه الاوامر واجب عليه أو كان يعتقد مشروعيه الفعل الذي وقع منه وكان اعتقاده مبنيا علي اسباب معقوله وانه راعي في عمله جانب الحيطه والحذر الازمين )).
عليه فان الشرطي لا يسأل متي ما كان حسن النيه وتوخي الحذر والحيطه عند قيامه بعمله.
مكتب
هيثم الفقى
المحامى والمستشار القانونى لنقابة مهنة هيئة التمريض
المنصورة:السكة الجديدة- برج الدكرورى(الملكة)-الدور السابع-شقة(27)
موبايل 01008153885
Kindle Club
رد مع اقتباس رد مع اقتباس إقتباس متعدد لهذه المشاركة
10-29-2010, 05:51 AM #2 الصورة الرمزية هيثم الفقى هيثم الفقى هيثم الفقى غير متواجد حالياً
مشرف
تاريخ التسجيل
Oct 2008
الدولة
مصر
المشاركات
9,824
افتراضي
الفصل الرابع
تفتيش الأشخاص والأماكن :
تناولنا فى الفصل السابق الشروط التى ينبغى توافرها فى امر التفتيش ومسئولية رجل الشرطة عند اجراء التفتيش .
سنتاول فى هذا الفصل بشىء من التفصيل تفتيش الأشخاص والأماكن والشروط التى يجب توافرها عند اجراء التفتيش وتنفيذ أمر التفتيش خارج دائرة الاختصاص وسنبدأ بتفتيش الأماكن ثم تفتيش الأشخاص .
تفتيش الأماكن :-
المكان الذى يجرى تفتيشه قد يكون منزل أو مكتب أو خلافة .. فهما كان فانه يتمتع بحرمة لا يجوز انتهاكها إلا باذن ..
فاذا صدر أمر التفتيش وتوافرت فيه كل الشروط سواء كانت شكليه أو موضوعيه لكى ينتج أثره قانونآ يجب أن ينفذ بالطريقه التى حددتها السلطة التى أصدرت هذا الأمر .
وقد عرف المسكن بانه مكان خاص معد للاقامة فيه وما يتبعه من ملحقات , وهى الأماكن المخصصه لمنافعه والتى تتصل به مباشرة أو يضمها معه سور واحد كسطح المنزل أو حديقته أو الجراج وغرف الغسيل وعشش الطيور .
واهم ما يميز المسكن عن غيره من الأماكن هو عنصر الاقامة اى انه يقيم فيه الشخص .
وتعنى القامة فى المكان أن حائزه يباشر فيه مظاهر حياته الخاصة فيأكل ويستريح وينام , مطمئنآ الى انه فى مأمن من ازعاج الآخرين له . ولا يشترط فى المسكن شكل معين فكما قد يكون بناء من الطوب قد يكون كشكآ من الخشب أو عائمة او خيمة .
فلا يشترط فى المسكن شكل معين . كما لا يشترط أن يكون مخصصآ لاقامة حائزه فيه بصفة دائمة .
فالغرفة التى يستأجرها شخص فى فندق تعد مسكنا له طيلة اقامته فيها . كما تعد مسكنا القة بالمصيف والتى لا يقيم صاحبها فيها إلا خلال فترة محدودة فى فصل الصيف .
والغرض الذى خصص له المسكن يجعل منه مستودعا لاسرار الحياه الخاصة لحائزه , ويستوجب بالتالى أن تكون له حرمة تحول دون دخول الغير إليه واطلاعهم على ما يجرى فيه بدون رضاء هذا الحائز .
شروط تفتيش الأماكن :
1) أن يكون بحضور شاهدين
2) أن يكون بأمر صادر من قاضى أو وكيل نيابة .
1) أن يكون التفتيش بحضور شاهدين :
يشترط أن يكون التفتيش بحضور شاهدين كقاعدة عامة حيث تنص المادة “73” اجراءات سودانى (( يجب أن يجرى التفتيش المنصوص عليه فى هذا الفصل ما لم يأمر القاضي بخلاف ذلك بسبب طبيعة الحادث المستعجلة فى حضور شاهدين موثوق بهما يكلفان بالحضور من جانب الشخص الموجه إليه أمر التفتيش . ويجب على الشخص القائم بالتفتيش أن يعد قائمة بالأشياء المضبوطة وبالأماكن التى عثر فيها عليها وأن يوقع أو يختم عليها الشهود ))
ويتضح من هذا النص أن التفتيش يجب أن يتم بحضور شاهدين موثوق بهما إلا اذ1 كانت الحالة مستعجلة وامر القاضي بإجراء التفتيش دون حضور الشاهدين.
والحكمة التى توخاها المشرع من من الشاهدين أثناء التفتيش هى احتياطآ منه لكى يكون التفتيش صحيحا ولا يدس اى شئ لم يعثر عليه فى المكان مع المضبوطات (1)
فحضور الشاهدين واجب حسب صياغة النص والتي وردت على سبيل الوجوب (( يجب أن يجرى التفتيش . ) إلا فى الحالات المستعجلة وبأمر القاضي .
فقد كان نص المادة (74) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1925 ( الملغى ) تشترط أن يكون التفتيش بحضور شاهدين ( ) أو أثنين من ذوى الاعتبار من السكان المجاورين نلاحظ أن هذه العباره قد حذفت من القانون الحالى .
أما القضاء فقد أشترط فى بعض أحكامه حضور الشاهدين وفى بعض الأحكام أشترط قبول البينة المستمدة من تفتيش أجرى فى غياب الشاهدين .(2)
وقد ورد فى حكم حديث وهى سابقة حكومة السودان ضد حسين عبدالطيف ( مجلة 1986ص 209) المبدأ الآتى :- (( بطلان التفتيش الذى لم يتم فى حضور شاهدين – قيام شرطى بتفتيش منزل المتهم دون احضار شاهدين موثوق بهما ودون أن ينص الآمر الصادر من القاضي على خلاف ذلك يعتبر إجراءا باطلآ لمخالفته أحكام المادة (73) إجراءات جنائية 1983 ومن يجوز أن تعتبر بينه الشرطي غير مقبولة فى الإثبات )) .
فهذه السابقة اشترطت أن يتم التفتيش بحضور شاهدين وإذا لم يتم كذلك , تعتبر باطلآ ويجوز عدم قبول البينة المستمدة من هذا التفتيش .إلا انه قد جاء فى سابقة حكومة السودان ضد دهب شريف دهب ( مجلة 1978 ص 421) الآتي :-
مكتب
هيثم الفقى
المحامى والمستشار القانونى لنقابة مهنة هيئة التمريض
المنصورة:السكة الجديدة- برج الدكرورى(الملكة)-الدور السابع-شقة(27)
موبايل 01008153885
Kindle Club
رد مع اقتباس رد مع اقتباس إقتباس متعدد لهذه المشاركة
10-29-2010, 05:52 AM #3 الصورة الرمزية هيثم الفقى هيثم الفقى هيثم الفقى غير متواجد حالياً
مشرف
تاريخ التسجيل
Oct 2008
الدولة
مصر
المشاركات
9,824
افتراضي
(( القضاء يعترف بصحة قبول البينة المستمدة من التفتيش الذي أجرى فى غياب الشاهدين كما تتطلب المادة (73) اجراءات )).
وملخص وقائع هذه السابقة انه فتح بلاغ ضد المتهم بموجب المادة (4) حشيش وعاقبته المحكمة بالسجن لمدة خمس سنوات .
ملخص الطعن : أن القانون السودانى على خلاف الفقه اللاتينى لا يذهب بمبدأ الأخذ بالبطلان ويحق لمحاكمنا الأخذ بالدليل المتحصل عليه بطريقة مجافية للأجراءات . رأى محكمة الاستئناف – يرى القاضي الصادق سليمان بعد أن سرد الوقائع وبض السوابق . وتعرضه لرأى زميله لتيجاني الطيب مع الإشارة لبعض المراجع الانجليزيه ووصل إلى الآتي ((من هنا أصل الى قناعة بصحة قبول البينة المستمدة من التفتيش الذى أجرى فى غياب الشاهدين لسبب بسيط وهو أن وجود الشاهدين قصد منه ضمانة للمتهم من تغول البوليس وتلفيقه التهمة أو البينة فهل أضير المتهم حقا من دفاعه من جراء تقديم المعروضات ؟. هل كانت تلك المعروضات هى البينه الوحيده المقدمه لاثبات جريمة المتهم ؟ لا أظن أن السيد قاضى المديرية قد أغفل بينة شاهد الاتهام الرئيسى الذى كان طعمه ابتلعها المتهم – هذا الشاهد ( ش .أ.) أثبتت وهو على اليمين انه اشترى لفافتين من الحشيش من المتهم بمبلغ (2 جنيه ) وقد عثر على الاوراق الماليه داخل حائط الدكان الذى يقيم فيه . هذه البينه وحدها تكفى للادانه وهى بينه تذهب لتأكد ما نتج عنه التفتيش وهو العثور على لفافات من الحشيش فى نفس المكان الذى اخرج منه المتهم اللفافتين الاولتين ومن هنا يتمحى اى ضعف لصق التفتيش والاستناد على نتيجته أمر مقبولا (1)
يتضح لنا من خلال استعراض السابقه انها ذهبت الى قبول البينه المستمده من التفتيش الذى اجرى فى غياب الشاهدين . على أن لا يضار المتهم فى دفاعه من جراء تقديم المعروضات . كما استندت المحكمة على بينة شاهد الاتهام الثانى .
وفى نهاية الحكم ناقش القاضي بينة الكمين ( police trap ) وجاء بالاتى (( للقاضى أن يرفض الاخذ ببينة الكمين أن اقتنع البوليس تعدى الحدود المعقولة فى محاولتة الايقاع بالمتهم .. ) واخيرا قال القاضي لا يقبل أن تستخدم الشكليات لحماية الفئة الضاله على حساب امن المجتمع وطمانيتة ).
وعليه ومن خلال استعراض السابقتين أن هناك تعارض بينهما حيث أن الاولى ترى أن عدم حضور الشاهدين عند التفتيش ودون أن ينص القاضي على ذلك يجعل التفتيش باطلا . اما السابقة الثانية فترى أن عدم حضور الشاهدين عند التفتيش يجعل التفتيش صحيحا ويمكن قبول البينة ولا تثريب .
نحن من جانبنا نؤيد ما ذهبت إليه السابقة الاولى وهو عدم قبول البينه المستمده من التفتيش الذى اجرى فى غياب الشاهدين ودون أن يامر القاضي بذلك .
وسندنا فى ذلك هو صريح نص المادة (73) اجراءات والتى جاءت على سبيل الوجوب (( .. يجب أن يجرى التفتيش فى ……… )) .
فحضور الشاهدين ضرورى لحماية الشخص الذى وجه إليه أمر التفتيش من جراء تغول رجال الشرطة .
ويرى الدكتور محمد محى الدين عوض انه لا يشترط حضور شهود أثناء تفتيش الامتعه والاشياء التى يحملها الشخص ولا أثناء تفتيش السياره او الدابه او المركبة التى يركبها او يقف بجوارها فى الطريق العام لان تفتيشها ايضا متصل بتفتيش الشخص . (1)
وفى حالة تفتيش الاشخاص لا يشترط حضور الشاهدين سواء فى السودان او فى مصر .
وفى مصر يجب أن يكون التفتيش بحضور شاهدين والمتهم او من ينوب عنه كلما امكن ذلك . فاذا كان التفتيش دون حضور هؤلاء فانه يعتبر باطلا ولو كان بحضور شاهد واحد او بحضور اقاربه غير البالغين (2) وفى حالة تفتيش منزل المتهم فى التشريع المصري نجد أن حضور الشاهدين قد يغنى عن حضور المتهم او نائبه (3) .
وفى مصر لا يجوز لمأمورى الضبط القضائى تفتيش مسكن المتهم بغير أمر من سلطة التحقيق ولو كانت الجريمة قد ضبطت فى حالة تلبس . ولكن يبقى لهم مع ذلك أن يفتشوا المساكن برضاء حائزها لعدم انتفاء التفتيش فى هذه الحالة على انتهاك لحرمة المسكن التى قدسها الدستور (4)
(2) أن يكون امر التفتيش صادر من قاضى او وكيل نيابه :
يشترط أن يكون امر التفتيش صادر من الجهة المختصة باصداره سواء كانت محكمة او قاضى او وكيل نيابه .
فامر التفتيش لا يصدر إلا من القاضي . لان التفتيش عمل قضائى بحسب الاصل يملكه القاضي وبالتلى له أن يمارسه بنفسه لان فاقد الشى لا يعطيه (1)
ففى سابقة حكومة السودان ضد محمد دياب على وأخر مجلة 1980 ص 174 ورد المبدأ التالي :-
(( اذا لم تتم عملية التفتيش دون أمر قضائي فان كل الاجراءات اللاحقة تصبح باطلة ولا أثر لها … )
ايضا في سابقة ( حكومة السودان ضد ابراهيم يس وآخر مجلة 1980 ص 146 ) ورد هذا المبدأ .
(( اجراء التفتيش بدون امر صادر من قاضي او محكمة يعتبر باطلا ولو ادي التفتيش الي اكتشاف الجريمة ..)
يتضح لنا من خلال هاتين السابقتين انه يشترط ان بكون التفتيش صادرا نت القاضي او المحكمة والا اصبح التفتيش باطلا حتي ولو ادي الي اكتشاف الجريمة . اذا كان الشخص الذي ينفذ امر التفتيش راي ان هذا الامر يقع خارج دائرة اختصاصه الاقليمي ـ أي اختصاص القاضي ـ المحكمة ـ او وكيل النيابة الذي اصدر الامر ـ علي هذا الشخص
أي اختصاص القاضي – المحكمة – لو وكيل النيابة الذي اصدر الأمر علي هذا الشخص إن يقدم طلب أو اذن التفتيش للقاضى الذي يقع محل التفتيش فى دائرة اختصاصه (م76 ) إجراءات سو دانى
في مصر يتحدد الاختصاص المكاني لمأمور الضبط القضائي بثلاثة معايير وهي مكان وقوع الجريمة ومكان إقامة المتهم ومكان ضبطه .
تفتيش مكتب المحامي والهيئات الدولية :
سنتناول تفتيش مكتب المحامي أولا ثم الهيئات الدولية ثانيا .
تفتيش مكتب المحامى :
المحامى أو كما يسميه البعض بالقاضي الواقف يتمتع بحصانة في شخصه وكما يتمتع مكتبه بحصانه ولا يجوز تفتيشه إلا بناءا على إجراءات معينه .
فى فرنسا يتمتع مكتب المحامى بحصانة تفوق النظم الأخرى وقول هيلى (( إن مكتب المحامى يجب أن يكون بمنأى عن التفتيش الذى لا يكون هدفه سوى اكتشاف أدلة الجريمة المنسوبة إليه )) . هناك إجراءات خاصة تُتبع في فرنسا فيما يتعلق بتفتيش مكتب المحامى تهدف إلى حماية السر المهني بين المحامى وعملائه .
لا يجوز إجراء التفتيش إلا بحضور النقيب أو من يمثله بعد أن يحصل قاضى التحقيق على تفويض المدعى العام بواسطة مدعى الجمهورية وفى فرنسا لا يجوز تفويض ضابط بوليس قضائي لذلك .
وحضور النقيب عرف وتقليد مستقر منذ زمن طويل وهذا يؤكد الثقة التى تقوم بين القضاء والمحاماة (1)
يحظر قانون المحاماة في مصر إجراء تفتيش مكتب إلا بمعرفة أعضاء النيابة (( م100 )) ويرى البعض آن هذه الصياغة ركيكة وتدعو للالتباس .
وكان من الأفضل استخدام تعبير (( إلا بواسطة )) اذ1 قد يفسر التعبير الاول انه يتطلب مجرد علم النيابة ((2)) .
أما قانون المحاماة السوداني الصادر عام 1983 فقد نصت المادة (( 51 )) منه على الأتي (( يجوز تنفيذ القرارات والأوامر الصادرة بتفتيش مقر نقابة المحامين إلا بعد إبلاغ نقيب المحامين أو أي عضو من أعضاء مجلس النقابة إلا كان التفتيش وما يترتب عليه باطلا )) . (3)
يتضح من خلال هذا النص انه نص على تفتيش نقابة المحامين ولم يرد نص في هذا القانون عن تفتيش مكتبي المحامي . ونري آن هذا النص وكما ينطبق على مقر النقابة فانه ينطبق عند تفتيش مكتب أي محامي . ونهيب بالمشرع آن يورد نص فيما يتعلق بتفتيش مكتب المحامي وشروطه.
الأثر الذي يترتب علي تفتيش مقر النقابة بدون إبلاغ النقيب أو أي عضو من مجلس النقابة هو آن يصبح التفتيش وكل ما يترتب عليه باطلا .
تفتيش المنظمات الدولية :
تعددت التعريفات التي قدمها الفقه الدولي للمنظمة الدولية ويمكن القول آن المنظمة الدولية هى هيئه تتفق مجموعة من الدول على إنشاءها ككيان مستقل للعمل على تحقيق مجموعة من ألا هداف وتمنحها من اجل ذلك بعض السلطات والاختصاصات التي يتكفل الميثاق المنشئ للمنظمة ببيانها وتحديدها .(1)
المنظمة الدولية شخصية قانونية اعتبارية تتمتع ببعض الحصانات حصانة وحرمة مبانيها وحرمة مراسلاتها .(2)
الالتزام بعدم التعرض للمبانى التى تشغلها البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية استند علية العرف الدولي منذ زمن بعيد تنص اتفاقيات المقر صراحة على تمتع المنظمات بهذه الحصانة .
وتنص الاتفاقيات الدولية الخاصة بحصانات المنظمات الدولية واتفاقيات المقر . عادة إلى حرمة المباني والأماكن التى تشغلها المنظمة وعدم السماح بدخولها إلا بناءا علي اذن أمين عام المنظمة , أو من يقوم مقامة كما تنص الاتفاقيات على حرمة وثائق المنظمة ووجوب حمايتها أينما وجدت .
فمباني الأمم المتحدة في الولايات المتحدة مثلا – تتمتع بالحصانة ضد التفتيش أو المصادرة وبحرمة وثائقها ومحفوظاتها وهو الأمر الذى نص إليه بالفقرة الاولى من القسم التاسع من اتفاقية المقر بين الامم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وذلك بالاضافة إلى نص المادة (( 105)) من ميثاق الامم المتحدة والتى جاء بفقرتها الاولى (( تتمتع الهيئة في أرض كل عضو من اعضائها بالمزايا والإعفاءات آلتي يتطلبها تحقيق مقاصدها )) .
وكما جاء في المادة الثانية اتفاقية حصانات وامتيازات جامعة الدول العربية(( حرمة المباني التى تشغلها جامعة الدول العربية مصونة ولا تخضع أموالها او مجوداتها أينما تكون وين يكون حائزها لإجراءات التفتيش او الحجز والاستيلاء او المصادرة او ما ماثل ذلك من الإجراءات الجبرية )) (1)
واخيرا يمتنع على المنظمة الدولية استخدام مبانيها لمنح الحق في الملجأ وإيواء الأشخاص الفارين من الاضطهاد السياسي (( حق الملجأ السياسي )) .(2)
عليه فان المنظمات الدولية تتمتع بحصانات ولا يجوز دخولها إلا بإذن من المسئول عنها ولا يجوز تفتيشها وكل ذلك حتى يتسنى لها القيام بأعمالها على احسن وجه .
بعد آن تناولنا تفتيش الاماكن سنتاول تفتيش الاشخاص والسيارات الخاصة .
تفتيش الاشخاص :
اذا كان الشخص المتهم او المقبوض عليه امراءة فلا يجوز آن يجري التفتيش إلا بواسطة امراءه ( م 41 إجراءات سوداني , م 46 إجراءات مصري ) . وهذه القاعدة من النظام العام . يترتتب على مخالفتها بطلان .
التفتيش . في مصر تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ويجوز اثارة هذا الدفع لاول مرة أمام محكمة النقض .
ويقصد بشخص المتهم كل ما يحمله ولذلك يدخل في محيط التفتيش الحقائب التى يحملها والأوراق سواء كانت مختومة أو مغلقة . ومع ذلك فإذا كانت الأوراق مغلقة او مختومة باية طريقة أخرى فلا يجوز لمأمور الضبط القضائي آن يفضها . اللهم إذا كان التغليف يحتوي على أوراق وانما يحوي جسما صلبا مثلا فانه يجوز فض الغلاف لفحص محتوياته .
في أثناء التفتيش يجب على القائم به آن يراعى حياء وكرامة وآدمية الشخص الذي يقوم بتفتيشه وذهب بعض الفقهاء الي آن التفتيش الذي يقع على المتهم في أماكن تجرح آدميته وإنسانيته كما هو الشان في إجراء غسيل المعده وما شابه المعده من أماكن داخليه أخرى يعتبر تفتيشا باطلا .
ونحن من جانبنا نؤيد الرأي حيث انه التفتيش يجب آن لا يخدش كرامة الانسان وذلك اعمالا لقوله تعالى في سورة الإسراء (( ولقد كرمنا بنى ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) . الآية (70)
فلقد كرمت الشريعة الإسلامية ابن آدم قبل كل المواثيق والمعاهدات الدولية . آن كان المقام لا يتسع بنا لاستعراض موقف الشريعة الغراء من حقوق الانسان فحسبنا آن نقول آن الشريعة الإسلامية قصب السبق في إرساء هذه المبادئ
واخيرا فان حضور الشهود يكون عند تفتيش الاماكن ليس الاشخاص .
حكم تفتيش السيارات الخاصة :
يشترط لتفتيش السيارات الخاصة آن تكون في حيازة صاحبها هنا تكون تتبع الشخص , اذا كان ظاهر الحال آن صاحبها تخلى عنها وكانت خاليه يجوز تفتيشها وتأخذ حكم تفتيش الاماكن .
في حالة التلبس يجوز تفتيش الشخص وسيارته التي يقودها .
اما فيما يتعلق بسيلرة الاجره ( التاكسى ) فقد اختلف الفقهاء في أمرها .
ذهب رأي إلى آن سيارة الأجرة تعتبر في حيازة سائقها وراكبها معا ويجوز تفتيشها إذا توافرت حالة التلبس لأي منهما . أي آن صاحب هذا الرأي يري انه لا يجوز تفتيش سيارة ألاجه في غير حالة التلبس اى ف الاحوال التى تجيز القبض وتفتيش المتهم فقط .(1)
ذهب راى آخر إلى آن سيارة الأجرة لا تاخذ حكم المنزل كما هو الحال في السيارة الخاصة نظرا للاختلاف البين في جوهر الاستعمال بين الاثنين . ويرى صاحب هذا الراى آن السيارة الخاصة تاخذ حكم الشخص فيجوز تفتيشها حيث يجوز تفتيش الاشخاص . ونظرا لانها في حيازة سائقها ومستأجرها فيكفى آن تتوافر حالة من الحالات التى تجيز القبض بالنسبة لهما حتى يمكن تفتيش السيارة .
غير آن إباحة تفتيش سيارة الاجرة ليس مفاده اباحة تفتيش الأمتعة الخاصة بالركاب الذين لم تتوافر في حقهم شروط القبض .(2)
الخاتمة :
من خلال استعراض التفتيش في هذا السفر الموجز رأينا أهمية التفتيش والأهمية التى أولاها الشرع الحنيف لهذا الموضوع وحرمة المساكن فى الشريعة القانون .
فالتفتيش إجراء من شانه آن يضر بمصلحة الفرد إذا لم تتبع الإجراءات الصحيحة وكما انه يساعد على كشف الجريمة وحماية المجتمع من خطرها .
رأينا آن هناك شروط انبغى توافرها في امر التفتيش حتى نضمن اكبر قدر من الحماية لأسرار ومقدسات المواطنين . ونهيب بمشرعنا آن ينص على إيراد سبب التفتش في الأمر حتى لا يصبح سيفا مسلطا عل أعناق المواطنين . وعن حضور الشهود رأينا صريح نص المادة (73) إجراءات وتناقض السوابق في هذا الأمر ورأينا في ذلك .
وفى مصر فان القانون يتطلب حضور الشاهدين . في الختام نهيب بمشرعنا آن يضع قيود اكثر وأكثر لأجراء التفتيش على آن يوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة للأفراد والتي تتمثل في حماية أسرارهم وذلك اعمالا لقوله تعالى (( يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنوا وتسلموا على أهلها .. ) كما يجب مراعاة كرامة الشخص وآدميته عند إجراء التفتيش . قال تعالى (( ولقد كرمنا بني آدم .. ))
وفى الختام فأنى على يقين تام آن هذه المحاولة عليها مآخذ كثيرة ولكن عزائي آن مجرد التصدي من الغير لمعالجتها فيه استدراج مشروع لاثراء هذا الموضوع وهذا الفرع (( الإجراءات الجنائية ) بصفة عامة . وآخر دعوانا آن الحمد لله رب العالمين )) .
بحث قانوني حول إذن التفتيش و دراسة مقارنة