الغرامة التهديدية

يتحلل الالتزام القانوني إلى عنصرين : عنصر المديونية وعنصر المسؤولية ، فعنصر المديونية يعني وجود دين في ذمة الغير و يتميز بأنه لا يسقط بالتقادم أبدا مهما طال الزمن . أما عنصر المسؤولية فهو وسيلة الإجبار التي منحها القانون للدائن لاستيفاء حقه من المدين و هي الدعوى القضائية. فإذا لم يف المدين بالتزامه طواعية و اختيارا فلا ملاذ للدائن إلا اللجوء للقضاء لإشباع حاجته من الحماية القانونية و المطالبة بحقه بإصدار أحكام تقرره أو تنشئه أو تلزم به.

لكن الحماية القضائية وحدها لا تكفي فقد يتعنت المدين و يصر على عدم الوفاء،و من هنا كانت الحاجة إلى الحماية التنفيذية ة التي تتحقق بانعقاد الخصومة التنفيذية .فإذا كان سبب الدعوى القضائية بداية هو الاعتداء على الحق و الهدف منها هو تقرير هذا الحق بإزالة الشك و اللبس عنه فإن سبب الخصومة التنفيذية هو امتناع المدين عن التنفيذ و الغاية منها هو إجبار المدين على الوفاء و هوما يطلق عليه التنفيذ الجبري . ولذا فإن الرجوع إلى القضاء للمطالبة بالتنفيذ لا يعد مساس بمبدأ حجية الشيء المقضي فيه.

و تتفرع طرق التنفيذ الجبري إلى طريقين : طريق التنفيذ العيني و هو الأصل ، ويعني أن يقوم المدين بعين ما التزم به بالتنفيذ المباشر ، أما إذا استحال تنفيذ هذا الالتزام فلا مناص للدائن من أن يسلك طريق التنفيذ بمقابل ،و هو ما يطلق عليه أيضا التنفيذ غير المباشر.

و لأن التنفيذ العيني هو ما يسعى إليه الدائن بداية ، فإن المشرع تدخل و سن و سائل قانونية لحمل المدين على التنفيذ جبرا و هي الإكراه البدني و الغرامة التهديدية ،و إذا كان الإكراه قد انحصر الأخذ به إلا في مجال الأحكام الجزائية فإن الغرامة التهديدية التي تجد مجالا واسعا في التنفيذ ، و التي تعد من أقدم النظريات القانونية التي يرجع أصلها للقضاء الفرنسي ، حيث يعود تاريخ أول حكم قضى بها إلى سنة 1834.و قد تدخل المشرع الفرنسي و نظم أحكامها سنة 1972 بموجب القانون 626/72 المؤرخ في :05/07/1972 .و مع ذلك كان المشرع الجزائري الأسبق في تنظيمها إذ نص عليها في قانون الإجراءات المدنية الصادر بتاريخ 1966 في المادتين: 340،471 منه ،ثم من خلال القانون المدني الصادر بتاريخ : 26/09/1975 مقتبسا أحكامها من القانون المصري .

و نظرا لأهمية الموضوع ـ ارتأيت إتباع أسلوب تحليلي في دراستي له و ذلك بتحليل المواد القانونية التي تناولته على ضوء الاجتهاد القضائي الجزائري مع اللجوء أحيانا إلى أسلوب مقارن كلما دعت إليه الضرورة ، و من أجل الإلمام بالموضوع ارتأينا طرح عدة إشكالات قانونية أهمها :

* ما هي طبيعة الغرامة التهديدية ؟ .
* ما هو مجال تطبيقها ؟ و ما هي الجهة القضائية المختصة بإصدارها ؟.
* كيف يتم تقديرها و تصفيتها ؟.

و للإجابة على هذه الإشكالات و غيرها، تطرقنا إلى الموضوع من خلال فصلين:

* الفصل الأول : نتناول فيه ماهية الغرامة التهديدية و ذلك من خلال تعريفها و إبراز أهم شروطها في المبحث الأول ثم نتطرق إلى أهم خصائصها و طبيعتها القانونية في مبحث ثاني.
* الفصل الثاني : نتناول فيه أحكام دعوى الغرامة التهديدية و ذلك بتحديد الجهة القضائية المختصة بتوقيعها في مبحث أول ثم نتناول موضوع دعوى الغرامة التهديدية ابتداء من دعوى توقيع الغرامة و سلطة القاضي في ذلك و كذا تصفيتها و مراجعتها في مبحث ثاني .

تمثل الغرامة التهديدية إحدى النظريات التي كان القضاء وراء نشأتها، ثم تناولها الفقه بالتحليل والدراسة ما بين رافض ومؤيد، ولم يستقر الأمر إلا بعد أن نظمها المشرع ونص عليها صراحة، وقد كان المشرع المصري سباقا في هذا المجال، وتلاه المشرع الفرنسي والمشرع الجزائري، مما جعلها تستقل بأحكام تتميز بها كإحدى نظريات تنفيذ الأحكام القضائية، ومع ذلك لا زالت محل جدل في الفقه والقضاء،ومرد ذلك أنها لا تمثل في أساسها إلا تقنية أو حيلة ابتكرها القضاء لتنفيذ أحكامه دون أن يستند في ذلك إلى مبدأ نظري يكفل الوضوح والانسجام بين مختلف أحكامها، وهو ما يفرض – من خلال هذا الفصل- رسم الإطار العام لها وذلك بتحديد مفهومها بدقة)المبحث الأول( وإبراز شروطها و خصائصها ومن ثمة تحديد طبيعتها القانونية)المبحث الثاني.

المبحث الأول

مفهوم الغرامة التهديدية

إن مفهوم الغرامة التهديدية لا يتحدد بتعريفها فقط، إنما ينبغي للإلمام بجوهرها معرفة الأساس القانوني لها، و شروط الحكم بها لتحديد دائرة استعمالها بدقة، و لذا نتطرق في هذا المبحث إلى تعريف الغرامة التهديدية)المطلب الأول( و عرض شروطها)المطلب الثاني( المطلب الأول

تعريف الغرامة التهديدية

يعرف الفقه الغرامة التهديدية بأنها  وسيلة لإكراه المدين و حمله على تنفيذ الالتزام الواقع على عاتقه عينا متى طلبها الدائن، و صورتها أن يلزم القضاء المدين بتنفيذ التزام بعمل أو امتناع عن عمل أيا كان مصدره و يمهله لذلك مدة زمنية فإذا تأخر عن الوفاء ألزمه بدفع غرامة عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أي وحدة زمنية يعينها، و ذلك متى كان التنفيذ العيني مازال ممكنا و يقتضي لذلك تدخل المدين شخصيا.

و يجوز الحكم بالغرامة التهديدية ضد أي شخص سواء كان طبيعيا أو معنويا عاما أو خاصا، و إن كان الحكم على الشخص المعنوي العام بالتنفيذ تحت طائلة غرامة تهديدية يثير جدلا فقهيا، و لم يحدد المشرع الجزائري حتى الآن موقفه منه في انتظار ما سوف يسفر عنه مشروع تعديل قانون الإجراءات المدنية، كما لم يستقر حوله الاجتهاد القضائي الجزائري إلى حد الساعة، و هو ما سوف نتناوله بالتفصيل في الفصل الثاني من هذا المبحث.

و تستمد الغرامة التهديدية شرعيتها من القانون، إلا أنه وقبل تنظيمها من المشرع حاول بعض الفقه إيجاد تبرير لها، ولعل أهم هذه التبريرات تبرير الأستاذ اسمان الذي أسس الحكم بها على المادة 1036 من القانون المدني الفرنسي، التي تمنح القاضي سلطة الفصل في الخصومة و سلطة إصدار الأوامر حسب مقتضيات الأحوال ليضمن تنفيذ أحكامه. غير أن هذا التبرير لم يسلم من النقد، حيث وجهت له العديد من الانتقادات، أهمها أن السلطات المخولة للقاضي بموجب المادة 1036 تقتصر على تسيير و إدارة الجلسة و لا تتعداها في كل حال إلى ضمان تنفيذ الأحكام

كما أن المادة 1124 تمنع القاضي من إصدار أي تهديدات مالية و التي جاء فيها: (كل التزام بعمل أو بامتناع عن عمل يتحول إلى تعويض في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه.. 

كل هذه الانتقادات دفعت بالمشرع الفرنسي إلى التدخل لتنظيم الغرامة التهديدية و ذلك من خلال القانون 72-626 المؤرخ في 05/07/1972. أما المشرع الجزائري وتفاديا لهذا الجدل نص صراحة على الغرامة التهديدية التي اقتبس أحكامها عن المشرع المصري، وذلك من خلال عدة نصوص بداية من القانون المدني، و قانون الإجراءات المدنية، و كذا في بعض القوانين الخاصة، مثل قانون تسوية المنازعات الفردية للعمل 90/04 المؤرخ في 16/02/1990. فالقانون المدني نص عليها في الباب الثاني من الفصل الأول، تحت عنوان التنفيذ العيني في المادتين 174 و 175، حيث تنص المادة 174 منه:( إذ كان تنفيذ الالتـزام العيني غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين بنفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ و بدفع غرامة إجبارية إذ امتنع عن ذلك) وتنص المادة 175 منه:( إذا تم التنفيذ العيني و أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين ) كما نص المشرع الجزائري على الغرامة التهديدية من خلال المادة 340 من قانون الإجراءات المدنية، و الواردة في الباب الثالث المعنون بالتنفيذ الجبري لأحكام المحاكم والمجالس القضائية و العقود الرسمية والتي جاء فيها:

(إذا رفض المدين تنفيذ التزام بعمل أو خالف التزام بالامتناع عن عمل يثبت القائم بالتنفيذ ذلك في محضر ويحيل صاحب المصلحة إلى المحكمة للمطالبة للتعويضات أو التهديدات المالية ما لم يكن قد قضى بالتهديدات المالية من قبل) و إضافة إلى ذلك، فقد أورد المشرع نصا خاصا بالجهات المختصة بإصدار الغرامات التهديدية و تصفيتها، و هو نص المادة 471 من قانون الإجراءات والمدنية جاء فيه: (يجوز للجهات القضائية بناءا على طلبات الخصوم أن تصدر أحكاما بتهديدات مالية في حدود اختصاصها و عليها بعد ذلك مراجعتها و تصفيتها و يجوز لقاضي الأمور المستعجلة بناءا على طلبات الخصوم أن يصدر أحكاما بتهديدات مالية و هذه التهديدات يجب مراجعتها و تصفيتها بمعرفة الجهة القضائية المختصة )

و إلى جانب هذه النصوص العامة خص المشرع الجزائري الغرامة التهديدية في المواد الاجتماعية بأحكام خاصة، و ذلك من خلال المواد 33، 34، 35و39 من القانون 90/04 المتعلق بتسوية المنازعات الفردية للعمل المؤرخ في 06/02/1990، والمتعلقة بتنفيذ اتفاقات المصالحة بين العامل و رب العمل، و الأحكام الاجتماعية، و التي نتناولها بمزيد من التفصيل في الفصل الثاني في هذا البحث و المتعلق بأحكام دعوى الغرامة التهديدية.

المطلب الثاني

شروط الحكم بالغرامة التهديدية

يتحدد نطاق الغرامة التهديدية كوسيلة للتنفيذ العيني من خلال مجموعة من الشروط عددها المشرع من خلال المادة 174 من القانون المدني و المادة 340 من قانون الإجراءات المدنية، ومن خلال هاتين المادتين نستنتج أنه لا يمكن الحكم بالغرامة التهديدية إلا بتوافر شروط ثلاثة تتمثل في امتناع المدين عن التنفيذ عينا رغم أنه مازال ممكنا)الفرع الأول( وأن يقتضي التنفيذ العيني تدخل المدين شخصيا و إلا كان مستحيلا)الفرع الثاني( وأن يطالب الدائن توقيع الغرامة التهديدية)الفرع الثالث(

الفرع الأول

امتناع المدين عن التنفيذ رغم أنه مزال ممكنا

إن توافر هذا الشرط رهين بتوافر عنصرين هامين، أن يمتنع المدين عن تنفيذ التزامه )أولا

( وأن يكون التنفيذ العيني مازال ممكنا)ثانيا

أولا: امتناع المدين عن تنفيذ التزامه:

لا يجوز الحكم بالغرامة التهديدية على المدين إلا إذا أثبت الدائن امتناعه عن تنفيذ الالتزام الواقع على عاتقه، و هذا يقتضي أن يكون بيده سندا تنفيذيا يثبت التزام المدين، وأن يسعى إلى تنفيذه، فإذا امتنع يثبت القائم على التنفيذ ذلك في محضر رسمي، و من ثم يرفع صاحب المصلحة الأمر إلى الجهة القضائية المختصة في نظر النزاع الأصلي للمطالبة بتهديدالمدين ماليا، لإجباره على التنفيذ العيني، أما إذا امتثل للتنفيذ بداية فلا محل للحكم بالغرامة التهديدية.

والملاحظة أن المادة 340 من قانون إجراءات المدنية المذكورة أعلاه تحدد مجال هذه الالتزامات، بالالتزام بعمل أو الامتناع عن عمل حيث تنص: ( إذا رفض المدين تنفيذ التزام بعمل أو خالف التزام بالامتناع عن عمل…) وفي كل الأحوال تستبعد الالتزامات الطبيعية من دائرة التنفيذ الجبري ذلك أنها لا تتمتع بالحماية القانونية، إذ تنص المادة 160/2 من القانون المدني:(المدين ملزم بتنفيذ ما تعهد به، غير أنه لا يجبر على التنفيذ إذا كان الالتزام طبيعيا إلا إذا اختلف الدائن والمدين حول طبيعة هذا الالتزام فللقاضي سلطة تقـديـرية في تحديد طبيعـته) وهو ما أشـارت إليه المادة 161 من القانون المدني: ( يقدر القاضي عند غياب النص ما إذا كان هنالك التزام طبيعي وعلى أي حال لا يجوز أن يخالف الالتزام الطبيعي النظام العام)( ).

ولا شك أن أثر الالتزام الطبيعي لا يكون إلا عند الوفاء الاختياري( ) وفي هده الحالة يجب أن يكون المدين على علم بأنه يفي بالتزام طبيعي، وعندها لا يجوز له الرجوع عن التنفيذ وإلا أجبر على ذلك.

ثانيا: أن يكون التنفيذ العيني مازال ممكنا:

هذا الشرط يستخلص من نص المادة 164 من القانون المدني: ( يجبر المدين بعد أعذاره طبقا للمادتين 180 و 181 على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا ) كما يستخلص ذلك أيضا من أحكام المادة 174 من القانون المدني: (إذا كان تنفيذ الالتزام عينيا غير ممكن أو غير ملائم…).

فالحكم بالغرامة التهديدية أساسا يستدعي أن يكون التنفيذ العيني مازال ممكنا، فإذا استحال التنفيذ سواء رجعت هذه الاستحالة لسبب أجنبي كهلاك الشيء محل الالتزام، أو لخطأ المدين كأن يتصرف في العين المبيعة إلى مشتر ثان، أو لفوات ميعاد التنفيذ المتفق عليه، ففي كل هـذه الحالات لم تعـد هناك جدوى للتهــديد المالي، ولا يبقى أمام الدائن إلا المطالبة بالتعويض .

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ضرورة التمييز بين التنفيذ العيني الذي يعتبر طريقا من طرق التنفيذ الجبري، والتعويض العيني خصوصا في مجال الالتزام بعمل و الالتزام بالامتناع عن عمل، حيث يغلب اعتبارهما مفهوما واحدا يساوي الوفاء بالالتزام عينا في حين أنهما يختلفان، فالتنفيذ العيني هو قيام المدين بعين ما التزم به، أما التعويض العيني فيكون في حالة عدم إمكانية التنفيذ حيث يقدم المدين بديل عن التزامه الأصلي، وتظهر هذه التفرقة في حالة شخص يضع وديعة عند آخرفاذا ضاع هذا الشيء فلا يمكن أن يجبر المالك المودع لديه بأن يرد الشيء نفسه، فالتنفيذ العيني استحال ولكن يستطيع أن يطالب بشيء من النوع نفسه وهو التعويض العيني، و الأ صل أنه لا يمكن الجمع بينهما

فلا يجوز أن يطالب الدائن بالتعويض العيني و التنفيذ العيني معا إذ لا يكون الأول إلا عند استحالة الثاني، ويبقى التنفيذ العيني هو مجال إعمال الغرامة التهديدية، و مع ذلك فقد يجمع القاضي بينهما في حكم واحد كأن يأمر بوقف البناء و عدم تعلية الحائط كون ذلك من شأنه أن يحجب الهواء و النور عن الجار، فإذا خالف المحكوم عليه هذا الأمر فالدائن يمكنه الرجوع إلى القضاء للمطالبة بإزالة المخالفة و هو التعويض العيني، كما يحق له المطالبة بإلزام الجار بعدم معاودة البناء تحت طائلة غرامة تهديدية و هو التنفيذ العيني.

الفرع الثاني

تدخل المدين ضروري و إلا كان التنفيذ مستحيلا

وهو الشرط الثاني الذي لابد من توافره للحكم بالغرامة التهديدية، و مفاده أن التنفيذ يستحيل إلا إذا تدخل المدين شخصيا، و هذا يتحدد بحسب طبيعة الالتزام و مداه، و الوسائل المادية اللازمة لهذا التنفيذ ( )، و لمعرفة متى يقتضي التنفيذ تدخل المدين شخصيا لابد من التمييز بين أنواع الالتزام، ذلك أن هناك منها ما لا تحتاج إلى تدخله، كالالتزام بنقل ملكية أو حق عيني آخر)أولا( والالتزام بدفع مبلغ مالي) ثانيا( ومنها ما قد يحتاج إلى تدخله كالالتزام بالامتناع عن عمل) ثالثا( والالتزام بعمل )رابعا(

أولا: في مجال الالتزام بنقل ملكية أو حق عيني آخر:

تنص المادة 165 من القانون المدني: ( الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر من شأنه أن ينقل بحكم القانون الملكية أو الحق العيني إذا كان محل الالتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم و ذلك مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالإشهار العقاري…)

و يستفاد من هذا النص أن حق الملكية أو أي حق عيني آخر كحق الانتفاع أو الإرتفاق أو الرهن، تنتقل إلى الدائن بحكم القانون و لا تتطلب قيام المدين بأي عمل، هذا متى كان الحق معينا بالذات، أما إذا كان الحق العيني معينا بالنوع فإن المادة 166 تنص على: (إذا ورد الالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا بنوعه فلا ينتقل الحق إلا بإفراز هذا الشيء فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين بعد استئذان القاضي ).

فالالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر سواء كان واردا على عقار أو منقول، و سواء كان معينا بذاته أو مقداره أو نوعه، يمكن تنفيذه دون حاجة إلى تدخل المدين، لذا تستبعد هذه الالتزامات من دائرة الغرامة التهديدية.

ثانيا: في مجال الالتزام بدفع مبلغ مالي:

إذا كان الالتزام هو تقديم مبلغ من النقود فإن التنفيذ العيني ممكن دون تدخل المدين، إذ يستطيع الدائن اللجوء مباشرة إلى طريق الحجز على أمواله، ولذا يكون الحكم بالغرامة التهديدية في هذه الحالة فيه تعقيد للإجراءات و إطالة لها دون جدوى، إلا أن هناك جانبا من الفقه يجيز الحكم بها في هذه الحالة بحجة أن التنفيذ الجبري فيه إطالة للوقت، كما أنه يحمل الدائن مصاريف يكون في غنى عنها إذا لجأ إلى التهديد المالي أولا.

ثالثا: في مجال الالتزام بالامتناع عن عمل:

يكون التنفيذ العيني لمثل هذه الالتزامات باتخاذ موقفا سلبيا من المدين، وقد أجاز المشرع الجزائري اللجوء إلى التهديد المالي لحمل المدين على تنفيذ هذه الالتزامات عينيا متى كان تدخله ضروريا، وذلك من خلال المادة 340 من قانون إجراءات المدنية.

إلا أن الغرامة التهديدية كوسيلة للتنفيذ تفقد أهميتها أحيانا في هذا النوع من الالتزامات خاصة إذا كان الإخلال بالالتزام من شأنه أن يجعل التنفيذ العيني مستحيلا، فإفشاء الطبيب أو المحامي لسر المهنة يجعل التنفيذ مستحيلا، ولا يبقى أمام الدائن سوى المطالبة بالتعويض النقدي.

وأحيانا إذا خالف المدين التزامه يستطيع الدائن المطالبة بالتعويض العيني، والمتمثل في إزالة المخالفة على نفقة المدين، كما تنص على ذلك المادة 173 من القانون المدني: ( إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام جاز للدائن أن يطالب إزالة ما وقع مخالفا للإلزام ويمكنه أن يحصل من القضاء على ترخيص للقيام بهذه الإزالة على نفقة المدين ) وتجدر الإشارة أن التعويض العيني في هذه الحالة يختلف عن التنفيذ العيني، فالأول يكون بعد القيام بالمخالفة،إذ تكون إزالة المخالفة هي التعويض العيني، أما التنفيذ العيني فيكون قبل الإخلال بالالتزام.

و يتسع مجال الغرامة التهديدية كلما كان الامتناع يتطلب التكرار، فالقاضي في هذه الحالة يأمر باتخاذ إجراءات احتياطية لمنع تكرار الإخلال بالالتزام − قد تكون الغرامة التهديدية− و ذلك بغرض التنفيذ العيني في المستقبل.( ) ويستطيع القاضي أن يأمر بهما معا أي أن يأمر بالتعويض العيني بإزالة المخالفة وفي نفس الوقت بالتنفيذ العيني تحت طائلة غرامة تهديدية .

رابعا: في مجال الالتزام بعمل:

يكون التنفيذ العيني بالنسبة لهذا النوع من الالتزام بقيام المدين بنفس العمل الذي تعهد القيام به، ومن هنا تبرز أهمية اللجوء إلى الغرامة التهديدية، إلا أنه ليست كل الالتزامات بعمل يمكن اللجوء لتنفيذها عن طريق الغرامة التهديدية، فهذه الأخيرة تفقد أهميتها أحيانا لأن هناك وسائل أكثر فعالية منها وذلك في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كان الدائن يستطيع التنفيذ على نفقة المدين:

وفي هذا الصدد تقرر المادة 170 من القانون المدني أنه في الالتزام بعمل إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يطلب ترخيصا من القاضي في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكنا، فإذا امتنع المدين عن التنفيذ كان للدائن أن يقوم به بواسطة شخص آخر، ومثال ذلك إذا تعهد المقاول بالبناء ثم امتنع عن ذلك جاز للدائن اللجوء إلى القضاء للتصريح له بالبناء على نفقة المقاول، وقد ذهبت المحكمة العليا في قرارها رقم 51553 الصادر بتاريخ 21/11/1987الى تأكيد ذلك بقولها:﴿من المقرر قانونا انه إذا ثبت أثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب أو مناف للعقد جاز لرب العمل إن يعدل عن طريقة التنفيذ خلال أجل معقول يعينه له فإذا انقضى الأجل دون أن يرجع المقاول إلى الطريقة الصحيحة جاز لرب العمل إن يطلب الفسخ وإما إن يعهد إلى مقاول أخر لإنجاز العمل على نفقة المقاول الأول ) ( ).

وهو ما ذهبت إليه المادة 17 من المرسوم التشريعي 93/03 المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري إذ تنص: ﴿كل تخلف أو عجز مادي من المتعامل في الترقية العقارية يثبته المحضر ثبوتا قانونيا ويظل مستمرا بالرغم من الإنذار يخول جماعة المالكين سلطة مواصلة إنجاز البناءات بجميع الوسائل القانونية على نفقة المتعامل المتخلف وبدلا عنه﴾

كما يجوز ذلك أيضا في حالة ما إذا لم يقم المؤجر بالإصلاحات الضرورية رغم إعذاره من المستأجر، إذ يجوز لهذا الأخير الحصول على ترخيص من القضاء لإجراء هذه الإصلاحات على نفقة المؤجر، وبالرجوع إلى نص المادة 480/2 فإنه يجوز للمستأجر دون حاجة إلى ترخيص من القضاء أن يقوم بإجراء الترميمات المستعجلة أو البسيطة على أن ينقص ما أنفقه من ثمن الإيجار وذلك إذا امتنع المؤجر على تنفيذها في الوقت المناسب، والأمثلة على ذلك كثيرة وكلها تخرج عن نطاق الغرامة التهديدية فالتنفيذ فيها لا يتوقف على تدخل المدين شخصيا.

الحالة الثانية: إذا كان الالتزام بعمل تسمح طبيعته بأن يكون الحكم بمثابة سند تنفيذي له:

وهو ما نصت عليه المادة 171 من القانون المدني: ( في الالتزام بعمل قد يكون حكم القاضي بمثابة سند التنفيذ إذا سمحت بهذا طبيعة الالتزام مع مراعاة المقتضيات القانونية والتنظيمية ).

ومثال ذلك الوعد بالتعاقد فإذا توفرت شروط العقد قام الحكم مقام العقد وتم التنفيذ بقوة القانون دون تدخل المدين، إذ تنص المادة 72 من القانون المدني: ( إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الآخر طالبا تنفيذ الوعد وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة قام الحكم مقام العقد).

وخارج هذه الحالات يبقى الالتزام بعمل الميدان الأوسع للغرامة التهديدية متى كان التنفيذ يستدعي تدخل المدين شخصيا، كما هو الشأن في الالتزام بتسليم وثائق لا يعلم مكانها إلا المدين أو لإجبار فنان على رسم اللوحة التي تعهد برسمها ( ).

ومع ذلك فهناك حالات ورغم توافر شروط الحكم بالغرامة التهديدية إلا أنه لا يجوز اللجوء إليها لأن التنفيذ العيني فيه مساس بشخصية المدين، كما لو تعهد المؤلف للناشر بأن يكتب له كتابا ثم تبين له فيما بعد أنه لا يملك القدرة اللازمة لإتمام هذا العمل فإن الناشر في هذه الحالة لا يملك أن يطلب توقيع غرامة تهديدية على الكاتب لإجباره على إتمام الكتاب، كما لا يملك الدائن أن يطالب المؤلف بتقديم العمل الفني الذي التزم به إذا كان ما أنتجه ليس جديرا بالنشر أو العرض. فهذا الشرط يحدد النطاق العملي لاستخدام الغرامة التهديدية، إذ لا يجوز للقاضي أن ينطق بها إلا متى ثبت له وجود التزام بعمل أو امتناع عن عمل،وكان تنفيذه غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين شخصيا، فهذا الشرط يضيق من مجال الالتزامات التي يمكن تنفيذها تحت طائلة غرامة تهديدية.

الفرع الثالث

أن يطالب الدائن بالغرامة تهديدية

تنص المادة 174: ( إذا كان تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ و بدفع غرامة إجبارية إذا امتنع ).

فالقارئ لهذا النص يلاحظ أن طلب الغرامة التهديدية رخصة من المشرع للدائن بدليل قوله – جاز للدائن – و من ثمة فلا يجوز للقاضي أن يحكم بها من تلقاء نفسه إلا متى طلبها الدائن و إن كان الأمر يختلف في القانون الفرنسي حيث أنه يجيز للقاضي النطق بها سواء في المواد المدنية أو الإدارية دون أن يطلبها الدائن و يترتب على ذلك أن للقاضي سلطة مطلقة تعفيه من تسبب حكم الإكراه المالي .

ومعنى ذلك أن المشرع الجزائري جعل الغرامة التهديدية رخصة للدائن متى شاء استعملها، غير أن هذا رهين بتوافر الشرطين السابقين، و يبقى للقاضي سلطة تقديرية في إجابته لطلبه أو رفضه دون رقابة عليه من المحكمة العليا إلا إذا رفض الطلب لعدم توافر الشروط القانونية ففي هذه الحالة يخضع الحكم لرقابة المحكمة العليا كونها مسألة قانون.( ) و الجدير بالملاحظة أن طلب الدائن يجوز أن يقدمه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى و لو أمام المجلس القضائي أثناء خصومة الاستئناف، ولا يعتبر هذا طلبا جديدا، و هو ما سيتم تفصيله عند الحديث عن اختصاص جهات الاستئناف في إصدار أحكام أو قرارات بتهديدات مالية في الفصل الثاني من هذا البحث.

المبحث الثاني

مميزات وطبيعة الغرامة التهديدية

بعد استعراض تعريف الغرامة التهديدية و أساسها القانوني و شروطها، تبين لنا أنها تتميز بذاتيتها الخاصة، إذ تكشف عن الخصائص التي تتميز بها من جهة )المطلب الأول( وصولا إلى طبيعتها الخاصة )المطلب الثاني(

المطلب الأول

مميزات الغرامة التهديدية

تتميز الغرامة التهديدية بمجموعة من الخصائص تتمثل في أنها حكم تهديدي يتحقق بالمبالغة في تقديرها لحمل المدين على التنفيذ)الفرع الأول( كما أنا أمر مؤقت لا يمكن تنفيذه إلا بعد تصفيتها وتحويلها إلى تعويض) الفرع الثاني( و هي أخيرا أمر تحكمي للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تحديد مقداره و رفعه للحد الذي يحقق به الغاية منها )الفرع الثالث(

الفرع الأول

الغرامة التهديدية ذات طابع تهديدي

يعتـبر الطابع التهـديــدي أهـم ميـزة في الغرامة التهـديـدية، و على حد تعــبير الأسـتاذ يوري ( الطابع التهديدي هو جوهر نظام الغرامة التهديدية نفسها…)

و تبرز هذه الخاصية في المبالغة في تقدير مبلغ الغرامة، و ما يحققه ذلك من انزعاج لدى المدين عندما لا يعرف على وجه الدقة المبلغ الذي سيحكم به عليه في حال تعنته، فالخشية من تراكم مبلغ الغرامة قد يدفع المدين إلى التنفيذ العيني، خاصة وان للقاضي سلطة واسعة في الزيادة في قيمة الغرامة التهديدية بما يجعلها تتناسب و الغاية منها، و هو ما جاء في نص المادة 174/2 من القانون المدني: (إذا رأي القاضي أن مقدار الغرامة غير كاف لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعيا للزيادة) كما يظهر الطابع التهديدي أيضا، في كون الغرامة لا تحدد مرة واحدة بل تحدد عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أي وحدة زمنية أخرى، فكلما تأخر المدين في تنفيذ التزامه ارتفعت و تراكمت و في هذا أيضا نوعا من الضغط عليه قد يجعله يسارع إلى التنفيذ.

الفرع الثاني

الغرامة التهديدية ذات طابع مؤقت

تنص المادة 174/02 : ( إذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة غير كاف لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داع للزيادة) و تضيف المادة 175 من القانون المدني: ( إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين)

و من خلال استقراء هذين النصين نلاحظ أن القاضي ومن أجل تفعيل و تحقيق الغاية من التهـديـد المالي يمكنه الرفع من قيمة الغرامة، فإذا لم تجد نفعا و استمر المدين في عناده و تعنته يحكم بتصفية الغرامة و بتحويلها إلى تعويض نهائي.

و هذا يعني أن الحكم بتوقيع الغرامة التهديدية أمر مؤقت لا يحوز حجية الحكم المقضي فيه مادام أنه لا يتطرق إلى حسم النزاع الأصلي، فهو حكم غير قطعي الهدف منه هو ضمان تنفيذ الحكم الأصلي.

و في هذا الصدد اعتبرت بعض الجهات القضائية في فرنسا أن الحكم بتوقيع غرامة تهـديــدية ليس حكما قطعـيا بل هو حكم تمهـيدي يتطلب المراجعة من القاضي و التصفية، و هو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية، و سار معه جانب كبير من الفقه مدعمين هذا الرأي بمجموعة من الحجج أهمها:

* أن القاضي يقضي بالغرامة التهديدية كي يضمن تنفيذ الحكم، و عندما يراجع أو يصفي هذه الغرامة فيما بعد لا يعيد التطرق إلى أصل النزاع الذي حاز حجية الشيء المقضي فيه، و هو ما يفرض التفرقة بين الأوامر الوقتية كالأوامر الإستعجالية المنصوص عليها في القانون و التي تكون قابلة للتنفيذ الجبري بمجرد صدورها رغم قابلتها الطعن بالاستئناف،

و بين الحكم بالغرامة التهديدية الذي يعد وسيلة لحمل المدين على التنفيذ و لا يمكن التنـفيذ بموجـبه إلا بعد التصفية و تحويله إلى تعويض نهائي أمام قاضي الموضوع، و يترتب على هذا أيضا أنه لا يجوز الحجز بمقتضى الحكم بالغرامة التهديدية كونه لا يتوفر على الشروط اللازمة فهو غير محدد المقدار وغير محقق الوجود.

غير أن هناك رأيا آخر من الفقه و هو رأي ضعيف يرى أنه يمكن الحجز بموجب حكم بالغرامة التهديدية مستندا إلى أن حرمان الدائن من التنفيذ بموجب هذا الحكم قد يؤدي إلى التقليل من أهمية هذه الوسيلة الهامة في التنفيذ، لذا يرى هذا الاتجاه أن الدائن يمكن له التنفيذ بموجبه، فإذا ألغى القاضي هذا الحكم أو أنقص منه فإن المدين يمكن له أن يطالب الدائن بإعادة ما حصل عليه على أساس دفع غير المستحق.

و بالرجوع إلى القانون الجزائري و باستقراء نص المادة 327 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية فإن شروط توقيع الحجز التنفيذي هي:

* وجود دين محدد المقدار.
* حال الأداء.
* محقق الوجود.

و بإسـقاط هده الشـروط على الحكم القاضي بتوقـيع غرامة تهديدية نلاحظ أنها لا تنطق عليه، فهذا الحكم لا يتضمن حقا محقق الوجود و لو كان صادرا عن آخر درجة( ) و لا تكون كذلك إلا بعد تصفية الغرامة و مراجعتها، و قبل ذلك يبقى الحق محتملا إذ قد تعدل عنه المحكمة إذا التزم المدين و قام بالتنفيذ عينا، و منه فالقضاء الجزائري يساير القضاء الفرنسي و المصري في هذا الشأن، و يرفض الحجز على أموال المدين بموجب أحكام بتوقيع الغرامة التهديدية.

الفرع الثالث

الغرامة التهديدية ذات طابع تحكمي

تظهر هذه الخاصية من خلال سلطة القاضي التقديرية في تحديد قيمة الغرامة التهديدية، و بدأ سريانها، فالقاضي غير ملزم بتسبيب حكمه و توضيح الأسس التي اعتمدها في تقرير قيمة الغرامة، و ليس له مقياسا أو معيارا يعتمد عليه إلا القدر اللازم لتحقيق الغاية منها و هي الضغط على المدين و حمله على تنفيذه التزامه عينا.

فلا يشترط فيها مثلا أن تكون مقاربة للضرر بل قد لا يشترط وجود الضرر أصلا، فهي وسيلة للتنفيذ و ليست تعويضا، و تستشف هذه الميزة أكثر من خلال الفقرة الثانية من المادة 174 من القانون المدني والتي تجيز للقاضي الرفع من قيمة الغرامة للضغط عن المدين أكثر. و حقيقة تتجرد الغرامة التهديدية من قيمتها العملية إذا لم تكن للقاضي سلطة تحكمية في تحديدها.

المطلب الثاني

طبيعة الغرامة التهديدية

على اعتبار أن الغرامة التهديدية بداية تمثل أمرا يوجهه القاضي للمدين للضغط عليه حمله على التنفيذ خلال مدة معينة فإن الفقه والقضاء يتفقان على طبيعتها في هذه المرحلة على أنها وسيلة تنفيذ لا غير، إلا أن الخلاف كان حول طبيعة الغرامة التهديدية بعد تصفيتها فهل هذه المبالغ المصفاة هي تعويض أم عقوبة أم لها طبيعة خاصة؟ وما هو موقف المشرع الجزائري ؟

ولذا نحاول عرض أهم النظريات في الموضوع والنقد الموجه لها، والتي تتمثل في نظرية التعويض )الفرع الأول( ونظرية العقوبة )الفرع الثاني( مع استبيان موقف المشرع الجزائري منها

الفرع الأول

نــظــــــريــة الـتـعــــــويـض

يرى أنصار هذه النظرية أن مبالغ الغرامة التهديدية بعد تصفيتها تتحول إلى تعويض( ) سواء تعويضا عن عدم التنفيذ، أو التأخر فيه، وهو رأي القضاء الفرنسي قبل حكم محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في20/10/1959، والذي عدلت فيه عن هذه النظرية، وقبلا كانت ترفض بطريقة ضمنية الجمع بين مبلغ التعويض ومبلغ الغرامة المصفى، يستخلص ذلك من خلال تقديرها للتعويض على أساس الضرر الفعلي الذي نشأ ( ) وقد عبرت عن ذلك صراحة في حكمها الصادر بتاريخ 27/11/1953 )

. وما يبرر هذا الاتجاه أن مبلغ التهديد المالي المصفى إذا جاوز قيمة الضرر الفعلي يؤدي إلى إثراء في جانب الدائن، وفي هذا الصدد يربط الأستاذ الفرنسي كيرز الغرامة التهديدية بالمسؤولية المدنية محاولا إيجاد تبرير لها، فيرى أن أركان المسؤولية هي خطأ المدين والضرر اللاحق بالدائن والعلاقة السببية بينهما، فإذا توافرت هذه الأركان يحكم القاضي بالتعويض، وإذا اعتبرنا أن تعنت المدين وإصراره على عدم التنفيذ خطأ جسيم منه يؤدي إلى إلحاق الضرر بالدائن فإنه يصح اعتبار الغرامة التهديدية بعد تصفيتها تعويضا، وهو برأيه هذا لا يبتعد كثيرا عن رأي الأستاذ هيبرو الذي يعتبر تعنت المدين ضررا من نوع خاص وليس خطأ، إلا أن هذا الرأي ووجه بالنقد الشديد انطلاقا من أنه إذا كانت الغرامة التهديدية تمر بمرحلتين: مرحلة ما قبل التصفية ومرحلة ما بعدها، فهذا لا يعني بالضرورة الطبيعة المزدوجة لها، وتبقى دائما وسيلة تنفيذ لا غير، وفي هذا الصدد يذهب الأستاذ هولو إلى أن التهديد المالي يتميز بطبيعة مستقلة تماما عن التعويض .

وبدوره يرفض الأستاذ مازو فكرة أن مبالغ الغرامة التهديدية المصفاة تعويضا انطلاقا من خصائصها فهي لا تهدف إلى إصلاح الضرر الذي أصاب الدائن بقدر ما تهدف إلى ضمان تنفيذ الالتزام عينا ولذا فهي ذات طبيعة خاصة وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في تاريخ 20/10/1959 وكذا القانون 72/626 المؤرخ في 05/07/1972 الذي نظم الغرامة التهديدية إذ جاء في نص في المادة السادسة منه ( تكون الغرامة التهديدية مستقلة عن التعويضات). أما الفقه المصري فإنه انطلق من نص المادة 214 من القانون المدني المصري في تكييفه للغرامة وبالخصوص من العناصر التي يعتمدها القاضي في تصفية مبالغ التهديد المالي وهو ما عبر عنه الأستاذ أنور سلطان بقوله ( إذا كان القاضي سيدخل في اعتباره عند تقدير التعويض العنت الظاهر من المدين عن عدم التنفيذ فيزيد في مقداره، إلا أنه لا يجب تفسير هذه الزيادة بأنها عقوبة بل يجب ردها إلى فكرة الخطأ وجسامته التي تؤثر في تقدير القاضي للتعويض ومن الطبيعي أن يدخل في هذه الجسامة تجاهل المدين لحكم القاضي الصادر بالتنفيذ العيني تحت طائلة الغرامة التهديدية ).

إن نظرية التعويض رغم قوة الحجج التي استندت إليها إلا أنها قوبلت بالنقد وظهرت بالموازاة معها نظرية أخرى حاولت إعطاء تكييف آخر للغرامة التهديدية وهي نظرية العقوبة.

الفرع الثاني

نــظــــريــة العــــقــــوبـــة

يرى أنصار هذه النظرية أن مبالغ الغرامة التهديدية المصفاة هي عقوبة يحكم بها القاضي على المدين، من جراء امتناعه على تنفيذ الحكم إلا أنها عقوبة من نوع خاص،وترجع أصول هذه النظرية إلى الفقه والقضاء الفرنسيين، ويعتبر الأستاذ Huguney أول من كتب حول الموضوع في كتابه العقوبة الخاصة في القانون المقارن ( عام 1904) والذي يرى أن العقوبة الخاصة تكون في حالات ثلاث:

* عندما يكون الفرد هو من يحدد الجزاء.
* عندما يكون الفرد هو من يحدد المتابعة أو عدم المتابعة.
* عندما يدفع مبلغها لصالح المضرور وليس الخزينة.

وإذا كان المفهوم الأول والثاني لا وجود لهما حاليا إلا أن الصورة الثالثة لا تزال في القانون المعاصر، ولها خصائص وأركان فهي تقوم على خطأ المدين ومبلغها يجاوز الضرر ولا يدفع للخزينة العامة كما هو الشأن في العقوبة العامة، وانطلاقا من هذا التعريف للعقوبة الخاصة يرى أنصار هذه النظـرية أن الغـرامـة التـهـديـديـة تـنـطـبـق عليها هـــذه الخـصائص، وبالتالي فهي عقوبة وليست تعويضا وعموما فإن هذه النظرية تجد مبررها في أن تصفية مبالغ التهديد المالي لا تكون إلا إذا رفض المدين التنفيذ وظهرت سوء نيته فكان هذا خطأ يستوجب الجزاء.

وقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات لعل أهمها:

1- اصطدامها بمبدأ شرعية العقوبة والجريمة، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فعدم تنفيذ المدين لالتزامه ليس جنحة يعاقب عنها القانون الجزائي، وإن كان أنصار هذه النظرية يردون على هذا النقد بقولهم أن تنفيذ الأحكام من النظام العام، وللقاضي سلطة واسعة في فرض احترامها وتنفيذها،إلا أن هذا مردود عليه ذلك أن القانون وحده هو الذي يحدد الوسائل التي يجوز للقاضي استعمالها لضمان تنفيذ أحكامه، ويبقى ذلك الاختصاص للمشرع وحده وهو ما يراه الأستاذ Faustin Halie .

2- أن العقوبة تكون قابلة للتنفيذ مباشرة، في حين الغرامة التهديدية تتميز بطابعها الوقائي والمشروط عكس العقوبة التي تهدف أساسا للجزاء.

3- القول بأن الغرامة التهديدية عقوبة يؤدي إلى إثراء في جانب الدائن الذي قد يحصل على تعويض عن ما أصابه من ضرر بالإضافة إلى مبلغ التهديد المالي المصفى، ولذا ذهب بعض الفقهاء تفاديا لهذا النقد إلى اقتراح جزء من مبلغ الغرامة لصالح الخزينة العامة.

إن هذه النظرية وجدت في فرنسا في ظل غياب نص قانوني ينظم الغرامة التهديدية ولم يصبح لها أي مجال بعد تنظيمها قانونا.

الفرع الثالث

مــوقــف المشــرع الجـزائـري إذا كان الفقه الفرنسي قد انطلق من فراغ قانوني قبل سنة 1972 للبحث عن طبيعة الغرامة التهديدية بعد تصفيتها، فأوجد نظرية التعويض ثم نظرية العقوبة، فإن هذا المشكل لم يطرح في الجزائر كونها تجد تأسيسها في القانون، إذ تنص المادة 175 من القانون المدني: (إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين ).

فهذه المادة جاءت صريحة و نصت على أن مبالغ التهديد المالي تتحول عند تصفيتها إلى تعويض، ثم حددت العناصر التي يعتمدها القاضي في تقديره و هي الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين، هذا الأخير الذي يشكل لب الغرامة التهديدية ومعقل القوة فيها، ولا يعني هذا أن لها طبيعة خاصة مستقلة عن التعويض، فإذا رجعنا إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية و بالخصوص عناصر تحديد التعويض نجد أنها تتطابق مع عناصر التهديد المالي، إذ تنص المادة 131 من القانون المدني: (يقدرا لقاضي مدى التعويض عن الضرر الذي أصاب الدائن طبقا لأحكام المادة 182 من القانون المدني مع مراعاة الظروف الملابسة ) وتضيف المادة 182 من القانون المدني (يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب…)

وعليه فالقاضي عند تصفيته مبالغ الغرامة التهديدية يرجع إلى القواعد العامة فيما يخص عنصر الضرر، أما عنصر العنت فهناك من يعتبره خطأ من المدين يدخل في مفهوم الظروف الملابسة المنصوص عليها في المادة 131 من القانون المدني.

وعلى أي حال فإن هذا يدعو إلى التساؤل عن جدوى وجود نظرية التهديد المالي إذا كانت نظرية التعويض تغني عنها ؟

إن الغرامة التهديدية رغم أنها تتحول إلى تعويض نهائي عند تصفيتها، إلا أنها تحتفظ بفعاليتها كوسيلة تهديد وضغط، إذ أنها تنبه المدين إلى خطورة الوضع بالنسبة إليه وتشير إلى الكيفية التي تصفى بها، و رغم أن فكرة الخطأ ركن أساسي في المسؤولية المدنية إلا أنها في التهديد المالي تكون أوضح، وهذا يعني أن التعويض في هذه الحالة بمراعاته عنصر تعنت المدين و ممانعته يكون أكبر من التعويض الذي كان سيجنيه الدائن لو أنه لجأ مباشرة إلى التنفيذ بمقابل، و يستتبع هذا أن القاضي لا يمكنه أن يصفي الغرامات المتراكمة دون أن يضع حدا للالتزام الأصلي، فالدائن بطلبه التصفية يكون بطريقة غير مباشرة يطلب التنفيذ بمقابل أمام استحالة التنفيذ العيني، و لذا لا يمكن للقاضي أن يجمع بينهما في حكم

واحد انطلاقا من القاعدة القانونية (لا يحكم بتعويضين عن ضرر واحد).

و نظرا لكل ما تقدم فإن المشرع الجزائري يعتبر الغرامة التهديدية في مرحلتها الأولى وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني، على أنها إذا لم تحقق الغاية منها تحولت إلى تعويض ومن أجل هذا يصح اعتبارها نظرية مستقلة بذاتها.

اعتنى المشرع بتنظيم دعوى الغرامة التهديدية مثلها مثل بعض الدعاوى الأخرى الخاصة كدعاوى الحيازة والدعاوى الإدارية، وذلك بتفصيل شروطها في قانون الإجراءات المدنية وبعض القوانين الخاصة مثل قانون تسوية المنازعات الفردية للعمل 90/04.

وطبقا لنص المادة 340 من قانون الإجراءات المدنية فدعوى الغرامة التهديدية هي حق لكل دائن اتجاه مدينه عندما يمتنع هذا الأخير عن تنفيذ التزام بعمل أو امتناع عن عمل ( ) بشرط أن يثبت هذا الالتزام بموجب سند تنفيذي وأن يثبت امتناع المدين عن التنفيذ بموجب محضر رسمي.

وقد حدد المشرع الجزائري من خلال المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية الجهة القضائية المختصة بالفصل في هذه الدعوى إلا أن هذا النص جاء عاما ولذا نحاول من خلال هذا الفصل التطرق على اختصاص مختلف الجهات القضائية في إصدار الغرامة التهديدية خاصة القضاء الإداري بعد تبني الجزائر نظام قضائي مزدوج )المبحث الأول( ثم بعد ذلك نحاول تفصيل موضوع دعوى الغرامة التهديدية وكيفية تقديرها وتصفيتها )المبحث الثاني(.

المبحث الأول

الجهة القضائية المختصة بالفصل في دعوى الغرامة التهديدية

تنص المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية: )يجوز للجهات القضائية بناءا على طلبات الخصوم أن تصدر أحكاما بتهديدات مالية في حدود اختصاصها(

ولأن النظام القضائي الجزائري نظام مزدوج – قضاء عادي وقضاء إداري – نتناول الموضوع من خلال التطرق إلى اختصاص القاضي العادي )المطلب الأول( واختصاص القاضي الإداري )المطلب الثاني(

المطلب الأول

اختصاص القضاء العادي في توقيع الغرامة التهديدية

تناول المشرع الجزائري في الفقرة الأولى من المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية اختصاص قاضي الموضوع في توقيع الغرامة التهديدية وتصفيتها )الفرع الأول( ثم تناول في الفقرة الثانية من نفس المادة اختصاص قاضي الأمور المستعجلة وحدود هذا الاختصاص )الفرع الثاني(

الفرع الأول

اختصاص قاضي الموضوع

تنص الفقرة الأولى من المادة 471 المذكورة أعلاه: ( يجوز للجهات القضائية بناءا عل طلب الخصوم أن تصدر أحكاما بتهديدات مالية في حدود اختصاصها) فهذه المادة أعطت الاختصاص لمختلف الجهات القضائية على مختلف أنواعها ودرجاتها في إصدار أحكام بتهديدات مالية ثم مراجعتها و تصفيتها و هذا في حدود اختصاصها الذي يحدده موضوع النزاع الأصلي، إذ يجوز لقاضي الاجتماعي أن يصدر حكما بتوقيع الغرامة التهديدية ما دام النزاع اجتماعي مطروح أمامه و كذا الشأن بالنسبة لمختلف أقسام المحكمة الأخرى المدني أ و العقاري أو التجاري….. الخ.

ولا يقتصر اختصاص قاضي الموضوع في إصدار تهديدات مالية على قضاة الدرجة الأولى إذ يجوز لقضاة الاستئناف أيضا إصدار أحكام بتهديدات مالية لضمان تنفيذ أحكام أو قرارات قضائية، خاصة وأن المصطلح الذي استعمله المشرع في الفقرة 1 من المادة 471- الجهات القضائية- جاء عاما مما يعني شموليته لمختلف الجهات مهما كان نوعها أو درجتها، لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هل يجوز للدائن المطالبة بتوقيع غرامة تهديدية لأول مرة أمام جهة الاستئناف؟

كان القضاء الفرنسي بداية يعتبر طلب توقيع الغرامة التهديدية أمام جهة الاستئناف لأول مرة، طلب جديد يرفض على أساس المادة 461 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، إلا أنه تراجع عن هذا الموقف على أساس أن طلب الغرامة التهديدية لا يوسع من دائرة النزاع الأصلي، فالهدف منه هو حمل المدين على التنفيذ و قهر تعنته، فهو إذا طلب تابع للطلب الأصلي و مشتق عنه.

و بالرجوع إلى نص المادة 107 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري و التي تنص في فقرتها الثالثة:( و لا يعد طلبا جديدا الطلب المشتق من الطلب الأصلي في الدعوى و الذي إلى يهدف إلى الغاية نفسها). فالملاحظة أن طلب الغرامة التهديدية أمام الجهة الاستئنافية جائز و لا يعد طلبا جديدا فالغاية منه هو الضغط على المدين لتنفيذ التزامه محل الدعوى الأولى و بالتالي فهذا الطلب لا يوسع دائرة النزاع.

الفرع الثاني

اختصاص القاضي الاستعجالي في توقيع الغرامة التهديدية

أثار اختصاص قاضي الاستعجال في إصدار تهديدات مالية جدلا فقهيا حادا بين المعارضين له و مناصريه إلا أن المشرع الجزائري و تفاديا لذلك حسم الموضوع بالنص صراحة على اختصاصه القاضي من خلال المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية، وهو بذلك قد سبق المشرع الفرنسي الذي لم ينظم الموضوع إلا في سنة 1971 من خلال المرسوم 71-740 المؤرخ في 09/09/1971 ثم المرسوم 72-788 المؤرخ في 28/08/1972، و مع ذلك و تفاديا للانتقادات التي وجهها المعارضين لاختصاص القاضي الإستعجالي في إصدار تهديدات مالية حد المشرع من صلاحياته إذ أجاز له فقط توقيع الغرامة دون تصفيتها و مراجعتها فتنص المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية في الفقرة الثانية منها( يجوز للقاضي الأمور المستعجلة بناءا على طلب الخصوم أن يصدر أحكاما بتهديدات مالية و هذه التهديدات يجب مراجعتها و تصفيتها أمام الجهة القضائية المختصة).

و قد قدم الفقه عدة تبريرات لاختصاص قاضي الاستعجال في إصدار الغرامة التهديدية كانت بمثابة الرد الحاسم على الانتقادات الموجهة له تحملها فيما يلي:

1– أن قاضي الاستعجال بإصداره لتهديدات مالية يضمن بذلك تنفيذ الأوامر الوقتية التي يصدرها خاصة و أن الغرامة التهديدية من أهم مميزاتها كما سبق ذكره في الفصل الأول الطابع الوقتي فالهدف منها هو تسريع إجراءات التنفيذ و القاضي إذا حكم بها لا يبث في أصل النزاع و لا يتطرق لأصل الحق إطلاقا.

2- أن المشرع أعطى صراحة الاختصاص للقاضي الإستعجالي في إصدار أحكام بتهديدات مالية، على أن تتم تصفيتها و مراجعتها أمام قضاء الموضوع كما أن الأحكام الصادرة عن القاضي الإستعجالي نفسها لها طابع وقتي تحتاج البث فيها من القاضي الموضوع ما يقع معه عدم استعاد اختصاص القاضي الإستعجالي في إصدار أحكام بغرامة تهديدية يضمن بها بتنفيذ أحكامه.

و في هذا الصدد نتساءل هل اختصاص قاضي الأمور المستعجلة في إصدار أحكام بتهديدات مالية مناطه ضمان تنفيذ الأوامر الإستعجالية الصادرة عنه في إطار الدعوى الإستعجالية أم أنه يمكن له أن يصدر أحكاما بتهديدات مالية لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة عن قضاة الموضوع أيضا ؟. ترددت المحاكم الفرنسية طويلا بهذا الشأن فذهبت أحيانا إلى عدم جواز ذلك و أجازت أحيانا أخرى إصدار قاضي الاستعجال لتهديدات مالية ضمانا لتنفيذ أحكام صادرة عن جهات قضائية أخرى ثم استقرت على هذا الرأي أخيرا.

و إذا قرأنا نص المادة 471 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري نلاحظ أنه جاء عاما و لم يحدد بالضبط ما إذا كان اختصاص القاضي الاستعجال يقتصر فقط على إصدار تهديدات مالية لضمان تنفيذ الأوامر الإستعجالية الصادرة عنه أم يتعداها للأحكام الصادرة عن جهات أخرى مما يدفعنا إلى القول باتجاه إرادة المشرع إلى جواز ذلك.

لكن هل يقع على قاضي الأمور المستعجلة عند بثه في طلب توقيع الغرامة التهديدية التأكد من توافر عنصر الاستعجال حسب ما تقتضيه المادة 183 من قانون الإجراءات المدنية كأي دعوى استعجالي أم أن أساس اختصاصه هو القانون من خلال المادة 471. إن المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 22/10/1997 ذهبت إلى أن اختصاص قاضي الأمور المستعجلة أساسه هو نص المادة 471 وليس المادة 183 من قانون الإجراءات المدنية حيث جاء في حيثيات هذا القرار(من المقرر قانونا أن قاضي الاستعجال يجوز له بناءا على طلب الخصوم أن يصدر أحكام بتهديدات مالية ولما تبين في قضية الحال أن قضاة الاستعجال لما قضوا بعدم اختصاصهم في النزاع على أساس انعدام ركن الاستعجال وفقا للمادة 183 من قانون الإجراءات المدنية فإنهم يكونوا قد خالفوا القانون مما يستوجب النقض في القرار المطعون فيه)( )،و هو ما كرسه الأمر الاستعجالي الصادر عن محكمة سيدي بلعباس بتاريخ 20/02/2005 تحت رقم 25/05 حيث جاء في حيثياته (…حيث أن الدفع بعدم اختصاص المحكمة لعدم توافر عنصر الاستعجال في غير محله ذلك أن الطلب القضائي يخص توقيع غرامة تهديدية وهي المنصوص عنها في المادة 471من قانون الإجراءات المدنية و التي تعطي الاختصاص النوعي للقاضي الاستعجالي ومن ثم يتعين التصريح بقبول الدعوى شكلا. )

المطلب الثاني

اختصاص القضاء الإداري في توقيع الغرامة التهديدية

لقد استقر القضاء الإداري في فرنسا على أنه لا يوجد ما يمنع القاضي العادي من النطق بالغرامة التهديدية ضد الإدارة والمؤسسات العامة إذا كان العمل الذي قامت به يدخل في نطاق العمل المادي أو كان نشاطها تحكمه قواعد القانون الخاص.

لكن المشكلة تثور عند الخوض في اختصاص القاضي الإداري في إصدار أحكام بغرامات تهديدية، فإذا كان المشرع الفرنسي قد حسم الخلاف بهذا الشأن ونص صراحة على اختصاصه، من خلال القانونين 80/539 و 95/125 فإن المشرع الجزائري لم يفعل ذلك بعد في انتظار ما سوف يسفر عنه مشروع تعديل قانون الإجراءات المدنية، وما يزال الخلاف قائما حول مدى اختصاص القاضي الإداري في الجزائر بإصدار أحكام بالغرامة التهديدية.

وفيما يلي نحاول عرض أهم الآراء الفقهية في هذا الموضوع وموقف القضاء منها وذلك من خلال التمييز بين موقفه من الغرامة التهديدية الصادرة لصالح الإدارة )الفرع الأول( وتلك الصادرة ضدها)

الفرع الأول

الغرامة التهديدية لصالح الإدارة

إن الإدارة المتعاقدة مع الأفراد تملك من الامتيازات و الوسائل ما يجعلها تلزمهم على التنفيذ العيني أو بمقابل دون أن تلجأ إلى التهديد المالي، مما جعل القضاء الإداري في فرنسا يرفض الحكم لها بالغرامة التهديدية، غير أن مجلس الدولة الفرنسي ما لبث أن تراجع عن هذا المبدأاستثناءا على القاعدة العامة، و أجاز الحكم بالغرامة التهديدية لصالح الإدارة إذا كانت لا تملك طرق أخرى للتنفيذ إلا اللجوء إلى القضاء.

و في هذه الحالة تعد الغرامة التهديدية أجدى وسيلة لدى الإدارة للتنفيذ و أفضل من لجوئها إلى التنفيذ الجبري عن طريق القوة العمومية لما قد يثيره ذلك في اضطرا بات في المحيط الاجتماعي.

أما في الجزائر فيرى الأستاذ بن شنيتي حميد في هذا الصدد أن القاضي الإداري يستطيع إصدار أحكام بتهديدات مالية ضد الأفراد لصالح الإدارة ويقدم عدة تبريرات لذلك نجملها فيما يلي :

1- أن المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية لم تعين بالذات الأشخاص الذين يستفيدون من التهديد المالي، و لم تقصره على أشخاص القانون الخاص.

2- أنه بالرغم من أن الإدارة تتمتع بوسائل كثيرة لضمان تنفيذ حقوقها اتجاه الغير إلا أن المشرع أعطى لها سلطة الالتجاء إلى طلب تطبيق الغرامة التهديدية من خلال عدة نصوص، نذكر منها على سبيل المثال ما نصت عليه المادة 373 من قانون الضرائب المباشرة و الرسوم(إن رفض الإطلاع على الدفاتر و الأوراق و الوثائق المشار إليها أعلاه في المادتين 371 و 372 أو إتلافها قبل انقضاء مهلة 10 سنوات يعاقب عنها بغرامة جبائية من 100 دج إلى 10.000 دج، و ينتج عن هذه المخالفات فضلا عن ذلك تطبيق- تلجئة- غرامة تهديدية في النص الفرنسي- قدرها 50دج على الأقل عن كل يوم تأخير تسري من تاريخ المحضر المعد لإثبات الرفض) و هناك مادة أخرى من قانون الرسوم على رقم الأعمال تعطي الحق للإدارة في استصدار حكم بتهديد مالي ضد كل شخص أو شركة ترفض تقديم الوثائق الواجبة عليها .

1- أن الإدارة قد تكون عاجزة عن التنفيذ رغم الوسائل المتاحة لها، إذ أن المادة 324 من قانون الإجراءات المدنية، الفقرة 02 تقرر أنه عندما يكون التنفيذ من شأنه أن يعكر الأمن العمومي إلى درجة الخطورة، فيمكن للوالي أن يطلب التوقيف المؤقت لهذا التنفيذ.

و إذا رجعنا إلى أحكام القضاء الجزائري نجد أن مجلس الدولة الجزائري يرفض النطق بالغرامة التهديدية لصالح الإدارة و هذا من خلال قراره الصادر بتاريخ 08/04/2003. حيث تتلخص الوقائع أنه بتاريخ 29/06/2003 قضى مجلس قضاء قسنطينة، الغرفة الإدارية بطرد السيدة ( ك.م ) و كل شاغل بإذنها من السكن الوظيفي التابع لمديرية التربية و هذا تحت طائلة غرامة تهديدية يومية 1000 دج، فقامت السيدة ( ك.م ) برفع دعوى أمام رئيسة مجلس الدولة تلتمس فيها عملا بنص المادة 283/2 من قانون الإجراءات المدنية وقف تنفيذ قرار مجلس قضاء قسنطينة، فأصدرت الغرفة الخامسة مشكلة من رئيسة المجلس على انفراد قرارها القاضي رفض طلب المستأنفة فيما يخص الطرد لعدم التأسيس و الاستجابة لطلب وقف الغرامة التهديدية، و قد جاء في حيثيات القرار:( حيث… و بما أن الغرامة التهديدية التزام ينطق القاضي به كعقوبة فانه ينبغي أن يطبق عليها مبدأ قانونية الجرائم و العقوبات و بالتالي يجب سنها قانوناً. حيث أنه لا يجوز للقاضي في المسائل الإدارية النطق بالغرامة التهديدية ما دام لا يوجد أي قانون يرخص بها صراحة)

وعليه فمجلس الدولة الجزائري يرفض إصدار تهديدات مالية لصالح الإدارة،بل أن حيثيات القرار المذكور أعلاه جاءت رافضة بشكل قطعي لاختصاصه مما يدفعنا إلى التساؤل عن اختصاصه في إصدار تهديدات مالية ضدها؟

الفرع الثاني

الغرامة التهديدية ضد الإدارة

كان مجلس الدولة الفرنسي بداية وقبل صدور القانون 80/539 يرفض إصدار القاضي الإداري لأي أوامر للإدارة بما في ذلك التهديدات المالية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات الإدارية والقضائية ( ) حتى لو كان الأمر يتعلق بعدم تنفيذ بعض أحكامه.

وقد حاول القضاء الإداري تعويض ذلك بأساليب أخرى وذلك بلجوئه إلى أسلوب الإلزام التخييري الذي يتمثل في إلزام الإدارة إما بالتنفيذ خلال مدة معينة وإما بدفع تعويض عن الضرر الناتج عن عدم التنفيذ إلا أن هذا الأسلوب لاق الكثير من النقد فهو في الحقيقة ليس إلا تعويضا وليست له فعالية الغرامة التهديدية.

وقد اختلف الفـقه حـول هذا الموضوع فمـنه من عارض النطق بالغـرامة ضد الإدارة )أولا( ومنه من أيد ذلك )ثانيا( ونحاول في هذا الصدد عرض هذه المواقف لنخلص إلى رأي القضاء الجزائري حولها، خاصة وأن المشرع الجزائري لم يحسم الخلاف بعد.

أولا: الفقه المعارض للغرامة التهديدية ضد الإدارة:

إن الفقه الذي عارض تطبيق الغرامة التهديدية ضد الإدارة، استند إلى طبيعة الغرامة، كونها تحمل معنى الأمر، وأنه من أهم مبادئ القضاء الإداري عدم جواز توجيه الأمر للإدارة غير أن هذا الاتجاه لم يتفق على الأساس الذي استند إليه في استبعاد تطبيقها، حيث ذهب جانب منه إلى اعتماد الأساس العملي، و جانب آخر ارتكز على الأساس النظري. فيرى الاتجاه الأول الذي يستند إلى الأساس العملي لنفي تطبيق الغرامة التهديدية على الإدارة و على رأسهم الدكتور نصره منلا حيدر في مؤلفه التنفيذ الجبري و إجراءات التوزيع. أن الغرامة التهديدية تتطلب تدخل الإدارة لإتمامها، و هذا بخلاف الغرامة التهديدية في مواجهة الأفراد التي تتحقق بالحجز على مبالغ التهديد المالي بعد تصفيته، في حين لا يجوز الحجز على الإدارة، أما الجانب الآخر من الفقه فيستند إلى الأساس النظري أو القانوني و مؤدي ذلك أن أساس الحكم بالغرامة التهديدية لا يرجع إلى جبر الضرر الحاصل، و إنما يرجع إلى سلطة القاضي الخاصة و لو في غياب النص التشريعي التي تجيز له معاقبة المدين و فرض غرامة تهديدية لحمله على تنفيذ التزامه.

و هذا بخلاف الإدارة فنشاطها محدد بالتشريع و لا يمكن أن تتعداه، و في حالة الاعتراف للقاضي الإداري بفرض غرامة تهديدية على الإدارة نكون قد أعطيناه سلطة رئاسية عليها، و هو ما لا يتوافق مع روح القانون.

ثانيا: الفقه المؤيد للغرامة التهديدية:

يؤيد الكثير من الفقهاء تطبيق الغرامة التهديدية ضد الإدارة في حالة عدم التزامها بتنفيذ الحكم الصادر ضدها، و على رأسهم الأستاذين أوبي و دار قو و يبرران ذلك. أن القاضي الإداري له نفس صلاحيات القاضي المدني عند عدم إمكانية تنفيذ الالتزام تنفيذا جبريا، و هو ما يستوحى من نص المادة 1124 من القانون المدني الفرنسي التي تنص(كل التزام بعمل أو بالامتناع بعمل يتحول إلى تعويض في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه)

و عليه فلا يوجد ما يمنع القاضي الإداري من تطبيق الغرامة التهديدية ضد الإدارة خصوصا و أن هذه الصلاحية تشبه الأحكام التي يضمنها القاضي تعويضات مالية ضد الإدارة.

و هناك من الفقه من يستند في تأييده للغرامة التهديدية ضد الإدارة على طبيعة الالتزام الواقع على عاتقها، حيث أنها تتناسب مع طبيعة الالتزامات الإدارية و خاصة في مجال تنفيذ الأحكام القاضية بالإلغاء التي لا تخرج عن كونها التزام بعمل أو الامتناع عنه يقتضي تنفيذها تدخلا من جانب الإدارة.

و إذا كانت تصطدم في الأخير بمبدأ عدم جواز تنفيذها تنفيذا جبرياً، عندما تتحول إلى تعويض نهائي، إلا أن هذا مردود عليه، فعدم جواز الحجز على أموال الدولة لا تواجه الأحكام الصادرة بتوقيع الغرامة التهديدية فقط بل تمتد إلى كل الأحكام الصادرة بالتعويضات. فإذا تم استبعاد اختصاص القاضي الإداري في توقيع الغرامة التهديدية على الإدارة على هذا الأساس، فإن ذلك يؤدي أيضا إلى استبعاد اختصاصه بإصدار أحكام التعويض التي تعد اختصاصاً أصيلاً له.

فالمشكل لا يتعلق بعدم جواز الحجز بقدر ما يتعلق بسلطة القاضي في مواجهة الإدارة لفرض احترام أحكامه كما أن تنفيذ الغرامة التهديدية عندما تتحول إلى تعويض نهائي لها أساليب خاصة كغيرها من أحكام التعويض الصادرة ضد الإدارة .

أما عن موقف القضاء الجزائري من هذه النقطة فإننا نستخلصه من حيثيات قرار مجلس الدولة المؤرخ في 08/04/2003، المذكور أعلاه فنلاحظ أنه يمنع القاضي الإداري من النطق بالغرامة التهديدية ضد الإدارة أو لصالحها، ما دام لا يوجد نص يسمح له بذلك وتعليقاً عليه يرى الأستاذ غناي رمضان ( أن وضع هذا الشرط من باب الزيادة عن اللزوم، فالمادة 340 من قانون الإجراءات المدنية و المادة 471 منه كافيتان لإضفاء الشرعية على اختصاص القاضي الإداري، ذلك أن المادة 340 جاءت في الكتاب الثالث من قانون الإجراءات المدنية و المعنون بـالتنفيذ الجبري للأحكام المحاكم والقرارات القضائية و العقود الرسمية مما يفيد أن الغرامة التهديدية تتعلق بالأحكام أو قرارات المجالس سواء صدرت عن القضاء العادي أم الإداري.

كما أن المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية تمنح الاختصاص في الفصل في طلبات الغرامات التهديدية إلى الجهات القضائية دون تخصيص مما يعني أنها تشمل القضاء الإداري.

هذا بالإضافة إلى أن المادة 40 من القانون العضوي 98/01 المتعلق بالمحاكم الإدارية و المادة 168 من قانون الإجراءات المدنية أخضعت الغرف الإدارية للعمل حسب مقتضيات قانون الإجراءات المدنية المتبع أمام القضاء العادي.

و أمام هذه التبريرات الكافية لاختصاص القاضي الإداري يثور التساؤل: ما هي الدوافع الحقيقية التي أدت بمجلس الدولة الجزائري إلى تبني هذا الاتجاه.

وبالرجوع إلى قرار مجلس الدولة المؤرخ في 15/04/2002، و الذي جاء في إحدى حيثياته: ( ليس بإمكان القضاء أن يصدر أوامر أو تعليمات للإدارة فهو لا يستطيع أن يلزمها بالقيام بعمل ).

فالقاضي لا يمكنه توجيه أوامر للإدارة، و إن كان من حقه إلغاء القرارات الغير شرعية و إلزامها بالتعويض، و مبرر ذلك مبدأ الفصل بين السلطات. ويجد هذا تبريره في القراءة الموسعة لنص المادة 168 من قانون الإجراءات المدنية الواردة في الباب الثاني منه تحت عنوان الإجراءات المتبعة أمام المجلس القضائي في المواد الإدارية والتي تنص على: ( تطبق النصوص الواردة في الكتاب الرابع أمام المجلس القضائي و هو يبث في المواد الإدارية و ذلك في الحدود التي تتعارض فيها مع أحكام هذا الباب…ولا تطبق المادتان 174- 182 الخاصتان بأوامر الأداء … )

ومن هنا استخلص القضاء الجزائري أن نص المادة 168 على النحو المذكور أعلاه يدل على تجسيد مبدأ عدم جواز توجيه الأوامر للإدارة، إلا في حالة التعدي، إذ يجوز في هذه الحالة أن يأمر القاضي الإداري الإدارة بالكف عن الاعتداء و يلزمها بذلك، و في هذا الصدد تقول الرئيسة السابقة لمجلس الدولة- فريدة أبركان: ( الإدارة التي تتجاوز حدود الصلاحيات الشرعية و تنهك الحريات و الحقوق إنما تفقد الاحترام المستحق لها مما يبرر أن يحكم عليها القاضي بل أن يكلفها بالكف عن التعدي

إلا أن هذه الحجج مردود عليها، فالمادة 168 استبعدت تطبيق القاضي الإداري للمواد 174 و 182 و هي المتعلقة بأوامر الأداء دون غيرها من الأوامر، و عموما نتساءل كيف يمكن للقاضي الإداري أن يصدر أوامر للإدارة في حالة التعدي و الاستيلاء و الغلق على أساس إخلالها بالشرعية و انتهاك الحقوق و لا يفعل ذلك لضمان تنفيذ قراراته و أحكامه بإصداره تهديدات مالية؟

إن القول بهذا فيه مساس و تقليل من شأن القرارات القضائية التي يصدرها كما أنه يضرب عرض الحائط بأوامره الإدارة بالكف عن التعدي إذا فما جدوى توجيه أوامر للإدارة، إذا لم يكن يملك السلطة لإكراهها على ذلك؟ ( )

وعموما تضاربت قرارات مجلس الدولة بشأن تطبيق الغرامة التهديدية على الإدارة فبعد أن ذهب إلى جواز الحكم بها وذلك من خلال عدة قـرارات أهمـهـا الـقــرار الصــادر بتاريــخ:03/03/1999 ( ) وذلك على أساس المادتين 340و471 من قانون الإجراءات المدنية ثم بعد ذلك رفضها في قراره الصادر بتاريخ 19/04/1999 على أساس عدم

وجود نص يسمح بها وبقي على هذا المنوال إلى يومنا هذا . وعموما فإن قرار مجلس الدولة الأخير القاضي برفض الغرامة التهديدية على الإدارة ليس قرارا مبدئيا ولا منشأ كونه لم يصدر عن الغرف المجتمعة ويبقى الأمر معلقا على تدخل المشرع الذي لم يحسم الخلاف حتى الساعة .

المبحث الثاني

موضوع دعوى الغرامة التهديدية

لا يخرج موضوع دعوى الغرامة التهديدية على اثنين، فهو يتمثل في طلب توقيع غرامة تهديدية على المدين من جهة وطلب تصفية مبالغ الغرامة التهديدية إذا ما تعنت المدين و أصر على عدم التنفيذمن جهة أخرى.

وهو ما يفرض التعرض لمسألتين: دعوى توقيع الغرامة التهديدية)المطلب الأول( ودعوى تصفية الغرامة التهديدية)المطلب الثاني(

المطلب الأول

دعوى توقيع الغرامة التهديدية

الأصل أن يبدأ الدائن بالمطالبة بالتنفيذ فإذا امتنع المدين جار له حسب المادة 340 و المادة 174 بتوقيع الغرامة التهديدية على مدينه لحمله على تنفيذ الالتزام و لذا فإن موضوع الدعوى بداية هو طلب فرض غرامة تهديدية عن كل وحدة زمنية يتأخر فيها المدين على التنفيذ أو طلب مراجعتها إذا كانت هذه المبالغ زهيدة و لم تحقق الغرض منها ألا و هو الضغط على المدين.

و في هذا الصدد نعالج الأمر من خلال التطرق لسلطة القاضي في فرض الغرامة التهديدية)الفرع الأول( ثم العناصر التي يعتمدها في إطار أعمال سلطته التقديرية لتحديد مبلغ الغرامة التهديدية و بدأ سريانها و مدتها)الفرع الثاني(

الفرع الأول

سلطة القاضي في فرض الغرامة التهديدية

يتمتع القاضي بسلطة تقديرية واسعة في هذا الصدد، فالأمر جوازي للمحكمة تقدره حسب ظروف الدعوى، ما دام الهدف منها هو حمل المدين على التنفيذ العيني للالتزام.

فللقاضي أن يرفض توقيعها رغم توافر جميع الشروط و هو بذلك لا يخضع لرقابة المحكمة العليا كون ذلك يعد من مسائل الموضوع التي تخرج من نطاق الرقابة.

إلا إذا بنى رفضه على عدم توافر شروط الحكم بالغرامة، ففي هذه الحالة يجب أن يسبب حكمة و إلا تعرض للنقض فالمسألة عندئذ قانونية تخضع لرقابة المحكمة العليا( ) لكن هل يجوز للقاضي النطق بالغرامة التهديدية تلقائيا؟

إذا ما رجعنا إلى النصوص القانونية التي تحكم الغرامة التهديدية نستخلص أن المشرع جعل منها رخصة للدائن قد يلجأ إليها و قد لا يفعل ذلك و يفضل مباشرة اللجوء إلى التنفيذ الجبري و طلب حجز أموال مدينه لاقتضاء دينه أي التنفيذ بمقابل.

إلا أن المشرع الفرنسي على خلاف المشرع الجزائري و المصري أجاز للقاضي النطق بالغرامة التهديدية سواء تعلق الأمر بالقاضي العادي أو الإداري، حيــث جاء فــي القانون 72/626:( يجوز للمحاكم و لو تلقائيا أن تقرر غرامة تهديدية ) و في هذا الصدد يقول الأستاذ Jacques Boré: ( إن وجود الغرامة التهديدية ذاته يخضع لسلطة القاضي التقديرية ليس فقط في أن يقدر القاضي بسلطته التقديرية الملائمة التي توجد لتوقيعها إذا طلب منه توقيعها و لكن كذلك سلطة توقيعها تلقائيا).

و نفس الشيء أجازه المشرع الفرنسي للقاضي الإداري، و ذلك من خلال المادة الثانية من القانون 80/539 المؤرخ في 16/07/1980 و المتعلق بقرض الغرامة التهديدية ضد الإدارة.

و أما في القانون الجزائري الحالي فلا يجوز للقاضي سواء العادي أو الإداري الحكم بالغرامة التهديدية تلقائياً و إن كان مشروع تعديل قانون الإجراءات المدنية في المادة 1020 منه تجيز لمجلس الدولة الحكم بالغرامة التهديدية على الإدارة و لو تلقائيا 

الفرع الثاني

سلطة القاضي في تقدير الغرامة التهديدية

لم يحدد المشرع الجزائري العناصر التي يعتمدها القاضي لتقدير قيمة الغرامة التهديدية، و مدتها و بدأ سريانها، و ترك المجال مفتوحا له لإعمال سلطته التقديرية. و نحاول في هذا الصدد معالجة الموضوع من خلال التطرق إلى أهم العناصر التي يعتمدها القاضي في تقدير مبلغ الغرامة)أولا( ثم بعد ذلك سلطته التقديرية فيما يخص بدأ سريانها ولحظة انطلاقها)ثانيا( وتحديد مدة سريان الغرامة التهديدية)ثالثا(

أولا: سلطة القاضي في تقدير مبلغ الغرامة:

رأينا عند التطرق إلى خصائص الغرامة التهديدية أن أهم مميزاتها الطابع التحكمي لها .. فالقاضي له سلطة تقديرية واسعة في تقدير مبلغ الغرامة، و لا مقياس لها إلا تحقيق الغاية منها و هي حمل المدين و الضغط عليه لتنفيذ التزامه عينا. فالقاضي لا يعتد بالضرر الحاصل للدائن بل قد لا يوجد ضرر أصلاً و مع ذلك يحكم بالغرامة التهديدية، كون الغاية منها تتحقق عن المستقبل.

إن القاضي، سواء كان قاضي استعجال أو قاضي الموضوع، يراعي عند تحديد مبلغ الغرامة يسر المدين و قدرته المالية، فقيمة الغرامة التهديدية المفروضة على شركة لإتمام المشروع الذي تعهدت به تكون حتما أكبر من قيمة الغرامة المفروضة على المستأجر الذي امتنع عن إخلاء العين المؤجرة تنفيذا لحكم الطرد الصادر ضده.

و عموما لا يتعلق تحديد معدل الغرامة بطبيعة الالتزام لا بمضمونه بقدر ما يتعلق بيسر المدين أو إعساره فهذه الوسيلة تهدف إلى الضغط على ذمة المدين المالية.

إلا أن المتمعن في أحكام المحاكم في هذا الصدد يلاحظ أن القاضي لا يعطي هذه المسألة أولويـة كاملـة و عـادة مـا يحـدد قيمـة الغرامـة حسـب طلب الدائن انطلاقا من المبدأ القائل (لا يجوز للمحكمة أن تحكم بأكثر مما طلبة الخصوم)

لكن ماذا إذا كان المبلغ المطلوب من الدائن لا يحقق الغرض من توقيع الغرامة.

إن المشرع الجزائري تدارك هذا، و نص في المادة 174/2:( و إذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة غير كاف لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعيا لذلك )

فمن خلال هذا النص يتضح لنا أنه يجوز للقاضي الرجوع في حكم التهديد المالي للزيادة في نصابه متى طلب الدائن مراجعته، و إذا كان هذا هو المعمول به في القانون المدني إلا أن المشرع و في هذا الصدد خص الغرامة التهديدية في المسائل الاجتماعية بأحكام خاصة، إذ حد من سلطة القاضي في تقديرها نوعا ما، و يتجلى ذلك من خلال نص المادة 34 من القانون المتعلق بتسوية منازعات العمل الفردية، 90/04 المؤرخ في 06/02/1990 و التي تنص ( في حالة عدم تنفيذ اتفاق المصالحة من قبل أحد الأطراف وفقا للشروط و الآجال المحددة في المادة 33 من هذا القانون بأمر رئيس المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية و الملتمس بعريضة من أجل التنفيذ في أول جلسة و مع استدعاء المدعى عليه نظاميا، التنفيذ المعجل لمحضر المصالحة مع تحديد غرامة تهديدية يومية لا تقل عن %25 من الراتب الشهري الأدنى المضمون كما يحدده التشريع المعمول به ) و ينطبق نفس الحكم على تنفيذ الأحكام الصادرة عن القسم الاجتماعي فالمادة 39 أحالت على المادة 34 المذكورة أعلاه.

فيلاحظ أن المشرع تدخل في وضع حد أدنى لقيمة الغرامة، لا يجوز للقاضي النزول عنه و هو ربع الراتب الشهري الأدنى المضمون أي (2500دج) عن كل يوم تأخير، حتى و لو طلب الدائن مبلغا أقل، و هو المعمول به في محكمة سيدي بلعباس 

و تضيف المادة 35 من نفس القانون : ( عندما يتعلق التنفيذ بكل أو بجزء من الاتفاق الجماعي للعمل، يكون ممثلوا العمال طرف فيه أو واحد أو أكثر من المستخدمين، فإن الغرامة التهديدية اليومية المحددة طبقا للمادة 34 من هذا القانون تتضاعف بقدر عدد العمال المعنيين و في حدود مائة عامل ).

و هذا يعني أنه إذا كان النزاع يتعلق بتنفيذ اتفاق جماعي بين العمال و أرباب العمل، فإن الغرامة تتضاعف بحسب عدد العمال على أن لا تتجاوز في كل الأحوال حدود 100 عامل أي (250.000 دج) و لو تجاوز عدد العمال 100 عامل.

و نلاحظ أن التدخل في سلطة القاضي التقديرية من المشرع في مجال المواد الاجتماعية، كان الهدف منها حماية الطرف الضعيف في علاقة العمل و هو العامل.

وعموما وخارج مجال المواد الاجتماعية تبقى للقاضي سلطة واسعة في تحديد معدل الغرامة، لكن هل يجوز للقاضي أن يحكم بمبلغ نهائي أو بالأحرى هل يصح أن تكون الغرامة التهديدية مبلغا نهائيا جامدا يدفعه المدين إلى الدائن في حالة إصراره على عدم التنفيذ ؟

يقول الأستاذ Jacques Boré 🙁 الغرامة التهديدية تكون نهائية عندما يكون المبلغ الذي يضعه القاضي أو المشرع على عاتق المدين مقرر بصفة نهائية للمستفيد من الحكم دون إمكانية إعادة النظر فيه و تكون الغرامة التهديدية بالعكس مؤقتة أو يمكن إعادة النظر فيها عندما يمكن تعديل المبلغ الوارد في الحكم بانتهاء المدة المحددة للمدين للتنفيذ حسب درجة تأثير الغرامة التهديدية، و يظهر الفرق بين النوعين عند تصفيتها أمام قاضي الموضوع فالغرامة التهديدية النهائية و التي تكون مبلغ جامد تسويتها تكون شبه تلقائية في حين تسوية الغرامة التهديدية المؤقتة تترك سلطة تقديرية واسعة للقاضي)

وإذا كان القانون الفرنسي يكرس نظام مزدوج للغرامات التهديدية فالمشرع الجزائري و حتى الساعة- قبل صدور قانون الإجراءات المدنية المعدل- لا يعترف إلا بالغرامة التهديدية المؤقتة التي تخضع لتقدير القاضي من حيث نصابها و مدتها و بدأ سريانها، و هو الأصح، ذلك أن الغرامة التهديدية تفقد طابعها التهديدي إذا حددت مرة واحدة كمبلغ إجمالي و لا تحقق الغاية منها و هي حمل المدين على التنفيذ العيني خوفا من تراكم مبالغ التهديد المالي.

ثانيا: سلطة القاضي في تحديد بدأ سريان الغرامة التهديدية:

لا يوجد في قانون الإجراءات المدنية ما يشير إلى هذه النقطة فالقاضي له كامل الحرية في تقديرها، و الأصل أن تتحدد بداية الغرامة التهديدية من تاريخ تبليغ الحكم إلى غاية تصفيتها إذا رفض المدين التنفيذ وإن كـان هنـاك من القضـاة مـن يحـدد هذه المدة من تاريخ النطق بالحكم ( (، على أساس أن الهدف من إصدارها أولا و أخيرا هو ضمان التنفيذ العيني عن المستقبل، و مع ذلك فلا يوجد ما يمنع القاضي من منح مهلة وفاء للمدين على أن تسري الغرامة التهديدية بعد انتهائها و ذلك محاولة منه في ترك فرصة للتنفيذ الودي، و له كامل السلطة في تحديد هذه المدة حسب طبيعة الالتزام المراد تنفيذه، و هو ما يجري به العمل وجوبا في المادة الاجتماعية إذ تنص المادة 34/2 من القانون 90/04 المتعلق بتسوية المنازعات الفردية للعمل: ( غير أن هذه الغرامة التهديدية لا تنفذ إلا عندما تنقضي مهلة الوفاء التي لا تتجاوز 15 يوماً﴾ و عليه فلا يبدأ سريان أو حساب الغرامة التهديدية في المسائل الاجتماعية إلا بعد انقضاء مهلة 15 يوم المخصصة للوفاء.

و عموما قد نتصور ضرورة اللجوء إلى فترة معينة للوفاء، و لا يبدأ سريان الغرامة التهديدية إلا بقضائها، في الحالة التي يحكم فيها القاضي بالغرامة التهديدية في نفس الحكم الصادر في الموضوع، أما إذا كان هناك حكم في الموضوع في حالة عدم تنفيذه، نرجع إلى القاضي المختص لطلب غرامة تهديدية، ففي هذه الحالة يبدو جليا امتناع المدين على التنفيذ و لذا يصبح من الأفضل أن تسري الغرامة ابتداءً من تاريخ تبليغ الحكم للمدين ذلك أنه لا يصبح مخاطبا به إلا بعد تبليغه لكن ماذا إذا كان الحكم القاضي بالغرامة التهديدية محل استئناف فما هو أثر الاستئناف على سريان الغرامة في حالة تأييد الحكم المستأنف أو إلغاؤه.

إن الحكم بالغرامة التهديدية لا يرتب حقا للمحكوم له فهي مجد وسيلة إجبار لا غير يرتبط مصيرها بمصير الالتزام الأصلي محل التنفيذ، فإذا ما ألغى المجلس الحكم المستأنف فإنه يقع عليه لزاما التطرق إلى مصير الغرامة التهديدية بوضع حد لها، أما إذا أيده كليا أو جزئيا فهنا يثور التساؤل متى يبدأ سريان الغرامة التهديدية؟

وللإجابة على هذا السؤال بجب التمييز بين حالتين:

الحالة الأولى: إذا أيد المجلس الحكم كليا فإن الغرامة التهديدية تسري ابتداء من تبليغ الحكم المستأنف وليس من تاريخ تبليغ القرار المؤيد له.

الحالة الثانية: إذا أيد المجلس القضائي الحكم جزئيا وقضى بدفع مبلغ الغرامة التهديدية فإن الزيادة لا يكون لها أثر رجعي أي تسري الغرامة من التاريخ الذي حدده الحكم محل الاستئناف وبالقيمة نفسها على أن الزيادة لا تؤخذ بعين الاعتبار إلا من تاريخ تبليغ القرار القاضي بها.

ولا يثور أي خلاف إذا قضى المجلس بالغرامة التهديدية لأول مرة أثناء نظره للاستئناف ففي هذه الحالة تسري الغرامة التهديدية من تاريخ تبليغ القرار و من تاريخ الذي يحدده لا من تاريخ الحكم المستأنف.

لكن ماذا إذا كان الحكم محل الاستئناف ليس هو نفسه القاضي بالغرامة التهديدية الصادرة لضمان تنفيذه أو بالأحرى إذا صدر أمر عن القاضي الأمور المستعجلة بالإلزام على تنفيذ حكم امتنع المدين عن تنفيذه ثم كان هذا الحكم محل استئناف؟ فما مصير الأمر القاضي بتوقيع الغرامة التهديدية إذا ألغى المجلس الحكم المستأنف؟

إن الجهات القضائية في هذه الحالة حسب ما هو جاري به العمل لا تتطرق إلى مصير هذا الأمر إلا إذا رجع المحكوم له أمام قاضي الموضوع وطلب تصفية الغرامة، ففي هذه الحالة يكون مصير دعواه الرفض لعدم التأسيس كون الحكم محل التنفيذ ألغي فلم يعد هناك جدوى من الغرامة التهديدية و لم يعد هناك محل للتنفيذ أصلا.

ثالثا: سلطة القاضي في تحديد مدة سريان الغرامة التهديدية :

الأصل أن القاضي يترك المدة مفتوحة إلى غاية التنفيذ إلا أن هذا لا يعني أن القاضي لا يستطيع أن يحدد مدة معينة للغرامة، و له كامل السلطة في مد هذه المدة إذا رأى ضرورة لذلك، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها رقم 41783 المؤرخ في 27/11/1985 والذي جاء في حيثياته( ) ( ولما كان ثابتا في – قضية الحال- أن قضاة الاستعجال قضوا على الطاعن برد الماء فورا إلى المطعون ضده تحت غرامة تهديدية 500 دج عن كل يوم تأخير تسري إبتداءا من تاريخ تبليغ القرار وفي حالة الرفض الإذن في ظرف أسبوع للمطعون ضده بالتركيب عداد للماء فإنهم لما رخصوا للمطعون ضده بتركيب عداد مستقل فقد فتحوا له مجال التصدي للضرر الحاصل وإنهائه بعد أسبوع من تبليغ القرار، ومن ثم فإن الغرامة التهديدية يتوقف احتسابها بعد أسبوع ولا يستمر سريانها إلا إذا عرقل المؤجر تركيب العداد، وعند ذلك يرجع المستأجر إلى المحكمة للنظر من جديد في استمرار الغرامة ومتى خالف هؤلاء القضاة تطبيق هذا المبدأ استوجب نقض قراره ).

و مع ذلك فإننا نرى أن تحديد مدة الغرامة التهديدية يتنافى والطابع التهديدي لها، إذ أن هذا قد يجعل المدين على علم بالمبالغ التي سيحكم بها عليه بداية، فلا تحقق الغرامات الغاية منها وفي إجبار المدين.

فللقاضي كامل الحرية و السلطة في تقدير قيمة الغرامة ومدتها و بدأ سريانها دون رقابة عليه من المحكمة العليا ، فهل له نفس السلطة عند تصفيتها؟

المطلب الثاني

دعوى تصفية الغرامة التهديدية

و هي الدعوى الرامية إلى تصفية مبالغ التهديد المالي في حالة تعنت المدين و عدم امتثاله للأمر بالتنفيذ الصادر في الحكم القاضي بالغرامة التهديدية بداية.

و يعود الاختصاص في تسوية الغرامة التهديدية لقاضي الموضوع الذي نطق بها ( )، وتبعا لذلك يخرج الأمر عن اختصاص القاضي الإستعجالي، فالمشرع نص على أن تصفية مبالغ الغرامة التهديدية، تكون بمعرفة الجهة القضائية المختصة، و لم يقل الجهة مصدرة الأمر، إذ أن تسوية الغرامة تتطلب دراسة الموضوع و تقدير التعويض بناءاً على عناصر معينة دراستها تتنافى وشرط المساس بأصل الحق الذي يحكم اختصاص القاضي الاستعجالي، حسب المادة 186 من قانون الإجراءات المدنية و عموما دعوى تسوية الغرامة التهديدية يجمع القضاء على أنها من اختصاص قضاة الموضوع.

و قد تناول المشرع الجزائري أحكام دعوى تسوية الغرامة من خلال المادة 175 من القانون المدني و المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية، سواء فيما يتعلق بشكل التصفية)الفرع الأول( أو فيما يخص عناصر تقدير التعويض من طرف القاضي )الفرع الثاني 

الفرع الأول

شـكـل الـتـصفـية

تنص المادة 175 من القانون المدني: ( إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ، حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين ) فمن خلال هذا النص نلاحظ أن نهاية الحكم بالغرامة التهديدية لا يخرج على أحد الموقفين فالمدين إما أن يرضخ لأمر التنفيذ و يقـلع عن عناده و إما أن يصر على موقفه و يصمم على عدم التنفيذ،و في الحالتين يجوز اللجوء إلى القضاء لطلب تصفية مبالغ التهديد المالي إذ لم يعد هناك جدوى من بقائها، و من ثم وجب النظر في مصير هذه الغرامة بتسويتها و تحويلها إلى تعويض ولكن يختلف الوضع في حالة التنفيذ العيني عنه في حالة الاستمرار في الامتناع عن التنفيذ:

* ففي الحالة الأولى متى نفذ المدين التزامه، يقوم القاضي بإلغاء الحكم بالغرامة التهديدية، و لا يوجد ما يمنعه من تصفيتها إلى تعويض لقاء التأخير عن التنفيذ.

* أما في حالة الامتناع عن التنفيذ فإن القاضي يقوم بتسوية الغرامة و تحويلها إلى تعويض ، حسب ما جاء في نص المادة 175 من القانون المدني، إلا أنه وقبل ذلك لا بد عليه أن يعيد دراسة شروط الغرامة التهديدية للتأكد من توافرها فإذا رأى أن القاضي الذي أصدر الحكم بالتهديد المالي لم يراعي الشروط فله أن يرفض التصفية لعدم تأسيس الدعوى أما إذا رأى أن الشروط جميعها متوافرة فإنه يشير إلى ذلك ثم ينتقل إلى تصفية الغرامة وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 19/07/1989 تحت رقم 51084 والذي جاء في حيثياته: ( من المقرر قانونا أن الحكم الفاصل في موضوع الدعوى دون أن يراجع الغرامة التهديدية المحكوم بها سابقا ويعمل على تصفيتها ودون أن يبين ما إذا كان مقدار التعويض عن الضرر الفعلي يعد منعدما للأساس القانوني ومخالفا للقانون) ( ) لكن ما هو شكل هذه التصفية ؟

التصفية نوعان تصفية مؤقتة وتصفية نهائية، فالتصفية المؤقتة تكون متى لم يتخذ المدين موقفا معينا من الغرامة التهديدية إذ يجوز للدائن في هذه الحالة المطالبة بتعويض نظير التأخر عن التنفيذ مع إبقاء الغرامة سارية المفعول ومن خصائص هذه التصفية أنها جزئية لا تمثل إلا المدة التي تأخر فيها المدين عن التنفيذ كما أنها مؤقتة فللقاضي أن يتراجع عنها أو ينقص منها، أما التصفية النهائية فتكون متى امتنع المدين عن التنفيذ واتضح موقفه في ذلك ،ونلاحظ أن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على التصفية المؤقتة إلا انه وبالرجوع إلى نص المادة 174/2 والتي تسمح للقاضي بالزيادة في مبلغ الغرامة إذا لم تحقق الغاية منها في إكراه المدين على التنفيذ ،نستنتج أن القاضي يمكنه تصفية مبالغ التهديد المالي مؤقتا و يكون الحكم في هذه الحالة قابل للتنفيذ كما أن ذلك فيه إيلام ومساس بالذمة المالية للمدين قد يجعله يسارع إلى التنفيذ و هو ما يجعل الغرامة التهديدية أكثر فعالية وأهمية، و على العموم لم نصادف في محكمة سيدي بلعباس أي حكم يقضي بتصفية الغرامة التهديدية مؤقتا .

الفرع الثاني

العناصر التي يعتمدها القاضي في تقدير التعويض

لقد حدد المشرع الجزائري في المادة 175 من القانون المدني و المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية العناصر التي يعتمدها القاضي لتحديد قيمة المبلغ المصفى.

حيث تنص المادة 175 من القانون المدني: ( مراعياً في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين) وجاء في نص المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية( و هذه التهديدات يجب مراجعتها و تصفيتها بمعرفة الجهة القضائية المختصة و لا يجوز أن يتعدى مقدار التهديد المالي التعويض عن الضرر الفعلي الذي نشأ )

و عليه فتحديد مبلغ التعويض النهائي المصفى يقدر انطلاقا من الضرر الناشئ عن عدم التنفيذ أو التأخر عنه) أولا( و العنت الذي بدا من المدين)ثانيا(

أولا: عنصر الضرر الفعلي الناشئ:

تنص المادة 175 : ( إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ، حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين ).

فمقدار التعويض أولا يتحدد على أساس الضرر الفعلي الناشئ. و القاضي عند تقديره يرجع إلى القواعد العامة التي تنظم التعويض و التي تناولها المشرع الجزائري في المادتين 131 و 182.

حيث تنص المادة 131 في فقرتها الأولى: ( يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 مع مراعاة الظروف الملابسة ).

و تضيف المادة 182/1 🙁 إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره و يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة و ما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعة لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيه )

و عليه نلاحظ أن التعويض عن الضرر يشمل عنصرين هامين هما ما لحق الدائن من خسارة و ما فاته من كسب.

فالمطرب الذي لا يقوم بتنفيذ التزامه بالغناء يدفع تعويضا للدائن مقابل ما أنفقه في تنظيم تلك الحفلة كما يعوضه عما فاته من كسب كان سيجنيه لو قام المدين بالتزامه.

و يقع عبء الإثبات في هذه الحالة على من يدعيه أي على الدائن فيثبت مقدار ما فاته من كسب و لحقه من خسارة، و تبقى للقاضي السلطة التقديرية في إرجاع المبلغ إلى حده المعقول، إذا كان مبالغ فيه.( )

كما يأخذ القاضي في تقديره التعويض الظروف الملابسة و يقصد بها الظروف الشخصية للمضرور كحالته الصحية و المالية و العائلية.

و يجب على القاضي إبراز عناصر الضرر في حيثيات الحكم و إلا شابه عيب انعدام التسبيب و كان عرضه للنقض و في هذا الصدد ذهبت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 6/05/1990 تحت رقم 65555: ( متى كان من المقرر قانوناً أنه لا يجوز أن يتعدى مقدار التهديد المالي المحكوم به مقدار التعويض عن الضرر الفعلي الناشئ فإن قضاة الموضوع الذي قضوا بدفع غرامة تهديدية دون إجراء تحقيق حول مقدار الضرر الحقيقي الذي نشأ يكونوا قد عرضوا قرارهم لانعدام التسبب و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه ) 

ثانيا: عـنصر العـنـت:

و يقصد به إصرار المدين على عدم التنفيذ و مقاومته لأمر القاضي و هو العنصر الذي يعتبره بعض الفقه يخرج بالتعويض عن معناه المألوف إلى ما يتفق و التهديد المالي.

فيستطيع القاضي أن يزيد في التعويض في مقابل الضرر الأدبي الذي لحق بالدائن من جراء عناد المدين و إصراره على عدم التنفيذ.

و يمكن أن يتحقق هذا العنصر حتى و لو قام المدين بتنفيذ التزامه متأخراً. فهذا التأخر في التنفيذ من المدين يسبب ضرر أدبي للدائن إلا أنه يكون أكثر وضوحاً في حالة الامتناع كليا عن التنفيذ.

و في غياب هذا العنصر يفقد التهديد المالي ميزته الرئيسية و لا يصلح أداة للضغط على المدين و التغلب عليه.

و قد نصت المادة 175 صراحة عليه، و إن كانت المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية و هي الأسبق لم تشير إليه مما يجعلنا بصدد إلغاء ضمني لأحكامها، كون القاعدة القانونية اللاحقة تلغي السابقة في حالة تعارضها.

و عموما يجب على القاضي أن يشير إلى هذا العنصر عند تقديره للتعويض و هو في ذلك يخضع لرقابة المحكمة العليا كون الأمر يتعلق بمسألة قانونية ، لكنه لا يخضع للرقابة فيما يخص تقديره لهذا العنصر فله سلطة مطلقة في ذلك حسب ظروف كل قضية و ملابساتها .

و يلاحظ أن أغلب القضاة لا يذكرون هذا العنصر في أحكامهم لا من قريب و لا من بعيد، ما يجعل مبالغ الغرامة التهديدية المتراكمة تفوق مبالغ التعويض المحكوم بها عند التصفية وذلك يقلل من القيمة العملية لنظام التهديد المالي.

و قــد جاء في المذكـرة الإيضاحية للمشــروع التمهــيـدي المصري فـي أهـــمية هذا العنصــر: ( و لكن ينبغي أن يراعي في هذا التقدير ما يكون من أمر ممانعة المدين تعنتا باعتبار هذه الممانعة عنصراً أدبياً من عناصر التعويض و هذا العنصر يمثل لب نظام الغرامة التهديدية و معقل القوة فيه ) 

الــــــــخـاتـمـة

من خلال هذا البحث نخلص إلى التأكيد على أهمية الغرامة التهديدية كوسيلة لتنفيذ بعض الالتزامات التي تستدعي تدخل المدين شخصيا، و ذلك لما تحققه من انزعاج في نفسه يدفعه إلى المسارعة في التنفيذ.

إلا أن المشرع الجزائري لم يتناولها بالتفصيل الكافي و ترك المجال مفتوحا أمام سلطة القــاضي التـقـديــرية يعملها بما يتــوافـق و تحقــيــق الغاية منها خاصة بشأن بدأ سـريــانـها و مدتها، و هو ما يفتح باب التعسف في استعمالها و يخرج بها عن غايتها المثلى كما أن هذا الإيجاز في تنظيمها أدى إلى تباين إن لم نقل تناقض بين أحكام الجهات القضائية،

كما أنه لم يحسم موقفه من توقيع الغرامة التهديدية على الإدارة، وهو ما يفسر تضارب قرارات مجلس الدولة في هذا الصدد في انتظار التصويت على مشروع قانون الإجراءات المدنية الذي نضم الموضوع. وإذا كانت القاعدة الرومانية الشهيرة تقول ﴿لا شيء أليق بالقوانين من الوضوح ﴾ فإنه يصبح من اللازم على المشرع أن يتدخل لتوضيح أحكام الغرامة التهديدية حتى تحقق الغاية منها، وهي الوصول إلى التنفيذ العيني الذي يبقى أمل الدائن وغايته الأولى فلا جدوى منها إذا كان مآلها هو الوصول إلى التنفيذ بمقابل إذ يكون من الأجدر بالدائن المطالبة به مباشرة دون المرور برواق التهديد المالي مادامت كل الطرق تؤدي حتما إلى نفس النتيجة.

الغرامة التهديدية في القانون الجزائري – بحث قانوني متعمق