إذا كانت جميع الحقوق والإلتزامات التي تنشأ من تعاقد الاسم المستعار مع الغير تنصرف إلى ذمة الاسم المستعار مباشرة فيكون هو الدائن والمدين بها للغير، إلا أنه يُستثنى من ذلك حالتان يكون فيهما الاسم المستعار نائباً عن المستعير للأسم بالرغم من أن الوكالة الصادرة له من الأخير وكالة غير نيابية، فتضاف حقوق العقد والتزاماته مباشرة إلى المستعير للأسم دون الاسم المستعار وتسري أحكام الوكالة كما لو كانت وكالة نيابية (1)، وهاتان الحالتان هما حالة العلم بصفة الاسم المستعار وحالة عدم الإلتفات إلى صفة المتعاقد، وقد اشار القانون المدني العراقي إلى هاتين الحالتين في المادة 943 منه والتي تنص على أنه ((إذا لم يعلن الوكيل وقت التعاقد مع الغير إنه يعمل بصفته وكيلاً، فلا يقع العقد للموكل ولا تعود حقوقه إليه، إلا إذا كان يستفاد من الظروف أن من تعاقد معه الوكيل يعلم بوجود الوكالة أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الوكيل أو الموكل، فله أن يرجع على أي من الموكل أو الوكيل، ولأيهما أن يرجع عليه)).
كما نص القانون المدني المصري على ذلك في المادة (106) منه حيث نصت ((إذا لم يعلن العاقد وقت إبرام العقد بإنه يتعاقد بصفته نائباً فإن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً إلا إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو مع النائب)) (2). وهو ما أكدته محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها إذ جاء فيه ((النص في المادة 106 من القانون المدني يدل على أن تعاقد الوكيل باسمه مع الغير ينصرف أثره إلى الوكيل في علاقته بالغير ويبقى الأصيل أجنبياً عن العقد إلا إذا كان المتعاقد مع الوكيل يعلم بالنيابة وأنصرف قصده والنائب وقت إبرام العقد إلى إضافة أثاره للأصيل أو كان يستوي عند الغير التعامل مع الأصيل أو النائب وفي هاتين الحالتين يعتبر الأصيل ممثلاً في شخص النائب في كل عمل يصدر من الأخير أو في مواجهته من الغير بشأن تنفيذ العقد قبل أن يكشف الأصيل عن صفته ويعلن رغبته في التعامل مباشرة مع الغير وتكون الأحكام الصادرة عن الوكيل المعير لأسمه حجة على الموكل الذي لم يكشف عن أسمه ولم يكن مختصماً في الدعوى)) (3). أما قانون الموجبات والعقود اللبناني فقد جاءت عبارات المادة (234) منه عامة تطبق على جميع التصرفات التي يبرمها الاسم المستعار مع الغير سواء علم هذا الأخير بصفة الاسم المستعار وكونه وكيلا مستتراً يعمل لحساب الموكل أم لم يعلم ذلك، فقد نصت على أنه :- ((ويكون الأمر على خلاف ذلك إذا تصرف الوكيل في الظاهر باسمه الخاص وكان اسما مستعارا ولم يبرز وكالته فإن الذين يتعاملون معه على هذا الوجه لا يمكنهم أن يقاضوا غيره ولا يجوز لغيره أن يقاضيهم ولا تطبق قواعد الوكالة والتمثيل إلا على العلاقات التي بين الوكيل المستتر والموكل)). ولا يوجد في القانون المدني الفرنسي نصا مماثلا لنص المادة (943) من القانون المدني العراقي والمادة (106) من القانون المدني المصري، إلا إن البعض من الفقه الفرنسي قد أتجه إلى صرف آثار العقد إلى الاسم المستعار حتى لو كان الغير يعلم حقيقة أو حكما بصفة المتعاقد معه وكونه اسما مستعاراً (4). وهذا ما قضت به أيضاً محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها حيث جاء فيه ((…. الوكيل المسخر هو المسؤول بصفة شخصية ومباشرة تجاه المتعاقد معه حتى ولو كان هذا الأخير يعلم وقت تكوين العقد بما انصرف إليه القصد الحقيقي للوكيل)) (5).
وللتعرف على هذه الاستثناءات المتقدمة الذكر في ضوء أحكام القانون المدني العراقي والقانون المدني المصري سوف نقسم هذا الموضوع إلى فرعين نتناول في الأول منها حالة العلم بصفة الاسم المستعار وفي الفرع الثاني حالة عدم الإلتفات إلى صفة المتعاقد.
الفرع الأول : حالة العلم بصفة الاسم المستعار
ينصرف أثر العقد الذي يبرمه الاسم المستعار مع الغير إلى المستعير للأسم (الموكل) ولو لم يكن التعاقد حاصلاً باسم هذا الأخير إذا كان يستفاد من الظروف أن الغير المتعاقد مع الاسم المستعار يعلم بوجود الوكالة، وذلك كمستخدم في متجر يبيع ما يناط به بيعه دون أن يذكر بأنه يبيع باسم صاحب المتجر ولحسابه، فالشخص الذي يتعاقد مع المستخدم في المتجر يعلم بداهة بأن المستخدم إنما ينوب عن صاحب المتجر. (6) وقد نصت المادة (943) من القانون المدني العراقي على هذا الإستثناء إذ جاء فيها (إلا إذا كان يُستفاد من الظروف إن من تعاقد معه الوكيل يعلم بوجود الوكالة…).
وهو أيضاً ما أكدته محكمة التمييز في العراق في أحد قراراتها جاء فيه (البيع يقع للموكل وإن لم يضفه وكيله إليه في متن العقد ما دامت الوقائع التي اشارت إليها المحكمة في حكمها من إنذارات متبادلة بين الوكيل والموكل والمشتري، والاستشهاد الصادر من دائرة التسجيل العقاري إضافة لعقد الوكالة المخول بموجبه الوكيل ببيع الأرض قد أيدت أن عقد البيع وقع للموكل بعلمه وعلم المشتري استناداً للمادة (943) من القانون المدني) (7). ونصت المادة (106) من القانون المدني المصري على هذا الاستثناء حيث جاء فيها (إذا لم يعلن العاقد وقت إبرام العقد بأنه يتعاقد بصفته نائباً فإن أثر العقد لا يُضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً إلا إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة،…..). وبصدد تفسير هذه المادة، فإن الفقه المصري إذا كان قد أستقر على إنصراف آثار العقد الذي يبرمه النائب دون أن يعلن عن صفته وقت التعاقد إلى الأصيل متى كان المتعاقد مع النائب يعلم حقيقة أو حكما بصفة هذا الأخير وكونه يتعاقد عن شخص محدد بغض النظر عن مصدر هذا العلم، فإن الخلاف قد ثار حول تطبيق هذا الحكم في حالة التعاقد باسم مستعار وهل يتغير الحكم وتنصرف آثار العقد إلى المستعير للاسم، إذا كان المتعاقد مع الاسم المستعار يعلم حقيقة أو حكما بصفة هذا الأخير وكونه وكيلا مسخرا أو أسما مستعارا؟فذهب اتجاه أول إلى القول بان أثر العلم بصفة الاسم المستعار لا يسري على حالة التعاقد باسم مستعار. بمعنى أن العقد الذي يبرمه الاسم المستعار مع الغير تنصرف آثاره في ذمة الاسم المستعار لا ذمة المستعير للاسم حتى ولو كان هذا الغير يعلم حقيقة أو حكما صفة المتعاقد معه وكونه اسما مستعارا يعمل لحساب شخص آخر (المستعير للاسم) (8). وهذا ما اتجهت إليه محكمة النقض المصرية في أحد قراراتها وذلك بقضائها ((أن من يعير اسمه لآخر ليس إلا وكيلا عمن أعاره وتعامله مع الغير لا يغير من علاقته بالموكل شيئا فهو كسائر الوكلاء لا يفترق عنهم إلا في أن وكالته مستترة، فكأن الشأن شأنه في الظاهر مع أنه في الواقع شأن الموكل وينبني على ذلك أن جميع الحقوق التي تنشأ من التعاقد مع الغير تضاف إليه وحده فيكون هو الدائن بها قبل الغير كما تضاف إليه جميع الالتزامات فيكون هو أيضا المدين بها إليه ولا يجوز له أن يتنصل من آثار التصرف القانوني الذي عقده مع الغير استنادا إلى علاقة الوكالة التي تربطه بالموكل إذ أنه وقد تعاقد مع الغير باسم نفسه دون أن يفصح عن صفته، فإن هذا الغير يعتبر أجنبيا عن تلك العلاقة ولو كان يعلم بها ويكون الوكيل هو الملزم دون غيره له))(9). أما أصحاب الاتجاه الثاني: فقد ذهبوا إلى القول بأن مجرد علم المتعاقد مع الاسم المستعار بصفة هذا الأخير لا يكفي لصرف آثار العقد إلى المستعير للاسم مباشرة وبصورة مطلقة، بل ينبغي التفرقة بين حالتين:-
الأولى :- وهو أن يكون الغير المتعاقد مع الاسم المستعار يعلم بصفة هذا الأخير وهو يتعاقد معه وكونه اسما مستعارا، يقصد التعاقد مع المستعير للأسم لا مع الاسم المستعار. ففي هذه الحالة يتعامل الاسم المستعار باسمه الشخصي أما المتعاقد معه فيتعامل لحساب المستعير للاسم (الموكل) فتسري هنا أحكام الوكالة النيابية وتضاف آثار العقد إلى الموكل (المستعير للاسم) لا إلى الاسم المستعار كما تنص عليه المادة (106) من القانون المدني المصري.
الثانية :- أن يكون المتعاقد مع الاسم المستعار يقصد التعامل مع هذا الأخير لا مع المستعير للاسم بالرغم من علمه بصفة من يتعاقد معه وكونه اسما مستعارا لآخر فهنا لا يكون الاسم المستعار نائبا عن المستعير للاسم ومن ثم لا تضاف آثار العقد إلى هذا الأخير وإنما إلى الاسم المستعار.
ويقول أصحاب هذا الاتجاه لتبرير رأيهم بأنه لا يعترض على ذلك بان الغير يعلم بأن الذي يتعاقد معه وكيل لا أصيل، فمن القواعد المقررة في التسخير أن هذا العلم لا يمنع من أن تضاف حقوق العقد والتزاماته إلى الوكيل المسخر دون الموكل.
أما عن مسألة البت فيما إذا كان الغير يقصد التعامل مع الموكل (المستعير للاسم) أو مع الوكيل (الاسم المستعار) فهي مسألة واقع يبت فيها قاضي الموضوع والمفروض أن الغير يقصد التعاقد مع الموكل عندما يعلم أن التعاقد يتم لحسابه (الموكل) وذلك ما لم يثبت أنه يقصد التعاقد مع الاسم المستعار (الوكيل)(10). وذهب أصحاب الاتجاه الثالث إلى القول بأن مجرد علم المتعاقد مع الاسم المستعار بحقيقة صفة هذا الاسم، يؤدي إلى انصراف أثر العقد في ذمة المستعير للاسم (الموكل) مباشرة وبقوة القانون ومن ثم تقوم العلاقة التعاقدية بين المستعير للاسم والمتعاقد مع الاسم المستعار (11).
وهو ما أكدته محكمة النقض المصرية في قرار لها جاء فيه ((عدم إفصاح الوكيل عن صفته في العقود التي يبرمها مع الغير لحساب الموكل لا يؤدي بذاته إلى صورية التوكيل لأن تعامل الوكيل باسمه مع الغير لا يغير من علاقته مع موكله فيلتزم الموكل بموجب الوكالة بتنفيذ ما التزم به الوكيل وكل ما يترتب على ذلك من أثر هو أن الوكيل في هذه الحالة هو الذي يكون ملزما قبل الغير الذي تعامل معه إلا إذا كان من المفروض حتما أن هذا الغير يعلم بوجود الوكالة أو كان يستوي عنده أن يتعاقد مع الأصيل أو النائب فعندئذ تكون العلاقة بين الغير الذي تعاقد مع الوكيل وبين الموكل كما هو الحال في الوكالة الظاهرة)) (12) ولكن أصحاب هذا الاتجاه قد اختلفوا فيما بينهم حول الأساس الذي يبنى عليه هذا الحكم.
فذهب البعض منهم إلى القول بان المادة (106) من القانون المدني المصري هي الأساس الذي يبنى عليه هذا الحكم. إذ وردت عبارات هذه المادة عامة مما يستوجب صرف حكمها إلى جميع العلاقات التعاقدية التي تتم من خلال نائب لا يعلن عن صفته الحقيقية للمتعاقد الآخر، متى كان هذا الأخير يعلم حقيقة أو حكما صفة المتعاقد معه الحقيقية وكونه يتعاقد لحساب الموكل (13). وذهب البعض الآخر إلى تأسيس الحكم السابق ذكره على قواعد الصورية فيقول إذا كان الغير المتعاقد مع الاسم المستعار يعلم بعقد الوكالة المستتر فان قواعد الصورية هي التي تطبق فتسري على الغير أحكام العقد الحقيقي ولا يستطيع أن يتمسك بالعقد الصوري وذلك لعلمه بالصورية ، فيعتبر في هذه الحالة أنه قد تعاقد مع الوكيل باعتباره نائباً عن الموكل. (14) أما البعض الثالث فقد ذهبوا إلى القول بأن الحكم الذي تقضي به المادة (106) فيما يتعلق بالوكالة بطريق التسخير، ما هو إلا تطبيق لقواعد الصورية النسبية بطريق التسخير (15).
الفرع الثاني : عدم الإلتفات إلى صفة المتعاقد
قد يكون الغير المتعاقد مع الاسم المستعار لا يقيم أعتباراً أو أهمية في إبرام التصرف لشخص المتعاقد معه وذلك كأن يكون هذا الغير بائعاً والمبيع شيئاً مضموناً لمدة معينة، فإن الموكل يستفيد من هذا الضمان ولو أن الوكيل لم يخبر البائع بصفته عند التعاقد، إذ أن البائع يستوي لديه أن يضمن المبيع للوكيل أو الموكل (16). فآثار التصرف في هذه الحالة تنصرف إلى الموكل مباشرة. وقد نصت على هذا الاستثناء المادة (943) من القانون المدني العراقي والمادة (106) من القانون المدني المصري. و في تقدير ما إذا كان يستوي لدى الغير أن يتعامل مع الوكيل أو الموكل فيرجع في ذلك إلى طبيعة العقد وأهمية المعقود عليه ومركز الوكيل المتعاقد، ولذلك فإن هذه المسألة من مسائل الواقع التي يستقل قاضي الموضوع بتقديرها (17). وعن نوع المعيار الذي يعتمده القاضي بشأن تحديد ما إذا كان يستوي لدى الغير أن يتعامل مع الوكيل أو الموكل وهل هو مصلحة الغير منظوراً إليها من جهة شخص هذا الغير أو هو مصلحة الغير منظوراً إليها من جهة شخص عادي وفي ضوء ذات الظروف التي تم فيها تعاقد هذا الغير بالذات، وبصيغة أخرى، أهو معيار شخصي يأخذ بنظر الاعتبار مصلحة المتعاقد بالذات، أم هو معيار موضوعي يعتمد المصلحة المجردة للأشخاص؟ أخذ القانون المدني العراقي بالمعيار الموضوعي بشأن تحديد ما إذا كان يستوي لدى الغير أن يتعامل مع الوكيل أو الموكل، إذ تضمنت المادة (943) منه هذا الاستثناء موضوع البحث مع إستثناء سابق عليه عبَّرت عنه قائلة (إلا إذا كان يُستفاد من الظروف إن من تعاقد معه الوكيل يعلم بوجود الوكالة) وإن أعتماد ظروف التعاقد هو بلا شك معيار موضوعي يصح تطبيقه على شخص عادي من الغير(18). ونحن نتفق مع ما ذهب إليه المشرع العراقي من ترجيح المعيار الموضوعي على المعيار الشخصي، ذلك لما يحققه الأخذ بالمعيار الموضوعي من استقرار التعامل وما يسببه المعيار الشخصي من صعوبة في توصل القاضي إلى إنتفاء أو وجود مصلحة لشخص الغير بالذات مما يؤدي إلى الأختلاف في التقدير لكل حالة. أما عن تحديد نوع المعيار المعتمد بموجب المادة (106) من القانون المدني المصري في شقها الأخير (… أو كان يستوي عنده – أي الغير- أن يتعامل مع الأصيل أو النائب) فإن ذلك قد أثار خلافاً في الفقه المصري على الرغم من وضوح النص فذهب البعض (19) إلى القول بأن المعيار الشخصي الذي أخذ به القضاء السويسري (20)، هو المرجح اعتماده بالقانون المصري بناءً على أن مصدر المادة (106) من القانون المدني المصري هي المادة (32) من تقنين الإلتزمات السويسرية. وخالفه البعض الآخر (21) فقال الأخذ بالمعيار الموضوعي بناءً على أنه أدعى إلى استقرار التعامل، وعلى أن المادة (106) من القانون المدني المصري قد أخذت هي بالذات بهذا المعيار في الاستثناء الأول إذ نصت (… أو من المفروض حتماً أن يعلم) ومن هنا فلم يرَ أصحاب هذا الرأي من داعٍ للتقيد، من هذه الجهة بالمصدر التشريعي للنص، فنصوص القانون تستمد بقائها من انسجامها مع الواقع واستجابتها لمقتضياته، والواقع هنا هو البيئة التي وضع النص ليطبق فيها بعد أن أُخذ من أصله الأجنبي. أما عن موقف الفقه الإسلامي من علاقة الوكيل بالغير في حالة إضافة الوكيل العقد إلى نفسه في المعاوضات المالية، ففي هذه الصورة يفرق فقهاء المذاهب الإسلامية في آثار التصرف بين ما يسمونه حكم العقد وما يسمونه حقوقه.
والمقصود بحكم العقد هو الأثر المترتب على العقد الذي يثبت لكل من العاقدين قبل الآخر مثل ثبوت ملكية المبيع للمشتري ودخول الثمن في ذمة البائع.
إما حقوق العقد فهي كل ما أتـصل بتنفيذ حكم العقد والتمكين لكل من العاقدين مما أعطاه له العقد مثل تسليم المبيع وقبض الثمن والرد بخيار العيب وضمان رد الثمن إذا تبين ان البيع لم يكن ملكاً للبائع إلى غير ذلك من حقوق العقد(22).
فعندما يضيف الوكيل العقد إلى نفسه، لا يوجد خلاف بين المذاهب الإسلامية في إنصراف حكم العقد إلى الموكل دون الوكيل. أما حقوق العقد فقد أختلفت آراء فقهاء المذاهب الإسلامية أختلافاً كبيراً في إنصرافها إلى الموكل أو إلى الوكيل. فذهب البعض من المذاهب إلى صرف حقوق العقد إلى الوكيل وذهب البعض الآخر إلى صرفها إلى الموكل. والذي قال بصرف حقوق العقد إلى الوكيل دون الموكل هم الحنفية والشافعية والمالكية وبعض الزيدية. وعلى الرغم من اتفاق هؤلاء على هذا الأصل، إلا أن لكل منهم وجهة في اتجاهه.
فقد ذهب الفقه الحنفي إلى صرف حقوق العقد إلى الوكيل الذي يضيف العقد إلى نفسه فهو العاقد، والغير قد تعامل معه هو لا مع الموكل، فكان من الطبيعي أن تنصرف هذه الحقوق إلى الوكيل لا إلى الموكل وأن لا توجد علاقة مباشرة بين الموكل والغير بل يتوسط بينهما الوكيل (23)، فإذا كانت حقوق العقد ترجع إلى الثمن وكان الوكيل هو البائع فإن الوكيل وحده يملك مطالبة المشتري بالثمن، أما الموكل فلا يملك ذلك ولا يستطيع إجبار المشتري على أن يدفع له الثمن وذلك أن المشتري مدين بالثمن للوكيل لا إلى الموكل، والموكل أجنبي عن المطالبة بالثمن إلا إذا وكله الوكيل في هذه المطالبة، وإذا كان الموكل لا يملك مطالبة المشتري بالثمن، فإنه مع ذلك يملك قبضه، فإذا دفعه له المشتري أختياراً برئت ذمته منه، ذلك أن مرد الثمن في النهاية إلى الموكل، فالوكيل إذا قبضه من المشتري وجب عليه دفعه إلى الموكل، ومن ثم أجاز الفقه الحنفي أستحساناً اختصار الطريق بأن سمح للمشتري أن يدفع الثمن مباشرةً للموكل(24)، وإذا كان الوكيل مشتريا فأن الوكيل وحده هو الذي يطالبه البائع بالثمن، اما الموكل فلا تتجه إليه المطالبة، حيث أن الموكل ليس هو المدين للبائع بل المدين هو الوكيل فيجبر على الوفاء بالثمن ولو لم يقبضه من موكله، فإذا ما وفاه رجع به على الموكل وجاز له ان يحبس المبيع عن الموكل حتى يستوفيه منه. ويستطيع الموكل أن يوفي الثمن إلى البائع مباشرة، لأنه يجوز للغير أن يوفي عن الوكيل الثمن إلى البائع ويكون الوفاء مبرئاً لذمة الوكيل. أما حقوق العقد التي ترجع إلى المبيع فإذا كان الوكيل هو البائع فإن الوكيل وحده هو الذي يطالبه المشتري بتسليم المبيع له وبضمان الاستحقاق وبضمان العيب. وعندما يكون الثمن مؤجلاً، فأن الآجل يحل بموت الوكيل لا بموت الموكل، لأن المدين للبائع هو الوكيل. ولو دفع الموكل الثمن إلى الوكيل فأستهلكه وهو معسر كان للبائع حبس المبيع ولكن لا مطالبة له على الموكل.
وإذا كان الوكيل هو المشتري فإن الوكيل هو الذي يطالب بتسليم المبيع وهو الذي يقبضه وهو الذي يرجع بضمان الاستحقاق وبضمان العيب على البائع لا الموكل (25).
وإذا شرط الموكل عدم تعلق الحقوق بالوكيل، كان الشرط باطلاً لأنه شرط يحرم العاقد الآخر من الرجوع على الوكيل بعد أن أعتمد عليه في تعامله معه(26).
و ذهب الفقه الشافعي أيضاً إلى القول بتعلق حقوق العقد بالوكيل في حالة إضافة العقد إلى نفسه، إلا إنهم مع ذلك ذكروا إنه يحق للغير الذي تعاقد مع الوكيل مطالبة الموكل بثمن المبيع أن لم يكن الموكل قد سلمه للوكيل، وقد عللوا ذلك بإنه مالك وأن الوكيل يكون في هذه الحالة ضامن وهذا لا ينقض قولهم بأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل لأن حق مطالبة البائع للموكل بالثمن على أعتبار أن هذا الأخير هو المالك لا لأن حقوق العقد تعود إليه. ومع هذا فإن الوكيل لا يخرج من تبعة ما تعاقد عليه، لأنه يصير ضامناً للموكل بالثمن إن أختار البائع مطالبة الموكل به (27).
أما المالكية فإن الأصل عندهم أن حقوق العقد تتعلق بالوكيل في حالة إضافة الوكيل العقد إلى نفسه، فالمطالبة بالثمن والمثمن يرجع إلى الوكيل دون الموكل (28)0
ومع تقرير هذا الأصل فإن المالكية عندهم استثناءات على هذا الأصل فترجع فيها حقوق العقد إلى الموكل دون الوكيل، وذلك في الحالات التالية:-
1- إذا صرح الوكيل بالبراءة من تحمل الالتزامات والمطالبات بأن قال لا أتولى ذلك فإن الوكيل حينئذٍ يكون في حل من الإلتزام وتكون العُهدة على الموكل، وواضح أن الحنفية لا يتفقون مع المالكية في مثل هذا التصريح أو الشرط، فلو أشترط الموكل عدم تعلق حقوق العقد بالوكيل ووافق الوكيل فالشرط لاغ عند الحنفية.
2- إذا علم الغير الذي تعامل معه الوكيل بأن من يعامله وكيلاً فإن حقوق العقد تنصرف إلى الموكل.
3- السمسار بخلاف الوكيل لا عُهدة عليه لأن الشأن فيه أن يبيع لغيره، على أن السمسار لا يكون عادة وكيلاً، بل هو رسول ووسيط.
4- قبض الثمن من مهمات الوكيل، إلا أنه يستثنى من ذلك فيما لو كان العرف يقتضي أن لا يقبض الوكيل بل القبض للموكل، ولا يبرأ المشتري بالدفع إلى الوكيل، وليس للوكيل أن يقبض بموجب وكالته بالبيع، بل لابد من وكالة خاصة بالقبض، من ذلك مثلاً الوكيل ببيع العقار لا يقبض الثمن إلا بوكالة خاصة بالقبض أو جرت العادة في بلد على أن متولي البيع يقبض الثمن (29).
وذهب بعض الزيدية إلى أن حقوق العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل وعددوا العقود التي تتعلق حقوق العقد فيها بالوكيل وهي عقد البيع والإجارة والصلح بالمال لا في غير ذلك من التمليكات والعقود (30). وتأثراً بالفقه الإسلامي فرَّق القانون المدني الأردني وعلى خلاف القانون المدني العراقي والقانون المدني المصري بين حكم العقد وحقوقه في الحالة التي يتعاقد فيها الوكيل باسمه الشخصي دون أن يضيف العقد إلى الموكل، فقد نصت المادة (113) من القانون المدني الأردني على أنه ((إذا أبرم النائب في حدود نيابته عقداً باسمه فإن حكم العقد يرجع إلى الأصيل وتنصرف حقوق العقد إلى النائب إلا إذا كان العاقد الآخر يعلم وقت التعاقد بوجود النيابة فترجع الحقوق إلى الأصيل كل ذلك ما لم ينص القانون على خلافه)). فالوكيل في القانون المدني الأردني إذا عقد العقد باسمه الشخصي، فليس كل الآثار التي تترتب على العقد تنصرف إليه كما نص عليه القانون المدني العراقي والقانون المدني المصري، ذلك أن حكم العقد وهو الآثر الرئيسي المترتب عليه أو الغاية المقصودة من التعاقد كنقل الملكية في عقد البيع، يثبت للموكل حتى وأن ظل اسمه بعيد عن العقد بأن لم يبين الوكيل بأنه يتعاقد بصفته هذه إنما تعاقد باسمه الشخصي، وتثبت للوكيل حقوق العقد فقط ويقع عليه تنفيذ الإلتزامات الناشئة عنه(31).
إلا إن المشرع الأردني عاد واستثنى من ذلك الحالة التي يعلم فيها الغير الذي يتعاقد مع الاسم المستعار (الوكيل) بصفة هذا الأخير وكونه وكيلاً مستتراً، حيث إن حقوق العقد ترجع في هذه الحالة إلى الموكل.
____________
1- أنظر د. محمود سعد الدين الشريف – شرح القانون المدني العراقي- نظرية الإلتزام – ج1- مصادر الإلتزام- مطبعة العاني – بغداد- 1955-ص136.
2- أنظر بهذا الشأن أيضاً المادة (106) مدني ليبي، المادة (107) مدني سوري، المادة (113) مدني أردني.
3- طعن رقم 8357 لسنة 65ق – جلسة 10/6/2002 مدني- أنظر د. موسوعة مراد لأحدث أحكام محكمة النقض الجنائية والمدنية المصرية – إعداد د. عبد الفتاح مراد –ج4- 2002م – ص232-233.
4- أنظر من الفقه الفرنسي :-
(m) planiol et (G) Ripert :Traite Pratique de droit Civil – T.6 – 1952- P155.Mazeud:- lecons de droit civil obligations theorie general T.2.VI. P.934
5- Cass – com 2.4.1982، Dalloz، 1986- 233.
6- أنظر د. عبد المجيد الحكيم- الوسيط في نظرية العقد- ج1- إنعقاد العقد- شركة الطبع والنشر الأهلية- بغداد- 1387هـ- 1967م ص180.
7- قرار رقم 921/ مدنية ثالثة/1974في 22/1/1975منشور في مجلة الأحكام العدلية- ع1- السنة السادسة- 1975- ص100.
8- أنظر في القول بهذا الاتجاه:- د. أحمد محمود سعد – مصادر الإلتزام في القانونين المدنيين المصري واليمني- العقد والإرادة المنفردة- دار النهضة العربية- القاهرة-1411هـ- 1990م – ص286، ود. عبد الناصر العطار – مصادر الالتزام – بلا تاريخ – ص54.
9- الطعن رقم 420 لسنة 71ق – جلسة 11/ 7 /2002 أنظر د. عبد الفتاح مراد – مصدر سابق – ص243.
10- أنظر في القول بهذا الرأي :- د. السنهوري – الوسيط – مج2- ج7- دار النهضة العربية – القاهرة – 1964– ص 628 – 629.
11- أنظر في القول بهذا الاتجاه :- د. حسام الدين الأهواني – النظرية العامة للالتزام – المصادر – ط2 – 1995 – ص335 ، و د. سليمان مرقس – الوافي في شرح القانون المدني – ج2 – الالتزامات – نظرية العقد والإرادة المنفردة – مصدر سابق – ص236 ، د. أنور سلطان – الموجز في النظرية العامة للالتزام – مصادر الالتزام – 1983 – ص36 ، د. مصطفى الجمّال – شرح أحكام القانون المدني – مصادر الالتزام – 1990 – ص268.
12- طعن رقم 459 – سنة 26 ق – جلسة في 25/ 4 / 1963 – أنظر سعيد أحمد شعلة – مصدر سابق – ص268.
13- أنظر د. مصطفى الجمّال – شرح أحكام القانون المدني – مصدر سابق – ص468.
14- أنظر د. اكثم أمين الخولي – في الصلح والهبة والوكالة – 1957م – فقرة 194 – ص243 – 244 مشار إليه من قبل د. السنهوري – الوسيط – ج4 – مصدر سابق – ص 628 هامش رقم (2).
15- أنظر د. سليمان مرقس – الوافي في شرح القانون المدني- مج1- نظرية العقد والإرادة المنفردة- مطبعة السلام- مصر- 1987م – ص240.
16- أنظر د. عبد المجيد الحكيم- الوسيط في نظرية العقد- ج1- إنعقاد العقد- شركة الطبع والنشر الأهلية- بغداد- 1387هـ- 1967م – ص180.
17- أنظر د. عبد الرزاق السنهوري- الوسيط- مج2- ج7- دار النهضة العربية – القاهرة – 1964- ص629. هامش رقم (1). وأنظر أيضاً د. محمود سعد الدين الشريف – شرح القانون المدني العراقي- نظرية الإلتزام- ج1-مصادر الإلتزام- مطبعة العاني –بغداد- 1955م – ص137.
18- أنظر جاسم لفتة سلمان العبودي- النيابة عن الغير في التصرف القانوني- رسالة دكتوراه – جامعة بغداد – 1991م – ص185.
19- أنظر د. جمال مرسي بدر النيابة في التصرفات القانونية- دار النهضة العربية- القاهرة- 1968م – ص298.
20- على الرغم من أن المادة 32 من تقنين الإلتزامات السويسرية والمادة 164 من التقنين الألماني قد تضمنتا هذا الأستثناء المتمثل بأن يستوي عند الغير التعامل مع نائب أو اصيل، فقد أختلف توجه القضاء السويسري عن توجه القضاء الألماني بصدد نوع المعيار المعتمد، فتبنى القضاء السويسري المعيار الشخصي بأعتداده بمصلحة الشخص الذي تعاقد بالذات مع الطرف الآخر، وتبنى القضاء الألماني المعيار الموضوعي باعتداده بمصلحة شخص عادي، وأعتمد الفقه الألماني هو الآخر هذا المعيار الموضوعي. أنظر د. السنهوري- الوسيط – ج7- مصدر سابق –ص629. هامش رقم (1). و د. جمال مرسي بدر- النيابة في التصرفات القانونية- مصدر سابق- ص197-198.
21- أنظر د. السنهوري- الوسيط- ج7- مصدر سابق- ص629. هامش رقم (1).
22- أنظر د. عبد الرزاق السنهوري- مصادر الحق في الفقه الإسلامي- دراسة مقارنة بالفقه الغربي الحديث- ج5-6 – 1968م – ص210.
23- أنظر إبن عابدين – تكملة إبن عابدين – ج7 – ط2 – مطبعة الباني الحلبي – 1306 هـ – ص288.
24- برهان الدين أبو الحسن المرغنياني – الهداية –ج3 كراجي- جاويد- 1381هـ ص137.
25- علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني – بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع –ج6- ط2- مطبعة الجمالية- مصر- 1328هـ- 1910م – ص33.
26- زين الدين بن إبراهيم بن النجيم – البحر الرائق شرح كنز الدقائق- ج7- دار الكتب العربية الكبرى – مصر – بلا تاريخ – ص148.
27- شمس الدين محمد بن شهاب الدين الرملي – نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج- ج5- مطبعة مصطفى البابي الحلبي – 1357هـ – 1938م ص50، محمد بن أحمد الشربيني – مغني المحتاج- ج2- مطبعة الإستقامة- مصر – 1374هـ – ص230.
28- أنظر أبو البركات سيدي أحمد الدردير – الشرح الكبير – ج3 – مطبعة العلامة شمس الدين محمد عرفة – عيسى البابي الحلبي – 1230هـ – ص281.
29- أنظر في الفقه المالكي أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي- شرح الخرشي على المدونة-ج6- مطبعة الأميرية- بولاق – 1317هـ – ص72، أبو البركات سيدي أحمد الدردير – الشرح الكبير- ج3- مطبعة العلامة شمس الدين محمد عرفة – عيسى البابي الحلبي- 1230هـ – ص282-283.
30- أحمد بن يحيى المرتضى- البحر الزخار –ج5- مطبعة السنة المحمدية- 1368هـ 1949م – ص58.
31- أنظر د. عدنان إبراهيم السرحان- شرح القانون المدني- العقود المسماة- 2000م – ص168.
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
الاستثناءات التي حددها القانون على قاعدة انصراف اثر التعاقد الى الاسم المستعار