الطلاق في منطقة الريف واقع وحلول
جمال الخمار
دكتور في القانون الخاص
مقدمة
جاءت مدونة الأسرة بثورة في مجال التنظيم القانوني للأسرة المغربية، والتي راعت فيها حماية المرأة وصيانة حقوق الأطفال وحفظ كرامة الرجل.
وقد جاءت مدونة الأسرةمن أجل خلقاجتهادفقهي يراعي المصالح المرسلة، وذلك من خلال دغدغة عقول الفقهاء من أجل الملائمة مع المستجدات المعاصرة وفي نفس الوقت الحفاظ على الثوابت.
وما يميز مدونة الأسرة وهو أنها وسعت كثيرا من حالات الطلاق والتطليق، وإعطاءصلاحيات واسعة للقضاء من أجل مراقبة قضايا الطلاق والتطليق، وذلك من أجل خلق لحمة وتماسك بين الأسر المغربية، ومن أجل حمايتها من التشتت.
فهل نجحت فلسفة مدونة الأسرة من الحد من حالات إنهاء الرابطة الزوجية؟ وهل تزايدت حالات الطلاق أمانخفضت؟وماهو واقع منطقة الريف من حالات الطلاق؟
وهل هناك من حلول لمعالجة تزايد حالات الطلاق؟ وهل حان الوقت لتعديل مواد مدونة الأسرة؟ وإلى أي حد يمكن تعديل مواد مدونة الاسرة المتعلقة بالطلاق والتطليق؟ وهل أقسام قضاء الاسرة ساعدت الأسر في الحفاظ على تماسكها؟ أم حان الوقت لخلق قضاء أسري قائم بذاته؟ وهل الدور القضائي لوحده قادر على حماية الأسرة المغربية عموما والريفية خصوصا من التشتت؟ أم أنه حان الوقت للاستعانة بالمساعدين الاجتماعيين والنفسيين وفقهاء الدين لمعالجة الشقاق الأسري؟
وللإحاطة بهذا الموضوع سنعالجه في ثلاث مباحث، بحيث سنخصص المبحث الأول لمعالجة نطاقات إنهاء الرابطةالزوجية في منطقة الريف[1]، أما المبحث الثاني سنتناول فيه الدور القضائي لإنهاء الرابطة الزوجية في ظل مدونة الأسرة، أما المبحث الثالث سنتطرق فيه للمعيقات التي تحد دون تقليص نسبة الطلاق في منطقة الريف والحلول الممكنة من أجل الحفاظ على تماسك الاسرةالريفية خصوصا والمغربية عموما.
المبحث الأول : نطاقات إنهاء الرابطة الزوجية في منطقة ريف الأوسط
أعطت المدونة فسحة كبيرةللمرأة لتقديم طلبات التطليق سواء في مجال الإثبات أو تليين المسطرة.
فقد جاءت المدونة بمستجدات على مستوى الطلاق الخلعي[2] والاتفاقي، واللذان يعتبران من العقود الرضائية التي تطلب الإيجاب والقبول، إلا أنه ما يلاحظ بعد التطبيق العملي للمدونة اضمحلال الطلاق الخلعي لصالح الطلاق الاتفاقي الذي يتم من خلاله تنازل الزوجينعن حقوقهما من مستحقات ونفقة وغيرها.
فالمادة 61 من مدونة الأسرة تنص على أنه ” للزوجين أن يتراضى على الطلاقبالخلع”، ” لا يجوز الخلع بشيء تعلق به حق الأولاد إذا كانت الأم معسرة”.
وعليه فالطلاق الخلعي أكثر ضمانة من الطلاق الاتفاقي[3]، إذ لا يمكن التنازل عن حق الاولاد إلا إذا كانت الأم موسرة، في حين أن الطلاق الاتفاقي يمكن فيه التنازل عن حق الاولاد في جميع الحالات، وغالبا ما يتم ذلك، حيث إن المرأة تكون في حالة نفسية منهارة وتريد فقط الطلاق، إلا أنه بعد الطلاق تكشف ان المرأة بدون مؤونة وتضيع على نفسها حقوقها وحقوق الأبناء، لأن الطلاق الاتفاقي تتبلور فيه إرادة الطرفين بكل حرية وطبقا لمبدأ ” العقد شريعة المتعاقدين”.
و هذا ما يقع بالفعل في منطقة الريف الأوسط حيث إنه في السنوات 2014-2013-2012-2011-2010لم يتم تسجيل أي حالة من حالات الطلاق الخلعي، في حين الطلاق الاتفاقي[4] في وتيرة مرتفعة كما سوف نرى في الجدول أسفله:
حالات الطلاق الاتفاقي في منطقة الريف الأوسط حالات الطلاق الخلعي في منطقة الريف الأوسط السنوات
164 0 2010
200 0 2011
110 0 2012
164 0 2013
160 0 2014
ما يستنتج وهو أن الطلاق الخلعي قد اختفى من خريطة الطلاق وأن الطلاق الاتفاقي في
تزايد، لأنه في الواقع الطريقة السهلة للانفصال، لأنه غير مكلف ماديا ، حتى المحكمة لا تملك أي أدوات قانونية لثني الأطراف علىالطلاق الاتفاقي.
ومن أهم المستجدات التي جاءتبهامدونة الأسرة، والتي خلقت في حقيقة الأمر ثورة في مجال الطلاق نجد الطلاق للشقاق.
فقد نظم المشرع المغربي مسطرة طلب التطليق للشقاق طبقا للمواد 94-95-96-97 حيث أعطت الحق للزوجة وللزوج الحق في تقديم طلب التطليق أو هما معا، وكذلك يمكن اللجوء إلى مسطرة الشقاق التبعية، حيث حددت مدونة الأسرة هذه الحالات على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال وهي على التوالي:
ـ حالة تمسك الزوج بالتعدد ورفض الزوجة ذلك[5].
ـ حالة إصرار أحد الزوجين على الإخلال بالواجبات المشارإليها في المادة 51[6].
ـ عدم إثبات الضرر[7]
ـ حالة امتناع الزوجة عن الرجوع لزوجها في حالة الطلاق الرجعي[8]
ـ حالة إصرار الزوجة عن الخلع ورفض الزوج طلبها[9].
وما يستشف أن مسطرة الشقاق هو خلق مساحة واسعة للصلح، حيث إن اللجوء إلى الشقاق لا يعني بالضرورة الطلاق، وإنما هو وجود صدع في الأسرة يجب معالجته، إلا أن التطبيق العملي لمدونة الأسرة كشف على أن الشقاق هو الطريقة السهلة لإنهاء الرابطة الزوجية.
وعليه فإن فلسفة مدونة الأسرة هو خلق مركز للشقاق غايته إصلاح ذات البين بين الأسر.
وتوجد أنواع أخرى للتطليق[10] وهي الضرر والطلاق المملك والطلاق الرجعي وعدم الإنفاق والعيب والإيلاءوالهجر وإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج والغيبة.
وبخصوص إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج فتكاد تكون منعدمة بمنطقة الريف، لأن عقد الزواج غالبا ما يتم بالإيجاب والقبول والإشارة للصداق والاشهارولا يتم التطرق إلى التفاصيل بحكم التقاليد والعادات.
كما أن التطليق للغيبة يعرف ارتفاعا في من الريف الأوسطنظرا لتواجد جالية مهمة بالخارج، فغالبا ما يتزوج الزوج الريفيمن بلدته، ويترك زوجته مع أهلها، ونظرا لوجود أزمة مالية في أوربا وخاصة إسبانيا التي تستقر بها جاليةمهمة، وأمام هذه الحالة لا يبقى للزوج بد إلا أن يغيب عن زوجته مدة طويلة من أجل أن يتهرب من مسؤولياته.
كما أن هناك ظاهرة خطيرة بدأت تظهر في منطقة الريف، وهو استقرار الزوجالمهاجرفي مسقط رأسه وبقاء الزوجة وأولادها في الخارج، مما يطرح مجموعة من الإشكاليات العملية، حيث يلجأ الزوج للقضاء المغربي من أجل رفع دعوى الطلاق أو التعدد ليتمكن من الزواج من جديد، وتلجأ الزوجة كذلك لرفع دعوى التطليق في بلاد المهجر لكي تستفيد من الإعانات والمساعدات الاجتماعية في تلك الدولة.
مما يزيد الطين بلة وهو أنه قد لايستجيب كل من القضاء الوطني والأجنبي لطلب الزوج والزوجة، وخاصة أمام تعقيد مسطرة التطليق والتعددفي المغرب بالنسبة للزوج، مما تصبح الزوجة متزوجة في المغرب مطلقة في الخارج، والزوج مطلق في الخارج متزوج في المغرب.
وقد تلجأ المرأة إلى بعض الحيل من قبل رفع دعوى كيدية للنفقة في الخارج[11]، مما يجعل الزوج يتخبط في وضع مأساوي، بحيث يتم اقتطاع مبلغ النفقة من المنبعفي غالب الأحيان يكون معاشه[12]، كما أنه قد يمنع من الاقتراب من عائلته ويتم تحديد مسافة الأمان التي يمنع منعا باتا من الاقتراب منها وتسمى بدائرة الموت كأن هذا الزوج وحش يتربص بعائلته.
المبحث الثاني : الدور القضائي في مجال إنهاء الرابطة الزوجية في ظل مدونة الأسرة
يلعب القضاء الاسري[13] دورا مهما في مجال الحماية الأسرية، وذلك لأن المشرع أعطاه صلاحيات واسعةمن أجل القيام بمجموعة من محاولات الصلح، وذلك من أجل حماية الأسرة من التصدع.
وسأقتصر دراستي في هذا المجال على منطقة الريف الأوسط، كما أشرنا سالفا، وذلك من خلال سنوات2010و2011 و 2012 و 2013 و 2014 [14]وفق الشكل التالي:
1)الاحصائيات المتعلقة بالزواج وبإنهاء الرابطة الزوجية في منطقة الريف الأوسطسنة 2010.
الأطلقة الاخرى | الطلاق الاتفاقي | التطليق للشقاق | الزواج | |||||||||
الطلاققبل البناء | الطلاق المكمل للثلاث | الطلاق المملك | الطلاق الخلعي | الطلاق الرجعي | ||||||||
المقدم من الزوجة | المقدم من الزوج | |||||||||||
24 | 00 | 00 | 00 | 00 | 82 | 44 | 80 | 855 | المسجل | |||
24 | 00 | 00 | 00 | 00 | 82 | 44 | 20 | 855 | المحكوم | |||
00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 20 | _ | حالات الصلح | |||
2)الاحصائيات المتعلقة بالزواج وبإنهاء الرابطة الزوجية في منطقة الريف الأوسطسنة 2011 .
الأطلقة الاخرى | الطلاق الاتفاقي | التطليق للشقاق | الزواج | |||||||
الطلاق قبل البناء | الطلاق المكمل للثلاث | الطلاق المملك | الطلاق الخلعي | الطلاق الرجعي | ||||||
المقدم من الزوجة | المقدم من الزوج | |||||||||
32 | 00 | 00 | 00 | 00 | 200 | 100 | 120 | 1050 | المسجل | |
26 | 00 | 00 | 00 | 00 | 200 | 100 | 100 | 1050 | المحكوم | |
06 | 00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 20 | _ | حالات الصلح |
3)الاحصائيات المتعلقة بالزواج وبإنهاء الرابطة الزوجية في منطقة الريف الأوسطسنة 2012.
الأطلقة الاخرى | الطلاق الاتفاقي | التطليق للشقاق | الزواج | |||||||||
الطلاق قبل البناء | الطلاق المكمل للثلاث | الطلاق المملك | الطلاق الخلعي | الطلاق الرجعي | ||||||||
المقدم من الزوجة | المقدم من الزوج | |||||||||||
30 | 00 | 00 | 00 | 00 | 110 | 125 | 60 | 664 | المسجل | |||
10 | 00 | 00 | 00 | 00 | 110 | 112 | 15 | 664 | المحكوم | |||
20 | 00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 13 | 45 | _ | حالات الصلح | |||
4)الاحصائيات المتعلقة بالزواج وبإنهاء الرابطة الزوجية في منطقة الريف الأوسط سنة 2013.
الأطلقة الاخرى | الطلاق الاتفاقي | التطليق للشقاق | الزواج | |||||||||
الطلاق قبل البناء | الطلاق المكمل للثلاث | الطلاق المملك | الطلاق الخلعي | الطلاق الرجعي | ||||||||
المقدم من الزوجة | المقدم من الزوج | |||||||||||
50 | 00 | 00 | 00 | 00 | 82 | 113 | 50 | 820 | المسجل | |||
20 | 00 | 00 | 00 | 00 | 82 | 112 | 30 | 820 | المحكوم | |||
30 | 00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 01 | 20 | _ | حالات الصلح | |||
5)الاحصائيات المتعلقة بالزواج وبإنهاء الرابطة الزوجية في منطقة الريف الأوسط سنة2014.
الأطلقة الاخرى | الطلاق الاتفاقي | التطليق للشقاق | الزواج | |||||||||
الطلاق قبل البناء | الطلاق المكمل للثلاث | الطلاق المملك | الطلاق الخلعي | الطلاق الرجعي | ||||||||
المقدم من الزوجة | المقدم من الزوج | |||||||||||
25 | 00 | 00 | 00 | 00 | 160 | 130 | 15 | 650 | المسجل | |||
20 | 00 | 00 | 00 | 00 | 160 | 100 | 12 | 650 | المحكوم | |||
05 | 00 | 00 | 00 | 00 | 00 | 30 | 03 | _ | حالات الصلح | |||
ما يستشف من هذه الإحصائيات بأن نسبة الطلاق أصبحت مرتفعة بالمقارنة مع عدد الزيجات المسجلة، وذلك لان مدونة الأسرة قامت بتليين مسطرة الطلاق وخاصة بالنسبة للمرأة.
وهذا ما فتح المجال للمرأة من أجل تقديم الطلبات المتعلقة بالطلاق وخاصة الشقاق من اجل إنهاء الرابطة الزوجية، مما جعل هذا الأمر يحتم على الأطراف تقديم طلبات الطلاق الاتفاقي، لأنه السبيل الأنجع من أجل حل الرابطة الزوجية بسرعة.
وما يستنتج من هذه الإحصائيات كذلك وهو ان الصلح في غالب الأحيان يكون من طرف الزوج بعكس الزوجة، وهذا راجع إلى أن الزوجة لا تقدم طلب الطلاق وإلا وهي قد استنفذت كل الطرق، وخاصة أن المرأة الريفية معروف عليها الصبر والتفاني في العمل، وخاصة أنها هي التي تكد وتعمل في الحقول، وحيث إنها ترفع دعوى الطلاق وهي مكرهة وغير راغبة في الرجوع إلى بيت الزوجية نظرا لكثرة المشاكل.
أما الزوج الريفي فإنه في الغالب يقبل بالصلح، لأنه في جميع الحالات يريد الطلاق بأقل الأضرار، فعندما يجد نفسه أمام مستحقات الطلاق ومن مشتملاتها المتعة مؤخر الصداق النفقة أجرة الحضانة سكن الحضانةيتراجع عن طلبه الرامي إلى التطليق، مما يرجع إلى المنزل ويذيق الزوجة والأولاد أشد العذاب، مما يحذو بالزوجة إلى التنازل عن المستحقات وإبرام الطلاق الاتفاقي، وهذا ما يفسر في اعتقادي ارتفاع حالات الطلاق الاتفاقي إلى جانب سهولة مسطرته.
وما يلاحظ كذلك أن الزوجة الريفية تقدم طلبات التطليق للشقاق أكثر من الزوج، وهذا راجع إلى سهولته ويسره كذلك، وهذا ينم عن المعاناة الكبيرة التي تعانيها المرأة الريفية، وهذا راجع إلى أن هذه الأخيرةتكد وتعملوتساهم في إنتاج الثروة وخاصة أنهاتشتغل في حقول (القنب الهندي) التي تسبب أضرارا كبيرة على المستوى الصحي والجماليللمرأة، مما ينعكس سلبا على مستوى الصحة الإنجابية وعلى مستوى جمال المرأة وخاصة بقائها لمدة طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة
المبحث الثالث: المثبطات وسبل المعالجة
هناك مجموعة من العراقيل التي تحول من الحد من الارتفاع الكبير لحالات التطليق في منطقة الريف الأوسط وهي تعود للقانون ذاته و للمجتمع وللوضعية الهشة التي تشهدها المنطقة(المطلب الأول)، وهذا الأمر يتطلب إيجاد حلول ناجعة لهذه الأفة الخطيرة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المعيقات
توجد صعوبات جمة تحول دون الحد من الارتفاع الكبير للطلاق في منطقة الريف الأوسط، وخاصة تعاطي مخدر الحشيش من طرف أبناء المنطقة، نظرا لما تشهده هذه الأخيرة من زراعة للقنب الهندي، مما بجعل كل أسرةمهددة في الاستقرار الأسري، نظرا للمخاطر الكثيرة التي تسببها هذه النبتة واستعمالاتها الخاطئة.
كما أن ربط المعيشة بالقنب الهندي يهدد الأمن الأسري، فغالباماتنتظر هذه الأسر بيع المحصول من أجل أن تقتات بمبلغهو صرفه على الضروريات وبعض الكماليات إن أمكن طيلة السنة، مما يربط استقرار هذه الأسر بمافيا وعصابات القنب الهندي، وخاصة تلك الأسرالتي تتخذ هذه الزراعة مصدرا واحدا للدخل ، وخاصة أن جل ساكنة الريف الأوسطأصبحت تستغني تدريجيا عن زراعات أخرى تتعلق بالقمح والشعير والخضروات والفواكه وغيرها، فانتقلت هذه الزراعات من فلاحة رئيسية إلى ثانوية مما يهدد الأمن الغذائي لهذه المنطقة، وخاصة الاستنزاف الخطير للفرشات المائية والغابات التي تهلكها زراعة القنب الهندي، ولذلك أرى بأن الماء سيكون محور الصراع في المستقبل في هذه المنطقة، مما يهدد الأمن الأسري.
ولابد من الإشارة أن ارتفاع حالات الطلاق راجع أيضا إلى خروج الشباب من منطقة الريف الأوسطواكتشاف عوالم المدن الكبرى في المغرب نظرا للأموال التي توفرها هذه الزراعة من أجل السياحة، مما يجعل الشباب يتعارف وينسج علاقات عاطفية مع نساء خارج مدار بلدتهقد ينتج عنها زيجات ، وعندما يرجع الشباب مع زوجته بعدما انفق جل ماله ، تتفاجأ الزوجة بصعوبة الحياة في منطقة الريف الاوسط لصعوبة تضاريسها وقساوة شتائها التي تنزل فيها الحرارة إلى ما تحت الصفر، بعدما ترعرعت في المدينة، مما يصعب عليها التأقلم والعيش في هذا الواقع، مما يبقى معها سوى رفع دعوى التطليق وإنهاء الرابطة الزوجية.
إلى جانب ذلك فإن العمال المؤقتون الذين يلتحقون بالمنطقة قصد العمل ، قد يتغير بهم الحال ويستقرون في منطقة الريف الأوسط من أجل الزواج، وخاصة أمام العنوسة المرتفعة في هذه المنطقة نظرا لعزوف شباب المنطقة عن الزواج، وقد يتهرب هؤلاء من مسؤوليات الزواج ويتخلون عن زوجاتهم لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، وخاصة انهم لا يعلمون شيئا عن هؤلاء مما يترك هؤلاء النساء يتخبطون في مشاكل جمة وخاصة إذا خلفوا أبناء.
المطلب الثاني: الحلول
من بين أهم ما جاءت به مدونة الأسرة هو خلق قضاء أسري قائم بذاته، غير أنه تم الاكتفاء بخلق أقسام الأسرة تابعة للمحاكم الابتدائية وإنما قد توجد داخل المحاكم، وبذلك تنتفي فلسفة المشرع في خلق أقسام الأسرة، وبذلك حان الوقت لخلق محاكم أسرية، من أجل تفعيل مسطرة الصلح وخلق أمن أسري وخاصة في مجال إنهاء الرابطة الزوجية، وعليه نقترح إنشاء داخل محاكم الاسرة قسم التسوية المنازعات الأسرية يتكون من منتدب قضائي وهو بمثابة رئيس القسم ومن مساعد اجتماعي ومن مساعد نفسي ومن مساعد تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، يكون دوره هو القيام بالصلح ما بين الزوجين في مجال التطليق وباقي قضايا الأسرة، وبالتالي لا يمكن طرح النزاع أمام القضاء إلا بعد طرحه أمام قسم التسوية المنازعات الأسرية تحت طائلة البطلان، وإذا توصل هذا القسم بالصلح فيكتفي القضاء بالمصادقة عليه، أما في حالة فشل الصلح يعرض النزاع أمام القضاء مرفقا بتقرير قسم تسوية المنازعات الأسرية يستأنس به القضاء من أجل معرفة مكامن النزاع، وهكذا سيتم ضرب العصفورين بحجر واحد وهو استغلال الكفاءات الموجودة بالمحاكم و مساعدة القضاء في حل النزاعات المعقدة وخاصة الأسرية.
كما أنه حان الوقت من أجل تعديل بعض بنود مدونة الأسرية وخاصة المسطرية، من قبيل التبليغ الشخصي للزوجة في مجال الطلاق والتعدد، وخاصة أمام تحايل الزوجات ورفضهن التوصل الشخصي، كما أنه في مجال التعدد فقد أغفل المشرع الزواج المختلط الذي قد يجمع المغربي بأجنبية، فقد ترحل عنه هذه الأخيرة وتلتحق ببلدها وتترك الزوج في متاهة، وخاصة عند رفعه دعوى التعدد فمن سيتوصل بالاستدعاء ومن سيحضر الجلسة.
كما أن هناك بعض الإجراءاتالمسطرية منافية لمبدأ المساواة في مجال الطلاق للشقاق، فعندما يرفع الزوج الطلاق يشترط أن تتوصل الزوجة شخصيا حتى يتم البت في النزاع، أما في حالة رفع الدعوى من طرف الزوجة فيشترط فقط التوصل من طرف الزوج نفسه أو في موطنه.
خاتمة
جاءت مدونة الأسرة بالفعل بثورة في مجال إنشاء الاسرة وأثارها وإنهاء الرابطة الأسرية وأثارها وفي مجال الولادة وأثارها، غير أن التطبيق العملي للمدونة كشف مجموعة من الثغرات، ولذلك حان الوقت لتعديل بعض البنود من أجل الحفاظ على تماسك الأسر المغربية عموما والريفية على الخصوص.
الهوامش
[1]- سنقتصر هذه الدراسة على منطقة الريف الأوسط الذي يضم مجموعة من القبائل مركزها منطقة تارجيست والتي تضم جماعات بني عمارت سيدي بوزينب سيدي بوتميم بني بوفراح بني جميل كتامة تبرانتتغزوت بني ابشير بني بونصاربني أحمد زاوية سيدي عبدالقادربني حذيفة بني عبد الله.
[2]ـ الخلع في اللغة بفتح الخاء معناه النزع والإزالة ويقال خلع فلان ثوبه، ويقال خلع الرجل ثوبه خلعا أزاله عن بدنه ونزعه عنه ويقال: خلعت النعل خلعا ونزعه ويقال: خلع الرجلامرأته وخالعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه، أما الخلع بضم يستعمل في الأمرين (الحسية والمعنوية) غير أنه يستعمل حقيقة في إزالة الزوجية وهذا وقد قال الفقهاء أن العرف خص استعمال الخلع بالفتح في إزالة غير الزوجية ( الأمور الحسية) والخلع بالضم بإزالة الزوجية (الأمور المعنوية)، والخلع في الشرع هو إزالة ملك النكاحبأخذ المال، ويرى الفقهاء أن الخلع لابد أن يكون بلفظ الخلع في معناه، وفي اصطلاح الفقهاء الخلع هو اتفاق الرجل والمرأة على الطلاق مقابل مال تدفعه الزوجة لزوجها ولا فرق في أن يكون الإيجاب من قبل الزوج أو من قبل الزوجة، غير أن الفرقة لا تقع إلا بعد القبول، ويمكن تعريف الخلع بصياغة قانونية على أنه دعوى ترفعها الزوجة ضد زوجها إذا بغضت الحياة معه ولم يكن هناك أمل في استمرار الحياة بينهما وخشيت الزوجة ألا تقيم حدود الله وفي هذه الحالة تفتدي الزوجة نفسها بإرجاع المهر للزوج والتنازل على كافة حقوقها الشرعية.
ـ أحمد نصر الجندي. من فوق الزوجية. دار الكتب القانونية. مصر 2005. صفحة 10، 11.
ـ عبد الغفار سعد. الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري. دار البعث للطباعة والنشر. الجزائر 1989. صفحة 248.
ـ محمد مصطفى شلبي. أحكام الأسرة في الإسلام، الطبعة الرابعة. الدار الجامعية لبنان.1983 . صفحة 551، 552.
ـ عمرو عيسى الفقى. مفكرة دعوى الخلع في الشريعة والقانون. دار النسر الذهبي للطباعة، القاهرة مصر 2000 صفحة 36.
[3]ـ تنص المادة 114 من مدونة الأسرة على أنه : ” يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء الرابطة الزوجية دون شروط، أو بشروط لا تتنافى مع أحكام هذه المدونة، ولا تضر بمصالح الأطفال”.
[4] – احصائيات غير منشورة مصدرها المركز القاضي المقيم بتارجيست.
[5]ـ تنص الفقرة الأخيرة من المادة 45 من مدونة الأسرة ” فإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليه في المواد 94 إلى 97 بعده “.
[6]ـ تنص المادة 51 من مدونة الأسرة على أنه ” الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين :
1 ـ المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجيةوعدل وتسوية عند التعدد، وإحصان كل منهما وإخلاصه للأخر، بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل،
2ـ المعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصلحة الأسرة،
3ـ تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال،
4ـ التشاور في اتخاذالقراراتالمتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال وتنظيم النسل،
5ـ حسن معاملة كل منهما لأبوي الأخر ومحارمه واحترامهم وزيارتهم واستزاراتهم بالمعروف،
6ـ حقا التوارث بينهما.
[7]ـ تنص المادة 100 من مدونة الأسرة على أنه ” إذا لم تثبت الزوجة الضرر، وأصرت على طلب التطليق، يمكن اللجوء إلى مسطرة الشقاق”.
[8]ـ تنص المادة 124 من مدونة الأسرة على أنه ” يجب على القاضي قبل الخطاب على وثيقة الرجعة، استدعاء الزوجةلإخبارها بذلك، فإذا امتنعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94 أعلاه”.
[9]ـ تنص المادة 120 من مدونة الأسرة على أنه ” إذا أصرت الزوجة على طلب الخلع، ولم يستجب لها الزوج، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق”.
[10]ـ تنص المادة 98 من مدونة الأسرة ” للزوجة طلب التطليق بناء على أحد الأسباب الأتية :
1ـ إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج،
2ـ الضرر،
3ـ عدم الإنفاق،
4ـ الغيبة،
5ـ العيب،
6ـ الإيلاء والهجر.”
[11]أما بالنسبة للنفقة فنجد المادة 194 من مدونة الأسرة تلزم الزوج وحده بالإنفاق على زوجته، على خلاف القانون البلجيكي الذي ينص على مبدأ المساواة بين الزوجين في مسائل تدبير أمور المنزل طبقا لمقتضيات المادة 221 من القانون المدني البلجيكي، والتي تعتبر من القوانين التطبيق الفوري .
وقد ذهب البعضإلى أن إلزام الزوج وحده بالنفقة هو في حقيقة الأمر تقسيم غير متوازن للأدوار داخل الأسرة، تمت صياغتها من طرف الفقه وتبنتها نصوص المدونة مما يستدعي تدخل المشرع لإعادة النظر في هذا التقسيم الجنسي للعمل بين الزوجين.
غير أنه لا يجب قراءة الفقه الإسلامي بدلالة القانون الغربي الذي يلزم الزوجة سواء كانت عاملة أو غير عاملة في المساهمة في الإنفاق على بيت الزوجية، بل لا بد من قراءة الفقه الإسلامي قراءة متأنية ومتجددة وبإشراك فقهاء الواقع في العملية الاجتهادية وتشكيل خطاب ديني حداثي يراعي ضوابط الأسرة كما وضعتها السياسة الشرعية الإسلامية في مجال الاسرة عن طريق الحرص على عدم تجزئ قضاياها والتعامل معها على أنها كل لا يتجزأ ووحدة موحدة للحفاظ عليها من التعرض للتفكيك.
وقد استعرض المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث”النفقة على الزوجة”، وقرر على أن الشرع لم يحدد مقدارا معينا للنفقة ولكنه أوجب هذه الأخيرة على الزوج كفاية حاجات زوجته بالمعروف، والضابط في ذلك مراعاة نفقة مثيلاتها من النساء وما يقتضه العصر والبيئة لقوله تعالى”لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزق فلينفق مما أعطاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها، سيجعل الله بعد العسر يسرا”، كما أن المجلس صرح بأن خروج الزوجة للعمل لا يجب على الزوج النفقات بسبب هذا الخروج، وإنما تتحمل الزوجة العاملة وحدها تلك النفقات، وفي حال ما إذا كان الزوج فقيرا وكانت الزوجة موسرة وأرادت أن تتكفل بنفقات البيت فذلك تكرم منها وتفضل.
[12]غير أن ما يثير بعض الصعوبات بين التشريع المغربي والتشريع الأوربي، في مجال المستحقات المالية لصالح الزوجة المطلقة ما يتعلق بالالتزام بالنفقة، إذ أن النفقة لصالح هذه الأخيرة طبقا للقانون الأوربي غير محددة بفترة معينة، على خلاف التشريع المغربي حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 84 منمدونة الأسرة ” تشمل مستحقات الزوجة:الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه”، مما يجعل الأحكام المغربية في هذا الإطار غير قابلة للتطبيق في أوربا،حيث استبعدت محكمة الاستئناف ببر وكسيل القانون المغربي للأسرة فيما يخص تقدير نفقة الزوجة المطلقة، لأن هذه النفقة محددة لفترة معينة ( العدة )، ولذلك اعتبرت هذه الأخيرة أن القانون المغربي للأسرة يتعارض مع النظام العام البلجيكي والنظام الأخلاقي للأسر.
– Cour d’appel de Bruxelles N° JB021F2_1 daté : 15/1/2002 N°de rôle ;2000- AR – 28.
(site électronique : www.juridate.be/cgi-juris/jurf.pl , visité le 25-7-2007).
[13]عند تعذر الإصلاح بين الزوجين فإن مدونة الأسرة عملت على ضمان الحقوق المالية للمطلقة، حيث تقوم المحكمة بتحديد المبالغ المالية التي يودعها الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما طبقا لمقتضيات المادة 83 من مدونة الأسرة، فالحقوق المالية للزوجة مضمونة سواء كان الطلاق بإرادة من الزوج أو بطلب من الزوجة.
وإذا كانت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تشر إلى مسألة الطعن في المستحقات، فإن مدونة الأسرة أشارت إلى مسألة الطعن في الأحكام الصادرة عن قضاء الموضوع في المادة 128، حيث ميزت في المقررات القضائية بين الجانب المتعلق بإنهاء الرابطة الزوجية والذي لا يقبل أي طعن، و الشق المتعلق بتقدير المستحقات المالية والذي يخضع للطعن وفق الإجراءات العادية .
ولذلك فإن المشرع المغربي بإيراد هذه القواعد الحمائية لصالح الزوجة المطلقة قد تجاوز الانتقادات الدولية التي كانت تعتبر أن الأحكام القضائية المغربية لا تنصف الزوجة فيما يتعلق بتحديد المستحقات المالية ، حيث اعتبرت محكمة النقض البلجيكية في قرار صادر عنها بتاريخ 29/09/2003 أن الشكل الوحيد للمستحقات المالية للزوجة المطلقة هو ما يعطى لها في العدة، ولذلك فإن القانون المغربي يخالف النظام العام، كما أكدت أيضا محكمة الاستئناف ببر وكسيل هذا المبدأ على أساس أن القانون الوطني للزوجين لا ينص على ضمانات مالية وبما فيها النفقة لصالح الزوجة المطلقة بعد الطلاق ، ولذلك استبعدت هذه الأخيرة القانون المغربي للأسرة لأنه مخالف للنظام العام الدولي البلجيكي.
غير أن ما يثير بعض الصعوبات بين التشريع المغربي والتشريع البلجيكي، في مجال المستحقات المالية لصالح الزوجة المطلقة ما يتعلق بالالتزام بالنفقة، إذ أن النفقة لصالح هذه الأخيرة طبقا للقانون البلجيكي غير محددة بفترة معينة، على خلاف التشريع المغربي حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 84 منمدونة الأسرة ” تشمل مستحقات الزوجة:الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه”، مما يجعل الأحكام المغربية في هذا الإطار غير قابلة للتطبيق في بلجيكا حيث استبعدت محكمة الاستئناف ببر وكسيل القانون المغربي للأسرة فيما يخص تقدير نفقة الزوجة المطلقة، لأن هذه النفقة محددة لفترة معينة ( العدة )، ولذلك اعتبرت هذه الأخيرة أن القانون المغربي للأسرة يتعارض مع النظام العام البلجيكي والنظام الأخلاقي للأسرة.
ـ جمال الخمار: نظام الأحوال الشخصية للجالية المغربية المقيمة ببلجيكا، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة ، السنة الجامعية 2007ـ 2008، ص 57.
[14]- إحصائيات غير منشورة مصدرها المركز القاضي المقيم بتارجيست.
واقع الطلاق في منطقة الريف وعرض حلول لها