بحث عن قتل النفس الإنسانية خطأ من حيث التعويض المادي
الدكتور محمد نوح معابدة / كلية الدراسات الفقهية والقانونية – جامعة آل البيت
ملخص
نزل القرآن الكريم وجاءت السنة النبوية الشريفة وقد تعارف العرب على أن يتحمل أقرباء القاتل دية القتل الخطأ التي تبلغ مئة ناقة، والسبب في تحملهم معه لما جنت يداه أن علاقتهم قائمة على النصرة لبعضهم بعضاً، فهل علاقة النصرة مختصة بالأقرباء أم يمكن أن يقاس عليها علاقات اجتماعية أخرى؟ وقد ظهر لي في هذا البحث أن التناصر علة يمكن القياس عليها، وأن تطور الحياة الاجتماعية يواكبه إعادة نظر في كيفية تطبيق الأحكام الشرعية دون المساس بجوهرها.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحافظ في المرتبة الأولى على ضرورات خمس ([1]) وهي: الدين والنفس والنسل والمال والعقل، إذ الحياة الإنسانية لا تقوم بغير حفظها ورعايتها وتنميتها، فتصبح بإهدارها والاعتداء عليها أو تهديدها حياة غابة لا تليق بكرامة البشر التي أرادها الله عز وجل، إذ هذه الخمس مقومات الوجود البشري، فكان كل خلل يقع بها فيهددها أو يصيبها مصادمة لمقاصد الشرع إذ هو المقر لوجودها والداعي لحفظها.
وفي هذا البحث سأعرض إلى ما يصيب واحدة من هذه الضرورات وكيف عالجته الشريعة باعتبارها راعية له، فيكون البحث -بإذن الله- منصباً على معالجة الشريعة الإسلامية لما يترتب على قتل النفس الإنسانية خطأ من حيث التعويض المادي.
فقد تضافرت النصوص الشرعية على تحريم سفك الدماء الإنسانية بغير حق، إذ الشريعة الإسلامية شريعة إنسانية عالمية تحفل بالإنسان من حيث هو “بنيان الله تعالى” ([2]) ، الذي استخلفه في الأرض فكان التكريم في أصله عاماً قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [70: الإسراء]، ثم بعد ذلك إن شاء ازداد كرامة بالتقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [13: الحجرات]، وإن شاء أهدر منزلته بالمعصية فيوصف بقول الله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [44: الفرقان].
والإسلام مع ما ينذر ويحذر من الوقوع في المشكلة فإنه لا يتهرب منها بعد وقوعها بل يضع لها من الحلول المثالية ما يُرضي طرفيها ويقلل من أثارها رأباً للصدع وجبراً للكسر الذي لحق بالأمة من خلال فعل أحد أفرادها، إذ كل مشكلة فردية ينظر الإسلام إليها في إطار الجماعة لا بمنأىً عنها، إقامة للتوازن بين نظرة الإسلام للفرد والجماعة.
وقد رأب الإسلام صدع المجتمع المسلم الذي وقع فيه جناية قتل خطأ بفرض دية لأولياء الدم، لا يتحملها القاتل وحده، بل تحملها معه عاقلته، وإن لم يكونوا شركاء ماديين في ما وقع منه.
فقد نزل القرآن وجاءت السنة النبوية الشريفة في مجتمع يتناصر بحمية الدم والقرابة، فإذا ظُلم واحد منهم هبت القرابة لنصرته، وإذا أخطأ واحد منهم فأصاب دماً هبت أيضاً لنجدته ومعاونته في تحمل ما يترتب عليه من تكلفة، فجاءت الشريعة الإسلامية وأقرت أعراف الناس في هذا الأمر وفرضت المساعدة على أقرب الناس إلى الجاني وهم من يعرفون بالعاقلة، نظراً إلى أن صلة القربى لا تتغير بتغير الأزمان، ولذا بنى عليها أمر الميراث والنفقات.
واليوم نرى أن العرف قد تغير فتفرقت القبائل وضعف التناصر بها في أغلب بلاد المسلمين، فضلاً عن بعض البلاد الإسلامية الأعجمية التي لا تُعنى بمسائل الأنساب والقبلية والعشائرية، فترتب على ذلك واحدٌ من أمرين: إما أن يتحمل الجاني وحده الدية الشرعية وهي مبلغ كبير وفيه إجحاف بالجاني إذا ما حمله وحده مع ملاحظة أنه وقع في الجناية خطأ، أو أن يعجز الجاني عن التحمل فيطل دم امرئٍ مسلم، وكلاهما غير مراد بالشرع، بل الشريعة قائمة على الموازنة والمواءمة بين الطرفين فتُحمل الجاني مالا يجحفه بل يردعه، وتحصل للمجني عليه ما يواسي أهله.
والسؤال الذي أرجو أن أوفق للإجابة عليه في هذا البحث هو:
هل القرابة التي تترابط بها العاقلة كوحدة اجتماعية – هي صلة اجتماعية يمكن أن يقاس عليها غيرها من الصلات الاجتماعية، أم هي صلة اعتبرها الشرع ولم يعتبر غيرها، ولذا لا يقاس عليها؟
وللإجابة على هذا السؤال فقد قسمت بحثي إلى: مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة على النحو الآتي:
– المبحث الأول: تعريف العاقلة ونوع القتل الذي تتحمل ديته.
– المبحث الثاني: مشروعية اعتبار العاقلة.
– المبحث الثالث: أقوال العلماء في تعيين العاقلة.
– المبحث الرابع: تحليل وجهات نظر العلماء فيما ذهبوا إليه، وفيه الترجيح.
– الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات المقترحة بشأن تفعيل دور العاقلة في الوقت الحاضر.
المبحث الأول تعريف العاقلة ونوع القتل الذي تتحمل ديته
المطلب الأول: تعريف العاقلة في اللغة والشرع:
العاقلة لغة مشتقة من العَقْل وتعني الحَجر، والنهي، والعَصَبَة، وهم القرابة من قِبل الأب، لأنهم يعقلون الإبل أي يربطون ركبها في فناء أولياء الدم.
فنقول: عَقَلَ القتيلَ أي أعطى ديته، وعقل له دم فلان إذا ترك القود وأخذ الدية وعقل عن فلان أي غرم عنه جنايته وهي أمثلة الفرق بين عقله وعقل له وعقل عنه ([3]).
وأما في الشرع فالعاقلة الجماعة الذين يؤدون الدية إلى أولياء المقتول ([4]) ، وأما سبب التسمية فللعلماء فيه أقوال منها([5]) :
1. أنهم يمنعون القاتل أي يحمونه ويدافعون عنه، إذ العقل المنع.
2. أنهم الذين يعقلون الإبل بفناء مستحقة من أولياء دم المقتول كما تقدم.
3. أنهم الذين يتحملون عن الجاني العقل أي الدية.
4. أنهم يعقلون الدماء من أن تسفك.
5. أنهم يعقلون لسان ولي الدم.
والذي ينظر في الأقوال السابقة يجد أن لفظ العاقلة يصدق فيه كل واحد من أسباب التسمية تلك.
المطلب الثاني: أنواع القتل وفي أيها تكون الدية على العاقلة:
لكن هذه الجريمة رغم التساوي في نتائجها وهي إزهاق الروح، تختلف من حيث وصفها تبعاً للاختلاف في بواعثها الموصلة إلى النتيجة، ولذا فإن الفقهاء رحمهم الله يقسمونها إلى أربعة أقسام ثم يثبتون لكل قسم منها عقوبة تناسبه اعتماداً على النصوص التشريعية الواردة فيه، وفيما يلي ذكر موجز لهذه الأقسام:
– القسم الأول: القتل العمد.
– القسم الثاني: القتل شبه العمد.
– القسم الثالث: القتل الخطأ.
– القسم الرابع: ما جرى مجرى الخطأ.
وقد تعددت تعريفات الفقهاء لكل نوع من الأنواع الأربعة وليس هذا محل بحثها فلتراجع في مصادرها ([6]) إذ إن الذي يعيننا في مقامنا هذا منها الحالة التي تكون فيها الدية على العاقلة.
– أما النوع الأول وهو القتل العمد؛ فقد اتفق الفقهاء على أنه موجب للقصاص حقاً لأولياء الدم ([7]) بدليل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) [178: البقرة]”، ثم هم مخيرون بعد ذلك بين القصاص والدية، فلهم أن يعفوا عن القاتل ويلزموه بالدية، ولهم أن يعفوا عن الدية أيضاً احتساباً ([8]).
فإن اختاروا الدية لزمت القاتل العمد ولا يطالب بها أحد غيره من العاقلة ([9]) ، وهذا باتفاق الفقهاء رحمهم الله تعالى([10]).
– وأما النوع الثاني وهو القتل شبه العمد؛ فقد اتفق جمهور الفقهاء القائلون به وهم الحنفية ([11]) والشافعية ([12]) والحنابلة([13]) على أنه لا قصاص فيه وإنما يصار إلى الدية تتحملها العاقلة ([14]).
وأنكر المالكية هذا النوع من القتل إلا في صورة واحدة وكذا ابن حزم أنكره بالكلية ([15]).
– وأما النوع الثالث وهو القتل الخطأ فقد اتفق فيه فقهاء المذاهب الأربعة الحنفية ([16]) والمالكية ([17]) والشافعية ([18])والحنابلة ([19]) على أن الواجب فيه الدية على العاقلة.
– وأما النوع الرابع وهو ما جرى مجرى الخطأ، فإن الفقهاء القائلين به ([20]) يقسمونه إلى قسمين:
الأول: هو في معنى الخطأ من كل وجه، وهو أن يكون عن طريق المباشرة كالنائم ينقلب على شخص فيقتله، وهذا القسم في معنى الخطأ من كل وجه لوجوده دون قصد فيأخذ حكمه في الدية والكفارة، أي أن الدية فيه على العاقلة.
الثاني: في معنى الخطأ من وجه، بأن يكون القتل عن طريق التسبب كمن يحفر بئراً فيقع فيها إنسان فيموت، فتكون الدية على العاقلة؛ لأن هذا القتل أخف من الخطأ المحض، فإذا كانت الدية على العاقلة في الخطأ فهي هنا أولى.
وبهذا يظهر أن الدية في القتل شبه العمد والقتل الخطأ وما جرى مجرى الخطأ تتحملها العاقلة.
ومعلوم أن الدية في الشريعة الإسلامية/ مئة من الإبل/ في بعض الأحوال وهو مقدار كبير من المال، فمن هي العاقلة التي تلزم بدفع هذا المال، هذا ما سأبحثه في الفروع الآتية إن شاء الله تعالى.
المبحث الثاني مشروعية اعتبار العاقلة
المطلب الأول: العاقلة معتبرة شرعاً بالسنة والإجماع:
أولاً: السنة النبوية:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرةٌ، عبدٌ أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها ([21]) ، ووجه الدلالة ظاهرة في الحديث في وجوب الدية على العاقلة ([22]).
2. عن أبي جحيفة قال: سألت علياً رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ فقال: “والذي فلق الحب وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهماً يعطي رجلاً في كتابه، وما في الصحيفة، قلت وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر ([23]) ، ووجه الدلالة أن الأثر دل بمنطوقه على ثبوت مشروعية اعتبار العاقلة.
ثانياً: الإجماع:
فقد نقل ابن المنذر الإجماع على مشروعية اعتبار العاقلة بقوله: أجمع أهل العلم على أن دية الخطأ تحمله العاقلة ([24]).
المبحث الثالث أقوال العلماء في تعيين العاقلة
اختلف الفقهاء في تعيين العاقلة، ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب:
– المذهب الأول:
وهو مذهب الحنفية ([25]) والليث بن سعد ([26]) وسفيان الثوري ([27]) والزهري ([28]) والحسن بن حي ([29]).
إن عاقلة القاتل هم أهل ديوانه، وهم الذين يشتركون معه في سجل واحد للجهاد إن كان مجاهداً، أو أهل حرفته إن كان صاحب حرفة، أو أهل صنعته إن كان صانعاً، أو أهل قريته إن كان مقيماً بها، فإن لم يكن له ديوان فعاقلته قرابته وكل من يستنصر بهم، فإن لم يكن له عاقلة من قرابة كاللقيط والحربي المستأمن أو الذمي الذي اسلم فعاقلته بيت مال المسلمين.
ونقل الإمام القرطبي في تفسيره اتفاق الفقهاء على رواية أن سيدنا عمر بن الخطاب قد جعل عاقلة القاتل أهل ديوانه بعد أن كانت عاقلته قرابة في الجاهلية ثم إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لها على ذلك، وكـذا في زمن أبي بكر ([30]).
– المذهب الثاني:
وهو مذهب المالكية ([31]) القائلين بأن العاقلة تشمل القرابة والديوان وبيت المال، لكن الديوان مقدم عليها إذا كان العطاء قائماً، وإلا فقومه فإن عجزوا حمل عنه بيت المال.
فالمالكية يقدمون الديوان على القرابة، فكان مذهبهم كمذهب الحنفية من هذا الوجه، وخاصة وأن الحنفية يقولون بأن القاتل إن لم يكن له ديوان فعاقلته قبيلته ([32]).
وقد استدلّ الحنفية والمالكية لمذهبهم أن العاقلة هم أهل الديوان بما يأتي:
1. ما رواه ابن شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما أو أول من فرض العطاء عمر بن الخطاب، وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين ([33]).
2. واستدلوا بأن قضاء عمر كان بمحضر من الصحابة فلم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً منهم ([34]).
قلت: الإجماع السكوتي حجة ظنية، لكن الذي يكفينا أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة الكرام مخالفته.
3. أن العلة في فرض الدية على العاقلة هي النصرة، والنصرة متحققة في أهل الديوان فإن العرب كانت لهم في الجاهلية أسباب للتناصر منها القرابة، ومنها الولاء، ومنها الحلف، فكانوا يعقلون عن حليفهم وعديدهم أي الشخص المعدود منهم، ويعقل عنهم حليفهم وعديدهم ومولاهم باعتبار التناصر كما يعقلون عن أنفسهم باعتبار التناصر فلما كان زمن عمر رضي الله عنه ودون الدواوين صار التناصر منهم بالديوان فكان أهل الديوان الواحد ينصر بعضهم بعضاً وإن كانوا من قبائل شتى، فجعل عمر العاقلة أهل الديوان ([35]).
4. أن النساء لا يدخلن في العقل لعدم القدرة على النصرة فيهن فدل ذلك على صحة اعتبار النصرة في العقل ([36]).
– المذهب الثالث:
وهو مذهب الشافعية ([37]) والحنابلة ([38]) القائلين بأن العاقلة هم عصبة الإنسان الوارثون من جهة أبيه إذا كانوا ذكوراً ثم الولاء ثم بيت المال.
وقد استدل الشافعية والحنابلة لما ذهبوا إليه بما يلي:
1. ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرةٍ، عبدٍ أو أمةٍ، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها ([39]) ، أي عصبة القاتلة.
ووجه الدلالة ظاهرٌ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى بجعل الدية على عصبة القاتلة لكونهم عاقلة.
2. ما رواه الإمام مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله([40]).
3. أن إلزام العاقلة بالدية يكون بطريق الصلة، والصلة المالية مستحقة بوصلة القرابة كالنفقة والميراث، فكما أن العصبة تستحق الميراث فهي التي تدفع الدية، ليكون الغرم بالغنم ([41]).
ومن الاستعراض السابق لأقوال الفقهاء وأدلتهم يمكن أن نجمل اعتبارهم للديوان في مذهبين:
1. المذهب الأول: الحنفية والمالكية الذين جعلوا عاقلة القاتل ابتداءً ديوانه، ثم قرابته ثم بيت المال فهم لا يخرجون العصبة أو القرابة عن كونها عاقلة للقاتل، بل يجعلونها في الدرجة الثانية بعد الديوان.
2. المذهب الثاني: الشافعية والحنابلة الذين جعلوا عاقلة القاتل مقتصرة على عصبته.
المبحث الرابع تحليل أقوال العلماء والترجيح
بعد استعراض أقوال العلماء وأدلتهم وبالنظر إلى النصوص التي أوردوها في كتبهم نجد إمكانية تحليل أقوالهم على نحو يسوقنا للترجيح مبتدئاً بأقوال الشافعية والحنابلة، لبقائهم على ظاهر النص:
أولاً: بإمعان النظر فيما ذهب إليه الشافعية والحنابلة نجد أن مدار الحكم عندهم إعمال ذات النص الدال على تعلق الدية بالعاقلة وجعل العاقلة مقتصرة على القرابة والوقوف عليه دون البحث في علته وتعديتها إلى من يشترك فيها من غير القرابة ومستندهم في ذلك أن القاعدة العامة هي قول الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [ 164: الأنعام].
فإن المتحمل للدية في الأصل هو القاتل لا عاقلته، فكان دخول العاقلة في تحمل جزء من الدية مع القاتل استثناءً من الأصل العام لوجود الدليل، ولا يجوز التوسع في الاستثناء أو القياس عليه، مع أن الشافعية والحنابلة يقرون بكون العلة في فرض الدية على عاقلة المخطئ هي المناصرة – على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله- لكن العلة وإن كانت معلومة عندهم في هذه المسألة لم تتعد إلى غير المنصوص عليهم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يقاس على مستثنى، وعدم القياس على المستثنيات له شواهد كثيرة في الفقه الإسلامي منها: أن الله تعالى قد رخص للمسلم المسافر أو المريض ترك الصيام بقوله تعالى: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [185: البقرة] لكنه استثناءٌ لا تقاس الصلاة عليه بأن تؤجل إلى أيام أخر وإن اشترك الصيام مع الصلاة بعلة السفر أو المرض.
وفي مسألتنا هذه – العاقلة – فإن القرابة تشترك مع الديوان بعلة المناصرة لكن الشافعية والحنابلة لا يرون قياس الديوان على القرابة في تحمل الدية وإن اشتركا في العلة ([42]).
ثانياً: تحليل مذهب الحنفية: لم يقف الحنفية في هذه المسألة عند حد النص من حيث ظاهره بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فنظروا إلى أن تشريع النص له حكمة لا بد من إعمالها، ومدار لا بد من الرجوع إليه بل لا يمكن فهم النص إلا في ضوئه فصـرحوا أن لهذا الحكم علة يدور معها هي “التناصر” ([43]).
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يحمل القاتل الخطأ وحده دية المقتول بل لا بد أن تتعاون معه مجموعة خاصة من أقربائه وإن لم يكن لهم علاقة مباشرة بما اقترفت يداه وفي هذا الحكم استثناء من القاعدة العامة التي نص عليها القرآن الكريم (ولا تزرُ وازرةٌ وزر أخرى) لكن الاستثناء هنا جاء التفاتاً إلى المصلحة، وإعمالاً لقاعدة التعاون وتخفيف الضرر، وتحقيق التناصر بين المسلمين عامة والأقرباء خاصة، أما نصرة المسلمين بالعموم فتكون بألا يطلّ دم امرئ مسلمٍ لكون القاتل فقيراً، وأما نصرتهم بالخصوص فتكون بمعاونة القاتل خطأ بدفع الدية معه.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع من الأحكام بأمر الله تعالى ما يتناسب مع الواقع ثم يترك للحياة أن تأخذ مجراها، فيلتمس المسلمون معاني التشريع لينزلوها على الواقع الجديد. والأمثلة على هذا كثيرة، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرض زكاة الفطر صاعاً من برٍ أو إقطٍ أو تمرٍ أو زبيبٍ ([44]) على اعتبار أنه غالب القوت ومدار التعامل بين الناس، ثم تغيرت أحوال الناس وتوسعت بلاد المسلمين فكان النقد أنفع للفقير وأبلغ في سد حاجته فانتقلت بعض مذاهب المسلمين إليه توسعاً في الاجتهاد ([45]) إذ ليس مقصود التشريع نوع الطعام بل معناه وهو سد الحاجة وإغناء الفقراء عن السؤال يوم العيد.
وفي مسألتنا هذه فرض النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة معينة من أقرباء القاتل المخطئ أن يحملوا معه الدية، فما سبب تحملهم لها معه؟ هل لأنهم أقرباؤه فحسب؟ أم لأنهم ورثته، ليكون غرم تحمل الدية في مقابل غنم الميراث؟ أم لأنهم مجموعة الأفراد الذين ينتصر بهم؟.
إن كل واحد من هذه الاحتمالات يحتاج إلى بحث في فرع مستقل لتظهر لنا علة فرض الدية على العاقلة، وسأفرد فيما يأتي لكل واحد من هذه الاحتمالات فرعاً خاصاً به.
الفرع الأول: العاقلة والقرابة:
إن القول بأن العلة في فرض الدية على مجموعة من الأشخاص أنهم أقرباء القاتل كما هو مذهب الشافعية والحنابلة ([46])يوجب أن لا يستثنى واحد منهم إذا تحققت فيه العلة، عملاً بالقاعدة الأصولية الأحكام تدور مع عللها وجوداً وعدماً، دون التفريق بين صغير وكبير أو ذكر وأنثى، إذ لا وجه للاستثناء عندئذ، لكنا وجدنا الأمر على غير هذا النحو، فقد جاءت النصوص النبوية الشريفة تستثني بعض الأقارب بل أشدهم قرباً والتصاقاً بالقاتل المخطئ كالابن، وفيما يأتي أورد طائفة من الأدلة التي تظهر أن لا تخصيص للعاقلة بالقرابة وحدها.
1. عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: لا يجني جانٍ إلا على نفسه، ولا يجني والدٌ على ولده ولا مولودٌ على والده” ([47]).
2. عن الخشاش العنبري رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي فقال: ابنك هذا؟ فقلت نعم، قال: لا يجني عليك ولا تجني عليه” ([48]).
ووجه الدلالة في الحديثين السابقين أن الولد لا يضمن من جناية أبيه شيئاً مثلما أن الوالد لا يضمن من جناية ابنه شيئاً([49]).
وأي قرابة الصق من قرابة الوالد ووالده! ومع ذلك فهم مستثنون من تحمل الدية مع العاقلة – وهو مذهب الشافعية ([50])والحنابلة ([51]) أنفسهم – فدل الأمر على أن القرابة لا تصلح أن تكون قاعدة في العاقلة ولا أن تكون علة التعاقل.
ومن جهة أخرى فإن بعض بلاد المسلمين في أيامنا وخاصة بعض الأعاجم لا يعتنون بأنسابهم اعتناء العرب بها، فإن ذهبنا نفرض الدية على الأقرباء لم نجد عندهم من يحملها وإن حملها القاتل وحده كان تكليفاً بما لا يطاق، وخاصة إذا كان فقيراً، فيطل دم المسلم المقتول، وهو ما لا يقول به أحد. فظهر أن تغير نمط الحياة في وقتنا يستلزم البـحث في حلـول
جديدة ضمن إطار الشرع الحكيم.
الفرع الثاني: العاقلة والميراث:
لقد ربط الشافعية ([52]) والحنابلة ([53]) بين مسألتي التعاقل والميراث إعمالاً لقاعدة الغرم بالغنم فجعلوا الدية واجبة على العاقلة الوارثة ليكون تحمل الدية بغنم الميراث، لكن المتتبع للنصوص الشرعية يجد أن لا تلازم بين الأمرين، وفيما يأتي بيان طائفة من الأدلة.
أولاً: عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: “لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده ولا مولودٌ على والده” ([54]).
ثانياً: ما رواه الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بين لحيان سقط ميتاً بغرةٍ، عبدٍ أو أمةٍ، ثم إن المرأة التي قضى لها توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها” ([55]).
ثالثاً: ما رواه البيهقي في سننه أن الزبير وعلياً اختصما في موال لصفية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضى بالميراث للزبير والعقل على علي رضي الله عنه ([56]).
ووجه الدلالة في الآثار السابقة واضح من حيث رفع التلازم بين جهتي التعاقل والميراث، وقد علق الإمام ابن حجر على حديث أبي هريرة رضي الله عنه بقوله: ومقتضى الخبر أن من يرثها لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها، وهو متفق عليه بين العلماء كما قال ابن المنذر ([57]).
ومن جهة أخرى فإن فقهاء المذاهب الأربعة: الحنفية ([58]) ، والمالكية ([59]) ، والشافعية ([60]) ، والحنابلة ([61]) ، متفقون على أن المرأة والصبي الصغير لا يحملان مع العاقلة شيئاً وإن كانوا أغنياء مع أنهما قد يكونا وارثين، بل إن ابن المنذر قد نقل الإجماع على استثناء المرأة والصبي الصغير من تحمل دية القتل الخطأ ([62]).
وبهذا يظهر أن الميراث لا يصلح أن يكون علة في التعاقل لعدم انطباقه على جميع أفراده.
الفرع الثالث: العاقلة والنصرة:
يتفق فقهاء المذاهب الأربعة الحنفية ([63]) والمالكية ([64]) والشافعية ([65]) والحنابلة ([66]) ، على أن الأساس الذي يبنى عليه التعاقل هو النصرة، وفيما يأتي أورد طائفة من النصوص التي ذكرها الفقهاء في معرض بيان سبب تحمل العاقلة لدية المقتول خطأ.
أولاً: ما ذكره الإمام السرخسي من الحنفية في المبسوط حيث قال: “جعل التعاقل بالديوان لأنه باعتبار التناصر، والتناصر بالديوان دون القبيلة فإن أهل الديوان وإن كانوا من قبائل شتى يقوم بعضهم بنصرة بعض” ([67]).
ثانياً: ما جاء في مواهب الجليل “والمذهب عند أصحابنا أن الدية تقسم على من حضر دون من غاب، قال مالك يختص به الحاضر لأن التحمل بالنصرة، وإنما هي بين الحاضرين” ثم قال: “ومذهب مالك أن الرجل يكون في العشيرة ليس من أصلها يعقل معها أي فعقله مع القوم الذي هو معهم”.
وقال: “ولا دخول لبدوي مع حضري ولا شامي مع مصري مطلقاً، يعني أن عاقلة الجاني إذا كان فيها بدوي وحضري فإن البدوي لا يدخل مع الحضري ولا عكسه، ولا دخول لشامي مع مصري ولا عكسه سواء أكان المأخوذ متحد الجنس أو لا، لأن العلة التناصر، والشامي لا ينصر من في مصر ولا البدوي الحضري بل الدية على أهل قطره” ([68]).
ثالثاً: ما ذكره الإمام ابن حجر الهيتمي من الشافعية في تحفة المحتاج ” ولا يعقل فقير وصبي ومجنون- ولو متقطعاً وإن قل – لأنهم ليسوا من أهل النصرة بوجه، بخلاف نحو زمنٍ ([69]) لأن له رأياً وقولاً” ([70]).
وجاء في حاشية الجمل” لا فقير ورقيق وصبي ومجنون وامرأة وخنثى لأن مبنى العقل على النصرة ولا نصرة بهم، ولا مسلـم على كافـر وعكسـه إذ لا مولاة بينهما فلا نصرة” ([71]).
رابعاً: ما ذكره الإمام البهوتي من الحنابلة: “وليس على فقير ولا صبي ولا زائل العقل لأن الحمل للتناصر وهما ليسا من أهله ولا امرأة لما تقدم – يعني النصرة – ولا لمخالف لدين الجاني حمل شيء من الدية لأن حملها للنصرة ولا نصرة لمخالف في دينه”([72]).
فظهر أن الفقهاء مع اختلافهم في تعيين العاقلة – كما سبق – متفقون على علتها وأنها التناصر غير أن الشافعية والحنابلة يحصرون التناصر في العصبة والحنفية والمالكية يطلقونها لتشمل كل من تحصل منه النصرة ولو لم يكن قريباً.
وقد أُعتُرِض على الحنفية – كما ذكره الإمام السرخسي- ([73]) بأن هذا التوسع في إعمال النص يعد نسخاً لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقضاءً بغير ما قضى به عليه الصلاة والسلام.
– وقد رد الحنفية على هذا الاعتراض من وجهين:
الأول: أن سيدنا عمر رضي الله عنه قد قضى به بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه منكر منهم ([74]) ، وعدم الإنكار إن لم نقل أنه إجماع سكوتي فهو إقرار بصحة الاجتهاد على الأقل.
الثاني: أن فعل عمر ليس نسخاً إذ النسخ رفع لحكمٍ، وعمر لم يرفعه بل إنه والصحابة علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به على العشيرة باعتبار النصرة، وكانت قوة المرء ونصرته يومئذ بعشيرته ثم لما دوّن الدواوين صارت القوة والنصرة بالديوان، فكان قضاؤه على وفاق ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ناسخا ولا معارضاً ([75]) ، بل هو تقرير معنى ([76]).
وبناء على ما سبق من تحليل ومناقشة نجد أن المذاهب الأربعة متفقة على أن العلة في تحمل العاقلة للدية هي النصرة، غير أن الشافعية والحنابلة يقفون عند ألفاظ النص دون إعمالٍ للعلة التي يصرحون بها، وأما الحنفية والمالكية فيجعلون العلة حاكمة على كل من توافرت فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديوان لا يلغي القرابة من الاعتبار بل هي معتبرة عند وجودها لكنه مقدم عليها، فمن كان له ديوان كنقابات أصحاب المهن- الأطباء والمهندسين- والصناعات- كالسائقين وأمثالهم – فعاقلته ديوانه، فإن لم يكن فعاقلته أقرباؤه ومن ليس هذا ولا ذاك فيحمل عنه بيت المال، وهو ما أراه الراجح في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
الخاتمة
بعد أن استعرضت آراء الفقهاء في تحديد العاقلة المتحملة لديه القتل الواقع شبه عمد أو خطأ أو ما جرى مجرى الخطأ فقد توصلت إلى النتائج الآتية:
1. أن الإسلام تنزل في مجتمع يتناصر بحمية الدم والقرابة فإذا لزم الواحد منهم دفع دية حملتها فئة معينة من الأقرباء هم أشدهم نصرة له ويسمون العاقلة، فأقر المجتمع على عرفه.
2. أن ظروف المجتمعات الإسلامية قد تغيرت عما كانت عليه في زمن تنزل الرسالة الشريفة، فقد قلّ الاعتناء بالأنساب حتى في بلاد العرب، ووجدنا بعض بلاد المسلمين من الأعاجم لا يحفلون بها مطلقا، فضلاً عن الأقليات الإسلامية التي تعيش في الغرب، مما يجعل الباحث أمام خيارين:
– الأول: أن يحمل القاتل الدية كاملة وهو ما لم يحمله الله تعالى له.
– الثاني: أن يطل دم امرئٍ مسلم وهو ما شرعت الدية لمعالجته.
مما يدعو للبحث عن علة تحمل العاقلة للدية في الأصل مع أنها لم تقترف قتلاً، سيما وأن ضعف التناصر بالقرابة لم يورث فراغاً بل ورث تجمعات وتكتلات لا مشاحة أن نسميها بالديوان.
3. أن فقهاء المذاهب الأربعة مجمعون على أن العلة في تحمل العاقلة للدية هي النصرة وهذا لا خلاف فيه، لكن الخلاف حاصل في تعدية هذه العلة إلى ما سواها من تكتلات تحصل بها النصرة دون إلغاءٍ لما كان في زمن التشريع.
4. أن التكتلات الحديثة كنقابات الأطباء والمهندسين وسائقي السيارات وأمثالهم الذين أثبت الواقع أن نصرتهم لبعضهم أشد من نصرة الأقرباء متحققة فيهم علة التعاقل فيكونون عاقلة لبعضهم البعض.
وبناء عليه فإن القرابة التي تترابط بها العاقلة كوحدة اجتماعية هي صلةٌ اجتماعية يمكن أن يقاس عليها غيرها من الصلات الاجتماعية.
5. أن ترتيب العاقلة يكون على النحو الآتي: الديوان؛ لمن كان له ديوان، فإن لم يكن فالقرابة، فإن لم يكن فبيت المال.
اقتراحات لتفعيل العاقلة في عصرنا لما كانت الوزارات والمؤسسات الرسمية والنقابات العمالية هي التي يتحقق بها نصرة الأفراد المنتمين إليها على ما نراه في الواقع العملي، من حيث دفاعها عن حقوقهم ومطالبة الغير بتوفيرها وسعيها إلى تحسين أوضاع المنتمين إليها، فإني أرى أنها هي التي تمثل الدواوين، وهي التي تحمل دية قتيل الخطأ خاصة في زماننا الذي كثرت فيه الأسباب المفضية إلى القتل الخطأ، وأما غير المنتمين لمثل هذه التجمعات فننتقل بهم إلى القرابة ثم بيت المال على ما مر ذكره، ولوضع آلية تنفيذ دورها كعاقلة أضع المقترحات الآتية:
الاقتراح الأول:
أن تنشئ الدولة – بصفتها ولي الأمر – صندوقاً يسمى “صندوق الديات الشرعية” بحيث تقتطع من رواتب الموظفين بضعة قروش ترصد لحسابه، وفائدة هذا الحل أن الجزء المقتطع من الرواتب سيكون ضئيلاً جداً بالنسبة للأفراد وذا محصلة كبيرة بالنسبة للدولة، وبالتالي فإن الدية ستدفع كاملة دون اللجوء إلى المصالحة التي يقوم بها وسطاء الخير، وتسعى دائماً إلى إنقاص الدية عن مقرراتها الشرعية رحمة بالقاتل وأهله، فيضيع بذلك حق الأرامل أو الأيتام أو الوالدين الذين كان المقتول ينفق عليهم، فضلاً عن أنه الحق الشرعي لأولياء الدم ولو كانوا أغنياء.
الاقتراح الثاني:
أن تضيف الدولة -بصفتها ولياً للأمر- إلى قيمة فاتورة الكهرباء أو المياه أو الهاتف نسبة ضئيلة من قيمتها الإجمالية تساوي بضع فلسات لترصد في “صندوق الديات الشرعية” وتكون هذه الإضافة البسيطة شبيهة “بفلس الريف” الذي يضاف إلى قيمة بعض الفواتير متناسباً مع قيمتها الإجمالية لينفق على شق الطرق الزراعية أو إنارة الأرياف إلى غير ذلك من خدمات القرى ومصالحها.
وفائدة هذا الحل: أنه سهل التنفيذ وضئيل التكلفة على الأفراد، وذو محصلة عالية بالنسبة للصندوق.
الاقتراح الثالث:
أن تعمد الدولة إلى بعض المعاملات الحكومية مع الأفراد – مثل ترخيص السيارات- فتضيف إليها ضريبة بسيطة تمثل بضعة قروش ترصد لمصلحة صندوق الديات، وذلك عن طريق إجبار صاحب المعاملة على شراء طابع بريدي يضاف إلى معاملته، ويسهم في حمل دية الخطأ عند الحاجة.
الاقتراح الرابع:
أن تسن قوانين تجعل كل نقابة أو متحدي مهنة عاقلة لبعضهم البعض فنقابة المهندسين عاقلة المهندس، ونقابة الأطباء عاقلة الطبيب، وهكذا نقول في أصحاب المهن، ومن لم تكن له نقابة حملت عنه الدولة إن لم تكن له قرابة عاقلة بالقربى، كما هي مذاهب الفقهاء.
وقد يقول قائل: إن المقترحات كلها تشترك في كونها تخفف المسؤولية عن القاتل مما يؤدي بالناس للاستخفاف بالأرواح، إذا علموا أن هنالك من يحمل عنهم الدية؛ فيقع منهم حوادث ظاهرها القتل الخطأ وحقيقتها عدم أخذ الحيطة والحذر.
وللجواب على هذا أقول:
أولاً: إن لدى المسلم رادعاً دينياً يمنعه من الاستخفاف بالأرواح، وهو يقرأ قول الله تعالى: (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [32: المائدة].
ثانياً: إن هذه الحلول لا تنفي عن القاتل الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين، وهي بلا شك عقوبة شخصية رادعة.
ثالثاً: إن سنّ مثل هذه القوانين يحل مشكلة القتل الخطأ من الناحية المادية المتمثلة في كيفية دفع الدية، لكنه لا ينفي إيقاع عقوبات تعزيرية تردع المتهاونين، من سجن وغيره حسب ما يراه ولي الأمر.
رابعاً: إن سنّ مثل هذه القوانين لا ينفي أن ترتب بحيث يتحمل القاتل جزءاً من الدية يقدره القاضي ليكون رادعاً على نحو لا يظلمه، فيكون عقوبة وجزءاً من الدية في وقت واحد، وهذا باعتباره الجاني والمسؤول عما فعل أصلاً، ولكن تحمل العاقلة عنه كان من باب المساعدة، وهذه المساعدة تتناسب مع الظروف التي يراها القاضي.
وختاماً: أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت فيما كتبت، وسُددت فيما رجحت، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين
(*) منشور في “المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية”، العدد (2)، 1427هـ/ 2006م.
الهوامش:
([1]) الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام، بتعليق الأستاذ محمد الخضر الحسين، دار الفكر، ج2، ص4.
([2]) الماوردي، التحفة الملوكية في الآداب السياسية، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم، مطابع جريدة السفير، الإسكندرية، 1977، ص104.
([3]) انظر: الرازي، مختار الصحاح، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ص409. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار الدعوة التركية ص616. الفيروز أبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، ط5، ص1336،
([4]) انظر: تبيين الحقائق، ج7، ص364. الشيخ نظام، الفتاوى الهندية، ج6، دار صادر عن المطبعة الأميرية، ط2، مصر 1310هـ، ص83. حاشية كتاب الأصل، مطبوع مع كتاب الأصل لمحمد بن حسن الشيباني، تحقيق: شفيق شحادة، مطبعة جامعة القاهرة، 1954، ج4، ص657. تبيين المسالك شرح تدريب السالك، ج4، ص454. الشيخ أحمد المختار الشنقيطي، مواهب الجليل من أدلة خليل، إحياء التراث الإسلامي، قطر، 1983 ج4، ص287. المطيعي، تكملة المجموع، الناشر: زكريا علي يوسف، مصر، ج17، ص468. ابن حجر الهيثمي، تحفة المحتاج مع حواشي الشرواني وابن القاسم، دار صادر، بيروت، ج11، ص255. تحفة الأحوذي، ج4، ص536. المغني، ج8، ص390. ابن حجر، فتح الباري، رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض، ج12، ص264.
([5]) الشوكاني، نيل الأوطار ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1347هـ، ج7، ص68 و69. الأميري، أحكام الإحكام، ج2، ص100. المرداوي، الإنصاف، ج10، ص120.
([6]) انظر: بدائع الصنائع، ج7، ص233. السرخسي، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ، ج26، ص59. الجصاص، أحكام القران، مطبعة عبدالرحمن محمد بالقاهرة، ج3، ص192. الإمام مالك، المدونة الكبرى، مطبعة السعادة، مصر، 1323هـ، ج16، ص106. ابن عاصم، الإتقان والأحكام في شرح تحفة الأحكام، ج2، ص270. الإمام الشافعي، الأم، دار المعرفة، بيروت، ط 2، 1973، ج6، ص5. الإمام النووي، الروضة، ج9، ص124. الربيني، مغني المحتاج، مصطفى البابي الحلبي، 1958م، ج4، ص3. عبد الرحمن النجدي، حاشية الروضة، ط1، رئاسة إدارات البحوث، الرياض، 1398هـ، المربع، ج7، ص165, 175. البهوتي، كشاف القناع، مطبعة الحكومة، مكة، 1394هـ، ج5، ص587. ابن حزم، المحلي، مكتبة الجمهورية العربية، 1971، ج10، ص343.
([7]) الكاساني، بدائع الصنائع، ط2، 1982, دار الكتاب العربي, بيروت، ج7، ص234. ابن عابدين, حاشية ابن عابدين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي, مصر، ج6، ص529. البهجة شرح التحفة، دار المعرفة للطباعة والنشر, بيروت، ط3، 1975، ج2، ص364. النووي, الروضة، المكتب الإسلامي، 1975، ج9، ص122. ابن قدامة, المغني، مكتبة القاهرة, تحقيق: د. طه الزيني، 1969، ج8، ص261.
([8]) البهجة شرح التحفة، ج2، ص371, ابن العربي, أحكام القرآن، تحقيق: علي البجاوي، دار المعرفة, بيروت، ج1، ص66. القرطبي, تفسير القرطبي، ج2، ص252. الدردير, الشرح الصغير، تحقيق: د. مصطفى كمال، دار المعارف, مصر، 1974، ج4، ص336. الشيرازي, المهذب، ج2، ص188, الشربيني، مغنى المحتاج، ج4، ص48. النووي, الروضة، ج9، ص239. المغني، ج8، ص360, البهوتي, كشاف القناع، ج5، ص633. حاشية الروض المربع، ج7، ص205.
([9]) الحنفية يخالفون في هذه المسالة فلا يلزمون الجاني بالدية إذا عفا أولياء الدم عن القصاص مطلقا, وإن عفو على مال ما؛ لم يلزم إلا برضاه, وعند ذلك لهم أن يصلحوا على ما يساوي الدية أو يزيد أو ينقص, انظر: تبيين الحقائق، ج6، ص97. وبدائع الصنائع، ج7، ص241.
([10]) حاشية ابن عابدين، ج6، ص556. الزيلعي, تبيين الحقائق، ط1, المطبعة الكبرى الأميرية, مصر 1315هـ, ج6، ص179. البهجة, شرح التحفة، ج2، ص377, 374. الشرح الصغير، ج4، ص397. المهذب، ج2، ص211. الروضة، ج9، ص256. كشاف القناع، ج6، ص61. حاشية الروض المربع، ج7، ص231. المغني، ج8، ص372.
([11]) حاشية ابن عابدين، ج6، ص530. أحمد قودر, تكملة فتح القدير, مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي, ط1, 1970, مصر، ج10، ص210. تبيين الحقائق، ج6، ص100.
([12]) المهذب، ج2، ص211. الروضة, ج9، ص256. مغني المحتاج، ج4، ص 55، 95.
([13]) أبو البركات، المحرر، مطبعة السنة المحمدية, 1950، ج2، ص149. كشاف القناع، ج5، ص596.
([14]) المالكية يثبتون القتل شبه العمد في صورة واحدة وهي أن يحذف الوالد ولده بالحديد فيقتله, ويوجبون الدية فيها على القاتل لا على العاقلة, انظر: البهجة شرح التحفة، ج2، ص380.
([15]) المحلي، ج12، ص4.
([16]) بدائع الصنائع، ج7، ص255. حاشية ابن عابدين, ج6، ص530.
([17]) قوانين الأحكام الشرعية، ص373. البهجة، ج2، ص376.
([18]) المهذب، ج2، ص173. الروضة، ج9، ص123 و 256 و348.
([19]) عبد القادر الشيباني، نيل المآرب، مكتبة الفلاح, الكويت, 1978، ج2، ص123, 129. كشاف القناع، ج5، ص597.
([20]) الجصاص, أحكام القران، ج3، ص192.
([21]) البخاري, صحيح البخاري, ج6، ص2532 حديث رقم 6512.
([22]) سبل السلام, ج3، ص238.
([23]) البخاري, صحيح البخاري, كتاب الجهاد والسير, حديث رقم 3047, وكتاب الديات برقم 6903, ورقم 6915.
([24]) ابن المنذر، الإجماع، تحقيق د. فؤاد عبد المنعم, دار الدعوة, الإسكندرية, ط3، 1402هـ، ص120.
([25]) حاشية ابن عابدين، ج10، ص342. تبيين الحقائق، ج7، ص365, 366, 371. السرخسي، المبسوط، ج27، ص126. فتح القدير، ج10، ص395. الجصاص, أحكام القرآن، تحقيق: محمد قمحاوي, دار إحياء التراث العربي, 1405هـ، ج3، ص195. زين الدين بن إبراهيم, البحر الرائق، دار المعرفة, بيروت, ج8، ص457. بدائع الصنائع، ج7، ص256. الشيباني, الأصل، تحقيق: شفيق شحادة, مطبعة جامعة القاهرة, 1954، ج4، ص659، 663, 665, 666. الفتاوى الهندية، ج6، ص83، 84.
([26]) ابن حزم, المحلي، ج12، ص191, 192. الجصاص, مختصر اختلاف العلماء، تحقيق: د. عبد الله نذير, دار البشائر الإسلامية, بيروت، ط 2، 1417هـ، ج5، ص100.
([27]) المرجعان السابقان.
([28]) المرجعان السابقان.
([29]) المرجعان السابقان.
([30]) تفسير القرطبي، ج5، ص321.
([31]) الذخيرة، دار المعرفة, بيروت، ج12، ص388. مواهب الجليل، ج4، ص298. خليل بن إسحاق, مختصر سيدي خليل، تحقيق أحمد بركات, دار الفكر, بيروت, 1415هـ، ص280. الخرشي علي، مختصر خليل، ج7، ص45, محمد عرفة, حاشية الدسوقي عن الشرح الكبير، ج4، ص283. عيسى البابي الحلبي, الدردير, الشرح الكبير، ج4، ص284 عيسى البابي الحلبي.
([32]) فتح القدير، ج10، ص398. الفتاوى الهندية، ج6، ص83, 84. الأصل، ج4، ص667, 665.
([33]) مصنف ابن أبي شيبة، ج5، ص406, حديث رقم 27438 و ج7، ص253 حديث رقم 3854.
([34]) المبسوط، ج27، ص126. تبيين الحقائق، ج7، ص365. بدائع الصنائع، ج7، ص256.
([35]) المبسوط، ج27، ص125 و 126. الفتاوى الهندية، ج6، ص83. حاشية كتاب الأصل، ج4، ص659. تبيين الحقائق، ج7، ص366. فتح القدير، ج10، ص424. بدائع الصنائع، ج7، ص256. مواهب الجليل، ج4، ص302.
([36]) الجصاص, أحكام القرآن، ج3، ص197. (قد يقال أن المرأة اليوم بتوليها المناصب تقدر على النصرة, وهو صحيح لكن الحكم يكون للكثير الشائع فليس كل العاقلة أشداء وأقوياء بل منهم الجبناء لكن جبنة لا يعفيه من تحمل ما يجب عليه من الدية مع بقية العاقلة, فضلا عن أن النصوص الشرعية حملت
الذكور دون الإناث).
([37]) مغني المحتاج، ج4، ص95. فتح الباري، ج12، ص246. الروضة، ج9، ص349. سليمان بن عمر البجيرمي، المكتبة الإسلامية, ديار بكر, تركيا, ج4، ص185. حواشي الشرواني وان القاسم، ج9، ص43,26.
([38]) المغني، ج7، ص525، 527. ابن قدامه, الكافي، المكتب الإسلامي, دمشق ط1, 1963، ج4، ص40. كشاف القناع، ج6، ص260. الإقناع، ج4، ص233، المقنع في شرح مختصر الخرقي، مكتبة الرشد ج3، ص1071. المحرر في الفقه، ج2، ص148. الإنصاف، ج10، ص120.
([39]) صحيح البخاري، ج8، ص46, حديث رقم 6909. صحيح مسلم، ج3، ص1309, حديث رقم 1681.
([40]) مسلم، ج2، ص1146، حديث رقم 1507. سنن البيهقي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية, ط1, الهند 1346هـ، ج8، ص107.
([41]) تحفة المحتاج، ج11، ص255. حاشية الجمل على شرح المنهج، ج7، ص516. مغني المحتاج، ج4، ص95.
([42]) انظر ما سبق من البحث.
([43]) انظر ما سبق من البحث.
([44]) البخاري, صحيح البخاري، ج2، ص547, حديث رقم 1432. مسلم, صحيح مسلم، ج2، ص677 حديث رقم 984.
([45]) انظر: بدائع الصنائع، ج2، ص73.
([46]) فتح الباري، ج2، ص246. مغني المحتاج، ج4، ص95. المهذب، ج2، ص212. الروضة، ج9، ص349. الإقناع، ج4، ص233. كشاف القناع، ج6، ص60. كتاب المقنع، ج3، ص1071.
([47]) رواه الترمذي في سننه، ج4، ص461 باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام حديث رقم 2159 وج5، ص273 حديث رقم 3087. والبيهقي في السنن الكبرى، ج8، ص27، برقم 15677. النسائي، ج6، ص353، برقم 11213. ابن ماجه، ج2، ص890 باب لا يجني أحد على أحد برقم 2669.
([48]) البيهقي, السنن الكبرى، ج8، ص27 حديث رقم 15675.
([49]) نيل الأوطار، ج7، ص94.
([50]) مغني المحتاج، ج4، ص.5, المهذب، ج2، ص212.
([51]) كشاف القناع، ج6، ص59. حاشية الروض المربع، ج7، ص280.
([52]) مغني المحتاج، ج4، ص95. الروضة، ج9، ص349. البجيرمي، ج4، ص185.
([53]) كشاف القناع، ج6، ص260. الإنصاف، ج10، ص120. المغني، ج7، ص525 و527.
([54]) سبق تخريجه.
([55]) سبق تخريجه.
([56]) البيهقي, السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطاء, مكتبة دار الباز, مكة المكرمة 1414هـ، ج8، ص107.
([57]) فتح الباري، ج12، ص252 و253.
([58]) المبسوط، ج27، ص128. تبيين الحقائق، ج7، ص370. الفتاوى الهندية، ج6، ص83. كتاب الأصل، ج4، ص660. فتح القدير، ج10، ص429.
([59]) تبيين المسالك، ج4، ص457. مواهب الجليل، ج4، ص302 و304. الخرشي، ج7، ص47. الذخيرة، ج12، ص388.
([60]) مغني المحتاج، ج7، ص530. الغزالي, الوجيز، مطبعة حوش قدم 1318هـ، ج2، ص193. الأم، ج7، ص458. تحفة المحتاج، ج11، ص265.
([61]) المغني، ج7، ص530. الكافي، ج4، ص42. الإقناع، ج4، ص234.
([62]) مواهب الجليل، ج4، ص304.
([63]) المبسوط، ج27، ص125. الفتاوى الهندية، ج6، ص83. كتاب الأصل، ج4، ص662. فتح القدير، ج10، ص427.
([64]) مواهب الجليل، ج4، ص303 و304. الذخيرة، ج2، ص388. المدونة الكبرى، ج4، ص480. مختصر الخرشي، ج7، ص47.
([65]) مغني المحتاج، ج4، ص99.
([66]) كشاف القناع، ج6، ص61, كتاب المقنع، ج3، ص1072, المغني، ج7، ص530 و522. الكافي، ج4ن ص42.
([67]) المبسوط، طبعة دار المعرفة، بيروت، ج26، ص110.
([68]) الخرشي، ج7، ص47. الذخيرة، ج12، ص388.
([69]) الزمن: هو المبتلى, مختار الصحاح، ص498.
([70]) تحفة المحتاج، ج11، ص265.
([71]) حاشية الجمل، ج7، ص522.
([72]) البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص61. كتاب المقنع، ج3، ص1072.
([73]) المبسوط، ج27، ص126.
([74]) المبسوط، ج27، ص126. تبيين الحقائق، ج7، ص365.
([75]) المبسوط، ج27، ص126.
([76]) تبيين الحقائق، ج7، ص366. فتح القدير, ج10، ص424.
—————————————–
بحث متميز عن قتل النفس الإنسانية خطأ من حيث التعويض المادي