بحب قانوني عن الهبة
السلام عليكم
أقدم بين أيديكم أنتم طلبة الحقوق وكذا طلبة الشريعة الاسلامية
بحث كامل حول الهبة ، وأرجو أن يستفيد الجميع
*******************
الخطة
المـقــدمـة
الفصل الأول: مفهوم الهبة.
المبحث الأول: تعريف الهبة.
المطلب الأول: تعريف الهبة في الفقه الإسلامي.
المطلب الثاني: تعريف الهبة الوارد في قانون الأسرة.
المطلب الثالث: أدلة مشروعية الهبة في الشريعة الإسلامية.
المبحث الثاني: مقومات عقد الهبة.
المطلب الأول: الهبة عقد ما بين الأحياء.
المطلب الثاني: الهبة تصرف في مال بلا عوض.
المطلب الثالث: نية التبرع.
المطلب الرابع: الهبة عقد عيني و شكلي.
المبحث الثالث: التمييز بين الهبة و العقود المشابهة لها.
المطلب الأول: التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانب واحد.
المطلب الثاني: التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانبين.
المبحث الرابع: موازنة بين الهبة في الشريعة و الهبة في القانون.
المطلب الأول: من حيث التعريف.
المطلب الثاني: من حيث المقومات.
الفصل الثاني: أركان عقد الهبة.
المبحث الأول: التـــراضـــي.
المطلب الأول: شروط الانعقاد.
المطلب الثاني: شروط الصحة.
المبحث الثاني: المـــحــــل.
المطلب الأول: الشيء الموهوب.
المطلب الثاني: العوض في الهبة.
المبحث الثالث: الســــــبب.
المطلب الأول: السبب في الفقه الإسلامي و التشريع الجزائري.
المطلب الثاني: السبب في القضاء الجزائري.
المبحث الرابع: الشـكـليــــــة.
المطلب الأول: الشكلية في هبة العقار و المنقول.
المطلب الثاني: جزاء الإخلال بالشكلية و الاستثناءات من وجوبها.
المبحث الخامس: قبض الهبة و الوعد بها.
المطلب الأول: قبض الهبة.
المطلب الثاني: الوعد بالهبة.
المبحث السادس: موازنة أركان الهبة بين الشريعة و القانون.
الفصل الثالث: أحكام الهبة.
المبحث الأول: الآثار التي تترتب على الهبة.
المطلب الأول: التزامات الواهب.
المطلب الثاني: التزامات الموهوب له.
المبحث الثاني: الرجوع في الهبة.
المطلب الأول: الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي.
المطلب الثاني: الرجوع في الهبة و آثاره في القانون الجزائري.
المبحث الثالث: موانع الرجوع في الهبة.
المطلب الأول: موانع الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي.
المطلب الثاني: موانع الرجوع في الهبة في القانون الجزائري.
المبحث الرابع: موازنة أحكام الهبة بين الشريعة و القانون.
الخـاتمــة
—————————————————————
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله دائما و أبدا في كل فعل و قول ومقصد فهو الواهب و المنعم على خلقه بالكتابة في سبيل إعلاء كلمته و الدعوة إليه و تعريف الناس بفقهه و شرعه و سنة رسوله- صلى الله عليه و سلم- إصلاحا لشأنهم و إحقاقا للحق و العدل في معاملاتهم المتعددة بتعدد صور انتقالها فمنها ما يهدف إلى تحقيق المصلحة كالبيع و الإيجار و منها ما يهدف إلى التبرع كالوصية و الهبة.
فالهبة من العقود الناقلة للملكية الملزمة لجانب واحد إلا أن هناك استثناء حين تصبح ملزمة للطرفين و ذلك عندما تكون بعوض.
و الهبة تحتاج إلى نظرة تخصصية من حيث فهم موضوعها سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية القانونية.
فهي ذات أهمية بالغة في تقوية الروابط الإنسانية المبنية على أساس البر لقوله تعالى في الآية92 آل عمران{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، و ا لرحمة و الإحسان لقوله – صلى الله عليه و سلم-:” جبلت النفوس على حب من أحسن إليها” و تكريم الإنسان لأخي الإنسان، خاصة و أننا نشهد في عصرنا الحالي تفكك الروابط الإنسانية و تشتتها و اتسام العلاقات بين الناس بالفتور.
كما أن لها أهمية ملفتة في الحياة العلمية و القانونية فهي تصرف خطير، إذ يتطلب جرأة من الواهب للتنازل عن جزء من ماله قد يكون ذا تأثير كبير على وضعيته المالية بما قد يلحق ضررا بورثته كحرمانهم من الميراث.
و قد ارتأينا أن هذا البحث جدير بالاهتمام و الدراسة لأن الهبة تشكل حدثا هاما في حيات الإنسان إذ أصبحت من أهم التصرفات القانونية الجاري العمل بها.
بالإضافة إلى العرض الخاص الذي نتوخاه من هذه الدراسة ألا و هو تنمية الفكر و تزويده بجملة من المعارف فيما يخص الجانب الفقهي و القانوني في هذا الإطار و كذا كمحاولة منا لإثراء المكتبة الجامعية بهذا البحث الذي نتوج به أربع سنوات من الدراسة الجامعية.
ومن هنا تبادر إلى ذهننا مجموعة من الإشكاليات التي نراها ضرورية في موضوعنا هذا و من بينها:
هل المشرع الجزائري أخذ أحكام الهبة كلها من الشريعة الإسلامية أو لا ؟.
و إن كان قد أخذ من الفقه الإسلامي فهل اعتمد على كل المذاهب أو ركز على مذهب واحد؟.
و بما أن الهبة لها تأثير كبير على الحياة الأسرية فهل لها صلة عضوية بالأسرة ؟.
و للإجابة على مجموع هذه الإشكاليات قسمنا بحثنا إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: مفهوم الهبة.
الفصل الثاني: أركان عقد الهبة.
الفصل الثالث: أحكام عقد الهبة.
الفصل الأول مفهوم الهبة
المبحث الأول: تعـريـف الهـبــــة
المطلب الأول: تعريف الهبة في الفقه الإسلامي
الفرع الأول: تعريف الهبة لغة
الهبة في اللغة هي التبرع و التفضل على الغير و لو بغير مال أي بما ينتفع به مطلقا سواء كان مال أو غير مال(1).
مثلا هبة المال كهبة شخص لآخر فرسا أو سيارة أو دارا، و مثال هبة غير المال كقول إنسان لآخر ليهب الله لك ولدا، مع أن ولد ذلك الشخص حرا ليس بمال(2) ، لقوله تعالى: {فهب لي من لدنك وليا}(3) و قوله عز و جل{ يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء ذكورا}(4). و الهبة إذا كثرت يسمى صاحبها وهابا، و هو من أبنية المبالغة، و يقال: رجل وهاب ووهابة أي كثير الهبة(5).
الفرع الثاني: تعريف الهبة اصطلاحا
I. الهبة في المذهب الحنفي: و هي “تمليك العين بغير عوض”(6) أي أن كل شخص يملك عينا ملكا صحيحا يستطيع أن يهبها لغيره من دون عوض في الحال أو المستقبل أثناء حياته.
II. الهبة في المذهب المالكي: قسم المالكية الهبة إلى هبة لغير ثواب و هبة الثواب، فالأولى هي:” تمليك من له التبرع ذاتا تنقل شرعا بلا عوض لأهل بصيغة أو ما يدل عليه”(7). أي أن الهبة تمنح من ذي أهلية خالي من عيوب الإرادة يريد بها وجه الشخص و مرضاة الله. أما الثانية فقد عرفها الإمام ابن عرفة:” عطية قصد بها عوض مالي” و هذا النوع من الهبة يعد بيعا من البيوع لاشتمالها على العوض.
(1) د. محمد كامل مرسي باشا، شرح القانون المدني الجديد، ج 5، العقود المسماة ، ص 16
(2) د. محمد بن أحمد تقية، دراسة عن الهبة في قانون الأسرة الجزائري مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية و القانون المقارن، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، الطبعة الأولى 2003، ص14
(3) سورة مريم، الآية – 05 –
(4) سورة الشورى، الآية – 48 –
(5) و (6) و (7) د. حسن محمد بودى، موانع الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي و القانون الوضعي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2003 ، ص 19 ، 20 ، 21
III. الهبة في المذهب الشافعي: و هي: “تمليك العين بلا عوض حال الحياة تطوعا” و قد زاد الفقه الشافعي كلمة “تطوعا” عن الفقه الحنفي و ذلك لإخراج الواجبات كالزكاة و النذر والكفارات.
IV. الهبة في المذهب الحنبلي: عرف ابن قدامى الهبة بأنها:” الهبة و الصدقة و الهدية و العطية معانيها متقاربة و كلها تمليك في الحياة بغير عوض، و اسم العطية شامل لجميعها”، و كذلك الهبة و الصدقة و العطية متغايران، فإن النبي- صلى الله عليه و سلم- كان يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة و قال في اللحم الذي تصدق به على بريرة: ” هو عليها صدقة و لنا هدية” فالظاهر أن من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة و من دفع إلى إنسان شيئا للتقرب إليه و المحبة له فهو هدية و جميع ذلك مندوب إليه و محثوث إليه فإن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال: ” تهادوا تحابوا”(1).و قد امتاز هذا التعريف عن التعريفات السابقة له بأنه أورد أن الهبة تقع في حياة كل من الواهب و الموهوب له و بذلك قد ميزها عن الوصية.
المطلب الثاني: تعريف الهبة الوارد في قانون الأسرة الجزائري
عرف المشرع الجزائري الهبة بنص المادة 202 قانون أسرة بقوله: ” الهبة تمليك بلا عوض.
و يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تمامها على إنجاز الشرط ”
الفرع الأول: تحليل عبارات التعريف
1)الهبة تمليك:تعني هذه العبارة أن الهبة وسيلة تمليك تنتقل بواسطتها ملكية المال الموهوب من الواهب إلى الموهوب له، و عملية نقل الملكية ينتج عنها عنصران آخران و هما عنصر افتقار في جانب الواهب و عنصر اغتناء في جانب الموهوب له(2).
(1) المغني للإمام موفق الدين بن قدامى للإمام شمس الدين بن أبي عمر بن قدامى المقدسي، ج6، دار الكتاب للنشر و التوزيع، بيروت، ب.ت، ص246.
(2) أ. عبد الفتاح تقية، محاضرات في قانون الأحوال الشخصية لطلبة الكفاءة المهنية للمحاماة، مطبعة دار هومة، الجزائر، 2000، ص106
2) بلا عوض: معنى ذلك أن المال الموهوب كله أو جزؤه ينتقل إلى الموهوب له مجانا دون مقابل و يتلازم مع وجود عنصر آخر هو نية التبرع من الواهب بغية التودد و التحبب إلى الموهوب له أو بغية التقرب إلى وجه الله أو للأمرين معا.
3) يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تمامها على إنجاز الشرط: حيث يمكن للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بعمل معين، و إتمام هذا العمل حتى تنتقل إليه العين الموهوبة، و هنا المشرع لم يقصد الهبة بعوض، بل قصد الهبة الموقوفة على شرط.
الفرع الثاني: الملاحظات الواردة على هذا التعريف
يتضح من الوهلة الأولى أن المشرع الجزائري في نص المادة202 ق.أ، اعتبرت الهبة من التصرفات و ليست من العقود و لكن بالرجوع إلى نص المادة206ق.أ: ” تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم الحيازة، و مراعاة أحكام التوثيق في العقارات و الإجراءات الخاصة في المنقولات.
و إذا اختل أحد القيود السابقة بطلت الهبة.”
نجد أن الهبة تنعقد بالإيجاب و القبول مما يجعلها كسائر العقود تنطبق عليها القواعد العامة التي تنظم العقود.
إن تعريف الهبة الوارد في نص المادة202 ق.أ هو تعريف مأخوذ من الفقه المالكي.
يستفاد من نص المادتين206،202 ق،أ، أن الهبة عقد بين الأحياء و ذلك أن الهبة عقد لابد أن يتوافق فيه الإيجاب و القبول و بالتالي يشمل التمليك في الحال أو المستقبل في حياة كل من الواهب و الموهوب له.
إن الواهب ينقل كل ماله أو جزء منه بلا مقابل مما يترتب عليه افتقار الواهب و اغتناء الموهوب له.
تنص المادة205 ق.أ: ” يجوز للواهب أن يهب كل ممتلكاته أو جزء منها عينا أو منفعة أو دينا لدى الغير.”، و الملاحظ على هذه المادة أن الهبة تختلف عن باقي عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة، كون الأولى تمليك عين أو منفعة أو حقوق شخصية أو عينية، و الثانية تقتصر فقط على تمليك منفعة.
إن المشرع عندما عرف الهبة أغفل ذكر عبارة ( حال الحياة )، أي حال حياة كل من الواهب و الموهوب ل، إذ أن هذه العبارة هي التي تميز الهبة عن الوصية.
المطلب الثالث: أدلة مشروعية الهبة في الشريعة الإسلامية
الفرع الأول: من الكتاب و السنة
1- مـن الكتـــــاب: دل على مشروعية الهبة ما ورد في القرآن الكريم، منه قوله
تعالى: { فإن طبن لكم عن شيء فكلوه هنيئا مريئا}(1)، و قوله: { و آتي المال على
حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل…}(2) ، و قوله أيضا: { و امرأة
مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي أن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون
المؤمنين}(3)، و قوله عز و جل: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي }(4) .
2- مـن السنـــــــة: ورد في السنة المطهرة أكثر من دليل على جواز الهبة: نخص
منهم بالذكر ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ” كان النبي- صلى اله عليه و سلم-
يقبل الهدية و يثب عنها”(5).
ما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: ” قال رسول الله- صلى الله عليه
وسلم-: تهادوا تحابوا.”(6)
(1) سورة النساء، الآية 04
(2) سورة البقرة، الآية177
(3) سورة الأحزاب، الآية50
(4) سورة البقرة، الآية275
(5)، (6) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص29،28
عن عمر- رضي الله عنه- قال: “حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان
عنده، فأردت أن أشتريه و ظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي- صلى الله عليه وسلم-
فقال: لا تشتره و لا تعد في صدقتك و إن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالعائد في
قيئه.”(1)
ما روي عن علي- رضي الله عنه- قال:”أهدى كسرى لرسول الله- صلى الله عليه
وسلم- فقبل منه و أهدى إليه قيصر فقبل و أهدى له الملوك فقبل منها.”(2)
فرع ثاني: من الإجماع و المعقول
1- مــن الإجـمـــــــاع: لقد أقر الصحابة- رضوان الله عليهم- الهبة و على رأسهم ما
روي عن الصديق- رضي الله عليه- أنه قال للسيدة عائشة- رضوان الله عليها- “إني نحلتك
جداد عشرين و سقا من مالي بالعالية، و إنك لم تكوني قبضتيه فإنه اليوم مال الوارث.”(3)
و ما روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال:”من وهب هبة لصلة رحم
أو على وجه الصدقة فإنه لا يرجع فيها، إن لم يرض عنها.”(4)
و تبعهم في ذلك الفقهاء و جموع المسلمين في شتى العصور بأن أقروا جواز الهبة و
استحبابها بمختلف أنواعها ما لم تكن حرام.
2- مــن المعـقـــــول: إن ما ورد في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة و إجماع
الصحابة و الفقهاء يجعل الهبة ذات حكمة بالغة فمن شأنها غرس بذور المحبة و إزالة
الضغينة و الحقد بين الواهب و الموهوب له و تحث على البر و الإحسان بين أمة الإسلام
عملا بقوله تعالى: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، كما أن الهبة صفة من صفات المولى عز و جل لقوله تعالى: { إنك أنت العزيز الوهاب}، و من عمل بها اكتشف صفة من
أشرف الصفات لما فيها من استعمال الكرم و إزالة الشح عن النفس.
(1) عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام، تسيير العلام- شرح عمدة الأحكام- ، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى ألبان- مكة المكرمة- الرياض،د.ت، ص540.
(2) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص29.
(3) ،(4) د بدران أبو العينين بدران، المواريث و الوصية و الهبة في الشريعة الإسلامية و القانون و نصوص القوانين الصادرة بشأنها، مؤسسة شباب الجامعة للنشر و التوزيع، 1985 ، ص 217.
المبحث الثاني: مقومات عقد الهبة
المطلب الأول: الهبة عقد ما بين الأحياء
تنعقد الهبة بإيجاب و قبول كل من الواهب و الموهوب له أي تطابق إرادتهما دون أن
يشوبها عيب من عيوب الرضا و هذا طبقا لنص المادة206 ق.أ، مما ينتج عنها انتقال ملكية
العين الموهوبة في حياة كل منهما، و لا يجوز الرجوع في الهبة إلا في الحالة التي حددها
المسرع و هي خاصة بحق الأبوين في الرجوع عن الهبة لولدهما و هذا طبقا لنص
المادة211 ق.أ: ” للأبوين حق الرجوع في الهبة لولدهما مهما كانت سنه إلا في الحالات
التالية:
1)- إذا كانت الهبة من أحل زواج الموهوب له.
2)- إذا كانت الهبة لضمان قرض أو قضاء دين.
3)- إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيع، أو تبرع أو ضاع منه أو أدخل
عليه ما غير طبيعته.”
و هذا ما يميز الهبة عن الوصية، إذ الوصية تنعقد بإرادة الموصي المنفردة و يجوز
لهذا أن يرجع فيها ما داما حيا، فلا تنتج الوصية أثرها إلا عند موته، أما رضا الموصى له
بالوصية بعد موت الموصي فليس قبولا لإيجاب من الموصي، بل هو تثبيت لحق الموصى
له في الموصى به حتى لا يكسب حقا بغير رضائه.(1)
و أخيرا فمادامت الهبة لا تنعقد إلا ما بين الأحياء، فإن أثر التصرف بها لا يمتد إلى
ما بعد الموت كالهبة التي يعرفها القانون الروماني و لا يعرفها القانون الجزائري
و المصري، فلا يجوز في هذين القانونين أن يعقد الواهب هبة أو يرجئ في الوقت ذاته نقل
ملكية الموهوب إلى ما بعد موته فلا يستطيع أن يفعل ذلك إلا عن طريق الوصية التي يجوز
له الرجوع فيها، و ذلك عندما يخشى الواهب دنو المنية منه في حالة مرض خطير أو أثناء
حرب فهبته لا تنتقل ملكية المال الموهوب فإذا مات الواهب انفسخت الهبة من تلقاء نفسها.(2)
(1) د.عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد،ج5، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان،1998، الطبعة الثالثة الجديدة، ص6.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص28.
المطلب الثاني: الهبة تصرف في مال بلا عوض
الهبة عقد من عقود التبرع بوجه عام إذ يتصرف الواهب في ماله بنية التبرع و بدون
عوض، غير أن الهبة تتميز عن عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة كون الهبة تنقل
ملكية الشيء الموهوب ساو كان عقارا أو منقولا كما يمكن أن تكون الهبة حق انتفاع أو حق
استعمال أو حق ارتفاق و غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية كما قال
الدكتور السنهوري:” أن يكون الحق الموهوب هو حق الملكية في العقار أو المنقول بل يجوز
أن يكون حق انتفاع أو استعمال أو حق سكني أو حف حكر أو حق ارتفاق، أو غير ذلك من
الحقوق الأصلية المتفرعة عن الملكية.”
أما عقود التبرع الأخرى كالعارية و الوديعة و الوكالة بدون أجر، و التبرع بأداء
خدمة أو عمل آخر فالمتبرع يلتزم بأداء عمل أو الامتناع عن عمل.
و تشترك الهبة مع سائر التبرعات الأخرى في أنها تجعل الموهوب له يثري دون
عوض و في أنها تقترن بنية التبرع، غير أنها تنفرد بخاصية هي أنها من أعمال التصرف،
فالواهب يلتزم بنقل ملكية دون مقابل.
و لما كانت الهبة تصرف في المال فقد خرجت الكفالة العينية عن أن تكون هبة، و
ذلك أن الكفيل العيني، و إن كان يتصرف في ماله بأن ينقل عينا مملوكة له برهن ضمانا
لدين شخص آخر، إلا أنه لا يلتزم بنقل حق عيني أصلي لا إلى الدائن و لا إلى المدين و إذا
نزعت ملكية العين المثقلة بالرهن وفاءا للدين، فإن الكفيل العيني له حق الرجوع على المدين
بما وفاه من دينه، و إذا نزل عن هذا الحق فإنه يكون متبرعا، بحق الرهن الذي تنقل به
العين.(1)
و يستفاد من نص المادة202ق.أ، أنه يجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام
بالتزام معين حتى تنتقل العين الموهوبة إلى حيازته، على أن يكون هذا الشرط غير مخالف
للنظام العام و الآداب العامة سواء اشترط ذلك لمصلحة الواهب أو لمصلحة الموهوب له
أو لفائدة شخص أجنبي أو للمصلحة العامة. كما يجب ألا تكون قيمة العوض أكبر من قيمة
العين الموهوبة، فإن كانت أكثر لا يلتزم الموهوب له سوى بقيمة العين الموهوبة فقط.
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص10
المشرع الجزائري لم يورد نصوص تشريعية بل ترك الأمر لاجتهاد الفقهاء و فتح
الباب على مصراعيه فبما يخص اشتراط الواهب العوض لمصلحته أو لمصلحة أجنبي
أو للمصلحة العامة.
المطلب الثالث: نية التبرع
حتى تتحقق الهبة يجب أن يتوفر إلى جانب المقومات السالفة الذكر مقوم نية التبرع
الذي يحتوي على عنصران:
o العنصر المعنوي: و هو مسألة نفسية و العبرة فيه بما يقوم في نفس المتبرع وقت
هل قصد التضحية من جانبه دون أن يقصد منفعة أو قصد من وراء تبرعه منفعة و ما عسى
أن يقصده المتبرع من منفعة وراء تبرعه ل يدخل بطبيعة الحال في نطاق العقد و إلا كانت
المسألة تتعلق بعوض الهبة لا بنية التبرع.(1)
o العنصر المادي: هو انتقال العين الموهوبة من الواهب إلى الموهوب له دون
مما ينتج عن ذلك افتقار من جانب الواهب و اغتناء من جانب الموهوب له، و العنصر
المادي هو أساس التنظيم القانوني للهبة، حيث أن الهبة لا تقوم إلا بانتقال الحق المالي مهما
كانت طبيعته أو قيمته و بتخلف هذا العنصر تنتفي الهبة و بالنظر إلى ما سبق فإن التصرف
لا يعد هبة في الحالات التالية:
1- إذا كان الغرض من الهبة الوفاء بدين مدني أو طبيعي.
2- إذا كانت القصد من التصرف الحصول على منفعة أي كان نوعها أو كانت صورتها
سواء كانت هذه المنفعة مادية أو أدبية.
3- إذا كان القصد من الهبة مجازاة الموهوب له مثل أن يعطي شخص من يقوم بخدمته
مبلغا من المال مكافأة له نظير تفانيه في خدمته و إخلاصه في العمل. فإن ذلك لا يعد هبة
لانتفاء نية التبرع و غير ذلك من التصرفات التي يراد بها المجازاة مقابل خدمة ما.
4- الأموال التي يتم صرفها كجزء من الأجر وفقا لما جرى به العرف و العمل.(2)
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص15، من الهامش.
(2) د. محمد بن أحمد تقية ، المرجع السابق، ص32.
المطلب الرابع: الهبة عقد شكلي و عيني
عقد الهبة مثله مثل العقود الأخرى لا يجب أن يتوفر فيه التراضي فقط بل يجب أن
ينصب في قالب معين و هذا ما نصت عليه المادة206ق.أ، و ذلك بتحرير الهبة في عقد
رسمي على يد موظف مختص هو الموثق و زيادة على ذلك بجب تسليم العين الموهوبة إلى
الموهوب له أي انتقالها إلى حيازته، و الشكلية أي الرسمية هي ركن أساسي في عقد الهبة
المنصب على عقار.
أما في عقد الهبة المنصب على المنقول فهو يخضع لإجراءات خاصة إلى جانب
الحيازة و الرضا و ل يشترط فيه الشكلية إذ أن الحيازة هي الركن الأساسي في هبة المنقول
لابد من توافرها.
ويلاحظ أن الفقهاء المسلمين لا يتطلبون لانعقاد الهبة أن تحرر في ورقة رسمية و
بناءا على ذلك يخالفون القوانين الحديثة. و ذلك لا ينبغي أن يعتبر مخالفة لمقاصد الشرع ما
دامت مصلحة الواهبين تقتضي ذلك، لأن في تصرفاتهم خطرا كبيرا على مصالحهم و
مصالح ورثتهم. خاصة و أن مقاصد الشريعة الإسلامية تقتضي متى و أين توجد المصلحة
فثم شرع الله بالإضافة إلى أن لولي الأمر أن ينظم الأعمال بطريقة تحفظ حقوق الناس و
ترعى مصالحهم.(1)
و نظرا إلى أن تصرف الواهب خطير يتجرد به من ماله دون مقابل، و ضار في
نفس الوقت به و ورثته من بعده فقد فرض المشرع هذه الشكلية فيه حتى يتسع الوقت للواهب
فيتدبر أمر هذا التصرف فهل يمضي فيه أو ينثني عنه.(2)
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص37.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص20، من الهامش.
المبحث الثالث: التمييز بين الهبة و العقود المشابهة لها
المطلب الأول: التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانب واحد
الفرع الأول: التمييز بين الهبة و الوصية
قبل التطرق إلى الفرق بين الهبة و الوصية وجب تعريف الوصية فقها و قانونا.فقد
عرفها الحنفية بأنها: ” تمليك مضاف إلى ما بعد الموت”(1)، و عرفها المالكية بأنها: ” عقد
يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه”.(2)
و عرفها الشافعية بأنها: ” تبرع بحق مضاف و لو تقديرا لما بعد الموت و ليست
تبرع بتدبير و لا تعليق عتق و إن التحق بها حكما”.(3)
و عرفها الحنابلة بأنها:” الأمر بالتصرف بعد الموت”.(4)
و عرفها المشرع الجزائري في الكتاب الرابع من قانون الأسرة بنص المادة184:
” الوصية تمليك مضاف إلى بعد الموت بطريق التبرع”
الهبة تتفق مع الوصية في كونهما من عقود التبرع إلا أنهما يتميزان عن بعضهما في
جوانب أخرى و هي كالتالي:
1- الهبة تصرف حال الحياة، و الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد الموت.(5)
حيث أن عقد الهبة يلزم لإنشائه توافق إرادتي كل من الواهب و الموهوب له و انتفاء
العين الموهوبة حال حياة كل منهما، بينما الوصية يجب أن تتوفر فيها إرادة الموصي فقط
لأنها تصرف ملزم لجانب واحد و بالتالي تخرج من دائرة العقود و تنتقل ملكية العين
الموصى بها بعد وفاة الموصي.
2- الأصل في الهبة امتناع الرجوع فيها إلا في الأحوال التي يجوز فيها الرجوع، بينما
الوصية يصح فيها للموصي أن يرجع عن وصيته متى شاء ما دام على قيد الحياة وفقا
للمادة182ق.أ(6) ” يجوز الرجوع قي الوصية صراحة أو ضمنا، فالرجوع الصريح يكون
بوسائل إثباتها و الضمني يكون بكل تصرف يستخلص منه الرجوع فيها.”
(1)،(2)،(3)،(4)،(5) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 32.
(6) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 38.
3- أوجب المشرع الجزائري الرسمية في هبة العقار و الإجراءات الخاصة في هبة
المنقول تحت طائلة البطلان طبقا لنص المادة206ق.أ، بينما الوصية لا تلزم فيها الشكلية إلا
بمناسبة الإثبات و بعد وفاة الموصي و انتقال الملكية إلى الموصى له طبقا لنص
المادة191ق.أ: ” تثبت الوصية:
1 بتصريح الموصى أمام الموثق و تحرير عقد بذلك.
2 و في حالة وجود مانع قاهر تثبت الوصية بحكم، و يؤشر به على الهامش أصل
الملكية”.
4- الهبة سواء في القانون أو في الشرع ليست مقيدة بقدر معين فيجوز أن ترد على مال
الواهب كله، إلا إذا كانت في مرض الموت، فلا تنفذ إلا في حدود الثلث، بينما الوصية يلتزم
أن تتقيد بالثلث من التركة دائما.
و من ثم تنفذ في حدود ثلث التركة و ما زاد عن الثلث تتوقف على إجازة الورثة،
المادة185ق.أ(1): ” تكون الوصية في حدود ثلث التركة، وما زاد على الثلث تتوقف على
إجازة الورثة.” و قد قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: “الثلث و الثلث كثير”.
بالإضافة إلى ذلك فإن الهبة قد تكون لوارث بينما الوصية فلا تكون أبدا لوارث لقوله
عليه أفضل الصلة و السلام:” لا وصية لوارث”.
الفرع الثاني: التمييز بين الهبة والإباحة
تعرف الإباحة على أنها الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل.
و يقصد علماء أصول الفقه بالإباحة ما خير فيه الشارع بين الفعل و الترك فلا هو
مدح على الفعل و لا ذم على الترك.
و ليس المقصود من الإباحة هنا الإباحة من الشارع كما يقصد علماء الأصول، لأن
الإباحة على هذا النحو حكم شرعي، و إنما المقصود من الإباحة هي الإباحة من العباد، كأن
يضع شخص مائدة كي يأكل منها من يأذن له في الأكل.(2)
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص39.
(2) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص31.
و الإباحة على هذا النحو تختلف عن الهبة في أمور هي:
1- أن الهبة عند الجمهور تتوقف على الإيجاب و القبول بخلاف الإباحة فهي تتوقف على
الإذن من المالك.
2- يحق للموهوب له أن يتصرف في الشيء الموهوب بكل أنواع التصرفات بخلاف
المباح له فهو يحق له أن يتصرف إلا في حدود ما أبيح.
3- أن الهبة لا تكون إلا ذاتا، بخلاف المباح فقد يكون ذاتا و قد يكون منفعة.(1)
تشترك الهبة مع الإباحة في أن كلا منهما فيه تليك للأعيان بلا عوض دنيويو أنه
يجوز الرجوع فيهما قبل القبض عند المالكية.(2)
الفرع الثالث: التمييز بين الهبة و العارية
لقد عرف الحنفية العارية بأنها:” تمليك المنافع بغير عوض”.(3) وعرفها المالكية
بأنها:” تمليك منفعة مؤقتة بلا عوض”.(4) و عرفها الشافعية بأنها:” إباحة منفعة ما يحل
الانتفاع به مع بقاء عينه”.(5) و عرفها الحنابلة بأنها:” الانتفاع بعين من أعيان المال”.(6)
و تشترك الهبة و العارية في كونهما عقد من عقود التبرع، و أن المنتفع فيهما يثري
على حساب الغير بدون مقابل و يختلفان عن بعضهما في الأوجه التالية:
1- المشرع الجزائري استلزم الرسمية في هبة العقار و الإجراءات الخاصة في هبة
المنقول بينما العارية استلزم فيها تراضي الطرفين المتعاقدين دون الرسمية.
2- في الهبة يحق للموهوب له تملك الشيء الموهوب و الانتفاع به عكس العارية التي يحق
فيها للمستعير الانتفاع بالعين المعارة دون تملكها.
3- الأصل في الهبة أن يكون القصد منها التبرع بلا عوض، و ذلك بمنح الموهوب له
منافع يحرم الواهب نفسه منها، بينما العارية على خلاف ذلك لا يكون قصد المعير منها في
الأصل إفادة المستعير، بل يكون المراد منها تحقيق مصلحة نفسية و حتى إذا كان المقصود
منها التبرع فإنها لا تكون هبة و ذلك لضآلة منفعة المتبرع بها، بالإضافة أن الدافع إليها في
الكثير من الأحوال مراعاة حسن الجوار و المجاملة بين الناس.(7)
(1) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص32.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص41.
(3)،(4)،(5)،(6) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص33.
(7) د.محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق،ص18.
الفرع الرابع: التمييز بين الهبة و الوقف
قبل أن نعرج على الفرق بين الهبة و الوقف وجب أن نتوقف عند معنى الوقف.
فقد عرفه الحنفية بأنه:” حبس العين على ملك الواقف و التصديق بالمنافع”.(1)
و عرفه المالكية بأنه:” إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيها و لو
تقديرا”.(2) وعرفه الشافعية بأنه:” حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع تصرف
في رقبته على مصرف مباح”.(3) و عرفه الحنابلة بأنه:” تحبيس الأصل و تحبيس
المنفعة”.(4)
يظهر وجه الشبه بين الهبة و الوقف في أن كليهما عقد من عقود التبرع حيث أن مال
الواهب يخرج إلى ملك الموهوب له أما الواقف فيخرج ماله من ملكه و يحبس العين على
ملك الواقف.
و الفرق بينهما يتبين فيما يلي:
1- الهبة ترد على الذات أما الوقف فيرد على المنفعة.
2- أن الهبة يفسدها التوقيت، بخلاف الوقف فيجوز توقيته عند بعض الفقهاء.(5)
3- أن الهبة تؤدي إلى زوال ملك الواهب، بخلاف الوقف إذ يبقى الموقوف على ملك
الواقف، و قيل: ينتقل الملك بالوقف إلى الله تعالى.(6)
المطلب الثاني: التمييز بين الهبة و العقود الملزمة لجانبين
الفرع الأول: التمييز بين الهبة و البيع
قد يتخذ البيع ستارا للهبة، فيذكر فيه عوضا على أنه ثمن ثم يهب البائع الثمن
للمشتري مثل هذا العقد في طبيعته هبة مكشوفة، بمعنى أن نية التبرع واضحة في العقد.
و البيع يكون دائما في بمقابل، في حين أن الهبة تتم بدون مقابل. إذ هذا الأخير هو
الذي يميز هذين العقدين، إلا أنه قد تكون الهبة بمقابل أي بعوض. فالسؤال المطروح هنا،
كيف نميز بينهما؟
(1)،(2)،(3)،(4) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص35.
(5)،(6) نفس المرجع، ص36.
هناك رأي يذهب في هذه الحالة إلى التفرقة بناءا على نية التبرع، فإذا توفرت النية
لدى العاقد، فهنا العقد هبة دون النظر إلى المقابل و لو كان كبيرا.
لكن هناك رأي أخر يذهب إلى الاعتداد بالمقابل فإذا كان هذا الأخير مساويا لقيمة
الشيء المبيع، فهنا نكون بصدد عقد بيع، وإذا كان المقابل أقل من قيمة الشيء المبيع، فالعقد
هبة. أما إذا كان المقابل أكبر من قيمة الشيء المبيع فنكون بصدد عقد بيع. و هذا الرأي
الموضوعي الأخير ينتقد فكرة النية التبرعية لأنه من الصعب استنتاجها.(1)
الفرع الثاني: التمييز بين الهبة و الإيجار
فالهبة هي تمليك مال بلا عوض بقصد التبرع، بينما عقد الإيجار ينشئ التزامات
شخصية في جانب كل من المؤجر و المستأجر و لا يرتب حقا عينيا في الشيء المؤجر،
ويترتب على ذلك أن الإيجار هو عقد ملزم لجانبين و أنه من عقود المعاوضات و ينقل ملكية
الشيء المؤجر لمدة محدودة مقابل أجر، و عنصر الزمان فيه عنصر جوهري و لذا فهو عقد
مؤقت. فبمقتضاه ينشأ ارتباط بين الأجرة و المدة، فالمدة هي مقياس الانتفاع بالشيء المؤجر،
و الأجرة فيه مقابل الانتفاع و الهبة عقد الشكلية فيه واجبة إذا وقع على عقار أو منقول
يتطلب إجراءات خاصة، بينما عقد الإيجار عقد رضائي لا يتطلب فيه الشكلية، و هو من
عقود الإدارة، لا من عقود التصرف.(2)
(1) أ. زاهية سي يوسف، عقد البيع، دار الأمل للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر، الطبعة الثالثة،2000، ص 18، 19.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص4-5.
المبحث الرابع: موازنة بين الهبة في الشريعة و الهبة في القانون
المطلب الأول: من حيث التعريف
مما سبق نرى أن المذاهب الأربعة اتفقوا على أن الهبة هي تمليك عين أو منفعة بلا
عوض، غير أننا نلاحظ أن كل من المذهبين الحنفي و المالكي أغفلوا ذكر عبارة “حال
الحياة”، بينما أبرزها المذهبين الشافعي و الحنبلي، حيث ذكروا عبارة “حال حياة كل من
الواهب و الموهوب له”.
إن المشرع الجزائري في قانون الأسرة و خاصة في باب الهبة قد تماشى و مبادئ
الشريعة الإسلامية السمحاء لارتباطه الوثيق بها و لتمسك شعبه بالإسلام في تقاليده و أخلاقه
و قيمه، فكان لابد على المشرع أن يربط حاضر الأسرة الجزائرية بماضيها الزاخر بالعلم و
المعرفة و يختار ما يساير العصر و يضاهي التطور، ويضبط علاقات الأسرة برباط المحبة
و الود و البر و الإحسان و المعروف و التبرع و فعل الخير عن طريق الهبة.
تعريف الهبة الوارد في نص المادة202 من قانون الأسرة مستمد من الفقه المالكي و
على الأخص مأخوذ من مختصر جليل بن إسحاق لحرفيته.(1)
وبتماشي المشرع مع الفقه المالكي لم يبرز عنصر إتمام الهبة بين الأحياء و لكنه
استدرك ذلك في نص المادة206 ق.أ بقوله: “…….بإيجاب و قبول……”. مما تعني حال
حياة كل من الواهب و الموهوب له.
المطلب الثاني: من حيث المقومات
الهبة على اتفاق كل من الشرع و القانون خاصة المذاهب الأربعة: الحنفية، المالكية،
الشافعية و الحنبلية و المشرع الجزائري في نصوص قانون الأسرة اعتبروها تصرف في
مال بلا عوض سواء وردت على نقل ملكية أو منفعة، مع توفر نية التبرع في الواهب.
إل أن المذاهب الأربعة اختلفت فيما يخص مقوم أن الهبة عقد ما بين الأحياء حيث
أبرزها كل من المذهب الشافعي و الحنبلي و أهملها ، كل من المذهب الحنفي و المالكي.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص303.
أما فيما يخص مقوم الهبة عقد شكلي و عيني فقد ألزم المشرع الجزائري تحرير الهبة
في عقد رسمي إذا انصبت على عقار وأما إذا انصبت على منقول فيجب إتباع الإجراءات
الخاصة طبقا لنص المادة206 ق.أ، و بتخلف الشكلية تكون الهبة باطلة عكس المذاهب
الأربعة مجتمعة التي لم توجب الرسمية في الهبة نظرا لطبيعة المعاملات السائدة آن ذاك،
من تشجيع الناس على المحبة و الود ونشر أواصل الأخوة بينهم و مساعدة بعضهم البعض،
وذلك بتسهيل المعاملات و حث المسلمين على القيام بالأفعال التي تشد حبل الود فيما بينهم،
وتقربهم إلى الله عز وجل، و لهذه الأسباب مجتمعة كان ذلك العصر لم يعرف نظام التوثيق
ونظام الشهر العقاري، و كانت تقتصر الشكلية في الهبة على القبض أي انتقال العين
الموهوبة إلى حيازة الموهوب له.
الفصل الثاني أركان عقد الهبة
المبحث الأول: الـتـــــــــراضــــــــي
المطلب الأول: شروط الانعقاد
الفرع الأول: الإيجاب و القبول
تسري القواعد العامة المقررة في نظرية العقد في تطابق الإيجاب و القبول في عقد
الهبة فيجب أن يصدر الإيجاب من أحد المتعاقدين يقبله المتعاقد الآخر و أن يكون القبول
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 215.
(3) د. محمد كامل مرسي، المرجع السابق، ص 112.
(4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 79 ، 80.
و تقع الهبات غير المباشرة غالبا في صورة التنازل أو الترك، كما إذا تنازل شخص
عن حق شخصي أي الإبراء، أو حق انتفاع أو حق ارتفاق مقرر لمنفعة عقاره على عقار
الموهوب، و من صورها أيضا التعهد بالدفع، و حوالة الحق و الوفاء عن الغير و الوفاء به،
و الاشتراط لمصلحة الغير، و الشراء باسم مستعار(1).
و الهبة غير المباشرة تستثنى من وجوب الشكلية و العينية إذ القانون لم يشترط
الشكلية أو العينية إل في الهبات المباشرة المكشوفة، و من ثم تتم الهبة غير المباشرة دون
حاجة إلى ورقة رسمية، و دون حاجة إلى القبض في المنقول، غير أن الأحكام الموضوعية
تسري عليها، كجواز الرجوع في الهبة و الطعن بالدعوى البولصية و أهلية التبرع
والتصرف في مرض الموت و غير ذلك من الأحكام(2).
و تثبت الهبة غير المباشرة وفقا للقواعد العامة المقررة في الإثبات، فتجب الكتابة
أو ما يقوم مقامها فيما بين المتعاقدين فيما يجاوز 100000 د.ج طبقا لنص المادة 333 من
القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 و المعدل و المتمم الأمر رقم 75/58
المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 و المتضمن القانون المدني، كما إذا أراد الواهب الرجوع في
الهبة، أما الغير فله أن يثبت الهبة غير المباشرة بجميع الطرق و منها البينة و القرائن، كما
إذا أراد الواهب أن يطعن في الهبة غير المباشرة بالدعوى البولصية(3).
الهبة المستترة: تعتبر الهبة المستترة في الواقع هبة مباشرة إذ خلالها ينقل الواهب
للموهوب له حقا عينيا، أو يلتزم أو يلتزم له بحق شخصي و لكنها تختلف من حيث أن
ظاهرها يختلف عن حقيقتها فهي في حقيقتها هبة لكنها تظهر تحت اسم آخر ساتر لها.
(1) د. حسن محمد بودى، الرجع السابق، ص 47.
(2) ، (3) د؟ السنهوري، المرجع السابق، ص 84 ، 85.
و العقد الساتر للهبة سواء كان بيعا أو قرضا أو إقرارا بدين، أو حوالة الحق أو عقد
محاباة. أو عقد إيراد بمرتب مدى الحياة، فإذا كان العقد الساتر للهبة عقد بيع مثلا وجب أن
يذكر ثمنا صوريا و إلا كانت الهبة مكشوفة و تستوجب الرسمية، و جعل الهبة تحت ستار
عقد آخر لا يعفيها من سائر شروط الهبة كأهلية التبرع في الواهب و ملكيته للموهوب(1).
و الهبة المستترة هي الأخرى معفاة من الشكلية و العينية، على أنها إذا كانت لا
تخضع لأحكام الهبة الشكلية فإنها تخضع لأحكامها الموضوعية، و يترتب على ذلك أن الهبة
المستترة تعتبر هبة، و تستلزم أهلية التبرع في الواهب، يجب أن يكون الواهب مالكا لما
تبرع به و يتحقق فيها ضمان الاستحقاق و ضمان العيب، و تعتبر تبرعا بالنسبة إلى الدعوى
البولصية، و يجوز فيها الرجوع، إلا إذا وجد المانع و إذا صدرت في مرض الموت كان لها
حكم الوصية و من يدعي أن العقد الظاهر ليس هبة مستترة ليجري عليه أحكام الهبة
الموضوعية هو الذي يحمل عبء الإثبات، و قاضي الموضوع هو الذي يبت فيها إذا كان
التصرف المطعون فيه هو هبة مستترة، يعمد في ذلك إلى ظروف التصرف و ملابساته و لا
معقب على تقديره من المحكمة العليا(2).
التمييز بين الهبة المستترة و الهبة غير المباشرة: الهبة المستترة هبة مباشرة، إذ
فيها ينقل الواهب للموهوب له حقا عينيا أو يلتزم له بحق شخصي، و هذا أول فرق بين
الهبتين، و الفرق الثاني أن الهبة المستترة ظاهرها غير حقيقتها، فهي في حقيقتها هبة لكنها
تظهر تحت اسم عقد آخر، أما الهبة غير المباشرة فظاهرها كحقيقتها فهي هبة في الحقيقة
وفي الظاهر. و الهبة غير المباشرة أعفيت من الشكل بحكم النظام الخاص الذي يسري عليها
كما سبق القول، أما الهبة المستترة فهي هبة مباشرة و القانون يعفي الهبة المستترة التي تتم
تحت ستار من الشكلية سواء كانت هبة عقار أو هبة منقول(3).
(1) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 47 ، 48.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 221.
(3) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 86.
المبحث الخامس: قبض الهبة و الوعد بها
المطلب الأول: قبض الهبة
الفرع الأول: القبض في الفقه الإسلامي
1. في الفقه الحنفي و الشافعي: القبض شرط للزوم الهبة حتى أنه لا يثبت الملك
للموهوب له قبل القبض، بدليل ما روت عائشة – رضي الله عنها- أن أباها نحلها جداد
عشرين وسقا من ماله، فلما حضرته الوفاة قال: يا بنية: إن أحب الناس عندي بعدي لأنت،
وإن أعز الناس علي فقرا بعدي لأنت و إن كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي، و لو
كنت جددتيه و أحرزتيه لكان لك، و إنما هو اليوم مال الوارث، و إنما هما اليوم أخواك
وأختاك فاقتسموه على كتاب الله، قالت: هذان أخواي، فمن أختاي، إنما هي أسماء، فمن
الأخرى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، فإني أظنها جارية.
فهذا نص في اشتراط القبض في الهبة، و إن الهبة تملك بالقبض لقوله:” لو كنت
جددتيه و أحرزتيه لكان لك” و قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: ” ما بال رجال
ينحلون أبناءهم نحلا، ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم، قال: مالي بيدي، لم أعطه أحدا و إن
مات هو قال: هو لابني قد كنت أعطيته إياه فمن نحله نحلة فلم يحرزها الذي نحلها- و أبقاها-
حتى تكون إن مات لورثته فهي باطلة”(1) و هذا هو قول عثمان و علي أيضا، و في الجملة
فإن الخلفاء الراشدين و غيرهم اتفقوا على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة محوزة.
و يترتب على ذلك أنه لو وهب إنسان ثوبا، أو عينا من الأعيان، مفرزا مقسوما، و لم
يؤذن له بقبضه، فقبضه الموهوب له، فإن كان بحضرة الواهب، يجوز استحسانا و القياس أن
لا يجوز قبضه بعد الافتراق من المجلس و هو قول زفر، لأن القبض عنده ركن بمنزلة
القبول في حق إثبات الحكم، فلا يجوز القبض بعد الافتراق عن المجلس، كما لا يجوز القبول
بعد الافتراق، و وجه الاستحسان أن الإذن بالقبض وجد من طريق الدلالة لأن الإيجاب فيه
دلالة الإذن بالقبض(2).
(1) ، (2) د. وهبة الزحيلي، المرجع السابق، ص 19 ، 20 ، 21.
2. في الفقه المالكي:لا يشترط القبض في صحة الهبة، و لا للزوم الهبة، و إنما هو
شرط لتمامها، أي لكمال فائدتها، بمعنى أن الموهوب يملك بمجرد العقد أي القول، على
المشهور عندهم. و القبض أو الحيازة تتم الهبة، و يجبر الواهب على تمكين الموهوب له من
الموهوب، و دليلهم تشبيه الهبة بالبيع و غيرهم من سائر التمليكات، و لقول الأصحاب: الهبة
جائزة إذا كانت معلومة، قبضت أو لم تقبض، و يصح القبض و لو بلا إذن من الواهب، و
يجبر الواهب على تمكين الموهوب له من القبض حيث طلبه، لأن الهبة تملك بالقول أي
بالإيجاب، على المشهور عندهم(1).
3. في الفقه الحنبلي: القبض شرط لصحة الهبة في المكيل أو الموزون لإجماع
الصحابة على ذلك و يظهر أن المراد بكون القبض شرط صحة أنه شرط لزوم بدليل قول
ابن قدامى إن المكيل و الموزون لا تلتزم فيه الصدقة و الهبة إلا بالقبض، و هو قول أكثر
الفقهاء. أما غير المكيل و الموزون فتلزم فيه بمجرد العقد و يثبت الملك في الموهوب قبل
قبضه لما روي عن علي و ابن مسعود- رضي الله عنهما- أنهما قالا: الهبة جائزة إذا كانت
معلومة قبضت أو لم تقبض(2).
الفرع الثاني: قبض الهبة في التشريع الجزائري
1. القبض في العقار: فالقبض في العقار يكون تسليمه و ذلك بوضعه تحت تصرف
الموهوب له لأن يتخلى الواهب عنه إلى الموهوب له فإن كان دارا يسكنها الواهب و جب
عليه أن يخليها و أن يخرج منها أثاثه و كل الأمتعة التي فيها و أن يسلم مفاتيحها إلى
الموهوب له. و إن كانت أرضا زراعية وجب عليه أن يخرج منها و أن يتركها و يأخذ كل
ماله منها، سواء من حيوانات أو آلات أو عتاد فلاحي، ثم يمكن الواهب الموهوب له من
الاستيلاء على العقار المذكور حتى يتمكن من الدخول فيه و استغلاله من دون أي تعرض
(1) د. وهبة الزحيلي، المرجع السابق، ص 22.
(2) ابن قدامى، المرجع السابق، ص 277.
كان، و بهذا يتم القبض في العقار و تصبح الهبة تامة وفق ما تقضي به المادة 206 ق.أ
و التوثيق و التسجيل لا يكفيان في القبض، بل لابد من إتمام القبض و الحيازة مجتمعين و لا
يغني القبض عن الرسمية كما لا تغني الرسمية عن القبض، فهما شيئان متلازمان يشكلان
مجتمعين تمام الهبة وإلا فلا تعتبر الهبة تامة إذا تخلف أحدهما(1).
2. القبض في المنقول: إذا كان المنقول من المنقولات التي تتطلب إجراءات خاصة فإن
القبض فيها هو الآخر يتطلب القيام بهذه الإجراءات بجانب تسليمها و حيازتها من قبل
الموهوب له و ذلك كالسفن و الزوارق و السيارات و الجرارات و ما في حكمها كالدراجات
النارية و بعض الآلات، و كذلك الأسهم الاسمية فلا تتم الهبة إلا بالحيازة باعتبار أنها شرط
تمام، أما المنقولات التي ليس من طبيعتها الخضوع إلى الإجراءات الخاصة، فإنها تتم
بالحيازة و ذلك بالتسليم الفعلي للشيء الموهوب من قبل الواهب إلى الموهوب له، و هو ما
يسمى بالهبة اليدوية، و هي الهبة التي تقع على أشياء قابلة للنقل دون قيد أو عقد أو توثيق،
كالكتب و الحلي و المجوهرات و الساعات و الأشياء المادية ذات القيمة المالية أو الرمزية أو
المعنوية و الآلات الإلكترونية و مختلف الحيوانات(2).
و يستفاد من هذا أن القبض يتم بحيازة المنقول و استعماله و الانتفاع به و ذلك
بتخصيص لموهوب له لينتفع به، و القبض في المنقول نوعان:
القبض الفعلي: يتم عادة بالمناولة و دلك بأن يتناول الموهوب له الموهوب- المنقول-
يدا بيد، فتنتقل بذلك حيازة الموهوب من الواهب إلى الموهوب له، كذلك يتم القبض الفعلي
بوضع الواهب المنقول تحت تصرف الموهوب له بحيث يتمكن من حيازته، و الانتفاع به
من دون عائق(3)، و لو أن الموهوب له لم يستولي على المنقول، استيلاء ماديا ما دام قد أعلم
بوضع المنقول تحت تصرفه أن إمكانه الاستيلاء عليه من دون عائق، فإن هذا يكفي لإتمام
(1) ، (2) د.محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 221،225.
(3) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 223.
الحيازة أو القبض في الهبة، و كل ما يشترط في هذا النوع من المنقولات لإتمام الهبة القبض
و الحيازة، فإذا حاز الموهوب له المال الموهوب تمت الهبة و إلا فتكون الهبة كأن لم تكن(1).
القبض الحكمي: نصت عليه المادة 207 بقولها:” إذا كان الشيء الموهوب بيد
الموهوب له قبل الهبة يعتبر حيازة و إذا كان بيد الغير وجب إخباره بها ليعتبر حائزا.”
فالحيازة حسب هذه المادة تكون قد تمت فعلا و حكما، و إذا كان الشيء الموهوب بيد
الموهوب له، إما على سبيل الإعارة أو الوديعة مثلا، أو أن الشيء الموهوب يكون تحت يد
شخص ثالث و هو الغير، فيجب على الواهب إخبار الموهوب له و بمجرد الإخبار بأن
الشيء المذكور وهب له فيصبح جائزا حكما، و قد يغني التوثيق و الإجراءات الإدارية عن
الحيازة إذا كان الواهب ولي الموهوب له أو زوجه أو كان الموهوب مشاعا مثلما نصت
المادة 208 ق.أ(2).
المطلب الثاني: الوعد بالهبة
الفرع الأول: في الفقه الإسلامي
لقد اختلف الفقهاء المسلمون في لزوم الوعد للواعد بصفة عامة و بالنسبة إلى سائر
العقود إلى أربعة أقوال:
القول الأول: و هو المشهور منها، يرى أن الموعود له إذا دخل بسبب الوعد في فعل
الشيء اقتضاه اتفاقا قضي على الواعد بها، مثال ذلك أن يقول شخص لآخر إني أريد أن
أهدم داري أو أن أبنيها أو أن أسافر و ليس عندي ما يمكنني من ذلك و يقول له صاحبه أفعل
و أنا أقرضك أو أعطيك كذا، فإنه يلزمه الوفاء بما وعد إذا دخل في الفعل بناء على ذلك و
هذا القول قول الإمام مالك و ابن القاسم و اختاره الإمام سحنون(3).
القول الثاني: قال أصبغ يقضي الوعد إذا كان على سبب و إن لم يدخل فيه فعلا و إلا
فلا، و هو رأي عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- قضى به(4).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 225، 226.
(3) ، (4) نفس المرجع، ص 238.
القول الثالث: يرى أنه لا يفي بالوعد مطلقا على أية حال لأنه تفضل و إحسان و إن
أمر بالوفاء به ديانة، و هذا هو مذهب الحنفية و الشافعية و الحنابلة و جمهور الفقهاء من
الصحابة و التابعين(1).
القول الرابع: و هو لبعض الفقهاء و هم يرون القضاء به مطلقا، و إلى هذا ذهب عبد
الله بن شبرمة فقال: الوعد كله لازم و يقضي به على الواعد و يجبر عليه، و استدل بقوله
تعالى:{ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} و مما روي عن ابن عباس عن رسول
الله- صلى الله عليه و سلم- أنه قال:” أربع منكن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه
خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، ثم ذكر منها، و إذا وعد أخلف”.
و هكذا يتضح من أقوال الفقهاء المسلمين أنه يمكن القول أن الوعد من جانب واحد ملزم
للواعد على بعض القيود البسيطة، كما يلاحظ من أقوالهم، و يجب القضاء به عن البعض
الآخر أن الوفاء به من مكارم الأخلاق، و أن مجرد الوعد لا يلزم الوفاء به(2).
الفرع الثاني: في لتشريع الجزائري
i. الوعد في القانون المدني الجزائري: يستفاد من نص المادة 71 ق.م” الاتفاق الذي يعد
له كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا يكون له أثر إلا إذا عينت جميع
المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، و المدة التي يجب إبرامه فيها.
و إذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يطبق أيضا على
الاتفاق المتضمن الوعد بالتعاقد.” أن الوعد بالتعاقد مرحلة تسبق إبرام العقد نهائيا و يكون
الوعد إما من جانب واحد و إما من جانبين. و يشترط في الوعد من جانب واحد أن يكون
الواعد أهلا للتعاقد على العقد الموعود مثل عقد الهبة، و يكون وعده حينئذ صحيحا و لو فقد
الأهلية عند إبرام العقد النهائي بشرط أن لا تزيد التزاماته عما كانت عند الوعد.
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 238 ، 239.
كما يشترط أن تخلو إرادة الواعد من عيوب الرضا عند صدور الوعد منه أما الطرف
الموعود له في الوعد من جانب واحد، فلا تشترط فيه الأهلية إلا عند إعلان رغبته في إبرام
العقد الموعود به، و يكفي أن يكون مميزا عند صدور الوعد له، و لكن يشترط خلو رضائه
من العيوب عند صدور الوعد له، و عند إظهار رغبته في إبرام العقد الموعود به(1).
أما إذا كان الوعد من الجانبين، فيلزم أن تتوافر في كل منهما أهلية التعاقد على العقد
الموعود عند صدور الوعد، و أن يخلو رضاؤهما من العيوب في هذا الوقت، لأن الوعد
يعتبر في هذه الحالة عقدا ابتدائيا. و في كلا النوعين من الوعد لا يكون الوعد صحيحا إلا إذا
توافرت فيه جميع عناصر العقد الموعود بإبرامه(2)، فإذا كان مثلا عقد هبة وجب أن يشتمل
على جميع المسائل الجوهرية تحديدا كافيا، و يبين ما إذا كان منقولا أو عقارا كما يحدد نوع
الهبة محل الوعد، هل هي هبة بعوض أو بغير عوض مع ذكر العوض و قدره، و يجب
تحديد المدة التي يتعين فيها إبرام عقد الهبة النهائي في الوعد بالهبة سواء كان تحديد هذه
المدة صراحة أو ضمنا، لأن تحديدها واجب حتمي(3).
و يستفاد من نص المادة 71 ف2 ق.م أنه يجب مراعاة الرسمية في الاتفاق الذي
يتضمن الوعد بإبرام الهبة، إذا كان عقارا أو منقولا يتطلب إجراءات خاصة(4).
و يلاحظ من خلال الممارسة التطبيقية امتناع بعض الأساتذة الموثقين عن تحرير عقد
الوعد بالهبة، بحجة أن الهبة تتم بصورة منجزة و فورية، فضلا عن انعدام التخويل القانوني
الذي يسمح بإبرام الوعد بالهبة، و هذا الموقف غير سليم، إذ يجوز للمتعاقدين اللجوء إلى
الموثق لإبرام عقد وعد بالهبة لعدم وجود نص قانوني يمنع ذلك، و دليل ذلك الحجج التالية:
أ أن رفض تحرير الوعد بالهبة بحجة أنها تتم بصورة فورية يعد موقفا غير سديد
كون هذه الخاصية ذكرها الشراح للتدليل بأن الهبة يراد بها إضافة التمليك الفوري و هذا من
أجل تمييزها عن الوصية التي يراد بها إضافة التمليك إلى ما بعد الموت.
(1) ، (2) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 46.
(3) ، (4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 231 ، 232.
ب أن انعدام نص في قانون الأسرة يشير إلى الوعد بالهبة لا يمنع من تحريرها، إذ
في مثل هذه الوضعيات يجب الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في القانون المدني باعتباره
الشريعة الأم و بالضبط إلى أحكام المادتين 71 ، 72 منه اللتان تنصان على مبدأ الوعد
بالتعاقد(1). المادة 72 ق. م : ” إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل و قاضاه المتعاقد الآخر
طالبا تنفيذ الوعد، و كانت الشروط اللازمة لتمام العقد و خاصة ما يتعلق منها بالشكل
متوافرة، قام الحكم مقام العقد.”
ii. آثار الوعد بالهبة في القانون الجزائري: لا تختلف آثار الوعد إذا كان من جانب واحد
عن آثاره إذا كان من جانبين. فإذا كان الوعد من جانب واحد التزم الواعد بالبقاء على وعده
حتى يظهر الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد خلال المدة المحددة في الوعد، و متى أظهر
الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد خلال هذه المدة تم العقد دون حاجة إلى أي إجراء جديد،
لأن الوعد كان مشتملا على جميع العناصر الجوهرية للعقد و خصوصا على الشكل إذا كان
العقد شكليا، و لا ينعقد العقد إلا من وقت إعلان الرغبة دون أثر رجعي.
أما إذا مضت المدة و لم يعلن الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد فإن الوعد
يسقط(2).
أما في الوعد الملزم للجانبين فبحلول الأجل المحدد لإبرام العقد النهائي يلتزم الطرفان
بإبرامه و يترتب على ذلك أنه، في الوعد الملزم لجانب واحد و قبل إعلان رغبة الموعود
له، و في الوعد الملزم للجانبين و قبل حلول الأجل المحدد، يكون الواعد ملزما بالتزام
شخصي فقط نحو الموعود له، و لا يكون لهذا الأخير إلا أن يطالبه بتعويض ما أصابه من
ضرر، و إذا هلك الشيء في هذه الفترة كانت تبعة الهلاك على الواعد.
(1) حمدي باشا عمر، نقل الملكية العقارية في ضوء آخر التعديلات و أحدث الأحكام، دار هومة للطباعة و النشر و التوزبع، الجزائر، طبعة ثانية، 2000، ص 24,
(2) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 47.
أما عند إظهار رغبة الموعود له في الوعد الملزم للجانبين فيجب على الطرفين إبرام
العقد النهائي، و إذا تقاعس أحدهما عن إبرام العقد، فللجانب الآخر إجباره على ذلك برفع
دعوى تسمى دعوى صحة التعاقد، و متى صدر الحكم بصحة التعاقد، قام مقام العقد النهائي
بشرط أن يكون الشكل قد توافر في الوعد بالعقد الشكلي و إذا كان محل العقد عقارا جرى
تسجيل لحكم و انتقلت ملكية العقار و هذا ما نصت عليه المادة72 ق.م(1).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 47 ، 48.
المبحث السادس: موازنة أركان الهبة ما بين الشريعة و القانون
مما سبق يتبين أن أغلب الرأي لدى فقهاء المذاهب الإسلامية الأربعة يقررون للهبة
ركنين هما الإيجاب و القبول، و إن الهبة إن نشأت بالإيجاب لا تتم إلا بالقبول و القبض و هم
بذلك يلتقون مع أحكام المادتين 202 ، 206 ق.أ و الرأي المخالف لهؤلاء و هو رأي أغلب
الأحناف ما عدا الإمام زفر الذين يعتبرون أن الهبة تنشأ بإرادة منفردة، و تعتمد على ركن
واحد، و هو الإيجاب من الموجب، دون توقف على القبول، ما دام الواهب التزم من تلقاء
نفسه و بإرادته المنفردة الوحيدة(1).
و القبول في عقد الهبة عند الإمام مالك يجوز على التراضي خلافا لجمهور الفقهاء
وخلافا لرأيه في سائر العقود الأخرى، و هذا ناتج عن أن عقد الهبة عنده لازم بالقبول، و أن
الهبة في الأصل لا رجوع فيها إلا للوالد على ولده و هو عقد مقيد بعدة شروط غير مطلقة.
و الأخذ برجوع الواهب قبل قبول الموهوب له يعتبر تطبيقا لنص المادة 61 ق.م
و يتفق مع ما أخذ به جمهور فقهاء المسلمين(2).
اتفق المشرع الجزائري وفقا لقانون الأسرة مع فقهاء المذاهب الأربعة فيما يخص
الشروط الواجب توافرها في كل من الواهب و الموهوب له، غير أنهم اختلفوا في الهبة
للجنين، حيث أجاز الإمام مالك و أصحابه الهبة للجنين و المعدوم و خالفه في ذلك الحنفية
والشافعية و الحنابلة الذين اعتبروا أن الهبة لا تصح للجنين و هي له باطلة، باعتبار أن الهبة
تمليك محض و الجنين لا يمكنه أن يقبض و لا يملك لنفسه، و لا ولاية لأحد عليه فيقبض و
يقبل عليه لأن الولاية تبدأ من الولادة.
أما المشرع الجزائري و وفقا لما نصت عليه المادة 209 ق.أ فقد انسجم مع رأي
الإمام مالك و أجاز الهبة للجنين.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 70 ، 76.
(2) نفس المرجع، ص 304.
و بالنسبة لمرض الموت فالمسرع الجزائري لم يعرفه و أحال ذلك على فقهاء
الشريعة الإسلامية حيث لم يختلفوا في تعريفه، و قد اتفقوا أنه يجب أن يتوفر فيه أمران و قد
سبق ذكرهما، غير أنهم اختلفوا فيما يدور حول الأمارات و الأوصاف الظاهرة التي يتبين
منها أن المرض هو مرض موت،
و الملاحظ أن المشرع الجزائري جرى مجرى فقهاء الشريعة الأربعة فيما يخص
الشروط الواجب توافرها في المحل، غير أن المذهب المالكي لم يذكر شرط وجود المحل
عكس كل من الحنفية و الشافعية و الحنابلة و المشرع الجزائري الذين أوجبوا أن يكون
المحل موجودا.
أما السبب فقد اختلف الفقهاء فيه فمنهم من يرى أن السبب يكمن في نية المتعاقد فإذا
كانت نيته مشروعة كان العقد صحيحا و إلا كان العقد باطلا، و منهم من برى أن السبب هو
الدافع الباعث على التعاقد فكلما كان الدافع مشروعا كان العقد صحيحا، أما إذا كان غير
مشروع فالعد باطلا، و المشرع الجزائري أيضا اعتبر السبب هو الدافع الباعث على التعاقد.
ولم يشترط فقهاء الشريعة الإسلامية الشكلية في عقد الهبة سواء كانت هبة عقار
أو هبة منقول بل عرفوا القبض فقط، نظرا لطبيعة المعاملات السائدة آنذاك، و لعدم معرفتهم
بنظام التوثيق و الشهر العقاري.
أما المشرع الجزائري فقد أوجب الشكلية أي الرسمية في هبة العقار و الإجراءات
الخاصة في هبة المنقول، تحت طائلة البطلان. كما أنه يفهم من نص المادة 206 ق.أ أن
الرسمية لا تغني عن العينية أي الحيازة، و يؤكد هذا الرأي ما ورد في المادة 208 من نفس
القانون، الذي يجعل الرسمية الإجراءات الإدارية تغني عن الحيازة في ثلاث حالات محددة
على سبيل الحصر في المادة 208 ق.أ، و المشرع الجزائري هنا على خلاف أغلب
التشريعات، و كان الأجدر به أن يجعل الرسمية تغني عن الحيازة(1).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 204 ، 205.
لقد اعتبر كل من الحنفية و الشافعية قبض الشيء الموهوب شرط لزوم بحيث لا يثبت
الملك للموهوب له إلا بالقبض على عكس المالكية و الحنابلة الذين اعتبروا القبض شرط
لصحة الهبة.
أما فيما يخص المشرع الجزائري فقد أوجب تسليم العقار و وضعه تحت تصرف
الموهوب له و بذلك تصبح الهبة تامة و هذا في هبة العقار، بينما في هبة المنقول الذي
يتطلب إجراءات خاصة فقد أوجب المشرع الجزائري إجراءات خاصة في القبض بالإضافة
إلى تسليمها و حيازتها من قبل الموهوب له.
و فيما يخص الوعد بالهبة، فقد اختلف جمهور الفقهاء حول مدى إلزامية الوعد، فمنهم
من قال أن الوعد يجب الوفاء و القضاء به، أما البعض الآخر فاعتبروا أن مجرد الوعد لا
يلزم الوفاء لأنه من مكارم الأخلاق إذ يراد به التفضل و الإحسان. و بالرجوع إلى نصوص
قانون الأسرة نجده لم ينص على الوعد بالهبة، و لكن بالرجوع إلى القواعد العامة في القانون
المدني باعتباره الشريعة الأم، و خاصة في المادتين 71 ، 72 منه، يمكن الأخذ بالوعد بالهبة
بالشروط المطلوبة قانونا و هي وجوب تعيين المسائل الجوهرية لعقد الهبة الموعود به،
ووجوب تعيين المدة التي يجب إبرامه فيها، و وجوب الشكلية في هبة العقار أو المنقول الذي
يتطلب إجراءات خاصة، أما الوعد بالهبة في المنقول العادي فتكفي فيه الكتابة العرفية، كما
يمكن أن يسجل في صفة رسمية(1). و بالتالي فالمشرع الجزائري هنا أخذ بالقول الأول
لفقهاء الشريعة الإسلامية ، و الذي يقضي بوجوب الالتزام بالوعد و الوفاء به.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 306.
الفصل الثالث أحكام الهبة
المبحث الأول: الآثار التي تترتب على الهبة
الأصل أن عقد الهبة عقد ملزم لجانب واحد و هو الواهب الذي تسري على التزاماته
القواعد العامة التي تسري على البائع.
أما الموهوب له فالأصل أنه لا يلتزم بشيء إذ أن عقد الهبة عقد تبرع محض، غير
أنه في الكثير من الأحيان يتحمل نفقات عقد الهبة و نفقات التسلم كما قد يلتزم الموهوب له
بأداء العوض أو المقابل في حالة الهبة بعوض أي عندما تكون الهبة عقد ملزم لجانبين، و
بهذا تكون التزامات الموهوب له على نحو ما يلزم به المشتري في عقد البيع.
المطلب الأول: التزامات الواهب
الفرع الأول: الالتزام بنقل ملكية الشيء الموهوب
يستفاد من نص المادة202 و 206 ق.أ و المادة324 مكرر1 ق.م أن عقد الهبة ينشئ
التزام في ذمة الواهب بنقل ملكية الموهوب إلى الموهوب له، و هذا الالتزام ينفذ فورا بحكم
القانون، و يلزم الواهب بأن يقوم بالأعمال التمهيدية الضرورية لنقل الملكية، كتقديم
الشهادات اللازمة للتسجيل و الكف عن أي عمل يعوق نقل الملكية فلا يجوز للواهب أن
يتصرف بعد الهبة في الشيء الموهوب إلا إذا جاز الرجوع في الهبة ، كما يلتزم الواهب
بالمحافظة على الشيء الموهوب و الالتزام بتسليمه إلى الموهوب له، و يترتب على نقل
الملكية إلى الموهوب له أن يكون لهذا الأخير حق التصرف في الموهوب حتى قبل قبضه،
ويستوي في ذلك العقار و المنقول، و إذا أفلس الواهب بعد الهبة جاز للموهوب له أن يأخذ
عين الموهوب فلا يزاحمه دائنو الواهب، و تنتقل الملكية لا في حق المتعاقدين وحدهما بل
أيضا في حق الورثة و الدائنين. إلا أن الهبة إذا كانت قد صدرت من الواهب المعسر
إضرارا بدائنيه، فإن هؤلاء لهم الحق في الطعن في الهبة بالدعوى البولصية و لو يكن
الموهوب له عل لما بإعسار الواهب، فتصبح الهبة غير نافذة في حقهم، و يستطيعون أن
ينفذوا على الشيء الموهوب بحقوقهم وفقا للقواعد المقررة في الدعوى البولصية(1).
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 141، 142.
1. المـــنــقــــــــول: تنقل الملكية في المنقول بالقبض و الحيازة الحقيقية أي الحيازة
التامة فالشيء الموهوب إذا كلن منقولا و معينا بالذات تنتقل ملكيته إلى الموهوب له
بالحيازة، لأن الهبة في المنقول تنعقد بالإيجاب و القبول و بالحيازة وفقا لما تقضي به المادة
206 ق.أ، إذ أن هذا النص يعني أن الهبة عقد عيني تتم فيه الحيازة يدا بيد أي بالقبض، أما
إذا كان المنقول غير معين بالذات أي معينا بالنوع، فلا تنتقل الملكية إلا بعد عملية الإفراز،
وفقا لما تنص عليه المادة 166 ق.م” إذا ورد الالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا
بنوعه فلا ينتقل الحق إلا بإفراز هذا الشيء.
فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على
نفقة المدين بعد استئذان القاضي كما يجوز له أن يطالب بقيمة الشيء من غير إخلال بحقه
في التعويض.” باعتبارها قاعدة عامة يسوغ الأخذ بها في الهبة ما دام قانون الأسرة لم ينص
على هذا الحكم(1). و يقصد بالإفراز تعيين قدر من الأشياء المثلية بذاتها، و ذلك عن طريق
فصله عن سائر الأشياء التي تكون معه نوعا واحدا، و الإفراز ليس له أثر رجعي يعود إلى
وقت الاتفاق، و بالتالي فإن وقت انتقال ملكية الشيء المعين بنوعه هو وقت إفرازه(2).
أما المنقول الذي يتطلب إجراءات خاصة لنقل الملكية لا تتم هبته إلا بمراعاة هذه
الإجراءات، مثل الأسهم و السندات، ففي حالة الأسهم تكلمت المادة 700 ق.ت عن حوالة
الأسهم بدون مقابل عن بطريقة الهبة، و ثمة مثال آخر للإجراءات الخاصة في المنقول فقد
ورد في المادة 49 ق.ب أن العقود المنشئة أو الناقلة أو المسقطة لحق الملكية أو الحقوق
العينية الأخرى المترتبة على السفن أو حصصها يجب أن تثبت تحت طائلة البطلان بسند
رسمي صادر عن الموثق يتضمن نوع السفينة و سعتها و مداخلها و مخارجها و أسماء
مالكيها السابقين و بقدر الإمكان طابع و تاريخ عمليات نقل الملكية المتعاقبة و يكون قيدها
إلزاميا في سجل السفينة.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 243.
(2) د. خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، عقد البيع، ج4، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة ثالثة ، 2003 ،
ص 112.
و إذا تمت هبة المنقول حسب الإجراءات المبينة أعلاه ترتب على ذلك نقل الملكية
إلى الموهوب له و أصبح له حق التصرف الكامل فيه إذا تمت حيازته و تسلمه بجانب
التسجيل المذكور، و يقال مثل هذا في السيارات و الحافلات و كل المنقولات التي يتطلب
القانون فيها إجراءات خاصة(1).
2. الـــــعــقــــــــار: إن الهبة الواردة على عقار لا تنعقد انعقادا صحيحا إلا إذا استوفت
ركن الشكلية كركن رابع، بالإضافة إلى الأركان الأخرى المعروفة من رضا و محل و
سبب، لذلك فهي ليست عقدا رضائيا كما هي في هبة المنقول، بل هي عقد شكلي، أي عقد
رسمي، حسب ما تنص عليه المادتين 206 ق.أ و 324 مكرر1 ق. م و هذه الشكلية تتمثل
في التوثيق إذ يجب تحرير هبة العقار في وثيقة رسمية من طرف محرر العقود أي الموثق و
إذا استوفت هذه الأركان انعقدت صحيحة و إلا كانت باطلة بطلانا مطلقا، و حتى لو انعقدت
انعقادا صحيحا فإن نقل الملكية لا يتم إلا بإجراءات التسجيل لدى مصلحة التسجيل و الطابع،
و أخيرا شهره في مجموعة البطاقات العقارية لكي ترتب أثرها العيني و هو نقل الملكية(2)
وهذا ما نصت عليه المادتين 15، 16 من قانون التسجيل العقاري التي أحالت إليهما
المادة165 ق.م .
و بجانب ذلك فلابد من الحيازة لأن الهبة في القانون الجزائري عقد رسمي و عيني
في العقار و المنقول الذي يتطلب إجراءات خاصة(3).
الفرع الثاني: الالتزام بتسليم الشيء الموهوب
أن التزام الواهب بتسليم الشيء الموهوب من مقتضيات عقد الهبة، بل هو من أهم
التزامات الواهب التي تترتب بمجرد العقد و لو لم ينص عليه فيه و لا يكفي أن تنتقل ملكية
الشيء الموهوب إلى الموهوب له، بل لابد من وضعه تحت تصرف الموهوب له بحيث
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 243، 244.
(2) أ. زهية سي يوسف، المرجع السابق، ص 86، 87.
(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 244.
يتمكن من حيازته و الانتفاع به من دون مانع، و من أمثلة الموانع التي تعيق حيازة الموهوب
له و الانتفاع به وجوده في حيازة الغير الذي يدعي حقا عليه أو يمانع من تسليمه و كذلك عدم
إخلاء الواهب من العين الموهوبة و الاستمرار في سكنها أو زراعتها(1)، فإن كان دارا
يسكنها الواهب وجب عليه أن يخليها و أن يخرج ما له من أثاث و أمتعة فيها و تسليم
مفاتيحها، و إن كان أرضا زراعية وجب عليه أن يتركها و أن يأخذ ما له من حيوانات
وآلات (2) ، و بجانب ذلك يلتزم الواهب بتسليم الموهوب بالملحقات التي تتبعه فتلحق
بالموهوب الأوراق و المستندات المتعلقة به كمستندات الملكية و عقود الإيجار التي يكون من
شأنها أن تسري على الموهوب له و صورة المستندات التي يستبقيها الواهب لتضمنها حقوق
أخرى غير حقوق الموهوب له و يلحق بالموهوب حقوق الارتفاق التي تكون له و إذا كان
الموهوب منزلا لحقت به الأشياء المثبة فيهو لا تدخل في الملحقات المنقولات التي يمكن
فصلها دون تلف(3)، هذا فيما بتعلق بتسليم الشيء الموهوب إذا كان عقارا، أما إذا كان
منقولا يتطلب إجراءات خاصة فإن الهبة فيه لا تنعقد و تتم هي الأخرى إلا باستيفاء
الإجراءات الخاصة سواء كانت هذه الإجراءات تتم أمام الموثق أو أمام الإدارة المختصة فإن
الهبة يجب لكي تصح و تتم من ضرورة استيفاء هذه الإجراءات مع تسليم الشيء المنقول إلى
الموهوب له و حيازته له حيازة تامة وفقا لما توجبه المادة206 ق.أ.
أما المنقول الذي لا يتطلب إجراءات خاصة فإن هبته تتم بالحيازة و القبض أي
بالتسليم الفعلي للشيء الموهوب، و وضعه تحت يد الواهب و تمكينه منه من دون أي
تعرض(4).
(1) د. خليل أحمد حسن قدادة، المرجع السابق، ص 121، 122.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 246.
(3) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 150.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 247.
و إذا هلك لموهوب قبل التسليم بسبب أجنبي، فإنه يهلك على الموهوب له لا على
الواهب، ذلك أن الهبة تكون عادة عقدا ملزما لجانب واحد هو الواهب، فإذا انفسخت
لاستحالة التنفيذ لم يكن هناك التزام على الموهوب له يتحلل منه، فيكون هو الذي تحمل تعبة
الهلاك كما هو الأمر في سائر العقود الملزمة لجانب واحد، و لكن إذا كانت الهبة بعوض أو
فرض على الموهوب التزام أو شرط فإنه يتحلل منه بانفساخ الهبة لاستحالة تنفيذها وفقا
للقواعد العامة، على أنه إذا هلك الموهوب قبل التسليم و كان ذلك بخطأ الواهب، فإن كان
الخطأ يسيرا بقية تبعة الهلاك على الموهوب له، و لم يكن الواهب مسؤولا عن التقصير
اليسير، أما إذا تسبب الواهب في هلاك الموهوب بفعله العمد أو بخطئه الجسيم، فإنه يصبح
مسؤولا عن الموهوب له عن تعويض عادل(1).
الفرع الثالث: الالتزام بضمان التعرض و الاستحقاق
يرتب عقد الهبة في ذمة الواهب التزاما بضمان العي الموهوبة للموهوب له و
حيازتها حيازة هادئة وهذا يعني على الواهب أن يمتنع من القيام عن أي عمل من شأنه أن
يعرقل أو يعيق حيازة الموهوب له سواء كان هذا العمل من الواهب شخصيا أو من الغير،
وأن يضمن الواهب لموهوب له بقاء ملكيته للعين الموهوبة، إذا استحق الغير استحقاقا كليا
أو جزئيا عن طريق تعويضه(2). و المشرع الجزائري لم يعالج هذا النوع من الالتزام في
قانون الأسرة و سكت عنه فلم يبقى إلا الرجوع إلى نص المادة222ق.أ التي تحيل على
أحكام الشريعة الإسلامية، و بالرجوع إلى أحكام هذه الشريعة الغراء نجدها تقضي دائما بأن
لا ضمان على الواهب إلا في حالة الاستحقاق إلا إذا كان تحت شرط خاص، أو اتفاق، أو
كان الاستحقاق راجعا إلى فعل الواهب، مثلها في هذا مثل البيع ابتداء تسري عليها من أحكام
الضمان ما يسري على البيع(3) و هذا ما يخص الهبة بدون عوض أما إذا كانت الهبة
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 154.
(2) د. خليل أحمد حسن قدادة، المرجع السابق، ص 144.
(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 248.
بعوض، أو كان الواهب قد فرض على الموهوب له التزاما أو شرطا في مقابل الهبة، و في
هذه الحالة يضمن الواهب الاستحقاق و لو كان يجهل سببه، و لكنه لا يكون مسؤولا إلا بقدر
ما أداه الموهوب له من عوض، و إذا كانت الهبة قد فرضت التزامات و شروط على
الموهوب له تحلل هذا منها و برئت ذمته، و تقف عند ذلك مسؤولية الواهب(1). و هذا إذا كان
الواهب يجهل سبب الاستحقاق أو يعلمه و لم يتعمد إخفاءه، أما إذا كان يعلم سبب الاستحقاق
و تعمد إخفاءه، فإننا نعود إلى الحالة الأولى، و لا يقتصر التعويض على استرداد العوض أو
التحلل من الالتزامات و الشروط، بل يجب أيضا أن يعوض الموهوب له تعويضا عادلا على
الوجه الذي بيناه فيما تقدم، و لو جاوز ذلك مقدار العوض أو التحلل من الالتزامات و
الشروط(2) و في الحالتين السابقتين و في حالة ما لو كانت الهبة بغير عوض و كلن الواهب
يتعمد إخفاء الاستحقاق، يحل الموهوب له محل الواهب فيما له من حقوق و دعاوى، و يمكن
أن يضمن الواهب في الحالة الثالثة إذا وجد اتفاق صريح بذلك، و قد حكم بأن الوعد
بالضمان قد لا يوجد دلالة، و يستنتج من مجموعة سند الهبة كما إذا سلم الواهب عقارا
مرهونا رهنا رسميا إلى الموهوب له، و قام الموهوب له بالوفاء للدائنين المرتهنين ليحتفظ
بعقاره، فإنه يحل محلهم في حقوقهم، و يمكنه أن يرجع عند الاقتضاء على الواهب نفسه
الذي يكون ملزما شخصيا بهذه الديون، و يجوز للموهوب له المرفوع عليه الدعوى أن يدخل
الواهب في الدعوى ليطلب الحكم عليه بتخليص العقار(3).
الفرع الرابع: الالتزام بضمان العيوب الخفية
إن المشرع الجزائري سكت في قانون الأسرة عن الالتزام بضمان العيوب الخفية
وأحال ذلك إلى أحكام الشريعة الإسلامية بموجب المادة222 ق.أ، و بالرجوع إلى الفقه
الإسلامي نجد في الأصل أن الواهب لا يضمن العيوب الخفية، إلا أنه يضمن هذه العيوب في
حالات ثلاث هي:
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 249.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 160.
(3) د. محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق، ص 145، 146.
1. إذا تعمد الواهب إخفاء العيب، فلا يكفي إذن أن يكون الواهب عالما بالعيب بل يجب
أيضا أن يتعمد إخفاءه، فإذا كان عالما بالعيب و لكنه لم يتعمد إخفاءه، لم يجب عليه الضمان.
2. إذا كانت الهبة بعوض أو في مقابل التزام و شروط فرضت على الموهوب له، ففي
هذه الحالة على الواهب ضمان العيوب الخفية حتى و لو لم يكن يعلم بها، على أن لا يجاوز
التعويض قدر العوض أو المقابل.
3. إذا ضمن الواهب باتفاق خاص خلو العين الموهوبة من العيوب ثم ظهر عيب، ففي
هذه الحالة يجب على الواهب ضمان العيب، حتى و لو لم يكن يعلم به و حتى و لو كانت
الهبة بغير عوض أو أي مقابل آخر و المقصود بالعيب الخفي أنه يجب أن يكون مؤثرا قديما
خفيا غير معلوم للموهوب له و تطبق عليه أحكام العيوب الموجبة للضمان في عقد البيع(1).
فمثلا في حالة ما إذا كانت الهبة بعوض أو بمقابل و ظهر بالعين عيب خفي يضمنه
الواهب، فإنه يعوض الموهوب له عن الأضرار التي لحقت به بسبب العيب، و كذلك عن
نقص قيمة العين الموهوبة، على ألا يجاوز التعويض في كل ذلك مقدار العوض أو المقابل
المشترط على الموهوب له.
فإذا كان الواهب قد تعمد إخفاء العيب في الهبة بعوض أو بمقابل، أو ضمن خلو العين
من العيوب، وجب عليه تعويض الموهوب له عن كل الخسارة التي تسبب فيها العيب و لو
جاوزت هذه الخسارة مقدار العوض أو المقابل.
كما يجوز باتفاق خاص بين المتعاقدين تعديل أحكام ضمان العيب، إذ أن الواهب
يجب عليه ضمان العيب إذ هو ضمن خلو العين الموهوبة من العيوب، فهذا اتفاق خاص من
شأنه إيجاد ضمان لم يكن واجبا عليه، و يجوز كذلك الاتفاق على تشديد هذا الضمان، بأن
يتفق المتعاقدين مثلا على أن يضمن الواهب ليس فحسب الخسارة التي سببها العيب، بل
أيضا نقص قيمة العين الموهوبة بسبب العيب.
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص164، 165.
و يجوز الاتفاق على إنقاص الضمان، كأن يتفق المتعاقدان على ألا يضمن الواهب
عيبا معينا بالذات في الهبة بعوض، فإذا ظهر هذا العيب لم يكن الواهب ملزما بتعويض
الموهوب له عنه حتى في حدود العوض,
و يجوز الاتفاق أخيرا على إسقاط الضمان، كأن يتفق المتعاقدان على ألا يضمن
الواهب أي عيب يظهر في العين الموهوبة في الهبة بعوض حتى في حدود هذا العوض،
ولكن لا يجوز الاتفاق على إسقاط الضمان و لا على إنقاصه في حالة تعمد الواهب إخفاء
العيب(1).
المطلب الثاني: التزامات الموهوب له
الفرع الأول: الالتزام بأداء العوض
يكون الالتزام بأداء العوض في هبة يشترط فيها الواهب على الموهوب له أن يلتزم
بتقديم عوض مقابل المال الموهوب، و مثال ذلك ما يستفاد من نص المادة202 ف2 ق.أ، أنه
يجوز تعليق الهبة على شرط واقف أو فاسخ يلتزم به الموهوب له، فلا تكون الهبة نافذة إلا
بتنفيذ الموهوب له هذا الشرط، و قد يكون العوض المشترط لمصلحة الواهب، أو لمصلحة
الغير، أو للمصلحة العامة، على أن يكون العوض أقل من قيمة المال الموهوب حتى يكون
الفرق بين الهبتين هبة محضة(2).
و في حالة امتناع الموهوب له عن أداء ما التزم به من عوض، فما هو الجزء الذي
يمكن أن يوقع على الموهوب له، لعدم القيام بتنفيذ التزامه؟ هل المطالبة بالتنفيذ العيني أو
القيام بطلب الفسخ؟
فبالرجوع إلى قانون الأسرة نجده سكت عن ما تقدم ذكره، و بذلك وجب تطبيق
القواعد العامة في القانون المدني باعتباره الشريعة العامة و ذلك وفقا لنص المادة 164 ق.م
(1)، (2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 166 ، 167.
و بناء على ذلك فالواهب له حق المطالبة بالتنفيذ العيني ومن بعده ورثته سوء كان العوض
مشترطا لمصلحة الواهب أو لمصلحة أجنبي أو لمصلحة عامة، لأن الهبة بعوض عقد ملزم
للجانبين يرد عليه الفسخ طبقا للقواعد المقررة في هذا الشأن و لكن يستطيع الموهوب له
الوفاء بالعوض عينا إذا كان ممكنا و للأجنبي كذلك أن يطالب بالتنفيذ وفقا لأحكام الاشتراط
لمصلحة الغير، لأنه هو المستفيد و له حق مباشر أما المصلحة العامة فيمثلها الواهب طول
حياته و هو الذي ينوب عنها في المطالبة بالتنفيذ، فإن مات تولت السلطة المختصة بذلك
ولها أن تطالب بذلك تبعا له و له كذلك حق المطالبة بفسخ الهبة وحده دون غيره، أما الأجنبي
و المصلحة العامة فليس لهما إلا المطالبة بالتنفيذ، و للواهب أن يطالب بالفسخ هو و ورثته
من بعده إذا كان العوض لمصلحة عامة، لأن الورثة سوف يؤثرون غالبا مصلحتهم في هذه
الحالة، أما إذا تمخض العوض لمصلحة أجنبي فلا يجوز للواهب المطالبة بفسخ عقد الهبة
ولا يبقى إلا التنفيذ بطلب الواهب أو الأجنبي(1).
و إذا كان العوض وفاء لديون الواهب إذ قد يشترط الواهب عوضا وفاء ديونه، فإذا
ورد الشرط في عبارة مطلقة انصرف إلى الديون التي كانت موجودة وقت الهبة لا إلى التي
وجدت بعد ذلك، و إذا كانت العين الموهوبة مثقلة بحق عيني أو رهن رسمي أو برهن
حيازي، أو بحق امتياز ضمانا لدين في ذمة الواهب، أو في ذمة شخص آخر فالمفروض أن
الواهب قد أراد من الموهوب له أن يدفع هذا الدين كعوض للهبة ما لم يوجد اتفاق على غير
ذلك فإذا وفى الموهوب له بالدين، و كان في ذمة شخص آخر غير الواهب، رجع المدين
الأصلي بما وفاه كما كان يرجع الواهب(2)
(1) د. محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق، ص 155.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 256.
الفرع الثاني: الالتزام بنفقات الهبة
الأصل أن تكون نفقات الهبة على الموهوب له و ذلك باعتبار أن لا يجمع الواهب بين
التجرد من ماله دون مقابل و بين تحمله مصروفات نقل الأموال الموهوبة و نفقات التسليم، و
ذلك تفسير للهبة في أضيق حدودها.
و لكن يجوز الاتفاق على أن تكون النفقات على الواهب، و لكن الغالب في الهبة
المحضة أن يكون الواهب قد أراد أيضا أن يتحمل هذه النفقات حتى ينقل المال الموهوب إلى
الموهوب له خلصا من كل تكليف و من أية نفقة أو مصروفات، و لذلك يجوز الاتفاق على
أن يتحمل الواهب مصروفات العقد و نفقات تسلي المال الموهوب.
و يجوز أن يستخلص هذا الاتفاق ضمنا من ظروف الهبة(1).
و يلاحظ أن قانون الأسرة لم يعالج الالتزام بنفقات الهبة و لا مصروفات نقل المال
الموهوب إلى الموهوب له.
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 176.
المبحث الثاني: الرجوع في الهبة
المطلب الأول: الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي
الفرع الأول: في الفقه الحنفي
يصح للواهب أن يرجع في هبته بعد أن يقبضها الموهوب له، و من باب أولى له
الرجوع قبل القبض لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، و إن كان الرجوع في الهبة مكروها تحريما
على الراجح أو تنزيها و إذا أسقط الواهب حقه في الرجوع ثم رجع في ذلك صح رجوعه
لأن حقه في الرجوع لا يسقط بإسقاطه(1).
و دليل الحنفية في ذلك ما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول
الله- صلى الله عله و سلم-:” الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها” و ما رواه مالك عن عمر
بن الخطاب- رضي الله عنه- قال:” من وهب هبة لصلة رحم أو على جهة صدقة فإنه لا
يرجع فيها”
و من وهب هبة أنه إنما أراد الثواب بها فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منه، و
بما روي عن عثمان و علي و عبد الله بن عمر و أبي الدوداء و فضالة بن عبيد- رضوان الله
عليهم- أنهم قالوا مثل ذلك و لم يرد عن غيرهم خلافه فيكون إجماعا.
و الرجوع في الهبة على قول أبي حنيفة و أصحابه لا يتم إلا برضا الموهوب له أو
بقضاء القاضي، و عللوا بأن في غرض الواهب خفاء إذ لا يريد ما مراده في الهبة، و لأن
جواز الرجوع مختلف فيه فكان لا جرم متوقفا على القضاء عنه عدم رضا الموهوب له و لا
يزال الشيء الموهوب يعد القبض، و بعد إعلان الواهب إرادته في الرجوع حتى يحكم
القاضي به للواهب(2).
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 303.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 288، 289.
الفرع الثاني: في الفقه المالكي
ليس للواهب حق في الرجوع لأن الهبة حق لازم لكن بعضهم يقول إنها تتم و تلزم
بمجرد العقد فلا يشترط في إتمامها القبض و هذا هو المشهور و بعضهم يقول إنها لا تتم إلا
بالقبض، فالقبض شرط في تمامها فإن لم تلزم كان للواهب حق الرجوع، إلا الأب و الأم فإن
لهما حق الرجوع في هبتهما لولدهما الحر سواء كان ذكر او أنثى صغيرا أو كبيرا غنيا أو
فقيرا بعد أن يقبضها الولد و يضع عليها يده و صيغة الرجوع أن يقول الأب رجعت فيما
وهبت أو أخذته منه أو اعتصرته( أي أخذته قهرا عنه) و بعضهم يقول لابد من أن يقول
اعتصرته، و الأولى أظهر لأن العامة لا تعرف لفظ اعتصرته و الحديث الوارد في هذا
الموضوع لا يشترط هذا اللفظ و لفظ الحديث( لا يحل لأحد أن يهب هبته ثم يعود فيها إلا
الوالد)، و لكن يشترط لصحة رجوع الأب في هبته شرطان:
o أن يريد بالهبة الصلة و العطف و الحنان على الولد لكونه محتاجا أو خملا بين
الناس أو نحو ذلك فإن أراد ذلك فإن له الرجوع.
o أن يريد بالهبة مجرد ثواب الآخرة لا ذات الولد فإن أراد ذلك كان صدقة بلفظ
الهبة فلا يصح له الرجوع. نعم إذا أراد العطف أو الصدقة و لكنه شرط الرجوع في هبته أو
صدقته متى شاء فإن له ذلك و يعمل بشرطه.
و للأم حق الرجوع في هبتها بالشرطين المذكورين في الأب مع زيادة شرط ثالث
وهو أن لها حق الرجوع بشرط أن يكون ولدها كبيرا أو صغيرا له أب. أما إذا كان الولد
يتيما وهبت له فليس لها حق الرجوع. ولها حق الرجوع مع وجود الأب سواء كان الأب أو
الابن ميسورين أو معسرين حتى و لو كان الأب مجنونا و إذا وهبت لابنها في حياة أبيه ثم
مات أبوه بعد ذلك فإن لها حق الرجوع على المختار(1).
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 302، 303.
الفرع الثالث: في الفقه الشافعي
متى تمت الهبة بالقبض بإذن الواهب أو تسليمه للشيء الموهوب فإن الهبة تلزم و لا
يصح الرجوع فيها إلا للأب و إن علا فيصبح للأب أن يرجع في هبته و مثله الجد و إن علا
و كذلك الأم و الجدة و هكذا فللوالد أن يرجع في هبته على ولده سواء كان الولد ذكرا أو أنثى
صغيرا أو كبيرا و يشترط للرجوع شروط:
o أن يكون ولدا حرا.
o أن يكون الموهوب عينا.
o أن الموهوب في سلطة الولد بحيث يتصرف فيه.
o أن لا يحجر على الولد لسفه.
o أن لا تكون العين الموهوبة مستهلكة كبيض الدجاج و البذر إذا نبت في الأرض
و لا يمنع الرجوع زراعة الأرض و إجارتها لأن العين باقية و إذا رجع الوالد لا تفسخ
الإجارة بل تبقى حالها و لا ينتفع بها والده مدة الإجارة.
o أن لا يبيع الولد العين الموهوبة.
و إذا أسقط الوالد حق الرجوع فلا يسقط و يحصل الرجوع بقوله رجعت فيما وهبت
أو استرجعته أو رددته إلى ملكي أو انقضت الهبة أو أبطلتها أو فسختها أو نحو ذلك، و لا
يحصل الرجوع ببيع الواهب العين التي وهبها و لا بوقفها و لا بهبتها و لا باحتكارها.
ويكره الرجوع من غبر سبب أما إذا كان لسبب كزجر الولد عن الإنفاق في الشهوات الفاسدة
و المعاصي فإنه لا يكره بل إذا كان الرجوع في الهبة و تجريد الولد من المال هو الطريق
الوحيد في منعه عن المعاصي فإنه يجب على الوالد أن يفعل، أما إذا كان الولد عاقا و كان
الرجوع يزيد في عقوقه فإنه يكره(1).
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 308، 309.
الفرع الرابع: في الفقه الحنبلي
جاء في المغني ما خلاصته أن للأب الرجوع فيما وهب لولده و هو ظاهر مذهب
أحمد و دليل جواز الرجوع هو الحديث المتقدم و هو لقوة سنده يخصص عموم الحديث
الوارد في النهي عن الرجوع في الهبة للمحارم و كذلك( العائد في هبته) على أن هذا الحديث
محمول على التنفير من الرجوع، و هل للأم كالأب في الرجوع في الهبة؟ ظاهر كلم الإمام
أحمد أنه ليس لها الرجوع لدخولها في قوله إلا الوالد فبما يعطي لولده فاسم الوالد بيتا و لها
ظهره، و المعتمد الأول.
و يشترط لصحة رجوع الوالد فيما وهبه لولده أربعة شروط:
o أن يظل الشيء الموهوب باقيا في ملك الموهوب له.
o أن تكون العين باقية في تصرف الولد.
o ألا يتعلق بها رغبة لغير الولد، فإن تعلق بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا
فيرغب الناس في معاملته و أدلوه و أرغبوا في زواجه فزوجوه إن كان ذكر أو تزوجت
الأنثى فعن أحمد روايتان:
1. ليس له الرجوع لأنه غر الناس بما وهبه لولده حتى وثقوا به فأقدموا على إدانته
و تزويجه فإذا رجع كان في هذا إضرار بهم، و قد قال عليه الصلاة و السلام” لا ضرر و لا
ضرار” و لأن في هذا الصنيع تحايلا على إلحاق الضرر بالناس و هو غير جائز.
2. له الرجوع لعموم الخير و لأن حق الدائن المتزوج لم يتعلق بعين هذا المال فلم يمنع
الرجوع فيه.
o ألا تزيد العين الموهوبة زيادة متصلة كالسمن و الكبر و تعلم صنعه فإن زادت
فلأحمد روايتان أحدهما لا يمنع الرجوع لأنها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة
قبل لقبض و كالزيادة المنفصلة، و الثانية تمنع لأن الزيادة للموهوب له لكونه نماء ملكه و لم
تنتقل إليه من جهة أبيه، و إذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل أيضا(1).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 295، 296.
و صفة الرجوع من الأب فيما وهبه لابنه أن يقول: رجعت في الهبة له أو ارتجعتها
أو رددتها أو عدت فيها، أو أعدتها إلى ملكي و غير ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع،
و الأكمل أن يقول: رجعت فيما وهبت لك من كذا، و لا يحتاج الرجوع إلى حكم حاكم و لا
إلى علم الولد.
و إذا أسقط الأب حقه من الرجوع فإنه لا يسقط، و بعضهم يقول إنه يسقط(1).
المطلب الثاني: الرجوع في الهبة و آثاره في القانون الجزائري
الفرع الأول: الرجوع في الهبة في القانون الجزائري
بالرجوع إلى التشريع الجزائري نجد أن قانون الأسرة ينص على أن الأصل في الهبة
أنها عقد ملزم بمجرد القول على المشهور، فلا يجوز الرجوع فيها بإرادة الواهب المنفردة إلا
استثناء، في حدود ما أوردته المادة211 ق.أ:” للأبوين حق الرجوع في الهبة لولدهما مهما
كانت سنه إلا في الحالات التالية:
1) إذا كانت الهبة من أجل زواج الموهوب له.
2) إذا كانت الهبة لضمان قرض أو قضاء دين.
3) إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيع، أو تبرع أو ضاع منه أو أدخل
عليه ما غير طبيعته”.
و جاءت المادة 212 ق.أ التي نصت على:” الهبة بقصد المنفعة العامة لا رجوع
فيها” بمنع الرجوع في الهبة إذا كانت بقصد المنفعة العامة تأكيدا للزوم عقد الهبة و لمبدأ
عدم الرجوع في الهبة في غير الحالات المستثناة و هذا المبدأ جاء إقرارا و جريا على مبدأ
عدم الرجوع عند جمهور الفقهاء وهم: المالكية، الشافعية و الحنابلة ما عدا الحنفية فالجمهور
يرى المنع، أما الحنفية فالأصل عندهم الحق للواهب في الرجوع في هبته فهي عقد غير لازم
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 310.
و يستندون في ذلك إلى حديث رسول الله- صلى الله عليه و سلم-:” الواهب أحق بهبته ما لم
يثب عنها”.
إن ما جاءت به المادة 212 ق.أ من أن الهبة بقصد المنفعة العامة لا رجوع فيها فالذي
تعنيه هذه المادة هو عدم جواز الرجوع بإرادة الواهب المنفردة، لكنها لا تمنع من طلب
الفسخ قضاء إذا كان الواهب قد اشترط على الموهوب له القيام بعمل للمنفعة العامة و لم ينفذ
هذا الشرط، و في هذه الحالة نكون أمام هبة بعوض، تقبل الفسخ لعدم أداء العوض المشترط،
كأن يهب شخص مبلغا من المال لجمعية خيرية لإقامة مستشفى، فعدم قيام الجمعية الموهوب
لها بتنفيذ شرط الواهب، يبرز طلب حق الفسخ و تقدير الفسخ أو عدم الفسخ يرجع إلى سلطة
القاضي حسب القواعد العامة، و لا معقب على حكمه من قبل المحكمة العليا(1).
الفرع الثاني: الآثار المترتبة على الرجوع في الهبة في ق الجزائري
يترتب على الرجوع في الهبة البطلان، و اعتبارها كأن لم تكن و لكن على أي نص
نعتمد؟ بالنسبة للتشريع الجزائري نجده لم يعالج في قانون الأسرة الآثار التي تترتب على
الرجوع في الهبة.
و قد يكون السبب في ذلك هو المنع أصلا من الرجوع في الهبة، و قصر حق الرجوع
فيها على الأبوين دون غيرهما، و بذلك لم يتعرض المشرع الجزائري
للرجوع في الهبة بنص خاص، سواء أكان ذلك بالتراضي أم بالتقاضي أو سواء فيما يخص
المتعاقدين أو بالنسبة للغير.
(1) أ. عبد الفتاح تقية، المرجع السابق، ص 117 ، 118.
و بناء عليه يترتب على الرجوع في الهبة اعتبار الهبة كأن لم تكن، و يجب على الولد
أن يرجع الشيء الموهوب عقارا كان أو منقولا جبرا عليه و من دون حكم قضائي، و السبب
في أن أثر الرجوع فيما بين المتعاقدين و بالنسبة للغير لا يأتي في التشريع الجزائري باعتبار
أن الولد الموهوب له إذا تصرف في الشيء الموهوب فوت على أبيه حق الاعتصار و أصبح
مانعا من موانعه، و لكن قد يمتنع الولد أو ولد الولد عن إرجاع الأموال الموهوبة إلى الأب
أو الأم، فيقتضي الأمر الرجوع إلى القضاء لإرغامه قهرا على إعادة الأموال إلى الواهب
أو الواهبة و ذلك عن طريق القيام بإجراءات التقاضي وفقا للقواعد العامة السارية في هذا
الشأن(1).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 297.
المبحث الثالث: موانع الرجوع في الهبة
المطلب الأول: موانع الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي
الفرع الأول: في الفقه الحنفي
يبطل حق الرجوع في الهبة بسبعة أمور:
1) أن يزبد الموهوب له في العين زيادة متصلة بها كما إذا وهب له نعجة عجفاء فعلفها
حتى سمنت فليس للواهب أن يرجع في هذه الحالة حتى و لو عادة عجفاء كما كانت، كذلك ما
إذا أهدى له حيوانا صغيرا فكبر عنده، أو أهداه رقيقا جاهلا فعلمه أو ثوبا أبيض فصبغه أو
أخاطه.
2) موت أحد العاقدين بعد القبض فإذا وهب شخص داره لأخيه ثم مات الموهوب له فلا
حق للواهب في الرجوع و كذا إذا مات الواهب فلا حق لورثته.
3) العوض: فإذا وهب له دارا يشرط أن يعطيه عوضا فإنه يصح وضع الرجوع.
4) يشترط في الخروج عن الملك أن يكون تاما من كل وجه بقى له به اختصاص فإن
الرجوع لا يسقط و مثال ذلك إذا وهب له شاة فضحى بها و صارت لحما فإن له أن يرجع و
يأخذ اللحم فإنه في هذه الحالة لم يخرج عن ملكه بالكلية.
5) الزوجية: فإذا وهب الزوج لزوجته شيئا فإنه لا يصح له الرجوع فيه.
6) القرابة: فلو وهب لذي رحم منه و لو كان ذميا أو مستأمنا فإنه لا يصح له الرجوع،
فإذا وهب لأبيه أو ابن أو أخيه أو عمه أو غير ذلك من محارمه بالنسب فإن حقه في الرجوع
يسقط.
7) هلاك العين الموهوبة: و ذلك ظاهر فإذا ادعى الموهوب له الهلاك صدق بدون
حلف. و إذا قال الواهب إن العين باقية و هي هذه و أنكر الموهوب له حلف المنكر أنها ليست
هذه و لا يصح الرجوع إلا بتراضيهما، أو بحكم الحاكم و إذا رجع بالرضا أو القضاء، كان
ذلك فسخا لعقد الهبة من الأصل و إعادة لملكه القديم لا هبة للواهب، فلهذا لا يشترط فيه
قبض الواهب و لو كان هبة جديدة لا يشترط فيها القبض(1).
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 304 ، 305.
الفرع الثاني: في الفقه المالكي
يسقط حق الوالدين في الرجوع في الهبة إذا وجدت أحد الموانع الآتية:
أن يزيد الشيء الموهوب أو أن ينقص في ذاته كأن يكبر الصغير و يسمن الهزيل أو
يهزل السمين، أما إذا تغيرت قيمة الشيء الموهوب لتغير الأسواق فذلك لا يمنع الرجوع
على المشهور.
ألا يتداين الابن، ذلك أن الناس يقصدون بالهبة الولد أو تزوجه بسبب الهبة لكونه
أصبح لها موسرا.
أن يمرض الولد الموهوب له مرض الموت، و ذلك لتعلق حق ورثته بالهبة فيمنع
الرجوع فيها، و كذلك الحكم إذا مرض الواهب هذا المرض فإن مرضه هذا يمنعه من
اعتصار ما وهبه لولده، لأن الاعتصار قد يكون لصالح غيره من الورثة، و هذا لا يجوز،
وإذا زال النكاح أو الدين فلا اعتصار و ذلك لأن المرض لم يعامله الناس عليه بخلاف النكاح
و الدين.
أن تفوت الهبة عند الموهوب له بما يخرجها من ملكه من بيع أو هبة و نحو ذلك، أو
يصنع فيها ما يغيرها كجعل الدنانير حليا(1).
الفرع الثالث: في الفقه الشافعي
الشافعي من حيث المبدأ يمنع الرجوع في الهبة، فقد جاء في هذا المذهب: إن وهب
لغير الولد أو ولد الولد شيئا و أقبضه لم يملك الرجوع فيه لما روي عن ابن عباس- رضي
الله عنه- رفعناه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-:” لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع
فيها إلا الوالد فيما أعطى لولده”(2).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 287.
(2) نفس المرجع، ص 294.
و لا يجوز للوالدين و إن علو الرجوع في الهبة لولدهما إلا في الحالات التالية:
أن يكون الولد رقيقا لأن الهبة للرقيق هبة لسيده و هو أجنبي لا رجوع عليه.
أن يكون الموهوب دينا للوالد على الولد فوهبه الوالد له فإنه لا يصح الرجوع فيها.
إذا انقطعت سلطة الولد على الموهوب كما إذا وهب العين الموهوبة له لغيره
و قبضها الغير فإنه في هذه الحالة تنقطع سلطته و ملكه فليس لوالده الرجوع، و مثل ذلك ما
إذا رهن العين الموهوبة و قبضها المرتهن فإنه في هذه الحالة لا حق للوالد في الرجوع،
و ذلك لأن الولد لا سلطة له على العين حين إذن كان ملكه باقيا.
إن حجر على الولد لسفه امتنع الرجوع.
إذا كانت العين الموهوبة مستهلكة كبيض الدجاج و البذر إذا نبت في الأرض فلا
رجوع فيها.
إذا باع الولد العين الموهوبة امتنع على الوالد الرجوع في هبته و مثال ذلك الوقف
و نحوه من كل ما يزيل السلطة فإذا عاد ملكه بعد بيعه لم يعد الرجوع.
إذا زادة العين الموهوبة زيادة منفصلة كأن ولدت الدابة الموهوبة أو أثمر البستان
فإن الزيادة المنفصلة تكون للولد لأنها حدثت و هي في ملكه، فللأب الرجوع في الأصل
دون الزيادة التي حدثت(1).
الفرع الرابع: في الفقه الحنبلي
الأصل إذا قبض الموهوب له الهبة فلا حق للواهب في الرجوع إلا إذا كان أبا فقط
و استثناء يمنع الأب في الرجوع في هبته لولده إلا في الحالات التالية:
إذا خرج الشيء الموهوب عن ملك الولد بأي سبب كان بيعا أو هبة أو وقفا أو إرثا
أو غير ذلك، لم يكن له الرجوع فيما وهب، لأنه إبطال لملك غير الموهوب له، و إن عاد
إليه بسبب جديد كبيع أو هبة أو وصية أو إرث أو نحو ذلك لم يملك الرجوع لأنه عاد بملك
جديد لم يستفده من قبل أبيه.
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 308 ، 309.
إذا رهن الولد العين الموهبة أو أفلس أو حجر عليه لم يملك الأب الرجوع فيها لأن
في ذلك إبطالا لحق غير الولد(1).
إذا كانت الهبة دينا أو منفعة فلا يحق للأب الرجوع فيها لأن هبة الدين إسقاطا لا
تمليك حتى يملك الأب نقل الملك إليه. و كذلك ليس له الرجوع في إباحة منفعة بعد
استيفائها، فإذا أباح الأب لابنه سكنى دار سنة مثلا و سكن الولد بالفعل كل هذه المدة فليس
لوالده أن يرجع في ملك المدة التي سكنها.
إذا زادة العين الموهوبة عند الولد زيادة متصلة ترفع قيمتها كالسمن و الكبر و الحمل
فلا رجوع فيها(2).
المطلب الثاني: موانع الرجوع في الهبة في القانون الجزائري
يستفاد من المادة211 ق.أ أن للأبوين حق الرجوع في الهبة التي يهبانها لولديهما مهما
كانت سنه صغيرة أو كبيرة، بالغ أو غير بالغ، إلا أن نص المادة قيد حق رجوع الأبوين في
الحالات الثلاث الآتية:
الحالة الأولى: إذا وهب الأب من أجل زواج ابنه الموهوب له، فليس له حق الرجوع
في هبته و لو لم يتزوج الولد في الوقت المطلوب ما دام المقصود الزواج الذي هو المطلوب
شرعا من الموهوب له أن يقوم به.
الحالة الثانية: إذا وهب الأب لابنه ما لا يقصد به ضمان قرض أو قضاء دين، فليس
له الرجوع في هبته ما دام الدين لم يسدد بها، و أصبح المال الموهوب ضامنا للدين،
والواهب بمثابة كفيل الضامن ما دام قد التزم بإرادته المنفردة بقصد ضمان الدين أو قضائه،
و هذا ما نصت عليه المادة 211 ف2 ق.أ.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 296.
(2) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 310.
الحالة الثالثة: التي قيد حق رجوع الواهب فيها هي ما نصت عليه المادة 211 ف3
ق.أ، فإذا تصرف الموهوب له بيع الشيء الموهوب أو تبرع به فإن هذا يمنع الواهب من
استعمال حقه في الرجوع ، لأن المال خرج من تحت يد الموهوب له بالبيع أو بالتبرع،
و النص في هذه الحالة لا يخول له حق الرجوع، كما أن ضياع الشيء الموهوب من
الموهوب له أو هلاكه يمنع الواهب من الحق في الرجوع في هبته.
و أخيرا إذا قام الموهوب له بإدخال تعديلات على الشيء الموهوب بالزيادة
أو بالنقصان إن كان أرضا عارية و بناها بناء غير من طبيعتها أو أصبحت أرصا مشجرة
صرف عليها أموالا باهظة فأحياها و أوجد بها تشجيرا و أجرى بها الماء، كل ذلك إذا غير
من طبيعتها فهذا الأمر هو الآخر يمنع الواهب من حق الرجوع في هبته و يحرمه من
استعمال هذا الحق بمقتضى نص الفقرة3 من المادة211 ق.أ.
و يلاحظ أن الحالات التي وردة في هذه المادة جاءت على سبيل المثال لا الحصر(1).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 259 ، 260.
المبحث الرابع: موازنة أحكام الهبة بين الشريعة و القانون
تكلم المشرع الجزائري في نصوص قانون الأسرة عن التزامات الواهب إلا فيما
يخص الالتزام بضمان العيوب الخفية، فقد أحال بموجب المادة222 ق.أ أحكامه على الفقه
الإسلامي، و وفقا لهذا الأخير يكون الأصل أن الواهب لا يضمن العيوب الخفية، غير أنه في
حالة الهبة بعوض تطبق عليها أحكام البيع وفقا للمذهب المالكي الذي جرى العمل به و أخذ
قانون الأسرة أغلب أحكامه منه.
و قد اتفق المشرع الجزائري مع الفقه الإسلامي فيما يخص التزام الموهوب له بتقديم
العوض، حيث أن الهبة لا تنتقل إلى حيازة الموهوب له إلا إذا قام بتنفيذ ما اشترطه الواهب
على أن لا يكون هذا الشرط مخالفا لأصول الشرع و النظام العام و الآداب العامة.
و فيما يخص الرجوع في الهبة فقد تماشى المشرع الجزائري بموجب المادة211 ق.أ
مع فقهاء المالكية الذين منحوا حق الرجوع في الهبة للأبوين في هبتهما لولدهما دون غيرهما
إلا في حالات استثنائية و كذلك الشافعية و الحنابلة غير أن الشافعية قالوا: أن حق الرجوع
في الهبة للأبوين و إن علو، أما الحنابلة فجعلوها حكرا على الأب وحده دون غيره، خلافا
للحنفية الذين أعطوا حقا مطلقا للواهب بغض النظر عن صفته في الرجوع في هبته حتى
و لو كانت العين الموهوبة في حيازة الموهوب له.
و المشرع الجزائري بنص المادة 212 ق.أ ساير جمهور الفقهاء و هم المالكية
و الشافعية و الحنبلية بمنعه الرجوع في الهبة إذا كانت بقصد المنفعة العامة، و خالفهم
الحنفية إذ الأصل عندهم الحق لواهب في الرجوع في هبته فهي عقد غير لازم و يستندون
في ذلك إلى حديث الرسول- صلى الله عليه و سلم-:” الواهب أحقه بهبته ما لم يثب”.
كما أن المشرع الجزائري أغفل ذكر آثار الرجوع في الهبة و لم ينص عليها ذلك أنه
يمنع الرجوع فيها أصلا، و جعل الرجوع فيها حكرا على الأبوين دون غيرهما، و اكتفى
باشتراط الرسمية و العينية و كان ينبغي له أن ينص على تلك الآثار، و لعل في إغفاله حكمة
يتوخاها من دلك و نجهلها نحن.
الخاتمة :
من خلال دراستنا للهبة في كل من التشريع الجزائري المتمثل في قانون الأسرة
و بعض نصوص القانون المدني و الفقه الإسلامي المتمثل في المذاهب الأربعة: الحنفية
و المالكية و الشافعية و الحنبلية.
تبين لنا أن الهبة من العقود التي لها أهميتها و مكانتها سواء في الفقه الوضعي أو في
الفقه الشرعي، فقد أوردها المشرع الجزائري في الكتاب الرابع من قانون الأسرة تحت
عنوان التبرعات، أما المذاهب الأربعة السالفة الذكر فقد أوردوها في باب خاص بها في
كتاب المعاملات.
و الهبة لا يعتد بها إلا إذا توافرت فيها أركانها و الشروط الواجب توافرها في كل من
الواهب و الموهوب له و العين الموهوبة، لأنها من التصرفات الخطيرة التي تمس بالمراكز
المالية للأفراد حيث ينتج عنها اغتناء في جانب الموهوب له و في المقابل افتقار في جانب
الواهب، كما أن الهبة ذات صلة عضوية بالأسرة إذ لها إيجابيات تتمثل في تقوية الروابط
الأسرية بالمحبة و المودة و مساعدة أفراد الأسرة لبعضهم البعض، أما سلبياتها فتكون عندما
يستعملها الواهب كوسيلة لحرمان لورثة من ميراثهم.
و المشرع الجزائري أخذ أحكام الهبة كلها من الشريعة الإسلامية الغراء و خاصة من
الفقه المالكي باعتباره المذهب المتبع في منطقة المغرب العربي و خاصة في الجزائر، إلا
أنه فيما يتعلق بتعريف الهبة و من خلال نص المادة206 ق.أ:” …… بإيجاب و قبول…..”
فقد أبرز المشرع أن الهبة يعقد يتم في حال حياة كل من الواهب و الموهوب له متماشيا في
ذلك مع المذهبين الشافعي و الحنبلي عكس المذهب المالكي الذي لم يتطرق إلى ذلك.
و نتيجة لاتساع المجتمع و كثرة المعاملات و تنوعها بين أفراده، فرض المشرع
أحكام متعلقة بالهبة لم يتطرق إليها الفقهاء المسلمون سابقا و المتمثلة في الرسمية في هبة
العقار و ذلك بالتوثيق و الشهر العقاري، و الإجراءات الخاصة في هبة المنقول، ضمانا
للحقوق و ضبطا للمعاملات القائمة بين أفراد المجتمع.
و قد أقرت المادة222 ق.أ أنه في حالة انعدام الحكم في القانون يمكن تطبيق أحكام
الشريعة الإسلامية.
و بإدماج المشرع عقد الهبة ضمن طائفة الأحوال الشخصية في قانون الأسرة ترتبت
عليه آثار من ناحية القانون الدولي الخاص، حيث أنه يطبق قانون جنسية الواهب عند وجود
عنصر أجنبي في العقد أي أن يكون كل من الواهب و الموهوب له مختلفين في الجنسية.
و بهذا الجهد المتواضع نتمنى أن نكون قد أسهمنا و لو بقدر يسير في تبيان أهمية
الهبة الواردة في قانون الأسرة، و نرجو من الله أن نكون قد وفقنا، فإن كان ذلك فمن الله
و بعونه و إن أخطأنا فنرجو من الله أن يهدينا سواء السبيل، و به التوفيق فنعم المولى و نعم
النصير.
فاللهم اجعل أحسن أعمالنا خواتمها و اجعلنا ممن استقامت عندهم الحجج فيما أتممناه
من عمل دون تضارب أو حرج.
من الله التوفيق و نور الطريق.
بحث قانوني كبير عن الهبة و شروطها و أركانها و انواعها