بحث قانوني كبير حول الاعتماد المستندي

إعداد المحامية : نور رمضان
عام 2012

المقدمة :

كانت التجارة و لا تزال تشكل عصب الحياة. فمنذ القدم و قبل ظهور العملة كانت العمليلت التجارية تتم عن طريق المبادلة أو المقايضة السلع و البضائع بعضها ببعض. لذلك ، فقد كانت تتسم بكثير من الصعوبة و البطء إجراءاتها نظراً لبدائية وسائل النقل في ذلك الوقت، على عكس ما تقتضيه تلك العمليات من سرعة في التعامل.
من هنا كانت غالبية العمليات تتم على الصعيد المحلي نظراً لإمكانية تواصل الأطراف و لوجود نوع من الثقة في التعامل، مما جعل جزءاً كبيراً من التجارة مرتبط بأشخاص التجار و ذلك ناتج عن عدم إمكانية الفصل بين المنتج و أدوات الانتاج.
و قد استمر الوضع على هذا الحال حتى قيام الثورة الصناعية التي حملت معها نهضة كبيرة في مختلف الميادين و المجالات. و هذا التطور أدى إلى ظهور ما يعرف بالعقود التجارة الدولية و التي تجري عن بعد بين أطراف دون معرفة مسبقة فيما بينهم. مما خلق مشكلة أمام المصدرين الأمريكيين و هي كيفية ضمان حقوقهم من المستوردين الذين لا تربطهم بهم لا معرفة و لا علاقة سابقة.

إن هذه الضمانات مهمة جداً على صعيد التجارة الدولية، لأن كل طرف لا يعرف الطرف الآخر أو يعرف ملاءته و أمانته التجارية، مما يعني أنه لابد من إيجاد الوسيلة الكفيلة للتأكد من جديته في التعامل.
و نظراَ لعدم وجود معرفة مسبقة بين طرفي العقد، كان لابد من وجود طرف ثالث يضمن للبائع حصوله على الثمن و يضمن للمشتري استلامه البضائع، فكان الطرف الثالث هو المصرف الذي يقوم بدور الوسيط في تسوية العمليات التجارية بين الأطراف.

مشكلة البحث :

و سنتناول في بحثنا هذا الاعتماد المستندي ماهيته (المبحث الأول). و من ثم نستعرض أثار القانونية الناشئة عنه (المبحث الثاني) بما يرتبه من التزاماتعلى عاتق أطرافه البائع و المشتري من جهة و العلاقة بين المصرف و العميل من جهة أخرى.

مخطط البحث

المقدمة :
المبحث الأول : ماهية الاعتماد المستندي
المطلب الأول: تعريفه و أطرافه
المطلب الثاني: الطبيعته القانونية
المبحث الثاني: الآثار القانونية الناشئة عن الاعتماد المستندي
المطلب الأول: علاقة المصرف فاتح الاعتماد بالمشتري
المطلب الثاني: علاقة المصرف فاتح الاعتماد بالبائع
الخاتمة.
======================

المبحث الأول : ماهية الاعتماد المستندي

نشأ الاعتماد المستندي تلبية لحاجات التجارة الدولية منذ الحرب العالمية الأولى ، ثم أخذ بالتطور مع قيام غرفة التجارة الدولية (CCI) بوضع قواعد و أعراف دولية موحدة للاعتماد المستندي للحد من المشاكل التي يثيرها اختلاف الأعراف و العادات بين الدول.
يمثل الاعتماد المستندي خدمة مصرفية تسمح بترتيب آثار قانونية معينة تربط بين العميل (المشتري) و المستفيد (البائع) على نحو يرتضيه الطرفان حيث يتواجد العميل في بلد معين في حين يتواجد المستفيد في بلد آخر و يخشى كل منهما عدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ التزاماته. لذا فإن تدخل أحد المصارف لتسهيل تنفيذ تلك التزامات يحقق الأمان اللازم لكلي الطرفين و يحول دون إثارة أي نزاع فيما بينهما. نتيجة لذلك ، يعتبر الاعتماد المستندي في الوقت الحاضر الوسيلة الأنجع لتسوية عمليات التبادل التجاري نظرأ للضمانت التي يمنحها لأطرافها. لذلك فهو يلعب دوراً مهماً جداً في زيادة العمليات التجارية و تطورها على الصعيد الدولي.
فما هو الاعتماد المستندي ؟ و من هم أطرافه ؟ و ما هي طبيعة الالتزام المصرفي ؟ و ما مدى إلزامية القواعد و الأعراف الموحدة ؟
سنحاول الإيجابة عن هذه التساؤلات في مطلبين، المطلب الأول تحت عنوان تعريف الاعتماد المستندي و خصائصه ، و المطلب الثاني الطبيعته القانونية .

المطلب الأول: تعريف الاعتماد المستندي و أطرافه

أولاً: تعريف الاعتماد المستندي :

اتجه الفقهاء إلى وضع تعريف له، فعرفه البعض بأنه : (( الاعتماد الذي يفتح البنك بناء على طلب شخص يسمى الآمر أياً كانت طريقة تنفيذه أي سواء كان بقبول الكمبيالة أو بخصمها أو بدفع مبلغ لصالح عميل لهذا الآمر و مضمون بحيازة المستندات الممثلة لبضاعة في الطريق أو معدة للارسال)).
و في رأي فقهي آخر فإنه (( تعهد صادر عن البنك بناء على طلب العميل و يسمى الآمر أو معطي الآمر لصالح الغير المصدر و يسمى المستفيد يلتزم المصرف بمقتضاه بدفع أو قبول الكمبيالات مسحوبة عليه من هذا المستفيد و ذلك بشروط معينة واردة في هذا التعهد مضمون برهن حيازي على المستندات الممثلة للبضاعة )).
أما القواعد و الأعراف الدولية الموحدة للاعتماد المستندي نشرة 600 لعام 2007 الصادرة عن غرفة التجارة الدولية فقد نصت في المادة 2 منها على :
((الاعتماد : يعني أي ترتيب ، مهما كان اسمه أو وصفه، و يكون غير قابل للنقض و بالتالي يشكل تعهد محدد من المصرف المصدر للوفاء بتقديم مطابق)).

ثانياً : أطراف الاعتماد المستندي

من خلال التعريفات التي ذكرناها فإن أطراف الاعتماد المستندي هم في الأساس ثلاثة :

أ‌- المشتري العميل الآمر أو المستورد :
هو الطرف الذي يطلب من الصرف أن يفتح اعتماداً لمصلحة البائع المستفيد أو المصدر و ذلك تنفيذاً لعقد البيع السابق على الطلب فتح الاعتماد، و للمصرف الحرية في قبول فتح الاعتماد أو عدمه فهو غير ملزم بذلك و لكن عند موافقته يلتزم بتعليمات المشتري و لاسيما فيما يتعلق بالمستندات.

ب‌- المصرف المنشئ أو فاتح للاعتماد :
هو الذي يقوم بفتح الاعتماد لمصلحة المستفيد البائع بناءً على طلب العميل المشتري متعهداً بالدفع أو القبول أو التداول للسحوبات المسحوبة عليه، و ذلك ضمن الشروط المنصوص عنها في خطاب الاعتماد ، و هو ملزم تجاه المشتريث بفحص المستندات فحصاً دقيقاً للتثبت من صحتها و من ثم تسليمها له ليسترد ما دفعه مضافاً إليه العمولات.

ج- المستفيد البائع أو المصدر :
هو الطرف الذي صدر الاعتماد لمصلحته بناء على اتفاق السابق مع المشتري و الذي يقوم لدى تبلغه خطاب الاعتماد بإرسال المستندات المطلوبة إلى المصرف فاتح الاعتماد لقبض مبلغ الاعتماد بإرسال المستندات المطلوبة إلى مصرف فاتح الاعتماد لقبض مبلغ الاعتماد منه أو لسحب الكمبيالة عليه.

غير أنه نظراً لأن المصرف فاتح الاعتماد يكون عادةً في بلد المشتري فإن المستفيد و لضمان حقوقه يطلب تدخل مصرف وسيط في بلده يسمى المصرف المراسل و هذا الأخير إما يقتصر دوره على تبليغه خطاب الاعتماد دون أي التزام تجاهه و يسمى عندئذ المصرف المبلغ Banque notificatrice و بالتالي يبقى المصرف المصدر للاعتماد هو الملتزم الوحيد تجاه المستفيد، و إما أن يقوم بتأييد الاعتماد أو تعزيزه و يسمى عندئذ Banque confirmatrice و في هذخ الحالة يصبح ملتزماً نهائياً و مباشرةً تجاه المستفيد، كما المصرف المصدر للاعتماد مما يعطي المستفيد ضماناً إضافياً نتيجة لالتزام مصرفين تجاهه.
بالتالي من خلال وصف عملية الاعتماد المستندي يتبين بأنها تحتوي على عقدين مختلفين :

الأول : بين المشتري العميل الآمر و المصرف فاتح الاعتماد و البائع المستفيد.
الثاني : بين المصرف فاتح الاعتماد و البائع المستفيد.

على ذلك ، يمكن القول إن الاعتماد المستندي يمثل خدمة مصرفية تسمح بترتيب آثار قانونية معينة تربط بين المشتري و البائع على نحو يرتضيه الطرفان.

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للاعتماد المستندي

أولاً : استقلالية الاعتماد الاعتماد المستندي

إذا كان الاعتماد المستندي يأتي تسهيلاً لعمليات التبادل التجاري الدولي و لضمان تنفيذ البيوع الدولية، فالسؤال الذي يطرح يتعلق بمدى استقلالية عقد الاعتماد المستندي عن عقد البيع .
أجابت المادة 4 من النشرة 600 بقولها :
((أ- الاعتماد بطبيعته عملية مستقلة عن عقد البيع أو غيره من العقود التي قد يستند إليها المصارف بأي حال غير معينة أو ملزمة بمثل ذلك العقد حتى لو تضمن الاعتماد أي إشارة بأي شكل إلى ذلك العقد . و بناءً عليه ، فإن تعهد المصرف بالوفاء أو بالتداول أو بأداء أي التزام آخر بموجب الاعتماد لا يكون خاضعاً لأي إدعاءات أو حجج من طالب الإصدار ناتجة عن علاقاته بالمصرف المصدر أو المستفيد.
ب- يجب على المصرف المصدر أن لا يشجع أي محاولة من قبل طالب الإصدار بأن يضمن ، كجزء مكمل، للاعتماد نسخاً من العقد التحتي أو عن الفاتورة المبدئية أو أي شيء مماثل)).

ثانياً: طبيعة التزام المصرفي

لعل أبرز ما يميز التزام المصرف اتجاه المستفيد في الاعتماد المستندي هو استقلاله عن علاقة العميل بالمستفيد من جهة و عن علاقة المصرف بالعميل من جهة ثانية و هذه الاستقلالية الناتجة عن عقد فتح الاعتماد أثارت خلافاً حول طبيعتها القانونية.
لذلك انقسمت الآراء حول تحديد هذه الطبيعة و ظهرت عدة نظريات تحاول وصف عملية فتح الاعتماد المستندي و من هذه النظريات :

نظرية الإرادة المنفردة ، حيث ذهب البعض إلى اعتبار التزام المصرف اتجاه المستفيد ناتجعن التزام بإرادة منفردة . ذلك لأن المصرف يلتزمخ تجاه المستفيد مباشرة و نهائياً و يكون التزامه مجرداً . كما أن التزامه تجاه المشتري عندما يفتح له الاعتماد يكون مبنياً على الثقة بشخصه و التي تسمح له بالاطمئنان إلى أنه لن يخل بإلتزاماته تجاهه و في ذلك تشجيع لازدهار التجارة يعود بالنغع على العميل و المصرف معاً.

ثالثاً : الاعتماد المستندي و غيره من العقود المشابهة

يعرف خطاب الضمان بأنه تعهد نهائي يصدر من البنك بناء لطلب عميله (الآمر) بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد من البنك خىل مدة محددة و دون توقف على شرط آخر.
و يشبه خطاب الضمان الاعتماد المستندي من ناحية استقلال التزام البنك عن عقد البيع أو غيره من العقود و أيضاً استقلاله عن عقد فتح الاعتماد . و يتشابهان بأن تعهد البنك ينشأ من تاريخ استلام البائع المستفيد لخطاب الضمان أو لخطاب الاعتماد .
غير أنه بالرغم من هذا الشبه إلا أن خطاب الاعتماد يختلف عن الاعتماد المستندي بأن المصرف في خطاب الاعتماد يكون بمثابة كفيل لصالح العميل تجاه المستفيد فيكون حصول هذا الأخير على خطاب الضمان بديلاً عن الوفاء بمبلغ من النقود.
كما أنه في حال حلول الأجل خطاب الضمان دون أن يطالب المستفيد المصرف بالوفاء يسقط حقه دون حاجة إلى إخطار أو اتخاذ أي إجراء آخر . أضف إلى ذلك ، فإن البنك في خطاب الضمان لا يقوم بتنفيذ التزاماته إلا بناء على طلب صادر من المستفيد و لا يتدخل إلا إذا تم تقديم مثل هذا الطلب له. و بالتالي فاستخدام خطاب الضمان متوقف على محض إرادة و تقدير المستفيد. أما الاعتماد المستندي فهو وسيلة للوفاء فالأمر يتعلق بالنسبة للبائع المستفيد بضمان الوفاء له بالثمن و البنك ملتزم بصفة أولية و أساسية بهذا الوفاء له بالثمن و البنك ملتزم بصفة أولية و أساسية بهذا الوفاء بمجرد تسلمه المستندات المطلوبة.

المبحث الثاني: الآثار القانونية الناشئة عن الاعتماد المستندي

بعد استعراضنا في المبحث الأول ماهية الاعتماد المستندي من حيث تعريفه، أطرافه ، و طبيعته القانونية .
و سنحاول في هذا المبحث دراسة الآثار القانونية الناشئة عن الاعتماد المستندي من خلال :
المطلب الأول: علاقة المصرف فاتح الاعتماد بالمشتري
المطلب الثاني: علاقة المصرف فاتح الاعتماد بالبائع

المطلب الأول: علاقة المصرف فاتح الاعتماد بالمشتري

إن الاتفاق المعقود بين المشتري و البائع يفرض على الأول أن يفتح اعتماداً مستندياً، لدى أحد المصارف ، لمصلحة الأخير مما يؤدي إلى نشوء علاقة جديدة ناتجة عن عقد فتح الاعتماد المستندي بين المشتري (العميل الآمر) و المصرف (فاتح الاعتماد) و هذه العلاقة مستقلة تماماً عن عقد البيع الجاري بين العميل الآمر و المستفيد (المادة 4 من القواعد و الأعراف الدولية الموحدة ).
إن الاتفاق بين المشتري و المصرف على فتح اعتماد مستندي لمصلحة البائع يفرض على كل منهما موجبات متقابلة :

أولاً : التزامات المصرف تجاه العميل

المبدأ ، أن الإرادة حرة في أن تتعاقد من عدمه مما يجعل المصرفحراً في قبوله إصدار اعتماد مستندي لمصلحة البائع أو رفضه ذلك، و لكنه ملزم في حال التزامه سابقاً تجاه العميل الآمر (المشتري). و لكن متى تم الاتفاق بينهما يترتب على المصرف الالتزامت التالية :

1- تنفيذ الاعتماد :
 فتح الاعتماد : يتميز التزام المصرف بصفة جوهرية و هي التزامه بتعليمات الآمر حرفياً و بفتح الاعتماد بناءً للشروط الموضوعة من قبل الآمر فلا يجوز له أن يضيف شروطاً في فتح الاعتماد من تلقاء نفسه باعتبار أن له أو لعميله مصلحة في ذلك لأن الخطاب الاعتماد مستقل عن مصلحة المصرف و مصلحة العميل المشتري.
 تبليغ الاعتماد : بعد أن يقوم المصرف بفتح الاعتماد فإنه ملزم بتبليغ الخطاب إلى المستفيد و هو يقوم بذلك من تلقاء نفسه. غير أنه غالباً ما يكلف مصرفاً آخر يكون فرعاً له أو مصرف يتعامل معه في بلد المستفيد ليقوم بتبليغ خطاب الاعتماد الذي يقوم بتبليغه
(م 9 من القواعد و الأعراف).
و بالتالي ، فإن المصرف المبلغ تقتصر مهمته على تبليغ الاعتماد للمستفيد من دون أن يكون مسؤولاً عن تنفيذه .
و لكن عدم مسؤولية المصرف المبلغ تتوقف على تقيده بتعليمات المصرف فاتح الاعتماد فلا يحق له إضافة أي شرط أو بند على خطاب الاعتماد المطلوب منه تبليغه و إلا كان مسؤولاً عن أعماله.
و بالتالي ، فإن المصرف فاتح الاعتماد إما يبلغ خطاب الاعتماد إلى المستفيد مباشرة بنفسه و إما بواسطة أحد المصارف.

2- تدقيق المستندات و مطابقتها :
 معيار الفحص : تنص 14 من القواعد و الأعراف الدولية على أنه :
((د- بيانات في مستند ما، عندما تُقرأ في سياق الاعتماد، ومع المستند نفسه و مع المعيار الدولي للأصول المصرفية لا يتوجب أن تكون متماثلة تماماً و لكن يجب أن لا تتعارض مع البيانات في ذلك المستند أو في أي مستند مطلوب آخر أو مع الاعتماد )(.
التزام المصرف يكون التزاماً بتحقيق نتيجة من جراء فحصه للمستندات و مطابقتها لتعليمات المشتري. و لكن على العكس من ذلك فإن التزامه يكون ببذل عناية عند تحققه من سلامة المسندات و خلوها من التزوير فيكون غير مسؤول إذا كانت المستندات مزورة بطريقة فنية لا يمكن كشفها إلا بواسطة خبرة. و لكن المصرف يكون مسؤولاً إذا كان التزوير في المستندات واضحاً و جلياً و يمكن كشفه بواسطة شخص عادي.
و بعد استيلام المصرف (فاتح أو المعزز) للاعتماد المستندات المطلوبة من البائع (المستفيد) لفحصها و التأكد من صحتها ، يتبادر القول عن المدة الممنوحة له للقيام بعملية الفحص ؟
أجابت على ذلك المادة 14 بقولها :

((ب – يكون لكل من المصرف المسمى الذي يتصرف بناء على تسميته و المصرف المعزز، إن وجد ، و المصرف المصدر مدة أقصاها خمسة أيام عمل مصرفية تلي يوم التقديم لتحديد ما إذا كان التقديم مطابقاً. إن هذه المدة لا تختصر أو تتأثر بوقوعها في أو بعد تاريخ التقديم بأي تاريخ انتهاء أو بآخر يوم للتقديم)).

 معيار التطابق : هناك معيارين :
1- معيار التطابق التام أو الحرفي : إن معيار التطابق التام يفرض على المصرف أن يدقق المستندات وفقاً لتعليمات العميل الآمر بشكل حرفي و كامل ليتحقق من أنها مقدمة قبل انتهاء مدة الاعتماد و أنها مستوفية لسائر الشروط التي طلبها العميل. ذلك أن التزام المصرف مقيد بشروط عقد فتح الاعتماد المستندي و ليس له أن يستند إلى عقد البيع السابق المعقود بين المشتري و البائع. و بالتالي فهو التزام حرفي و مقيد لا يقبل أي تفسير.
2- معيار التطابق المعقول : يرتكز هذا المعيار على قراءة المستندات بمجموعها للتحقق من مطابقتها لشروط كتاب الاعتماد و ليس دراسة كل مستند على حدة.
 تسليم المستندات : بعد أن يقوم المصرف بدرس المستندات و فحصها للتحقق من مطابقتها للشروط الموضوعة من قبل عميله فإنه يقوم بدفع قيمة الاعتماد إلى البائع، و بعد ذلك، يعود إلى عميله ليسلمه المستندات ليسترد ما دفعه من مبالغ.
في هذه الحالة ، فإن العميل الآمر يتخذ أحد الموقفين : إما أن يستلم المستندات ، بعد أن يقوم بتدقيقها للتأكد من أنها مطابقة لتعليماته فإذا تحقق من صحتها فإنه يقوم بإستلامها ليتمكن من استلام البضاعة ، و لكن بعد أن يكون قد رد للمصرف قيمة الاعتماد المدفوع من قبله.
أما إذا وجد العميل الآمر أن المستندات غير مطابقة أو غير سليمة أو ناقصة فمن حقه رفض استلامها على مسؤولية المصرف.

ثانياً : التزامات العميل اتجاه المصرف

بعد أن يتم فتح الاعتماد فإن العميل ملزم بدفع العمولة المتفق عليها و هي تستحق للمصرف بمجرد فتح الاعتماد و بغض النظر عن التنفيذ و حتى و او لم يستعمل الاعتمادمن قبل المستفيد فيما بعد. غير أن المصرف يفقد حقه في العمولة إذا تمنع عن الدفع للمستفيد أو إذا ألغى الاعتماد بدون حق و بإمكان العميل استردادها إذا كانت قد دفعت.
أم إذا كان الاعتماد قابلاً للإلغاء فإن من حق العميل الرجوع عنه متى شاء و لا تترتب عليه العمولة عن الفترة المتبقية من مدة الاعتماد.

المطلب الثاني: علاقة المصرف فاتح الاعتماد بالبائع

أولاً- التزامات المستفيد تجاه المصرف :

تترتب على المستفيد التزامات معينة تجاه المصرف فاتح الاعتماد بمجرد تبلغه خطاب الاعتماد المرسل إليه من الصرف بناء على طلب العميل الآمر. و هذه الالتزامات تتمثل ب :
• تنفيذ شروط خطاب الاعتماد : فمنذ تسلمه خطاب الاعتماد ، فإن المستفيد ملزم بتنفيذ جميع البنود الواردة فيه ، و التي يكون قد اتفق مع العميل الآمر عليها في عقد البيع بكل دقة . و في حال وجد المستفيد بأن الشروط خطاب الاعتماد مختلفة عن تلك التي اتفق مع العميل الآمر عليها فيحق له أن يرفض الاعتماد و يهمله.
• تقديم المستندات : إن المستفيد ملزم بإرسال المستندات إلى المصرف خلال مهلة المحددة في خطاب الاعتماد و يجب أن تنص جميع الاعتمادات على تاريخ انتهاء صلاحية.
و بالتالي ، يجب تقديم المستندات خلال المهلة المحددة ، و في حال لم يحدد خطاب الاعتماد تاريخ بدء السريان المهلة فيعتبر تاريخ إصدار الاعتماد من قبل المصرف هو اليوم الأول لبدء سريان المدة المذكورة إذا كانت محددة بمهلة شهر أو ستة أشهر مثلاً أو ماشابه ذلك.
أما فيما يتعلق بالمستندات الشحن فلقد نصت المادة 14 على :
((ج – إن التقديم الذي يحتوي على واحد أو أكثر من مستندات النقل الأصلية و التي تخضع لأي من المواد 19 و 20 و 21و 22و 23و 24أو 25 يجب أن يقدم من قبل المستفيد أو بالنيابة عنه خلال مدة أقصاها واحد و عشرون يوماً شمسياً (تقويمياً) بعد تاريخ الشحن كما تم شرحه في هذه القواعد ، و على أي حال أن لا تتجاوز تاريخ انتهاء الاعتماد)).
من خلال التزامات المستفيد التي ذكرناها هل من الممكن تحميله أي مسؤولية تجاه المصرف ؟.
إذا نظرنا إلى التزامات المستفيد تجاه المصرف نجد أنه من حيث المبدأ لا يمكن تحميله أي مسؤولية . ذلك أن المستفيد بمجرد استلامه خطاب الاعتماد فإنه يلتزمه يقتصر على تنظيم المستندات وفقاً لشروط الخطاب و من ثم تقديمها للمصرف الذي يدقق فيها ، فإذا وجدها غير مطابقة فما عليه إلا رفضها أو إعادتها إلى المستفيد لتصحيحها في حال كان ذلك ممكناً ضمن مهلة صلاحية الاعتماد.
إلا أن المصرف يمكن في بعض الحالات إذا وجد أن المخالفات التي تحتويها المستندات طفيفة و بسيطة أن يقوم بدفع قيمة الاعتماد للمستفيد مع شرط تحفظ متمثل بموافقة المشتري.
و بالتالي ، في حال رفض المشتري للمستندات فإنه من حق المصرف الرجوع على المستفيد لا سترداد ما دفعه.

ثانياً- التزامات المصرف تجاه المستفيد:

تختلف التزامات المصرف تجاه المستفيد تبعاً لصفة الاعتماد، إن كان قابلاً للرجوع أو غير قابل لذلك .
• الاعتماد القابل للرجوع أو الإلغاء : هو الاعتماد الذي بمقتضاه يستطيع المصرف أن يلغيه أو يعدله من تلقاء نفسه أو بناء لتعليمات العميل الآمر في أي وقت يشاء و من دون اشعار المستفيد بذلك. و من دون أية مسؤولية عليه بإعتبار أن التزام المصرف اتجاه المستفيد لا يعتبر التزاماً نهائياً و مباشراً بل يتصرف كوكيل عن العميل الآمر. و بالتالي، فإن المصرف فاتح الاعتماد القابل للرجوع، لا يرتبط بشكل قطعي تجاه المستفيد. ذلك أن العلاقة القانونية محصورة بين المصرف و العميل الآمر و هي علاقة وكيل بموكل.
و من نتائج هذا الاعتماد أن البائع المستفيد لا يسطيع إرغام المصرف على تنفيذ التزامه الناشئ عن هذه العلاقة تجاه العميل.
و يحق للمصرف رفض المستندات و لو كانت مطابقة لشروط خطاب الاعتماد. أضف إلى ذلك ، فإن المصرف ملزم بتقيد بتعليمات الآمر بإعتباره وكيلاً عنه. فإذا تلقى أمراً بعدم الدفع قيمة الاعتماد للمستفيد ، عليه أن يتقيد بذلك. و لا يكون مسؤولاً تجاه المستفيد، بل على العكس يسأل تجاه العميل الآمر بإعتباره أخل بموجبات وكالته.
• الاعتماد غير قابل للرجوع : إن المصرف في الاعتماد غير قابل للرجوع يلتزم نهائياً و مباشرة تجاه المستفيد بمجرد أن يتبلغ هذا الأخير خطاب الاعتماد ، و لا يحق للمصرف بعد ذلك الرجوع عنه أو تعديله إلا بموافقة المستفيد و العميل الآمر.
و على ذلك المصرف غير ملزم بالتقيد بتعليمات العميل الآمر إلا فيما يتعلق بشروط الخطاب فلا يجوز له أن يمتنع عن دفع قيمة الاعتماد للمستفيد إذا ما تلقى تعليمات بذلك من العميل الآمر.
و بالتالي ، بمجرد تلقي المصرف لمستندات مطابقة لشروط خطاب الاعتماد يكون ملزماً بدفع قيمة الاعتماد للمستفيد. و هذا الالتزام مستقل تماماً عن علاقة فتح الاعتماد بينه و بين العميل الآمر ، و عن علاقة البيع بين العميل الآمر و المستفيد . و بهذه الاستقلالية المزدوجة يحصل المستفيد على الضمانت الكافية .

الخاتمة :

لا يخفى على أحد أن الاعتماد المستندي يلعب دوراً مهماً على صعيد التجارة الدولية قي تسوية عمليات البيع من خلال دوره كوسيط بين المصدرين و المستوردين. و لهذا السبب حاولت غرفة التجارة الدولية جاهدة وضع قواعد و أعراف دولية موحدة لهذه الاعتمادات للمساعدة على تسهيل عمليات التبادل التجاري و على إزالة العقبات التي يمكن أن تعتريها.
لكن ، بالرغم من الجهود المبذولة لم تتوصل غرفة التجارة الدولية في نهاية المطاف إلى إزالة كافة الشوائب كما أنها لم تأت على تنظيم كافة المسائل التني يثيرها موضوع الاعتماد المستندي .

المراجع

الأصول و الأعراف الموحدة للاعتماد المستندي – نشرة 600 ، لعام 2007.
– مازن عبد العزيز فاعور، الاعتماد المستندي و التجارة الكترونية في ظل القواعد و الأعراف الدولية و التشريع الداخلي ، منشورات الحلبي ، الطبعة الأولى ، لعام 2006.
– د. موسى متري ، ملخص التشريعات المصرفية .

بحث قانوني كبير حول الاعتماد المستندي