بحث قانوني و دراسة حول التعبير عن الارادة في العقود الالكترونية التجارية
تمهيد:
شهدت الإنسانية في أواخر القرن الماضي طفرة علمية وتكنولوجية لم يســبق أن عرفتها من قبل، فقــد كان لها أثرا واضحا على المعاملات بين الأطراف شفاهة والبيع عادة ما يكون مقايضة، ثم تطور الحال لتصبح الكتابة هي السائدة وتغير معها شكل التزام المشتري بدفع مقابل أو عوض ما أخذ فقد يكون بضاعة أو ثمــنا أو ورقة تجارية تشكل مبلغا من النقود. و الحاصل بفضل التقدم التكنولوجي أن أفرز ما يسمى بالثورة المعـلوماتية أو القرية الكونية أو مجتمع المعلومات (Société de l’information) أو طــريق المعلومات (L’inforoute)، كل يقدم تسمية، و اصطلاحا لهذا المحيط الجديد، الذي يقوم أساسا على الأنظمة الإلكترونية، أو الرقمية، وأجهزة الإعلام الآلي، والشبكات بشقيه؛ المغلق والمفتوح(لهذا القسم الأخير أهمية كبرى في تحديد الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، وكذا حجية مستخرجات الحاسب الآلي)، هذه الشبكات وفرت الجهد والوقت، وضيقت الأمكنة وقلصت المسافات، حتى تقلص معها مبدأ الإقليمية (الجغرافي) أو مبدأ الدولة القطرية المعروف في القانون، ومن هذا التطور أوجد ما يسمى بقانون التجارة الإلكتروني أو المعاملات الإلكترونية بأوسع دلالاته, تفرع عن ذلك أن أصبح للإنترنت قانونا خاصا بالملكية الفكرية و آخر للتحكيم على الخط (Arbitrage électronique)، والضرائب، والقانون الواجب التطبيق، والاختصاص القضائي…إلخ.
فإذا كانت فكرة العقد الالكتروني ثابتة في أغلبية التشريعات الوطنية فانه يبقى لنا تحديد طريقة التعبيــر عن الإرادة في هذه البيئة الجديدة؟ فكيف، و ما اللازم لذلك؟ و هل نجد في هذا الوسط الجديد إيجابا و قبولا الكترونيين؟،و هل العقد الالكتروني تكريس لسقوط العقد بالمفهوم التقليدي؟
إن التطور السريع لقانون المعلوماتية، أو قانون الفضاء الإلكتروني يجعلنا لا نســتطيع تناول جميع موضوعاته و تشعباته في هذه الدراسة المتواضعة لذلك فإننا نقصر على هذه الدراسة في حدود مبدأ سلطان الإرادة وعلاقته بعقود التجارة الإلكترونية، و سندرسه وفقا لما يلي:
الفصل الأول: ماهية الانترنت و شكل التعبير عن الإرادة
المبحث الأول: التعريف بالإنترنت وماهيتها
المبحث الثاني: صور التعبير عن الإرادة على الانترنت
الفصل الثاني: المرحلة التعاقدية
المبحث الأول: الإيجاب الالكتروني
المبحث الثاني: القبول الالكتروني
الخاتمة.
الفصل الأول:
ماهية الانترنت و شكل التعبير عن الإرادة.
المبحث الأول: ماهية بالإنترنت:
لقد ظهرت الإنترنت أواخر الستينات إلا أنها لم تأخذ الزخم الذي هو عليه الآن، وكل المعطيات الحالية وانسجام الشخص مع هذه البيئة الجديدة تشير إلى المستقبل الذي ينتظر هذه التقنية، لذلك سوف نبدأ دراستنا بتعريف خاص بالإنترنت، ثم تاريخها، ثم إلى خصائصها، وأجزائها، على أن نعرج على طريقة عملها.
المطلب الأول: معنى الإنترنت:
أصل كلمة الإنترنت INTERNET إنجليزي وهو مركب من قسمين: NET وINTER، ففيما تعني الكلمة الأخيرة، التواصل، والبينية، فإن الأولى تعني الشبكة، يعرفها البعض بأنها عبارة عن مجموعة أجهزة إعلام آلي مرتبطة مع بعضها، كما يعرفها البعض الآخر بأنها: “شبكة الاتصالات العالمية التي تربط الملايين من الحاسبات بعضها ببعض إما عن طريق خطوط الهواتف وإما عن طريق الأقمار الصناعية والتي يستخدمها مستخدمو الحواسيب حاليا عل مدار الساعة في معظم أنحاء العالم وبخاصة في الجامعات ومعاهد البحث العلمي والشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات الحكومية”.
الفرع الأول: تاريخ الإنترنت:
ظهرت، أو بالأحرى بدأت تظهر للوجود، الإنترنت أواخر الستينيات، عندما كلفت وزارة الدفاع الأمريكي الجهاز المسمى “وكالة مشروع الأبحاث المتقدمة” (Advanced Research Project Agency)إعداد شبكات تربط بين العديد من أجهزة الكمبيوتر، لم يكن الهدف الحقيقي من إنشائها هو تبسيط لعمليات، التعاقد أو المعاملات بين الأفراد، بقدر ما هو بالأساس خدمة أهداف عسكرية.
ويرجع سبب انتشارها المذهل، والكبير، إلى تكلفتها القليلة، مقارنة بوسائل الاتصال الحديثة الأخرى، ويعزى كذلك على قابليتها وملاءمتها في الدمج مع الوسائط المتعددة والأجهزة الإلكترونية الأخرى ذات الصورة والصوت والنص، هذا على جانب تمكين مستعمليها في أي نقطة على الأرض من الوصول إلى المعلومات وخصوصا بنوك المعطيات والتفاعل معها في أي وقت.
الفرع الثاني: خصائص أجزاء الإنترنت:
يلزم لشبكة الإنترنت العاملة حتى تؤدي وظائفها وتعمل بشكل فعال ما يلي:
أ- أجهزة الكمبيوتر وملحقاتها بقصد الربط والتوصيل (Hard).
ب- إعداد هذه الأجهزة Installation ببرامج وأنظمة استغلال أساسية، ثم ببرامج خاصة بالربط البيني منها القياسية (Standard) ومنها ما هي برامج خاصة لشبكات معينة.
ت- وجود الإنسان الكفء والمؤهل لإدارة هذه الأجهزة والشبكة.
مما سبق يمكن أن تعرف شبكة الإنترنت بأنها:” كم هائل من المستندات المحفوظة في شبكة الحاسوب والتي تتيح لأي شخص، ولأي جهة الاطلاع على معلومات تخص جهات أخرى، أو أشخاص آخريــن قاموا بوضعها على هذه الخدمة عن طريق أسلوب تكنولوجي يعلق عليه النص المحوري (Hyer text) والذي يقوم بتنظيم البيانات والمعلومات واستعادتها”. و ننوه كذلك إلى أن الإنترنت كانت سببا في ظهور بعض أنواع الخدمات الوسيطة كالبريد الإلكتروني، ومواقع الملفات، ومواقع البيوع الإلكترونية، وسلطات التصديق، والتوثيق الإلكتروني…
المطلب الثاني:مراحل التعبير عن الإرادة عن طريق الإنترنت.
تضم الانترنت مرحلتين للتعبير عن الإرادة: الأولى تمهيدية، أما الثانية فهي تعاقدية، يعتبر الموقع الواسطة الأساسية بين البائع والمشتري على الشبكات الإلكترونية لذلك فإن أهم شيء يطرح قبل التعامل الإلكتــروني هو البحث في إيجاد الموقع الإلكتروني، ويكفل عادة هذه المهمة متخصــصوا الكمبيوتر (Webmaster) الذي يقوم بإنشائه وتصميمه وفقا لشروط الاتفاقية أو القانونية وبعد إطــلاق المـوقع قد يكون الطرف الأول في التعاقد أمام مشكلة التوثق من الموقع الإلكتروني ثم تحديد هوية الشخص.
الفرع الأول: التوثق والتأكد من الموقع الإلكتروني:
تبرم عقود الإنترنت في وصفها القانوني أنها تتم بين غائبين، أو تعاقد عن بعد، إذ لا تسنح الفــرصة باجتماع في مجلس تعاقد واحد، الغالب فيها أن الأطراف لا يرون بعضهم البعض، كما قد يكون أحدهم طرفا غير جاـد في العملية التعاقدية لذلك قد يكون ولوج الموقع الإلكتروني خطرا على أحد أطراف المعاملة، كما لو يكون مجرد موقع وهمي، الهدف منه النصب والاحتيال.
ولتفادي ما سبق فقد لجأت التشريعات الحديثة إلى استحداث ما يسمى بجهات التوثيق والتصديق الإلكتروني (Autorité de certification) والتي تكفل عملية تعقب وكـشف هـوية المــوقع الإلكتروني إضافة إلى تسجيل وتخزين وإثبات المعاملة الإلكترونية المبرمة بين الأطراف، وإذا ما تبين أن أحد المواقع غير آمن جانبه تقوم بتحذير الزبون وإخطاره بمصداقية الموقع، أهم تلك الجهات الإلكترونية: Internet Clear،Verisign ، Chambrsign، وغيرها فهي تستخدم شهادات إلكترونية (Certificat électronique) وشهادات خدمات (Certificat de service) حيث تتقــارب هـذه الفكرة حسـب رأينا (التـوثق والتأكد من الموقع)والمبدأ القائل بثقة الدولة في الموثق فيما يتلقاه من ذوي الشأن، وما يقوم بتدوينه في العقد، لذلك فالموقع الإلكتروني يكون له جانب كبير في التوثق الإلكتروني، وتوفير الاستقرار القانوني و المعلوماتي، ضد أي تدخل خارجي، غير مرغوب فيه فمهما كانت قيمة المعاملة الإلكترونية يستوجب الأمر اتخاذ إجراءات آمنة معلوماتية، كافية حتى لا يتضرر أطراف العقد.
الفرع الثاني: الموثق الإلكتروني وجهة التصديق:
لا تقتصر مهام سلطات التوثيق في المصادقة عن المعاملات الإلكترونية، وإنما تتعداها إلى التمعن في مطابقة المعلومات لحقيقة حاملها كبيانات مصداقية الموقع Website، والشخص الموقع Signataire (الطرف المتعاقد) وبيان صلاحية كل واحد منهما، يضاف إلى ذلك تسليم شهادات إلكترونية (شهادات محمية، أو شهادات مستخدم، تكون هي بطاقة هويتهما).
الفرع الثالث: تحديد هوية الشخص المتعاقد:
إن العقد الإلكتروني كبقية العقود العادية، لا ينعقد صحيحا ما لم يتم تحديد أطرافه تحديدا وافيا، خصوصا اسم، وهوية الشخص المتعاقد، وأهليته القانونية، لذلك فقد يبحر على الإنترنت أشخاص قاصرون أو فاقدوا الأهلية كلها، أو بعضها، فهي ممنوعة حكما من إجراء التصرفات القانونية ، لهذا السبب وجب تعيين وصفي لطرفي العقد الذين يكونان غائبين ماديا لمجلس العقد، أو وقت تحمل الالتزامات، فكيف يمكن نسبة العقد لأطرافه لم يسبق لهما وأن تعاملا من قبل؟ وكيف يمكن إبعاد القصر وعديمي الأهلية عن التعامل عبر الإنترنت؟
ما ساد في المعاملات التقليدية، أنه توجد العديد من العوامل والطرق التي يتثبت من خلالها على شخص الطرف الثاني كالمعرفة الشخصية والمادية للأطراف مثل الجنس والاسم. أما بالتجارة والبيوع الإلكترونية فنـجد الإجابة في الوسائل التقنية الحديثة التي تحيلنا على التوقيع الإلكتروني، وسلطة التصديق، إضافة إلى ذلك عملية التشفير (الترميز) الإلكتروني التي تحمي مصدر الإيجاب والقبول على الشبكات دون تعديل خارجي لموضوع العقــد، فهي تحدد الشخص مرسل الإيجاب وتؤكد على الشخص المتلقي له، و تقيم الدليل في حال نشوب نـــزاع بين ذوي الشأن فإن هذه التقنيات نادرة الاختراق، أو التعديل وتعطي ضمانات أوسع من تلك التي على ورق خصـوصا في نسبة المحرر لصاحبه.
الفرع الرابع: الدعوة إلى التعاقد:
تأخذ الدعوة عبر الإنترنت، العديد من الأشكال، ولعل أهمها هو؛ طرح الخدمة الوسيطة على الموقع الإلكتروني، كما قد يلجأ إلى سجلات البريد الإلكتروني الموجودة على الإنترنت، ويقوم ببعث الرسائل الإلكترونية ويبـدي من خلالها أسعار تنافسية وخصومات، قد تغري وتجلب العميل للمنتج، وهذا ما نصت عليه م 6 فقرة 01:
“ليس في هذا القانون ما يتطلب من شخص أن يستخدم أو يقبل معلومات بشكل إلكتروني إلا أنه يجوز استنتاج موافقة الشخص من سلوكه الإيجابي.
يجوز أن يتفق الأطراف -الذين لهم علاقة بإنشاء أو إرسال أو استلام أو تخزين أو معالجة أي سجلات إلكترونية- على التعاقد بصورة مغايرة بأي من الأحكام الواردة في الفصل الثاني حتى الفــصل الرابع من هذا القانون”.
م 13 من نفس القانون على أن:
“1- لأغراض التعاقد يجوز التعبير عن الإيجاب والقبول جزئيا أو كليا بواسطة المراسلة الإلكترونية.
2- لا يفقد العقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد أنه تم بواسطة إلكترونية واحدة أو أكثر”.
تكيف التشريعات المدنية و التجارية عرض البضائع على واجهات المحلات، بأنها تشكل إيجابا من طرف البائع، أما الجانب الدعائي، و الاشهاري للسلعة، وتفصيل أسعارها، فتأخذها على أنها دعوة إلى التفاوض، “فهل يعد عرض البضائع والخدمات عن طريق الإنترنت كعرض البضائع على واجهات المحلات التجارية؟.
للإجابة عن هذا التساؤل، نرجع إلى المادة 06 فقرة 01 والمادة 13 فقرة 01 من تشريع إمارة دبي للـقول بأن واجهة المحل التجاري المادي، تشبه واجهة الموقع الإلكتروني ومنه فإذا أرفق عرض البضاعة أو الخدمة بثمنها فيعتبر هذا العرض إيجابا، قياسا على عرض السلعة للمحلات التجارية، وبيان ثمنها، إذا ففي كلتا الحالتين يتحقق للزبون أن يأخذ تصورا أو فكرة ولو عامة عن العرض، سواء كان، بالحضور المادي، أو عن طريق شيكات الإنترنت، ولعل أهم مثال على ذلك: جهاز الميني تل Minitel بفرنسا، فبمقتضاه يمكن لبائع عرض سلعته وخدماته، ونفس الشيء يمكن للشخص المشترك بهذه الشبكة أن يوجه قبوله للشخص الذي يرغب في التعاقد معه، غير أنه قد يصدر الإيجاب مقترنا بتحفظات، كصاحب الموقع الذي يعرض السلعة وخدماته، مع التمسك بعدم ذكر الثمن، تاركا ذلك إما لأسعار السوق أو التفاوض أو قد يخص نفسه بمكنة تعديل العرض أو رفض البيع. .إن عدم تحديد سعر البضائع والخدمات واحتفاظ صاحب الموقع بحقه بتحديد الثمن يعد دعوة للتعاقد وليس إيجابا، بمعنى أدق، إذا حدد السعر عد العرض إيجابا و إذا لم يحدد اعتبر دعوة للتعاقد ولا يهم عنــدئذ إذا كان العرض ساريا على واجهات المحلات التجارية أو أمام شاشة الكمبيوتر.
المبحث الثاني:
صور التعبير عن الإرادة على الانترنت.
من المستقر عليه أن الإرادة ركن لازم لقيام العقد، و الإرادة قبل أن تجسد خارجيا بقصد إحداث أثرها القانوني كانت ظاهرة نفسية كامنة بذات الإنسان، فهذه مرحلة داخلية فكرية انقسم الفــقه حولها إلى نظريتين تطرقتا إلى العلاقة الموجودة بين التعبير عن الإرادة و الإرادة ذاتها، فالنـظرية الأولى ذات الاتجاه اللاتيني توجب التمسك بالإرادة الباطنة و التعبير ليس إلا وسيلة لإظهارها، و تستمد أساسها من مبدأ سلطان الإرادة التي تقضي بعدم جواز إلزام الـشخص بما يخالف إرادته. أما النظرية الثانية و هي الظاهرة، تبناها الاتجاه الجرماني، و ترى بأن التعبير هو الإرادة نفسها حيث تعتبر عملا نفسيا لا يعلم به الغير، إلا إذا اتخذت أحد المظاهر الخارجية للتعبير الذي يصح أن يكون صريحا أو ضمنيا.
المطلب الأول: التعبير الصريح و الضمني:
الفرع الأول: التعبير الصريح:
نصت المادة 60 مدني جزائري على أن:” التعبير عن الإرادة يكون باللفظ و بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا، كما يكون باتخاذ موقف لا يدع مجالا للشك في دلالته في مقصود صاحبه و يجوز أن يكون التعبير عن الإرادة صريحا أو ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا”.
و التعبير الصريح يكون باتخاذ مظهر مباشر عن الإرادة بالكتابة، أو الكلام، أو الإشارة، أو الموقف الذي لا يثير شكا في دلالته و الهدف منه.
الفرع الثاني: التعبير الضمني:
و يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا قام الشخص بتصرف لا يدل بذاته على إرادته و لكنه مع ذلك لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود هذه الإرادة كالذي لم يقبل الــوكالة صــراحة و بـاشرها عد قبولا ضمنيا، أو كالذي يعيد بيع منقول تم عرضه عليه.
المطلب الثاني: السكوت و التعبير عن الإرادة في عقود التجارة الالكترونية:
الفرع الأول: السكوت في العلاقات التعاقدية التقليدية:
هل السكوت طريقة تصلح للتعبير عن الإرادة؟ و هل ينسب لساكت قولا أو فعلا؟، للإجابة على هذا السؤال، يقسم الفقه السكوت إلى ثلاثة أنواع: مجرد، ملابس،و موصوف، أما الأول فهو الســكوت البسيط لا تحـيط به ظروفا يعتد بها، فهو موقف سلبي لا يعبر إلا عن العدم ، أما النوع الثاني – السكوت الملابس- و هو السكوت الذي تقترن به بعض الملابسات، و الظروف، من خلالها بمكن أن تستشف إرادة المتعاقد . و نجد أن السكوت الموصوف يجد ضالته في القانون نفسه، فلا ضرو أن يتكفل بأحكامه، فيعتبر السكوت رضاء، فهل الســكوت في معرض الحاجة بيان؟
يكون السكوت معبرا عن الإرادة في الحالات التالية و هي:
01/- يعتبر السكوت قبولا إذا سبق التعامل مع الطرفين و اقترن به الإيجاب (م 68 فقرة 02/ مدني جزائري).
02/- إذا رتب الإيجاب منفعة لمن وجه إليه.
03/- إذا كان العرف التجاري المتعارف عليه يقضي بذلك.
الفرع الثاني: التعبير عن الإرادة في العقود التجارة الالكترونية:
إن التعبير عن الإيجاب و القبول في العقود الالكترونية يتخذ العديد من الأشــكال و الوسائل، لذلك سنفصل في هذه العناصر في حينها، و نشير إلى أن الأهمية في التعبير عن الإرادة و تبادل البيانات تكمن في أداة التبليغ الالكترونية ، و ما قيل في شكل التعبير عن الإرادة الصريحة، و الضمنية، يحال للمعاملات الالكتـرونية، و التعبير عندئذ يتم بالكتابة، و حتى بالصوت، و الصورة، كما قد يتم بإشارات أو رموز كمبيوتر و مثالها:
كما يمكن أن يتم التعبير الضمني من خلال المبادلة الفعلية كالذي يعرض سلعة معينة و يقدم القابل على إعطاء رقم بطاقته الالكترونية الخاصة به، فيتم خصم قيمة السلعة، فمثال الحال أن القابل لم يتخذ موقفا صريحا و إنما اتخذ موقفا دالا عن الرضا.
الفرع الثالث: النيابة في التعاقد:
يصدر التعبير عن أطرافه الحقيقيين حتى يرتب أثاره، و هذا لا يعني بالضرورة حصر التعبير عن الإرادة عليهم بذواتهم إذ يمكن إنابة شخصا يحل محل الأصيل في إبرام العقد، و تعرف النيابة:” حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل مع انصراف الأثر القانوني إلى شخص الأصيل” ، و تصح هذه النيابة إذا توفرت فيها ثلاثة شروط هي:
– حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل.
– أن يتعاقد النائب باسم الأصيل و لحسابه.
– التزام النائب حدود نيابته.
و لما كانت القاعدة العامة، أن جواز النيابة في كل تصرف قانوني ما لم يكن الأصيل مقصودا بذاته، كحلف اليمين ، فان نطاق هذا المبدأ لا يبتعد عن التعاقد عبر الانترنت إذ الوكالة التي تجد لها أرضا خصبة كلما تعلق الأمر بأشخاص لا يتحكمون في مهارات الكمبيوتر و أنظـــمة الشبكات. يخـتلف هذا الوضع لما نتحدث عن الأشخاص الاعتبارية أو الأشخاص الحُكمية، إذ التـحـدث عندئذ ينـصب عـلـى الشخص الذي يمثلها لا على الشخص الاعتباري و خصوصا في البيئة الالكترونية، فالنائب هنا حائز للشهادة الالكترونية المنشأة للتوقيع الالكتروني، فهل تستطيع الأشخاص الاعتبارية التعبير عن إرادتها و تمكينها من التوقيع الالكتروني؟.
الفرع الرابع : توقيع الأشخاص الاعتبارية العامة و شكل التعبير عن الإرادة:
نصت المادة 02 فقرة 03 من التوجيه الأوروبي الموقع على أنه:” الشخص الطبيعي أو المعنوي الحائز لأداة توقيع الكتروني خاصة به ويقوم بالتوقيع أو يتم التوقيع بالنيابة عنه على الرسالة الالكترونية باستخدام هذه الأداة” .
لقد تم التوسعة في هذا التعريف ليشمل كـل شخص من الأشـخاص القانونية دون تمييز بين الشخص الطبيعي و الشخص المعــنوي وهــذا ما قصدته اللجنة القانونية أمــام البرلمان الأوروبي ، في تقريرها، بأن التواقيع بما فيها شهادات إنشائها، يمكن تأجيرها للأشخاص الطبيعية، و القانونية، كالشركة ذات المســؤولية المحدودة، مما يجعل كل عقد الكتروني مرفق بتوقيع الكتروني منشأ طبقا لشهادة المصادقة الالكتــرونية يجعلها محررا عرفيا، و ينتج أثاره بالقدر الذي ينتجه سند مُوقعٌ الكترونيا من شخص طبيعي، و له أن يبرم التصرفات القانونية بالشكل الذي يخدم به مصالحه، و الشخص الاعتباري بهذا الشكل غير مجسد ماديا، لكن ذلك لا يمنع من تجسيده قانونيا على نحو يتحمل التزامات، بالقدر الذي يكسبه الحقوق وذلك بالاستعانة بالتوقيع الالكتروني في إبرام العقود.
يتضح مما سبق، أن المشرع الأوربي مكن كل الأشخاص القانونية من إصدار شهادات الكترونية، بمن فيهم المواطنين، وأشخاص القانون العام، المؤسسات التجارية، إلا أن المشرع البلجيكي استثني من ذلك الجمعيات، حتى السياسية منها، و إن كان لا يوجد مبررا من إقصاء أعضاء الأحزاب السياسية حتى يبينوا عضويتهم و طبيعة وظائفهم في الأحزاب ، إضافة إلى ذلك، لا يوجد ما يمنع هذه الأشخاص من الاستعانة بالعديد من هذه الشهادات، و استعمالها في مختلف أنشطتهم اليومية، يلاحظ كذلك أن حــامل الشهادة هو الشخص المحدد فيها و لا تنتج آثارها القانــونية إلا في مواجـهة هذا الشخص وهذا ما يشكل تناقضا مع المبدأ المكرس قانونا، و أهلية التمتع التي تقضي بحرية اكتساب الحقوق و التحمل بالالتزامات.
يجب عدم الخلط بين مفهوم حيازة الشهادة و البيانات المتعلقة بإنشاء التوقيع إذ أن هذه الأخــيرة مسجلة على دعامة مادية، و مثالها البطاقة الــذكية La carte à puce أما حــائز الشهادة فهو الحائز للبيانات و المعطيات المسجلة، و هذا الاختلاف يظهر أكثر لدى الشخص الاعتــباري الذي يحوز الشهادة لكن واقعيا لا يضع يده على البيانات المتعلقة بإنشاء التوقيع، و ليس تلك المتعلقة البطاقة الذكية، و لا حتى استــعمالها في التوقيع، و هذا متاح فقط للأشخاص الطبيعية المؤهلة لتمثيل الشركة. إذن، هـو واضع اليد على تلك البيانات. و تنطبق بعدها الحقوق و الالتزامات على حامل الشهادة لا على واضع الــيد على الشهادة، بيد أن هذا الأخير لا يتصرف في منأى عن المادة 80 فقرة 03 فهي تلزم كل مقدم خدمة التوثيق أن يضع سـجلا، ببيان اسمي لكل شخص طبيعي و صفته القانونية التي يمثل بها الشخص الاعتباري، و الذي يستعمل التوقيع المرتبط بالشهادة، فأي معاملة الكترونية تتم باسمه يمكن من معرفة الشخص الطبيعي القائم بذلك.
الفصل الثاني:
المرحلة التعاقدية:
لقد اتضح لنا من الفصل التمهيدي، أن العقد الالكتروني يمكن أن يكون أداة لإبرام العديد من الـعقود المعروفة في العالم الواقعي، خارج الشبكة الـرقمية، و الدراسة قــد تـطول بنا إذا أطلقنا أنفسنا فيه تفصيلا، إذ لا غرابة أن نجد التعاقد عبر الإنترنت لا يثير إشكالا في خضوع أغلب جوانبه للقواعد العامة و لذلك ما ينبغي أن نتناوله هو بعض أوجه الخصوصية للتعبير عن الإرادة، ما لم تؤدي خصوصية هذا النوع من التصرفات القانونية إلى الحاجة لبعض القواعد الخاصة بها، و لا يبدو عندها أن الفقه قد ركز في تلك الخـصوصية على ركن السبب أو محله أو غير ذلك … بالقدر الذي ركز فيه على الإشكالات التي تطرحها البيئة الالكترونية، سيما منها وجود الإرادة و شكل التعبير عنها و التي تؤدي فعلا إلى إحداث أثر قانوني معين، أي يجب و في حــدود هذا الإطار أن يكون هناك إيجابا (مبحث أول) و رد في شكل قبول (مبحث ثاني) فمتى استجمعنا هذين العنصرين تم العقد.
المبحث الأول:
الإيجاب الالكتروني.
المطلب الأول: الإيجاب L’OFFRE
يعرف الفقه الإيجاب بأنه:” تعبير بات عن الإرادة الأولى التي تظهر في العقد عارضة على شخص آخر إمكانية التعاقد معه ضمن شروط معينة” ، و هو كلام صادر عن أحد المتعاقدين لإثبات التصرف القانوني، و حسب التشريعات العربية أن الإيجاب؛ كل ما يصدر عن أحد المتعاقدين للتعبير عن إرادته أولا ، و نـفس القول أخذ بأن الإيجاب و القبول كل لفظين مستعملين لإنشاء العقد، أي أن اللفظ الذي يصدر أولا، عد إيجابا، و الثاني قبولا .
الفرع الأول: شروط الإيجاب:
و للإيجاب شروطا هي:
أ- يجب أن يكون الإيجاب واضحا و موجها لشخص معين:
يصدر الإيجاب بطرق التعبير المعتادة الصريحة، أو الضمنية، و لا يصح في ذلك الســكوت فهو الكلام الأول، و الصمت و السكوت كالعدم، و العدم لا يرتب أي أثر، و يشترط في عقد البيع أن يكون الإيجاب متضمنا للمقدار، و النوع، و الثمن، أما إذا كان العقد إيجارا فالإيـجاب فيه تحديد الشيء الموجود، و مدة عقد الإيجار، و بداية تنفيذه، و لما كان القصد من الإيجاب هو توجيه البحث عن الطرف القابل، فيشترط تحديده، و تعيينه، حتى يحصل التطابق، و الراجح فقها، و قانونا، أن توجيه الإيجاب إلى الجمهور دون تحديد الشخص عد إيـجابا، أما إذا تعلق الأمر بالنشر، و الإعلان، فالأمر لا يخلو أن يكون دعوة للتفاوض ، و العــلة في ذلك غياب الشك في الملابسات فالمقصود هو الإيجاب .
ب- يجب أن يكون الإيجاب بـاتـا :
إذا تجاوز الإيجاب مرحلة المفاوضة أصبح باتا، و نهائيا، مما يفترض وجود إرادة عازمة مصــممة على التعاقد، و يبقى للقاضي تقرير ما إذا وصل الإيجاب إلى مرحلته النهائية، فهو مسألة واقعية، لا مســألة قانونية، و يبت فيه بدراسة كل قضية على حدى ، و لا يخرج عن نطاق هذه الدائرة، الإيجاب المعلق، فلا ينفذ إلا إذا تحقق الشرط الذي علق عليه، كالذي يحتفظ بحقه بتعديل الثمن لظروف السوق.
الفرع الثاني: سقوط الإيجاب:
كما هو معلوم أن تطابق الإيجاب و القبول يكون سببا في نشوء العقد، و قبل ذلك نجد أن المشرع المدني أعفى الموجب الذي يرتبط إيجابه بقبول في الأجل المعين لذلك، بنص المادة 64 مدني جزائري بنصها على أنه:”إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد أجل القبول فان الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر فورا وكذلك إذا صدر الإيجاب من شخص آخر بطريق الهاتف أو بأي طريق مماثل.
غير أن العقد يتم و لو يصدر القبول فورا، إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب و القبول و كان القبول صدر قبل أن ينفض مجلس التعاقد”.
إن إعراض الطرف الـثاني أو إحـجامه عن الرد خلال المدة الممنوحة لــذلك يؤدي إلى ســقوط الإيجاب، و نفس المصير يلقاه الإيجاب إذا عدل قبل وصول القبول إلى الموجب و يسقط الإيجاب في حالتين:
– سقوط الإيجاب بعدول الموجب عنه ما لم يرتبط بقبول أو علقه على أجل أو شرط .
– سقوط الإيجاب لسبب خارج عن إرادة الموجب و يكون ذلك إذا:
المطلب الثاني:
الإيجاب الالكتروني ELECTRONIQUE L’OFFRE
أتاحت تقنية الحاسب الآلي، التعبير عن الإرادة من خلال الشبكات الالكترونية المغلقة، و المفتوحة، و أتاحت الفرصة أكثر للتعبير عن الارادة عبر البريد و المواقع الالكترونية ، فما المقصود به؟ وما شـكله وكيف يتم؟ و ما هـي طرق التعبير عنه؟، و لما كان التكييف القانوني للعقود الالكترونية، بأنها العقود التي تبرم عن بعد، بالإضافة إلى كونها عقود إذعان ، فلزاما أن نحدد نواحي الإيجاب في حدود هذه البيئة الالكترونية .
الفرع الأول: الخصوصية في الإيجاب الالكتروني:
نشير بداية، إلى أن الإيجاب على الانترنت تتجاذبه، و تحكمه العديد من القوانين، بالإضافة إلى خضوعه لأحكام القواعد العامة نجد قوانينا أخرى خاصة بالمعاملات الالكترونية و لما يكون الشـخص الموجه إليه الإيجـاب مستـهلكا، و يستتبع ذلك تحكيم نصوص قانون حماية المستهلك خصوصا في شقها المتعـلق بالحق في العدول، و الشرط التعسفي، و الإشهار الكاذب، فهذه كلها قواعد استثناء من القواعد العامة .
و يعطي التوجيه الأوربي المتعلق بحماية المستهلك في العقود عن بعد تعريفا للإيجاب بما يلي:” كل اتصال عن بعد يتضمن كل العناصر اللازمة بحيث يستطيع المرسل إليه أن يقبل التعاقد مباشرة و يستبعد من هذا النطاق مجرد الإعـــلان” . هذا التعريف يتلاءم و طبيعة التجارة الالكترونية التي تقوم أساسا على التبادل الالكــــتروني للبيانات، و المعلومات، و خصوصا ما ارتبط بالشيء المبيع Echange des Données Informatisées “EDI”، يستــعين بها المنتج لتوجيه الإيجاب إلى الجمهور في صورة مغرية و جذابة.
الفرع الثاني: النطاق المكاني للإيجاب:
لقد كان من نتائج انتشار الانترنت أنها قلصت من مبدأ الدولة القُطرية، و أزاحت مبدأ الإقليمية و الوطنية، السائد في القانون الكلاسيكي، إن الاتصال عبر هذا المكان الاجتماعي ، يتم من أية نقطة في هذه المعــمورة في الحين، و اللحظة اللتان يرغب فيهما المتعاقدين، فكيف يتحدد نطاق السريان المكاني للإيــجاب الالكتروني الذي ينادي به الفقهاء؟.
يتصل بفائدة النطاق المحلي الذي يكون الإيجاب صالحا فيه إشكالا لاحقا يتعلق بتنفيذ العقد، كما لو كان الأمر يتعلق بتسليم البضاعة، فقد يحول هذا الشرط المكاني دون قبول العرض. إن شرط تحديد المكان:” يقيد صلاحية الإيجاب بنطاق جغرافي معين، فان العقد لن ينعقد أصلا إذا قبل الإيجاب شخص يقع موطنه خارج هذا النطاق الجغرافي إذ لن يصادف القبول إيجابا صالحا…فرغم أنه يضيق بالتأكيد من نطاق عمل التاجر من الناحية الاقتصادية، إلا أنه يحقق له من الناحية القانونية نوعا من الأمان، إذ لن يلتزم بإبرام عقود في نطاق جغرافي و مكاني لا يسيطر عليه” .
و تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الالكترونية في عقود التجارة الدولية أن مكان الإيجاب يرتبط بموطن مقر عمل الشخص الموجب و أن مكان تلقي هذا الإيجاب هو مكان عمل المرسل إليه ، و لتفصيل هذا المكان فقد أوردت المادة 10 ف 03 استثناء يتعلق بتحديد مكان الإيجاب و ذلك بتطبيق المادة 06 من نفس الاتفاقية التي تنص على ما يلي:
و يمكن للشخص الموجب أن يستعين بالعديد من الأنظمة و الأساليب لإثبات إرســـاله للإيجاب و وصوله إلى الشخص الثاني كاستعمال إشعار العلم بالوصول الالكتروني Accusé de réception électronique، و هو عبارة عن نظام يسمح للمرسل التأكد من استلام رسالته من طـــرف المرسل إليه، و عندئذ يطرح إشكال بحدة حول مصير إيجاب اقترن بخطأ؟ كالبائع الذي يعرض مبيعا بقيمة معينة و يخطأ في كتابة الثمن.
يصعب في هذه الحالة أو الحالات المشابهة إثبـات الخطأ إذ يبدو شاقh جدا أما إذا تحقق العـكس و تطابق الإيجاب مع القبول فلا يمكن التراجع عنه، احتراما لقاعدة principe d’irrévocabilité des convention عدم التراجع عن العقد المبرم .
المطلب الثالث:
صور للإيجاب الالكتروني:
الفرع الأول: الإيجاب عبر البريد الالكتروني:
والإيجاب عبر الإنترنت لا يعدو أن يكون نفسه الإيجاب التقليدي، ولكن تختلف الأدوات، ويبقى الجوهر والمضمون نفسه، لذا نجد أن الإيجاب في العقد الإلكتروني يتم بوسيلة فورية من خلال شبكة عالمية تنقل الصوت والصورة في الحال والساعة، ناهيك أنها تعتبر أكثر ملائمة وسرعة في نقل البيانات والــكتابة الإلــكترونية وهذا ما يتفق وشروط الإيجاب التقليدية التي تقتضيها أغلبية التشريعات الوطنية، خصوصا ما إذا تعلق بالتعاقـد عن بعد، لكي لا يعد إيجابا مضللا أو مبالغا فيه، وبالتالي يلتزم كل بائع بتزويد المستهلك أو الشخص القابل بالمعلومات اللازمة قبل إبرام العقد وإحاطته بمقدار الشيء ونوعه والثمن إذا ما أمكن ذلك، ولنا مثال؛ إذا عرضت صورة للشيء المبيع في شكله العادي ولنفس الشيء المعروض للبيع إذا أخذت له صورة معالجة بالتقنية ثلاثية الأبعاد (Trois de dimensions)، فهل يعتبر العرض مشابها؟ وفيما يلحق بالخــصوصية المرتبطة بالإيجاب في العقود التجارية الإلكترونية، يمكن قراءته من خلال الإيجاب الموجه عبر البريد الإلكتروني، والمواقع الإلكترونية، والمحادثة على النات.
عرف تشريع إمارة دبي الرسالة الإلكترونية بأنها: “معلومات إلكترونية ترسل أو تستلم بوسائل إلكــترونية، أيا كانت وسيلة استخراجها في المكان المستلمة فيه”.
ثم يأتي بتعريف آخر ويعتبر المنشئ هو “الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يقوم أو يتم بالنيابة عنه إرسال الرسالة الإلكترونية أيا كانت الحالة”.
يفهم من التعريفين السابقين أن الشخص الموجب قد يتخذ إحدى الصــفتين، ففي التعريف الأول الذي جاء عاما وشاملا قد يكون الموجب أو القابل مرسلا إلكترونيا، بكلمة أخرى، أن الرســالة الإلكترونية قد تصدر من الموجب كما قد تصدر عن القابل، أما إذا تعلق الأمر بالإيجاب محل الدراسة فإن الوضع مختلف ويعتبر الموجب منشئا على ضوء أحكام المادة 02 فقرة 07.
ثم إن البريد الإلكتروني يشبه إلى حد كبير التعاقد عن طريق البريد العادي، إذا حررت الرسالة (الإيجاب) بما تتضمنه من شروط تستوجب توفرها لانعقاده، وتأتي مرحلة أخرى بإرسالها واستهداف الشخص المــطلوب أو الفئة المحددة دون القول بالجمهور العريض وبمفهومه الواسع (الإعلان والإشهار)، مؤدى هذا أن الشخص الموجب يخص أشخاص بعينهم للتعاقد معها على ألا تتسع هذه الدائرة لعدة أشخاص في آن واحد، كما لو تحصل على عناوينهم الإلكترونية من دليل إلكتروني على الأنترنت إذ يختلف ويصبح الإيجاب عبارة عن دعوة للتعاقد. وهكذا تسمح هذه التقنية بإرسال الإيجاب إلى المرسل إليه والذي يستلمها بفتح الصندوق.
والبريد الإلكتروني بهذا الشكل، والمرفق بتوقيع إلكتروني في حال الاتصال المباشر يقترب لأن يكون مجلسا للتعاقد ومن ثم نحكّم الـــقواعد الــعامة التي تتيح للمتـعاقدين العدول في الفترة ما بين الإيجاب والقبول أو الإعــراض عنه سواء أكان ذلك صراحة بالرد الإلكتروني أو ضمنيا بحذف الرسالة أو إغلاق جهاز الكمبيوتر أو قطع الإتصال.
الفرع الثاني: الإيجاب عبر المواقع الالكترونية :
تقترب مواقع الانترنت في تقديم عروضها على واجهات الكترونية، إلى حد كبير من واجهات المحلات التجارية العادية، و يتيسر لها بإقامة خاصة تسمى البروتوكول تتيح التعامل من الكمبيوتر الشخصي والموقع المطلوب كمواقع البيوع، التأجير، الوظائف، الــدفع الالكتروني…، ما يمـــيز الإيجاب من خـلال هذه البـوابة أنه يكون موجها للجمهور فلا يكون مقصورا على أشخاص محددين، فإذا لم يكن مانعا مقصورا بأشخاص معينة نجده يتحدد أكثر في بعض الحالات بنفاذ الكمية أو معلق على أجل معقول يصدر القبول خلاله، هذا الوضع أفرز مشـكلتين أساسيتـين تتعـلقان بمـدى يسار الشـخص القابل أو المستهلك، فما مدى استــجابة الإيجاب إذا قبله الجمهور؟.
ظهرت في البيئة الالكترونية، وسائل دفع جديدة تؤثر إيجابا أو سلبا على انعقاد العقد، تمكن مسبقا من المعرفة المسبقة للمركز المالي للمشتري، و في نفس الوقت تقوم كأداة لإثبات الالتزام بدفع الثمن، كما أن أغلبية العارضين يلجئون للاحتفاظ بحقهم في العدول عن الإيجاب متى نفذ المخزون أو الإشـــارة أن العرض عبارة عن دعوة للتعاقد معبرين عن ذلك بأن “المخزون محدود أو الاستجابة في حــدوده” أو ” أن الإيجاب بلا التزام”. و في هذا الفرض يصدر الإيجاب إما صريحا أو ضـــمنيا أو يفهم من الإرادة المفترضة للموجب من طبيعة المعاملة أو ظروف الحال. لذا فاستجابة مرتـــاد الانترنت Internaute لإيجاب معلـق على شرط يصبح هو الشخص الموجب، و الرسالة الالكترونية التي يوجهها تعد عبارة عن قبول . ما قيل هنا، يقال إذا عدل القابل في عرض صاحب الموقع الالكتروني إذ يحقق معها مضمون المادة 66 مدني جزائري التي تنص على أنه:” لا يعتبر القبول الذي يغير الإيجاب إلا إيجابا جديدا” .
الفرع الثالث: الإيجاب عبر المحادثة الالكترونية و المشاهدة عبر الإنترنت :
لا مانع من عرض الإيجاب على مواقع المحادثة الفورية و المباشرة و يُرد عليه في نفس اللحظة التي يكون فيها الطرفان على الكمبيوتر، و لو نرجع إلى مرحلة قبل انتشار الانترنت لوجدنا أن فرنسا قد عرفت في مرحلة الثمانينيات التعامل الفوري عبر جهاز الميني تال MINTEL ، فإذا ما قورن هذا الجهاز بشبكات المـحادثة و المشاهدة من حيث توجيه الإيجاب، و رد القبول، لوجدنا أن الأمر يحدث في الوقت ذاته، أي أنه مجلس تعاقد لكن في شكله الافتراضي Virtuel حيث يتم تبادل الإيجاب و القبول إما كتابة و إما بالصوت و الصـورة؛ فهل يعني ذلك تعاقد بين حاضرين؟.
لعلنا نجد الإجـــابة عند الحديث عن المنـاقصات الالكترونية و البيوع الالكترونية العلنية ، إذ تتميزان بأنهما وسيلتين للبحث عن المتعاقد و ليست في حد ذاتها لإبرام العقد، فمن خلال المزايدات و البيوع المباشرة نطبق الأحكام العامة في التعاقد بين حاضرين من حيث الزمان .
المبحث الثاني
القبول الالكتروني:
قد لا يكفي الإيجاب وحده لانعقاد العقد بل لابد أن يتبعه قبول مطابق له ، و القبول بهذا الشكل تعـــبير ثان عن الإرادة يصدر عمن وجه إليه الإيجاب، و على هذا النحو إذا عدل الإيجاب أو اختلف فيه عد القبول إيجابا جـديدا، و إذا كان تبادل الإرادتين بين شخصين في مجلس تعاقد واحد بحضور مادي، للطرفين فما مصير تبادل إيجاب و قـبول بين شخصين متباعدين ؟
إن القبول هو التعبير عن رضا من وجه إليه الإيجاب، لإبرام العقد بالشروط المحـددة سلفا من طـرف المــوجب، و لما كان القبول بهذا الشكل فلا يكفي وحده و إنما يجب أن يصدر و الإيجاب لا يزال قائما لمحدودية أجـل سـريانه، فإذا صدر الإيجاب على الخط (Offre via Internet , Offre en ligne ) استلزم الأمر أن يصدر القبول فوريا قبل فض المحادثة ، و لما كان تعديل الإيجاب يعد إيجابا جديدا فإن للمـوجب على الإنترنت أن يقيد العميــل في ما يسمى بالعقود الإلكترونية النموذجية، و لا يملك القابل عندئذ إلا المـــوافقة أو الرفض، فـعادة ما يخصص لهذا القيد أيقونات Icônes خاصة يتم النقر عليها، أو يترك مجــال لطبع كلمة أرفض أو أوافق في الـمكان المخصص لذلك print and click) أو (click wrap) و تشكل هذه الوسيلة حيلة مستمدة من عقود فض العبوة .
بين عقد فض العبوة، والعقد الالكتروني، يتضح أن اتجاه الإرادة هو اقتران الإيجاب بالقبول فما المقصود بهذا التطابق ؟ و هل هو التطابق على المسائل الجوهرية و الذي يغني عن التطابق الجزئي والتفصيلي ؟ ثم متى وأين يتم العقد الالكتروني؟.
المطلب الأول:
تطابق الإيجاب والقبول:
يشتمل تطابق الإيجاب والقبول على المسائل الجوهرية و قد تؤجل في ذلك المسائل الجزئية لمرحلة لاحقة، وهذه العلاقة تحكمها المادة 65 من القانون المدني التي نصت بقولها:
” إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد احتفظ بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد و لم يشترطا أن لا أثر للعقد عند عدم الاتفاق عليها اعتبر العقد منبرما وإذا قام خــلاف على المسائل التي لم يتفق عليها فإن المحكمة تقضي فيها طبق لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة”.
إن المشرع المدني الجزائري لم يشترط الاتفاق على المسائل الجوهرية، والتفصيلية معا، إذ اكتفى في هذه الحالة بالمسائل الأساسية، وترك المسائل الأخرى لسلطة القاضي لتقديرها من طبيعة العاملة، وظروف الحال، فقد يتضمن عقد البيع الالكتروني للشيء المبيـع، وقيمته، وثمنه، لكن يخــتلف الطرفان في طريقة تسديد الثمن، كالخشية من التعرض لعملية الاختراق، والقرصنة الالكترونية ، ويترتب على نص المادة السابقة حالتين هما :
أ ) اعتبار الأطراف أن المسائل التفصيلية ليست ذات أهمية ينعقد العقد بتخلفها و تترك للقاضي السلطة التقديرية إذا اتصل بنزاع.
ب ) حالة اعتبار أن المسائل التفصيلية مسائل أساسية في العقد فلا أثر للعقد إذا تخلفت مسألة عن تلك المسائل .
الفرع الأول: النظريات التقليدية و وقت انعقاد العقد:
تعددت النظريات التي أرادت أن تبين وقــت انعقاد العقـد بين غائبيـن وسنعرض باختصار لمختلف هذه النظريات مع بيان ميل المشرع الجزائري، وسنتناول لاحقا مدى استجابة كل نظرية عن حدى للتعاقد الالكتروني وهي كما يلي:
وبالنظرية الأخيرة أخذ المشرع الجزائري في المادة 161:” ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل عليه بعلم من وجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل عكس ذلك” .
الفرع الثاني: حالة السكوت:
أشارت أغلب التشريعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، على أن موافقة المشتري يجب أن تتضمن العناصر الأساسية للمبيع، أو الخدمة، وسواء طريقة الدفع أو التسليم و حتى الخدمات مـــا بعد البيع ، و الظاهر من هذا التــحديد هو السعي لإحداث تطابق القبول في الإيجاب .
يعتبر السكوت عن الرد قبولا إذا كان هناك تعاملا سابقا بين الأطـراف، أو اتصـل الإيجاب بهذا التعامل أو تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه . و يلاحظ أن القانون الأمريكي يضيف ثلاثة حالات استثنـائية ينتج فيها القبول أثره، رغم سكوت الطرف الثاني و هي: إذا كـان ممكننا استخــلاص ذلك من تصرفات الأفراد أو سلوكاتهم أو إذا جرى العرف على اعتبار السكوت قبولا أو إذا كان للأطراف ارتباطا بسبق التعامل . أما المشرع الجزائري فنجده قد تطـرق في المادة 68 إلى العرف التجاري و سبق التعامل، فكيف يمكننا إذن الأخذ بهذه المادة في العقود الإلكترونية؟، بمـعنى هل يمكن إسقاط العرف التجاري على التعامل الإلكتروني؟.
في الوقت الراهن من الصعوبة بمكان إن لم نقل من غير الممكن أن يلعب العرف دورا في التجارة الإلكترونية لحداثة هذه البيئة الجديدة، أما ما يتـصل بمصلحة ما وجه إليه الإيـجاب، فلا يصدر ذلك إلا أن يكون عملا من أعمال التبرع .
أما في الفرض الخاص بالتعامل القبلي بين المتعاقدين، و هو الفرض الأكثر تصورا عمليا، كاعتياد عميل على شـراء بعض السلع عن طريق الإنترنت مثل: الطلبيات و التوريد فعدم الرد خلال فترة معينة عد الواقع قبولا.
الفرع الثالث:القبول و إجراء التأكيد:
سبق أن تحدثنا إلى أن التثبت من هوية الأطراف تتم بالتوقيع الإلكتروني كدليل كـــتابي، و يدق الإشـكال عند غياب هذا الدليل، فهل الضغط على أيقونة القبول (Icône d’acceptation ) مرة واحدة كاف عنه؟.
من الناحية العملــية يصعب إقناع القـاضي بهذا الغــرض ما لم يـكن القبــول الإلكترونـي حاسما كـما لو تم اللجوء إلى رسالة القبول النهائي أو الاستعانة باجرائين متتاليين، فيكون الضغط الأول بما يفيد القبول و الثاني بما يفيد التأكيد. من الفقه من أعادنا إلى المبادئ العامة التي تحكم قانون الإثبات- مبدأ الإثبات الحر و المقيد- و القول فيما إذا كان الضغط على الأيقونة ( اللمسة ) عبارة عن تصرف قانوني، أو واقعة مادية، و عندها نميز بين اللمسة العفوية، أو اللمسة الجدية .
إن اشتراط تأكيد لاحق للقبول يثير مسألة قانونية هامة تتعلق بقيمة التأكيد القانونية، فهــل صدر القبول قبل التأكيد ؟ أم القبول لا ينتج أثره إلا بواسطته؟. للإجابة على هذا السؤال، نجد الدكتور أسامة أبو الحسن مجاهد قد وضع ثلاثة فروض:” و في رأينا أن الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تستخلص من البرنامج المعلوماتي الذي يتم من خلاله التعاقد، و لن يخرج هذا البرنامج عن فروض ثلاثة: الأول: إذا كان البرنامج لا يسمح بانعقاد العقد إلا إذا تم التأكيد بحيث لن يترتب على صدور القبول مجردا عن التأكيد أي أثر و في هذه الحالة نستطيع الجزم بأن القبول لا يتم إلا بصدور التأكيد. و الثاني فيه يسمح البرنامج بانعقاد العقد دون أن يــرد فيه التأكيد على الإطلاق و هنا لا مفر من القول بأن القبول قد صدر بمجرد لمسة أيقونة القبول. و الثالث: و هو فرض وسط بينهما و هو أن يتضمن البرنامج ضرورة و لكنه لا يمنع من انعقاد العقد بدونه، و هنا يمكن القول بأن اللمــسة هي قرينة على الانعقاد و لكنها قرينة قابلة لإثبات العكس، بمعنى أنه يجوز للعـــميل أن يثبت أن هذه اللمسة قد صدرت منه عفوا على سبيل المثال …” .
الفرع الرابع: نطاق اشتراط التأكيد بالقبول:
لقد أضاف المشرع الفرنسي في قانون العقود النموذجية للتجارة الإلكترونية شرطا أوجب به على التاجر الموجب أن يوجه إلى الشخص القابل بريدا إلكترونيا يؤكد له الاستلام الايجابي لقبوله، متضمنا العناصر الأساسية التي يتكون منها العقد و يتم الإرسال عند تنفيذ العقد أو عند التسليم كحد أقصى، فهل المقصود من هذا إضافة عنصر جديدا للإيجاب و القبول ؟ .
المطلب الثاني:
لحظة انعقاد العقود الإلكترونية:
و يختلف الــوضع بحسب أداة، أو وسيلة التعاقد إذا كانت بريدا الكترونيا، أو محادثة مباشرة على الشبكات، أو كانت موقعا الكترونيا.
الفرع الأول: البريد الإلكتروني:
يعد البريد الإلكتروني الأكثر شيوعا، و إستخداما من طرف المنتجين و زبائنهم ، و يقترب لأن يكون بريدا عاديا، غير أن الأول يوفر سرعة عالية و كفاءة أكبر و دقة متناهية في التواصل على الانترنت، يشبه البريد الإلكتروني البريد العادي أن كليهما يتضمن عنوانا محددا، و أن كليهما يمكن أن يضيع قبل أن يصل إلى العنوان المطلوب و كليهما يستعين بطرف ثالث يكون وسيطا لإيصال الرسالة، ففي الرسالة التقليدية يعهد ذلك إلى هيئة البريد أما في البريد الإلكتروني فيعهد ذلك لمقدم الخدمة أو صاحب الخدمة الوسيطة.
وتظهر أهم نقطة اختلاف بينهما هي الخصوصية التي يتميز بها البريد الإلكتروني، كونه يستغرق دقائق معدودة إن لم نقل ثوان فقط، هذا الوضع غير متاح للبريد العادي الذي قد يأخذ أياما أو شهورا للوصول إلى المرسل إليه مما قد ينقضي معه الإيجاب أو يسقط. إذا، قوام السؤال، متى يمكن القول أن البريد الالكتروني منشئ للعقـد؟، وهل يتحقق ذلك عند إرسال الرسالة من جهاز القابل أو عند وصولها؟ أو لما يتسلم الموجب رسالة القابل و يعلم بمضمونها؟.
قبل الإجابة عن الأسئلة السابقة، نذكر أن مجلس الدولة الفرنسي يعتبر البريد الإلكتروني بمثابة محرر عــرفي ، أما المشرع الجزائري فقد عادل و ساوى بين حجية الكتابة الالكترونية و الكتابة العادية، و منه فالتفسير الموسع لنص المادة 323 مكرر مدني جزائري يؤدي بنا لنقول بحجية البريد الإلكتروني نفسها حجية البريد العادي .
و لبيان لحظة توافق الإرادتين تختلف الإجابة بحسب النظرية المتبعة، فإذا أخذنا بنظرية صدور القبول أو إعلانه يترتب عنه بأن العقد الالكتروني قد نشأ بإعلان القابل لإرادته حتى قبل الضغط على زر أو أيقونة الإرسال وسوف يواجه هذا الموقف أن وجود القبول لا يخرج من جهة الجهاز الشخصي للقابل فيضعف إثباته (Icône ou bouton d’envoi) والعكس من ذلك لو سلمنا بنظرية تصدير القبول أي ينعقد العقد على الشـبكة بعد الضغط على أيقونة الإرسال ومن ثم تــرسل الرسالة فلا يمتلك الـقابل السيطرة عليها أو التحكم عليها، أو أن يسترد قبوله ، ويثير هذا الاتجاه نوعا من اللبس فتصور تصدير قبول دون استلامه غير مـــتاح على الإنترنت، إذ الفاصل الزمني بين التصدير و التسلم ليس محسوسا و لا يشكل فاصلا زمنيا كـبيرا هذا دفع بالفقيه Xavier Linant De BELLEFONDS ليعـــلق على ذلك بما يلي:” كل ما يقال بهذا الشأن في القانون التقليدي عن وجود فاصل زمني بين التـــصدير والوصول هو على وشك الاندثار لأنه لا يوجد على الإنترنت هذا التفاوت في الزمن في الإيجاب و القبول ، فالتصرفات الإلكترونية هي تصرفات كالبعد لكنها فورية و متعاصرة” .
أما النظرية الثالثة، نظرية تسلم القبول، فالعقد ينعقد في اللحظة التي تصل فيها الرسالة إلى الشخص المـوجب بدون البحث فيما إذا اطلع على الرسالة أم لا، أما النظرية الرابعة والأخــيرة فينشأ العقد بعد القراءة والإطــلاع على البريد الالكتروني المتضمن للقبول أي العلم الحقيقي والفعلي بالإيجاب وهذا هو رأي نظرية العلم بالقبول.
و الراجح فقها و قانونا، أن نظرية القبول الثالثة (تسلم القبول) الأكثر واقعية و تعبيرا عن انعقاد العقد عبر البريد الالكتروني، وهذا الرأي فيه من الصواب ما حذا بلجنة CNUNDCI للــذهاب إليه من خلال م 02 فقرة 03 من اتفاقية الأمم المتحدة للتجارة الالكترونية ونفس الشيء تبنته اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام الخطابات الالكترونية في العقود الدولية والتي تدخل حيز النفاذ بداية 16/01/2006 وذلك بنظر المادة ” 10 ف 02:
” وقت تلقي الخطاب الإلكتروني هو الوقت الذي يصبح فيه ذلك الخطاب قابلا للاستخراج من جانب المــرس إليه على عنوان إلكتروني يعينه المرسل إليه . و وقت تلقي الخطاب الإلكتروني على عنوان إلكتروني آخر للمرسل إليه هو الوقت الذي يصبح فيه الخطاب الإلكتروني قابلا للاستخراج من جانب المرســـل إليه على ذلك العنوان ويصبح المرســل إليه على علم بأن الخـــطاب الإلــكتروني قد أرســل إلى ذلك العنوان.و يفتــرض أن يكون الخطاب الإلكتروني قابلا للاستخراج من جانب المرسل إليه عندما يصل ذلك الخطاب إلى العنوان الإلكتروني للمرسل إليه” .
الفرع الثاني: عقود الويب:
قد يتراءى لمستخدم الإنترنت أن يبحث عن سلعة معينة من خلال الاستعانة بمحركات البحث على النات مثل: Google أو Yahoo أو Search أو Altavista، و يصل في الأخير إلى السلعة المطــلوبة على موقع الإنترنت و يضغط على الأيقونة ليجد نفسه أمام العقد النموذجي الإلكتروني متضمنا الشروط والبنود العقدية .
و العقد النموذجي الذي يظهر على الشاشة يقترب إلى حد بعيد شبها الاستمارات المرفقة بالإشهار لسلعة معينة على صفحات الجرائد، حيث تبين مراحل العقد فيدل على العرض بثمنه و نوعه و مقداره و وسيلة الـــدفع و أجل استعمال حق العدول، و الكيفية التي يتم بها تسليم المبيع أو تقديم الخدمة و تبقى في الأخير مرحلة إبرام العقد بتخصيص مكان أو حيز للضغط أو كتابة الكلمات التي تدل على القبول أو الرفض، فإذا تم القــبول؛ فأي لحظة ينعقد فيها العقد؟.
خاتمة
إن ضبط وقت انعقاد العقد على المواقع الإلكترونية أسهل بكثير مقارنة بالبريد الإلكتروني، إذ عادة ما نجد اتصالا فوريا بين الموجب و القابل، لذا يرجح في هذا الحال أن عقود المواقع الإلكترونية تنعقد في اللحظة التي يوافق فيها القابل على العقد. و تبعا لذلك لا يمكن للـــقابل أن يدعي خطأ للــرجوع في قبوله، لأن إجراءات التعاقد بطيئة و تأخذ من البساطة، و الوقت، و الــوضوح ما يـلفت انتـباه القابل، بكلمة أخرى، يحظر على القابل في العـقود عن بعد التراجع عن قبوله بسبب الخطأ، و يبقى له الحق في العدول قائما في حالات أخرى لا تخرج عن نطاق حــماية المسـتهلك حيث لا يكون له إمكانية لمعاينة السلعة، و معرفة خصائصها قبل إجراء العـــقد، زيـادة على ذلك إجراءات الدعاية و الإعلانات الـذي قد تغــريه و تجذبه للتعاقد .و نشير في الأخير أن قانون المستهلك الفرنسي و التوجيه الأوروبي المتعلق بالتـعاقد عن بعد قد منحا المستهلك حق أو رخــصة للعدول (Droit de rétractation ) دون إبداء مبررات في الرجوع أو العدول في أجل 7 أيام و تمتد هذه المدة إلى غاية 03 أشــهر بالنسبة للخدمات و لكن في حالة عدم التزام المهني بإعلام المستهلك. و يتساءل البعض تساؤلا أكثر اتساعا حول عقود التجارية الإلكترونية العابرة للدول؟.
تعددت النصوص المطبقة في هذا الحال فبدايتها كانت باتفاقية الأمم المتحدة بتاريخ: 11 أفريل 1980 الخاصة بالبيع الدولي للبضائع و تتبنى هذه الاتفاقية نظرية التسلم (العقد ينعقد بتسلم الموجب للقبول) و من ثم فإن العقود الــدولية التي تتم عبر الشبكات المفتوحة تنعقد في اللحظة التي يستلم فيها الموجب للقبول.
أما اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام الخطابات الإلكترونية فقط نصت أنها تحكم العلاقات التقاعدية الإلكتـــرونية التي تتصف بأنها دولية، أما ما يتعلق بلحظة انعقاد العقد فتأخذ بنظرية التــسلم في الحالات الإلـــكترونية العامة كما تم الإشارة إليه في عقود المواقع الالكترونية و بنظرية علم الموجب بالقبول إذا تعلق الأمر بالرســالة الإلكترونية التي يستخرجها الموجب و يطلع عليها .
لقد استبعدت الاتفاقية السابقة نظرية إعـــلان القبول و نظرية تصدير القبول لـــكون الموجب لا يعلم برد القابل إذ لم يضغط على زر إرسال القبول. أما التصدير لو سلمنا أن القابل أرسل القبول إلى المـــوجب فإن الرسالة قد لا تصل إلى الموجب لسبب من الأسباب كأن يعترض سبيلها أو تضيع بعد الإرسال ، فهل يحق عندئذ للموجب التذرع بعدم فتح جهازه أو الإطلاع على بــريده الإلكتروني أو عدم علمه بالرسالة ؟إن عدم علمه بالرسالة لا يعفيه من المسؤولية .
تم بعون الله و حمده.
بقلم الأستــــــــاذ: قــــــــارة مــــــو
بحث قانوني و دراسة حول التعبير عن الارادة في العقود الالكترونية التجارية